اليهود .. وما أدراك ما اليهود؟
كتاب يتحدث عن اليهود كأباطرة تزييف التاريخ وإعادة صياغته، بل وتزوير المعرفة على المستوى العالمي، لا سيما العلمية والأكاديمية منها، بغية صبغها بكل ما هو يهودي!
إن معشر يهود يجاهدون في إلحاق نسب كل فرد ذو شأن في الحياة إلى عرقهم! حيث يذكر التاريخ محاولتهم استمالة العالم الفيزيائي ألبرت اينشتاين، والممثل الكوميدي شارلي شابلن للالتحاق بنسبهم، العرض المغرض الذي قوبل بالرفض من الاثنين، وكذلك محاولتهم الفاضحة في تزييف الأنساب وإلحاق شاعر الهند طاغور والناسك بوذا لليهودية، ومن قبل عيسى عليه السلام والدين المسيحي ككل، وقد نجحوا في خططهم حين استبرئ لهم بابا الفاتيكان من ذنب دم المسيح!.
وكما لا يخفى، فقد ملئ اليهود العالم صخباً بأكذوبة محرقة الهولوكوست التي وقعت أيام النازية، وقد بالغوا أيما مبالغة في أعداد ضحاياهم الذين فتك بهم الزعيم الألماني النازي هتلر في أفران الغاز، في الوقت الذي عمدوا فيه طمس كل كارثة إنسانية أخرى للاستئثار بالتعاطف العالمي والاستفراد بعقدة الاضطهاد، فمن تم اضطهاده من قبل، تم إيعاز أسبابه للدين أو للسياسة، أما هم فقد تم معاداتهم ومحاولة إبادتهم لأنهم يهود وحسب .. كما صوروا وادعوا .. “ولذلك يحس القارئ أو الباحث أن التاريخ مهوّد، والمعرفة كلها مهوّدة. وإذا لم تكن لديك حساسية نحو الموضوع تحس، كما يحس أي قارئ آخر لهذه الموسوعات والأبحاث في العالم (في الصين أو المكسيك أو غانا)، أن تاريخ البشرية، وخاصة في منطقة ما يسمى بـ “الشرق الأوسط”، تاريخ يهودي، أو أنه لا تاريخ لها إلا عند اليهود .. لقد بدأ باليهود، ولليهود وحدهم فضل إيجاده وحفظه” .. كما يؤكد الكاتب.
لذا، فهو يحاول تسليط الضوء على هذا التاريخ الزائف، والذي تغلغل بعمق ضارباً جذوره في الذاكرة البشرية، إلى درجة يظهر فيها ذلك الزيف بمثابة مسلّمات، وحقائق تاريخية راسخة.
يضع هذا الكتاب (ممدوح عدوان 1941 : 2004)، وهو كاتب وروائي وشاعر سوري، حاصل على درجة أكاديمية في اللغة الإنجليزية عام 1966، وقد عمل في الصحافة والتدريس والكتابة والنقد والترجمة، وترك ما يقارب تسعين مؤلفاً في الشعر والنثر والرواية والأعمال المترجمة، والكثير من سيناريوهات المسلسلات التلفزيونية والمقالات الصحفية، وعليها، نال التكريم وعدد من الجوائز العربية.
ومن تلك المزاعم اليهودية التي لا تقف عند حد، أدوّن ما علق في ذهني بعد القراءة المرهقة للكتاب الذي حصد أنجمي الخماسي كاملاً ولم يُبق، وأقتبس في نص معتدٍ (مع كامل الاحترام لحقوق النشر) كما يلي:
- تظهر النعرة اليهودية على أشدّها واليهود يمجّدون الفتح المقدّس لأرض الميعاد الذي أتى به أسلافهم، إذ “لطالما اعتقدوا بأنهم ما جاؤوا إلى «أرض الميعاد» الأميركية إلا لتأسيس دولة «عبرية» تحكمها شريعة موسى على صورة الدولة التي كان يحلم بها الغزاة الإسرائيليون القدامى. أما أولئك “المتوحشون” الذين يعارضون «دولة إرادة الله»، وما أصبح يعرف لاحقاً بـ «القدر المتجلي»، (وهو مبدأ شوفيني يرى أن التوسع الاستعماري في أمريكا ليس محتوماً فقط، بل هو مقدّر من الله)، فإنهم ليسوا إلا مخلوقات الشيطان التي أحل الله لشعبه المختار أن يبيدها”. وهنا، حُق للكاتب أن يطرح استفهاماً تقريرياً نحو ما صرّح به أحفاد أولئك الغاصبين المتعجرفين، قائلاً: “هل يلتقي هذا الكلام مع تصريحات رجال الدين الأخيرة في إسرائيل المعاصرة التي شبهوا فيها العرب بالأفاعي والعقارب، والتي يقولون فيها إن الله قد أخطأ حين خلق العرب، وأنه لا حل أمام الإسرائيليين إلا بإبادتهم؟”.
- وفي مقابل قدماء اليهود وحقيقة السبي البابلي الذي تعرّضوا له، تُصبح مأساة الهنود الحمر ليست ذات شأن، حيث “مسألة أن تكون إبادة الهنود الحمر مأساة مريعة، هذه تصبح من الماضي المنسي” .. وهي المسألة التي إن تم استرجاعها فليس بذاك القدر من الأهمية، لسببين، هما: “أولاً ليس هناك من يذكر بها من أهلها. ثانياً هؤلاء من «الأغيار» الذين حلّ محلهم شعب مختار”. وحسب ما صرّحت به مادلين أولبرايت، وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة، فإن طينة البشر تتفاوت، إذ قالت: “«يبدو من الضروري غالباً أن يفنى شعب من طينة أنقص ليظل الشعب ذو القدرات الأعلى» .. فهؤلاء وثنيون متخلفون مثلهم مثل سكان أستراليا أو همج إفريقيا.. «نحن نتكلم عن البشر .. لا عن هؤلاء»”. أما عندما يتطرّق الأمر إلى المذابح التي تعرّض لها الأرمن، يتحول الأمر إلى شكل من أشكال المنافسة! فهؤلاء يحظون بتعاطف كبير لا سيما من قبل الأوروبيين باعتبارهم مسيحيين، وقاتلهم هو (العثماني المسلم) .. العدو المشترك، غير أن اليهود لا يعجزهم التزييف، ولا يقف عند سيل مزاعمهم سد! يقول الكاتب في هذا: “وأكبر المعارك كانت للتعتيم على مجزرة الأرمن في مطلع القرن، والتي لا يشك أحد أنهم قد قتلوا لأنهم أرمن! هؤلاء قد يتحولون إلى منافسين على ضمير العالم، فهم مسيحيون يمكن أن يؤثروا على الضمير الأوروبي، وقد قُتلوا لهذا السبب، وقاتلهم هو الخصم المشترك «الإسلامي العثماني». ولكن الباحثين اليهود يجدون تبريرات حتى للعثمانيين في قتل الأرمن، بأنه كانت لديهم «أسباب معقولة» لحملة الإبادة، ثم يتم التخفيف من هول ما جرى بأنها إجراءات عسكرية في وقت الحرب أدت إلى موت هذا العدد الكبير من الأرمن عن طريق الخطأ .. «عن طريق الخطأ». هذه هي الذريعة .. خطأ الوالي أو العسكر المرافقين، أو العقيدة الإسلامية”. لكن ماذا عنهم هم؟ هل من ذريعة تبرر قتلهم كما تم تبرير قتل الأعراق الأخرى؟ ليس الأمر بهذا القدر من التسليم، إذ يقول الكاتب حسب زعمهم: “ولكن اليهود قُتلوا «عن سابق إصرار وترصد» ولأنهم يهود، وقد قتلهم من يجب أن لا يقترف أمراً شنيعاً كهذا .. المسيحيون، الأوروبيون، البيض، العرق الأنقى .. وقد آن لهذا المقترف أن يكفّر عما اقترفه، أو ساعد على اقترافه، أو تجاهل ما يجري”. يعود الكاتب ليقلّب أوجاع أعراق أخرى من البشر، فيأتي على الزنوج الذين لم يتطلّب الزعم أكثر من مجرد ازدراء لونهم، والذي يضعهم في مرتبة أدنى من الإنسان السوي، بطبيعة الحال. يستمر الكاتب فيقول: “وحتى الزنوج. لقد سُرق الأفارقة من بيوتهم وقراهم وغاباتهم، وتم نقلهم على سفن الرقيق في ظروف لا إنسانية، فمات منهم عشرات الملايين في السفن وفي الطريق والسجون، ووصل الباقون بعشرات الملايين ليباعوا ويعيشوا عيشة الرقيق. وهناك ماتت أعداد كبيرة منهم أيضاً بسبب سوء الظروف المعيشية، وبسبب إباحة دمائهم على أنهم ليسوا بشراً أسوياء. وبعد قرون من الاسترقاق تم تحريرهم ليعيشوا عيشة لا تقل قسوة في مجتمع التمييز العنصري، وذلك كله لأن لونهم أسود”. ولأن تبرير تشريدهم واستعبادهم وقتلهم ليس أمراً جللاً ليتكلّف اليهود عرض رأي موضوعي يوازي -من ناحية إنسانية على الأقل- ما جرى لأسلافهم، يتصدى الكاتب لفضحهم قائلاً: “يقول لك الكتّاب اليهود: إن لهذه المأساة أسباباً اقتصادية، ولذلك فهي ليست أكبر المآسي! وقد يهمسون جانبياً: في النهاية، هؤلاء كانوا أفارقة ووثنيين وهمجاً.. وسوداً! انظر إلى أشكالهم .. وإذا أعيتهم الحيلة في هذا الموضوع قالوا: على أية حال كانت مأساة اليهود في بابل أكبر، حين سباهم نبوخذنصر”.
- وللعقدة اليهودية جذورها الضاربة في التاريخ، والتي تعود إلى حيث تم اضطهادهم من قبل البابليين، وإرادة يهوه في تكالب الأمم الأخيرة لصالحهم، دفاعاً وانتقاماً! يتصدى الباحث والمؤرخ الأمريكي باترسون لتلك العِرافة التوراتية في كتابيه (الألفية الجديدة) و (النظام العالمي الجديد) بعد عاصفة الصحراء التي اجتاحت الخليج العربي في حرب مصيرية، أواخر القرن العشرين! “يقول باترسون: «من موقع برج بابل، حيث تبلبلت الألسن وتفرقت كل أمم الأرض، ها هي تعود من جديد وتدخل في حلف عسكري واحد .. وها هي أمم الأرض، كما تقول النبوءات العبرانية، تشكل نظاماً عالمياً جديداً للدفاع عن إسرءيل، والانتقام من بابل بقصفها من السماء، لأنها هي التي عذبت شعب الله وأغرقته بالدموع والأحزان». وهو يمجد الصهيونية لأنها «كالبيوريتانية استجابت للعهد الذي أعطى فيه يهوه لبني إسرءيل الأرض المقدسة من نهر النيل جنوباً حتى أعالي الفرات». والبيوريتانية تعني التطهيرية، وهو مذهب مسيحي بروتستانتي نشأ في القرن السادس عشر الميلادي، ويقوم على الإيمان بالكتاب المقدس والتزام تعاليمه مقابل نبذ كل ما سبق من مواعظ رجال الكنيسة، ويعتقد أتباعه بأن الله طهرهم واصطفاهم وفضلهم عن العالمين. يعود باترسون في استقرائه لأحداث التاريخ، منذ الأسر البابلي ووعود يهوه المزعومة، إلى نكبة حزيران وحرب الخليج الأخيرة، التي يُختم بها جولة الحرب التي حمي وطيسها منذ أكثر من أربعة عشر قرناً في تزامن مع بزوغ الإسلام، كدين سماوي منافس لليهودية والنصرانية. فيستمر في كتابه قائلاً: “وعلى هذا الأساس كان اجتياح إسرائيل للقدس في حرب حزيران عام 1967 «أعظم حدث روحي في تاريخ الكتاب المقدس». ويؤكد باترسون أن حرب «عاصفة الصحراء» في الخليج العربي كانت المعركة التي حسمت حرب الأربعة عشر قرناً بين الشرق والغرب، بين الإسلام ومنافستيه المسيحية واليهودية. ثم يستشهد بما أوردته مجلة يو إس نيوز (في 27 آب 1990): «إن النزاع القائم في الخليج الفارسي ليس مجرد معركة من أجل الكويت، أو لبسط السيطرة على نفط الشرق الأوسط. إنه الفصل الأخير في حرب قديمة تدور رحاها منذ أربعة عشر قرناً بين الشرق والغرب، بين الإسلام ومنافستيه التوحيديتين: المسيحية واليهودية»”.
وكعادتي مع كل كتاب اقرؤه، التماس ما سيقترحه من كتب، بشكل ضمني من خلال ما يرد منها في مادته. ولقد جاء هذا الكتاب غنياً بما اقترح، حيث سأسعى لاقتناء الكتب الآتية: رسالة في اللاهوت والسياسة – لمؤلفه: باروخ سبينوزا / حكايات كانتربري – لمؤلفه: جيوفري تشوسر/ القاموس الفلسفي – لمؤلفه: فولتير / تلفيق إسرءيل التوراتية، طمس التاريخ الفلسطيني – لمؤلفه: كيت وايتلام / صورة اليهودي في الأدب الإنجليزي – لمؤلفه: رمسيس عوض
وإلى جانب (تهويد المعرفة) فوق أرفف مكتبتي، يقف كتابين آخرين للكاتب، هما: حيونة الإنسان / دفاعاً عن الجنون، بالإضافة إلى كتابين آخرين من ترجمته، هما: رواية/ سدهارتا – لمؤلفها/ هرمان هيسه، وكتاب/ تاريخ التعذيب – لمؤلفه: بيرنهاردت هروود.
أخيراً، لا يسعني سوى التذكير بدعوة الكاتب في خواتيم كتابه إلى شحذ الهمم نحو خوض معركة مصيرية، نكون فيها أو لا نكون .. ونعوّض فيها خسائرنا الساحقة التي لم تأتِ على الأرض والوطن والبيوت والمروج وحسب، بل على التاريخ والمعرفة معاً، إذ لا يكفي اعتقادنا الجازم فيما نمتلكه من حق في ظل تجاهل العالم نحونا، ولم يعد امتعاضنا مجدٍ والاستغراق في إلقاء اللوم على وسائل الإعلام التي يسيطرون عليها كذلك .. فلقد امتدت سيطرتهم لتأتي على المناهج الأكاديمية والدراسات التاريخية، بل ولتعمل على ضخّ الموسوعات العلمية وحشد شبكة المعلومات العالمية بما أرادوا من معلومات، حتى أصبحت بمثابة أو بالكاد حقائق مسلّم بها.
تم نشر المراجعة في جريدة الشرق: جزء (1) – جزء (2)
= = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = =
من الذاكرة: جاء تسلسل الكتاب (36) في قائمة ضمت (57) كتاب قرأتهم عام 2021 تتضمن أربعة كتب لم أتم قراءتها وثلاثة كتب أعدت قراءتها، على الرغم من أن العدد الذي جعلته في موضع تحدٍ للعام كان أكثر بكثير، لكن لم تسمح ظروف الحياة لمجابهته! وهو عاشر كتاب اقرؤه في شهر نوفمبر من بين أربعة عشرة كتاب .. وقد حصلت عليه من متجر جملون الإلكتروني للكتب العربية في فبراير من نفس العام، ضمن (20) كتاب تقريباً كانوا حصيلة مشترياتي من تلك الشحنة.
ومن فعاليات الشهر: لا شيء مميز فيه، غير أن حماس القراءة قد أخذ بي مأخذاً تلاه الشهر اللاحق، لما فرّطت من قراءة ما أعددت له من كتب كان ينبغي عليّ قراءتها في الأشهر الماضية .. أو هكذا أظن!.
تسلسل الكتاب على المدونة: 313
التعليقات