الكتاب
دين الفطرة
المؤلف
الكتاب باللغة الأصلية
La profession de foi du vicaire savoyard - By: Jean-Jacques Rousseau
المترجم/المحقق
عبدالله العروي
دار النشر
المركز الثقافي العربي
الطبعة
(3) 2013
عدد الصفحات
133
النوع
ورقي
تاريخ القراءة
12/14/2021
التصنيف
الموضوع
دليل القلب لا العقل إلى الله
درجة التقييم

دين الفطرة

دين الفطرة! هو الدين الأكثر سهولة في بلوغه إذ لا يتطلب سوى اعتزال الناس وما ورثوه من أديان .. وحسب! لا يحبّذ الفيلسوف اتبّاع المنهج العقلي في الاستدلال على وجود خالق للكون، بل يستعين بالقلب عليه .. ومع القلب فإن كل ما في الكون من جمال يقود كذلك إليه .. الأخلاق والخير والحب، أما الأديان السماوية فتحمل من الأخبار ما لا يمكن تصور صدورها عن إله رحيم وحكيم وعظيم .. وقد اعتقد أن وصف الله بما لا يليق لهو أكثر استخفافاً من الغفلة عنه!

ليس ذلك القول الحكيم في انتهاج الوجدان -لا الجوارح- كمرشد نحو اليقين الإلهي، صادراً عن أحد فلاسفة الإسلام، كابن رشد، ولا من أحد أعلامهم في التصوف كابن طفيل، إنما هو صادر عن أحد فلاسفة عصر التنوير في أوروبا، فضلاً عن تطرّقه إلى مبدأ (الثواب والعقاب) كحق إلهي واستحقاق بشري، ومسألة (الجبر والاختيار) فيما يصدر عن المرء من أقوال وأفعال، والضمير والأخلاق والروح والمادة وحركة الكون والنقص البشري والكمال الإلهي …، وغيرها من قضايا شغلت فكر علماء المسلمين! وهو بهذا النهج الذي اجتهد فيه، قد يكون من الأكثر إنصافاً تصنيفه كمفكّر، في اعتماده الحس الوجداني على الاستدلال بحتمية وجود الخالق، لا كفيلسوف في سياق الأدلة العقلية والبراهين المنطقية.

إنه جان جاك روسو (1712 : 1778) عالم نبات وكاتب وأديب وفيلسوف، وُلد في جنيف ثم انتقل للإقامة في باريس حتى مماته. يُعد من أهم روّاد عصر التنوير الذي ساد في أوروبا خلال القرنين السابع عشر والثامن عشر، والذي كان له دوراً مؤثراً في الأدب والسياسة ومن ثم في تشكيل الوعي الجمعي، ما ساهم في قيام الثورة الفرنسية فيما بعد.

وعلى الرغم من نشأة روسو على (الكالفينية) نسبة إلى القس وعالم اللاهوت الفرنسي (جان كالفن) الذي باشر حركة الإصلاح البروتستانتي في القرن الرابع عشر الميلادي، تعصف به موجة الصراع الدائرة بين البروتستانتية والكاثوليكية، التي تنتهي به إلى الاعتقاد بالفطرة السليمة كمصدر لليقين المطلق بالله، المجرّد من أهواء البشر، والمنزّه عن تعاليم الدين. يضع روسو عصارة تجربته الروحية تلك في قالب حوار متخيل بين راهب منقطع بين الجبال، وأحد المريدين الشباب الذي قصده بغية النهل من علمه.

على الرغم من عدم احتواء خطبة القس الجبلية أية عناوين، فقد اجتهد المترجم في المقدمة بتحديد المسائل التي تطرّقت إليها وحصْرها في ثلاثين، بعد أن أدرجها تحت قسمين رئيسيين: العقليات والنقليات .. أو بتعبير آخر: اللاهوت والعقائد، وقد جاءت ترجمة الكتاب متقنة بشكل حِرفي. والمسائل هي كما يلي:

  1. تجربة القس
  2. عجز الفلسفة
  3. الإنسان وسط الكون: الحس، الوعي، العقل
  4. الحركة والسكون
  5. نظام الكون: الروح والمادة
  6. الخالق وصفاته
  7. الإنسان سيد الكون
  8. ثنائية الإنسان
  9. الشر من الإنسان
  10. عدالة الرب
  11. الثواب والعقاب
  12. الجنة والنار
  13. الخالق لا يدركه العقل
  14. ضوابط الأخلاق
  15. الضمير! الضمير!
  16. الفضيلة والرذيلة: عودة إلى تجربة القس
  17. سعادة المؤمن: تحرير الروح من قيود الجسد
  18. من العقليات إلى النقليات
  19. دين الفطرة
  20. اختلاف الشرائع
  21. الوحي والرسالات
  22. المعجزات
  23. حوار الوحي والعقل
  24. تمحيص الشواهد
  25. الرسالات الثلاث
  26. الرد على النصارى
  27. ضمير الفرد هو الحكم: عيسى وسقراط
  28. مهنة القس
  29. تجديد دعائم الأديان
  30. وصية ختامية: الصدق والصراحة

ومن تلك الوصايا -التي استنفد بها الكتاب رصيد أنجمي الخماسي كاملاً- أدوّن في مقتطفات بعض ما علق في ذهني بعد القراءة ما يترجم فحوى فلسفة روسو، وقد جاء كتابه في لغته الأصلية بعنوان (La profession de foi du vicaire savoyard – By: Jean-Jacques Rousseau):

  • إن فطرة الإنسان السوية تقوده تلقائياً إلى الإيمان المطلق بالله، بعيداً عن تأثير الأديان، وفي منأى عن أخلاط البشر.
  • الفطرة ليست نتاجاً فلسفياً، إنما صوفياً .. إنها من عمل القلب، لا العقل .. فليس القلب سوى معبر لبلوغ درجة الإيمان بالله.
  • ليس الإنجيل الذي آمن به الفيلسوف ربانياً خالصاً، فبينما يجد فيه من الحكمة ما لا يقوى على قوله سوى إله، يجد فيه ما ينافي الأخلاق ويدعو إلى التعصب الديني ما يشكك في مصداقية مصدره الإلهي، الأمر الذي واجهته الكنيسة بوصمه بالكفر، بعد تصريحاته تلك.
  • لكل إنسان الحق في اتباع الدين الذي آمن به أو ورثه عن أجداده، إذ لم يحرّض الفيلسوف أحداً على ترك دينه، بل أوصى باتباع الفطرة السوية في معرفة الله، وتنزيهه عمّا لا يليق به من صفات مما عجّت به الكتب السماوية.
  • إن الأديان السماوية قد تعرّضت على مرّ العصور للتحريف والتبديل على يد أتباعها، وهؤلاء الأتباع من كل دين على درجة من التعصب في الاعتقاد بصحة دينهم دوناً عن أديان الآخرين، إلى حد الاعتماد على ما يعتقده دينهم عن تلك الأديان، دون بذل الجهد في قراءتها من مصدرها.
  • إن الأنبياء الذين أرسلوا إلى بعض الأقوام وقالوا بالوحي الإلهي وأظهروا من المعجزات ما يدلل على صدق نبوءاتهم فاستوجب الإيمان بهم، هم ليسوا بالضرورة على نفس درجة الاستحقاق في إلزام الأقوام الآخرين على الإيمان بهم، ممن لم يعاصروهم ولم يشهدوا على معجزاتهم.
  • إن دين الفطرة السوية لا يتطلب نبذ التحصيل العلمي والمعرفي، ولا الزهد في الحياة، ولا هجر الأديان والعبادات، ولا الضرب في الأرض تقصياً لحقيقة ما …، إنما بأن يترك الإنسان لقلبه مهمة النظر، ولفطرته الدلالة على وجود الخالق .. إنه دين الفطرة الذي آمن به الفيلسوف، دين الحق المطلق، والتفكّر الذي لا يعكّره مشارب الخلائق.

ومن جميل الحكمة، أقتبس في نص حكيم ما ورد في حديث القس مع مريده عن التساؤلات التي كانت تعتمل في داخله عن حقيقة هذا الإله (مع كامل الاحترام لحقوق النشر)، كما يلي:

“أذكرك، ولدي، أني أريد أن أعرض ما في فؤادي، لا أن أفرضه على أي كان. أكانت المادة أزلية أم مخلوقة .. أكان في الأصل مبدأ غير فعال أم لا؟! يبقى صحيحاً في كل حال أن الكون مؤلف غير متناثر وأن وحدته هذه تشهد على وجود عقل واحد، إذ كل ما أرى في هذا الكون إلا وهو خاضع للنظام نفسه، ساعياً للغاية نفسها، هو استمرار الكون ودوام نظامه. هذا الكائن المريد القادر، هذا الكائن الفعّال بذاته، هذا الكائن، أخيراً، أياً كان، الذي يحرك الكون وينظم الأشياء أطلق عليه اسم الرب. أَ ضمن هذا اللفظ معاني العقل والقدرة والمشيئة، التي اتضحت لي إلى حد الآن، وأضيف إليها معنى الفضل أو الجود التابع لها بالضرورة. لكن الاسم لا يكشف شيئاً عن المسمى، لا أدرك المسمى لا بحشي ولا بعقلي .. كلما تأملته اختلط على أمره. أعلم يقيناً أنه موجود، وموجود بذاته، كما أعلم أن وجودي مرتبط بوجوده، وأن كل شيء أعرفه حاله مثل حالي. أينما ملت تجلى لي الرب في أفعاله. أشعر به في ذاتي وأراه في كل شيء خارج ذاتي. لكن إن رمت رؤيته في ذاته، إن سألت أين هو؟ من هو؟ ما جوهره؟ غاب عني، اضطرب ذهني ولم يعد يرى أي شيء”.

وعلى أرفف مكتبتي بالإضافة إلى (دين الفطرة)، يقف كتابين آخرين للفيلسوف، هما: (أصل التفاوت بين الناس) و (أحلام يقظة جوال منفرد)، بينما أسعى للحصول قريباً على كتابه (العقد الاجتماعي).

وإن تلك الفلسفة لتزخر من لآلئ الحكمة ما يجعل للكتاب استحقاقه الكبير في القراءة بل وإعادة القراءة .. وأختم من خواتيم وصية الفيلسوف ما جاء كغيض من فيض: “قل الحق وافعل الخير .. المهم هو أن تقوم بواجبك ما دمت تدرج على وجه الأرض”

… وإنه كتاب يُشبهني!

 

= = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = =

من الذاكرة: جاء تسلسل الكتاب (43) في قائمة ضمت (57) كتاب قرأتهم عام 2021 تتضمن 4 كتب لم أتم قراءتها و 3 كتب أعدت قراءتها، على الرغم من أن العدد الذي جعلته في موضع تحدٍ للعام كان أكثر بكثير، غير أن ظروف الحياة حالت دون تحقيقه! وهو ثالث كتاب اقرأه في شهر ديسمبر من بين سبعة عشرة كتاب .. وقد حصلت عليه من متجر جملون الإلكتروني للكتب العربية في ديسمبر من عام 2020، ضمن (85) كتاب تقريباً كانوا حصيلة مشترياتي من تلك الشحنة.

ومن فعاليات الشهر: لقد جاء حماس القراءة في هذا الشهر مضاعفاً، وذلك للإجازة الطويلة التي بدأتها في خواتيمه، وللترقّب في حضور معرض للكتاب الذي سيُعقد الشهر القادم من العام الجديد بإحدى المدن العربية.

تسلسل الكتاب على المدونة: 319

 

تاريخ النشر: يوليو 25, 2022

عدد القراءات:652 قراءة

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *