كتاب يعني بتطوير الذات على المستوى الروحي يضعه المعلم الروحي الأشهر سادجورو، وهو يولي تقنية الهندسة الداخلية اهتمامه الأكبر، وقد وضع كتابه (الهندسة الداخلية: دليل يوغي للبهجة) لكل من يسعى نحو التطور روحانياً من خلال البارا سيكولوجيا والميتافيزيقيا وتلك الطاقة غير المنظورة التي تسري في الكون .. وفي الإنسان الذي انطوى فيه العالم الأكبر .. وذلك بصرف النظر عن البعد الديني أو العرقي أو الجغرافي.
يعرّف سادجورو اليوغا كنظام متطور في التمكين الذاتي يعمل على تنشيط الطاقة الداخلية للإنسان بطريقة تمكّن الجسم والعقل من العمل سوياً على المستوى الأمثل لهما .. بكلمة أقصر: نظام يحوّل الإنسان إلى (مهندس بهجته الخاصة). لا تأتي فكرة الهندسة الداخلية من فراغ، حيث يعرض سادجورو جانب من سيرته الذاتية الذي أسهم في صحوته الروحية وهو في سن مبكرة جداً. لم يكن حينها سوى صبي، لكنه لم يكن صبياً عادياً حين انجذب بشكل غير عادي نحو الطبيعة، وفي عبوره القارة الهندية على ظهر دراجته النارية حين أصبح شاباً .. أو متهوراً كما ظنّه البعض! فيروي لحظة استنارته على قمة جبل في جنوب الهند (شاموندي)، حيث توقف الزمن عنده برهة وخرج منها بغير ما دخل فيها، وقد شهد تغيراً جذرياً لم يعد من لحظتها حتى الآن كما كان.
وبما أن اليوغا هي ممارسة، فإن اليوغي هو من يجسدها! يشير سادجورو إلى أن مصطلح (غورو) أو (المعلم) لا تفيد التدريس أو التلقين أو التحول -حسب الاعتقاد الشائع- إنما يعني حرفياً (مبدد الظلام)، ومجازياً الشخص الذي يفتح الباب .. لكنه في حد ذاته ليس الطريق، بل هو خريطة الطريق نحو البعد الداخلي للإنسان وتضاريسه المجهولة.
وسادجورو إذ أسس منظمة (إيشا) وكرّس أنشطتها للقضايا الإنسانية، وعمل كمعلم يبدد الظلام ويفتح لمريديه الباب وينير لهم الطريق .. يؤكد بتلقائية أنه لا يعتنق عقيدة ما يهدف لنشرها، ولا فلسفة يؤمن بها ويسعى لنقلها، بل إن الحل الوحيد لجميع العلل التي ابتليت بها البشرية -في نظره- هو (التحول الذاتي) .. التحول الذي لا يتم عن طريق تبني الأخلاق أو تغيير السلوك، بل هو التحول الذي لا يبقي على أي شيء من مخلّفات الماضي والسابق والقديم .. التحوّل في الطريقة التي بها تُختبر الحياة ويتم إدراكها .. التحول من خلال تجربة الطبيعة اللامحدودة للهوية الإنسانية .. إنه ببساطة التحول في الأبعاد!.
إذاً، لا تقدم الهندسة الداخلية عظة بل علم، ولا تلقّن درساً بل تكنولوجيا، ولا تضع وصية بل تصف طريق، وقد حان الوقت للبدء في اكتشاف هذا العلم واستخدام التكنولوجيا والسير على هذا الطريق. إن الهندسة الداخلية أداة متجددة وحيوية تم اختبارها عبر الزمن، وهي كذلك أداة ثورية في التفكير حول إنسانية الإنسان وفرصته في تحقيق ما لا يقل عن طموحه في حياة سعيدة. تلقي الهندسة الداخلية الضوء على الأبعاد التي تتجاوز التصورات الحسية والخبايا النفسية وتلك الأبعاد التي لا يتمكن الإنسان من إدراكها في اللحظة، إذ أنها تلقي الضوء على طبيعة الوجود ككل.
وفي هذا الصدد، يحذّر سادجورو من تلك التعاليم الزائفة والمضللة والرائجة في عالمنا اليوم، والتي من ضمنها “كن في هذه اللحظة” .. نعم، إن الحاضر هو المكان الوحيد الذي يمكن للإنسان أن يكون فيه، فإذا كان يعيش فهو يعيش في هذه اللحظة، وإذا مات فهو يموت في هذه اللحظة، وهذه اللحظة هي الخلود .. ومشكلة الإنسان الحالية أنه يعاني مما حدث قبل عشر سنوات ومما قد يحدث بعد غد، غير أن الحل لا يكمن في التنكّر لهذا الواقع باعتباره غير حقيقي، أو باعتباره مجرد مسرحية لذاكرة الإنسان ومخيّلته، ولا يستلزم السبيل إلى العيش بسلام القضاء على العقل، بل يتطلّب تولي الأمر! إن العقل البشري يحمل احتياطيات هائلة من الذاكرة وإمكانيات مذهلة للخيال، والتي جاءت كنتاج لعملية تطورية استمرت لملايين السنين، فإذا كان بإمكان الإنسان التحكم في استخدام عقله، فيديره متى شاء ويضعه جانباً متى شاء، فإنه يصبح في هذه الحالة أداة رائعة، وإن محاولة تجنب الماضي وإهمال المستقبل هو تقليل من شأن هذه القدرة الرائعة. وهنالك إعاقة أخرى للعقل يسببها شعار شائع آخر وُضع بنية المساعدة الذاتية، هو “افعل شيئاً واحداً فقط في كل مرة”. يعترض سادجورو على الاقتصار بعمل واحد في وقت واحد، طالما أن آلة العقل الهائلة قادرة على التعامل مع عدة مستويات من النشاط في نفس الوقت! إن هذا الشعار يعمد إلى طمس قدرة العقل المتعدد الأبعاد بدلاً من التعرّف على متعة عمله وتعلّم ركوبه وتسخيره لخدمة صاحبه. هنالك أيضاً كليشيه مفرط الاستخدام وهو “التفكير الإيجابي”، والذي يتم من خلاله تبييض الواقع كحل سريع! غير أن الحل لدى سادجورو يكمن في معالجة المعلومات في وقتها وفي السيطرة على الانفعال النفسي، حتى لا يتم استهلاك “التفكير الإيجابي” كمهدئ مؤقت ورخيص. قد يبدو الشعار في بادئ الأمر إيجابياً بالفعل لما يضفي من شعور بالثقة والتفاؤل والتجدد، غير أنه شعور لحظي ومحدود في الأساس، لذا يرى سادجورو أنه مع استمرار إنكار الإنسان لواقعه على المدى الطويل، سيقتنع بمنظور غير متوازن للحياة! لا يتوقف سادجورو عند هذا الحد، بل ينتقد التوجه المستميت في تصدير رفاهية الإنسان نحو السماء والادعاء بأن جوهر الكون هو الحب! ففي وجهة نظره، ما على الإنسان إذا رغب في دورة تحفيزية سوى أن يلجأ إلى كلبه المليء بالحب ويستقي منه درساً، إذ لا داعي للسفر إلى الفضاء الخارجي من أجل الحصول على حفنة حب! يأسف سادجورو على تلك الفلسفات الصبيانية التي افترضت مركزية الإنسان وتمحوّر الوجود حوله، والتي سلبته المعنى الحقيقي لأصل الوجود، بل جعلته يتورط في ارتكاب أبشع الممارسات اللاإنسانية على مر التاريخ.
والكتاب الذي جاء ضمن (الأكثر مبيعاً) في قائمة نيويورك تايمز، ينقسم إلى قسمين رئيسيين يبدأ كل منهما بملاحظة إلى القارئ، ويندرج تحتهما:
- القسم الأول:
- عندما فقدت إحساسي
- الطريق للخارج هو بالداخل
- صمم مصيرك
- لا حد .. لا عبء
- … والان، يوغا
- القسم الثاني:
- الجسد
- العقل
- الطاقة
- البهجة
ومن الكتاب الطاقي الذي نال ثلاث من رصيد أنجمي الخماسي، أقتبس نصاً ما راق لي من روحانية العبارة والعبرة، وباجتهاد شخصي في الترجمة (مع كامل الاحترام لحقوق النشر):
يقول في (When I lost my sense – عندما فقدت إحساسي):
I was exuberant and sure-footed, adrenaline-charged and itching for a challenge. When everything you do is a success, you tend to start believing that the planets revolve around you, not the sun
وهو يعني في قوله: لقد كنت مفعماً بالحيوية، وثابتاً، ومشحوناً بالأدرينالين، ومتحمساً للتحدي. عندما يكون كل ما تفعله ناجحاً، فإنك تميل إلى الاعتقاد بأن الكواكب تدور حولك، لا حول الشمس.
يقول في (The way out is in – الطريق للخارج هو بالداخل):
There is a technology for inner well-being-for creating a chemical basis for a blissful existence. This is one dimension of what I call “Inner Engineering.” If you are aware, you can activate your system in such a way that simply breathing is an enormous pleasure. All it takes is a willingness to pay a little attention to the inner mechanism. This is the fundamental shift in understanding that has to happen. Do not look for a way out of misery. Do not look for a way out of suffering. There is only one way-and that is in
وهو يعني في قوله: هناك تقنية للرفاهية الداخلية لخلق أساس كيميائي لواقع سعيد. وهذا هو أحد أبعاد ما أسميه “الهندسة الداخلية”. إذا كنت واعياً، يمكنك تنشيط نظامك بطريقة تجعل التنفس مجرد متعة هائلة. كل ما يتطلبه الأمر هو الاستعداد لإيلاء القليل من الاهتمام للآلية الداخلية. وهذا هو التحول الأساسي في الفهم الذي يجب أن يحدث. لا تبحث عن وسيلة للخروج من البؤس. لا تبحث عن وسيلة للخروج من المعاناة. هناك طريق واحد فقط، وهي في الداخل.
يقول في (Design your destiny – صمم مصيرك):
The most horrific things in life can be a source of nourishment if you accept, “I am responsible for the way I am now.” It is possible to transform the greatest adversity into a stepping-stone for personal growth. If you take one hundred percent responsibility for the way you are now, a brighter tomorrow is a possibility. But if you take no responsibility for the present-if you blame your parents, your friend, your husband, your girlfriend, your colleagues for the way you are- you have forsaken your future even before it comes
وهو يعني في قوله: إن أفظع الأشياء في الحياة يمكن أن تكون مصدراً للعطاء إذا قبلت “أنا مسؤول عما أنا عليه الآن”. من الممكن تحويل أعظم الشدائد إلى نقطة انطلاق للنمو الشخصي. إذا تحملت المسؤولية الكاملة عما أنت عليه الآن، فإن الغد الأكثر إشراقاً بالإمكان. ولكن إذا لم تتحمل أي مسؤولية عن الحاضر -إذا كنت تلوم والديك، أو صديقك، أو زوجك، أو صديقتك، أو زملائك على الطريقة التي أنت بها- فإنك قد تخليت عن مستقبلك حتى قبل أن يأتي.
يقول في (Mind – العقل):
If you have to be in love, you should not be. The English expression “falling in love” is very significant. You don’t climb in love, you don’t stand in love, you don’t fly in love, you fall in love. Something of you should fall or melt away to accommodate the other. There is a distinction between a transaction and a love affair. A love affair need not be with any particular person; you could be having a great love affair with life itself. What you do or do not do is in accordance with the circumstances you are in. Our actions are always molded by the demands of external situations. But love is an inner state, and how you are within yourself can definitely be unconditional. Acts of love can become tedious and stressful over a period of time. You realize love is not something that you do; love is the way you are
وهو يعني في قوله: إذا كان عليك أن تكون في حالة حب، فلا ينبغي أن تكون كذلك. التعبير الإنجليزي “الوقوع في الحب” مهم جدًا. أنت لا تتسلق في الحب، ولا تقف في الحب، ولا تطير في الحب، بل تقع في الحب. يجب أن يسقط شيء منكم أو يذوب ليتسع للآخر. هناك فرق بين المعاملات وعلاقة الحب. ليس من الضروري أن تكون علاقة الحب مع أي شخص معين؛ من الممكن أن تكون لديك علاقة حب كبيرة مع الحياة نفسها. إن ما تفعله أو لا تفعله يتوافق مع الظروف التي تعيشها. إن أفعالنا تتشكل دائماً وفقاً لمتطلبات المواقف الخارجية. لكن الحب هو حالة داخلية، ومن المؤكد أن الطريقة التي تكون بها داخل نفسك يمكن أن تكون غير مشروطة. يمكن أن تصبح أعمال الحب مملة ومرهقة على مدى فترة من الزمن. تدرك أن الحب ليس شيئًا تفعله؛ الحب هو ما أنت عليه.
ختاماً، وعلى مستوى شخصي: كم راق لي معنى مصطلح ( Mahasamadhi – ماهاسامادهي ) والذي وجدته يشترك مع اسمي باللغة الأعجمية (كتابة ونطقاً) .. وهو يعبر عن أعلى شكل من أشكال الاتزان، الذي يستلزم التلاشي الكامل أو تحييد الشخصية في الكون، من خلال تجاوز جميع سمات الطبيعة الفردية .. وهي حالة تُعرف أيضاً باسم (نيرفانا) و (ماهابارينيبانا) في التقاليد الروحية الشرقية الأخرى.
= = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = =
نقلاً عن المفكرة: جاء تسلسل الكتاب (12) في شهر يناير، وضمن قائمة لا تنتهي من الكتب التي خصصتها لعام 2024 والذي أرجو أن يكون استثنائياً بحق في جودة الكتب التي سأحظى بقراءتها فيه! وقد حصلت عليه من موقع أمازون الإلكتروني في أغسطس العام الماضي.
وعلى رف (علم الطاقة والروحانيات) في مكتبتي، تصطف كتب تثير الفضول .. أذكر منها: (التقمص: أحاديث مع متقمصين) – تأليف: تورفالد دتلفزن / (ترانسيرفينج الواقع) – تأليف: فاديم زيلاند / (تقنيات اكتشاف الروح وأسرارها) – تأليف: ميهيز بابا / (القفزة: علم نفس الاستيقاظ الروحي) – تأليف: ستيف تايلور / (الواقع الخفي: الأكوان الموازية وقوانين الكون العميقة) – تأليف: براين جرين / (أنت الكون: اكتشف ذاتك الكونية وأعرف أهميتها) – تأليف: د. ديباك شوبرا / (قوة الآن: الدليل إلى التنوير الروحي) – تأليف: إكهارت تول / (تجاوز مستويات الوعي) – تأليف: د. ديفيد هاوكينز / (تشخيص الكارما: نظام الضبط الذاتي الحقلي) – تأليف: سيرجي لازاريف / (رحلة الأرواح: دراسات لحالات عن الحياة بين الحيوات) – تأليف: د. مايكل نيوتن / (التدرب على السبيل: نحو حياة ذات معنى) – تأليف: الدالاي لاما / (العوالم الكونية السبعة وأجساد الإنسان السبعة) – تأليف: نوفل داؤد / (فيزياء الروح) – تأليف: أميت غوسوامي / (العوالم المتوازية للذات) – تأليف: فريدريك داودسون / (عناصر المزاج: تشابك الجينات والثقافة والزمن والحظ) – تأليف: جيروم كاجان
من فعاليات الشهر: ومع الأمنيات التي حمّلتها العام الجديد مع انقضاء العام الفائت .. فلقد افتتحت في أول يوم قناة لطيفة على موقع يوتيوب، والتي سأخصصها لنشر مراجعات الكتب صوتياً.
ولا زلت أترقّب شحنة الكتب التي طلبتها من متجر نيل وفرات للكتب، والتي ستحمل لي أكثر من ستين كتاب. كم يبدو العام مثمراً بالخير مع تباشيره!.
تسلسل الكتاب على المدونة: 462
التعليقات