الكتاب
بحثاً عن الشمس: من قونية إلى دمشق
المؤلف
المترجم/المحقق
د. عيسى العاكوب
دار النشر
دار نينوى للدراسات والنشر والتوزيع
الطبعة
(1) 2015
عدد الصفحات
605
النوع
ورقي
تاريخ القراءة
11/14/2020
التصنيف
الموضوع
سيرة أعظم متحابان في الله .. الرومي والتبريزي
درجة التقييم

بحثاً عن الشمس: من قونية إلى دمشق

يقول عز من قائل في سورة الحج: “أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا”

وفي نفس السورة: “فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ”

وفي سورة الأعراف: “وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِّنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ ۖ لَهُمْ قُلُوبٌ لَّا يَفْقَهُونَ بِهَا”

وفي سورة محمد: “أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَىٰ قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا”

وفي سورة النجم: “مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى”

واقول بدوري وأنا على شطآن بحور هذه الأسرار: ما جاءت هذه الإشارات اعتباطاً، وحاشاه كتاب الله المحكم أن يأت بالقول جزافاً!.

إن للقلب عقله، وللقلب فقهه، وهو ذو إدراك، وهو ذو بصيرة، وبه أوصى الرسول ﷺ وابصة بن معبد قائلاً: “استفت قلبك وإن أفتاك الناس وأفتوك”، وكأن العقل لا يحتل مركز الدماغ كما يقول علماء المادة، بل مركزه القلب!. حول هذه التجليات يدور المتصوفون في محراب العشق الإلهي .. وكذلك الكتاب بين أيدينا.

إنه كتاب يعزف لحن سيرة أعظم متحابين في الله خلدهما تراث التصوف الإسلامي مما وصلنا، من خلال تسع وخمسين فصل يُضاف لهم صفحات المقدمة والمصادر، وقد استحق ثلاث نجمات من رصيد أنجمي الخماسي.

ولحديث العشق أوتار تعزفها ليال طوال، وعلى ناي العشق أعزف مع مولانا جلال الدين الرومي ومعلمه شمس التبريزي، لأسطر كلمات من عشق .. كما يلي:

من هما العاشقان:

  • جلال الدين الرومي (604-672 هـ) أو محمد بن حسين بهاء الدين البلخي. وُلد في مدينة بلخ، ويعود نسب أجداده إلى خراسان، ومن المؤرخين من يرجع نسبه إلى الخليفة الأول أبو بكر الصديق. وقد افتخر بأصله الخراساني رغم رحيله إلى مدينة قونية في صغره. عاش في مدينة دمشق فترة غير وجيزة، وقد أنشد في ديوانه الكبير وهو يشتاق لمعلمه شمس بعد رحيله المفاجئ إلى دمشق قائلاً: “ما عاشق وسركشته وشيداي دمشقيم” أي: “أنا عاشق ومندهش ومجنون بدمشق”.
  • وللرومي ولادة جديدة بدأت بعد لقائه بمعلمه شمس، فغدا رجلاً أشهر من نار على علم في سماء المعرفة الإنسانية والعلوم الروحانية، متفرداً بين كبار مفكريها، ولولا ذلك اللقاء، لعاش الرومي ومات كرقم فردي بين أرقام الوعاظ والفقهاء في أي زمان، لا أكثر ولا أقل. وللإنصاف، يتساءل المؤلف فيم لو لم يلتق العاشقان، هل سيكون لهما ذكر، أم أن تصورهما مفترقين أمر صعب؟
  • والده بهاء الدين ولد (543-628 هـ) لُقب بـ (سلطان العلماء) لما كان له من قيمة علمية وأدبية في مجالس بلخ (مسقط رأسه)، الأمر الذي أوغر صدر (محمد خوارزم شاه) فدفعه للرحيل وأهله نحو قونية، بالإضافة إلى ما كان يُشاع عن خلاف فخر الدين الرازي مع فكر المتصوفة آنذاك -والذي كان يترأسه بهاء الدين- وقد كان الرازي متنفذاً عند الشاه وسعى لإثارته عليه. وعلى الرغم من أن تلك روايات قد لا تصح، إلا أنه من المؤكد وصوله إلى الروم الشرقية بدعوة من سلطانها السلجوقي (علاء الدين كيقباذ) وبترحاب كبير منه للعمل في الوعظ والدعوة.
  • شمس الدين محمد ملك داد التبريزي! على سيرته من الغموض ما يستصعب كشف هويته الحقيقية، غير أن المرجح وصوله إلى قونية في 642 هـ للقاء الرومي، ثم فجأة مغادرته بعد سته عشر شهراً إلى دمشق، ثم عودته إليها مرة أخرى في 644 هـ بإلحاح من ابن الرومي، وأخيراً مغادرته لها نهائياً في 645 هـ تحت ظروف غامضة تتضارب فيها الأقاويل.
  • تناول الشرقيون والغربيون سيرة الرومي بما هو أهل له من الإعجاب والتوقير، وقد قال عنه أحد شعراء الإسلام بأنه “لم يكن نبياً، لكنه أوتي الكتاب”.
  • يزدوج الرومي في شخصه كـ (فقيه عصره) و (عاشق مجنون)، ويتناقض في قدرته بين تبسيط أعقد قوانين الكون وبين دحض حقيقة الثبات فيها. غير أنه كبحر هائج لا ضفاف له، لا يشفع مجرد وصفه لمن لم ير البحر من قبل، فيُصبح الحل الأنسب الأخذ بيد هذا نحو البحر لتعتمل جوارحه فيه. ولتحقيق هذا عملياً، يوصي الرومي بالعين أن تكون أذناً والأذن عيناً، فيقول في غزليات شمس:

أنا مرآة أنا مرآة لست رجل مقالات     تُرى حالي حين تغدو آذانكم أعينا

وقد أثبت أن الرومي استخدم خمس وخمسين بحراً من بحور الشعر في نظم أشعاره باللغة الفارسية، النظم الذي لم يأت به من ذي قبل أحد من بني جلدته، فضلاً عن استخدامه للأوزان المهملة آنذاك.

  • بلغ من وله الرومي بمعلمه التبريزي درجة دمج نفسه به وكأنه شعاع فكره، يقول القول فينسبه له. فينشد في حاله هذه قائلاً:

لأنني مندهش من لقائك                 ومثل خيال من خيالاتك

فإن فكري وتصوري من أنفاسك      كأنني ألفاظك وعباراتك

  • وفي أبيات أخرى للرومي، وقد أخذ به العشق مأخذاً أن ينعت معلمه بـ (نور ذات الله)، وقد كان من ذي قبل الفقيه الخطيب، الأمر الذي يستجلب الوصم بالشطحة أو بالكفر، فيقول:

ما أجملك من شمس لا نهاية لها حتى إن ذراتك ناطقة

أأنت نور ذات الله؟ أأنت الله؟ لا أعلم

إن آلاف الأرواح اليعقوبية تحترق كلها من هذا الحُسن

فلماذا يا يوسف الحسان تظل في هذا الجب؟ لا أعلم

  • وعند اللقاء بعد الفراق، جادت قريحة الرومي بأبيات اعترف فيه بمدى إخلاصه لمعلمه، فيقول في متفرقات مما أنشد:

ما أقرب روحي من روحك حتى إن كل ما تفكر فيه أعلمه

ويقول: وقد طرنا مصحوبين بآية الكرسي نحو العرش   حتى رأينا الحي ووصلنا إلى القيوم

ويقول: وماذا أقول؟ كنت ميتاً من دونك تماماً   وقد خلقني الحق من جديد مرة أخرى

غير أن معلمه قد اعترف بدوره أن هذه السكرة هي نفحة من كأس رباني ليس بإمكان أحد أن يطلع على أسرارها.

  • لا يُنكر شمس بدوره مدى سحر أقاويله، فيعترف ضمن كتابه الشهير (مقالات شمس) ما مفاده أن علامة صحبة الفرد من هؤلاء له فتور علاقته بغيره، بل يبلغ الفتور مداه ألا تبقى له معهم أي صحبة.
  • لم يكن شمس من المؤمنين بتبادل العرفان الصوفي خلاف أصول الزوايا الصوفية أو (الخانقاه) آنذاك، فما كان يؤمن به هو (الصحبة) وتشارك الفضاء الروحي. وقد قيل إنه استلم (الخرقة) من يدي الرسول ﷺ الكريمتين في منامه، ولم تكن كتلك الخرق التي تُبلى، بل (خرقة الصحبة) الممتدة كالعشق ماضياً وحاضراً ومستقبلاً. وعليه، لم تكن قيم العلم والعبادة والزهد والفضل معيار تفاضل أهل العشق لدى شمس -وقد شمل انتقاده والده ذو الكرم والفصاحة إذ لم يكن عاشقاً- بل (مقولة العشق) ومدى احتواء الروح العاشقة.
  • وللسر في قوله ﷺ “الأَرْوَاحُ جُنُودٌ مُجَنَّدَةٌ” تجليات في سر لقاء العاشقين. كان التبريزي عالماً متبحراً، قد تتلمذ في دمشق على أيدي أكابر معلميها وعلى رأسهم المتصوف الأشهر محي الدين بن عربي، وقد كان يعتكف طويلاً في حجرته يمارس الرياضات الروحية. يعترف أنه كان يرى الله والملائكة مكاشفة في صغره، والكثير من الغيبيات التي ظن أن الناس يرونها مثله، وما منعه من البوح سوى مرشده الشيخ أبو بكر آنذاك. طالت ليالي شمس وهو يكتوى بحرقة كتمان الحق وعلومه وإلهاماته، على أمل الفجر القادم بمن يشاطره أسرار الأبدية والملكوت وعالم العشق والنور. فيأتي القدر بجلال الدين الذي يختلي معه في حجرته أربعين يوماً مصيرية .. خلوة حبيبان مخلصان، يجعله قبلة، ويبث له ما اختلج في صدره من تلك المضامين الربانية.
  • عليه يكون التساؤل في محله: ماذا أسرّ المعلم لتلميذه في خلوة الأربعين يوماً حتى صار له (إلهاً) ضارباً بعرض الحائط تُهم المتزمتين من أهل قونية؟ يقول الرومي بأنه كان أشبه بلقاء موسى بالخضر عليهما السلام، إذ لم تمنعه رتبة (كليم الله) من البحث عن رجال الله.
  • لقد كانت رفقة السبعة وعشرين شهراً كفيلة لإيثار مشاعر القلق والغضب وخطر التشرد وخطر الموت للعاشقين .. وقد كان!.

من معاني العشق:

  • العشق أشبه بطاقة كونية تؤثر مباشرة في الطبيعة وفي الجمال الذي يعكس صورة للحق والخير. العشق سعي نحو الكمال ومظهر لكل مثل أعلى، فيه يبدو العقل وكأنه يميل تلقائياً نحو الخلود.
  • معرفة الحق تستلزم مدد من العشق، وهو جوهر الحكمة من إيجاد آدم في عالم الخلق، غير أن مصدر العشق -كالروح- يأتي من عالم الأمر. لذا، يرتبط العشق بالروح ارتباط ملكوتي، فهو يربط بين تراب الأرض وأفلاك السماء .. بين اللاهوت والناسوت، وهكذا هم بنو البشر في ارتباطهم.
  • لا يعمل العقل المحدود عمل السحر كما العشق، فبالعشق تنقشع الحُجب ويقترب العاشق من الدليل والشهود الكوني. يقول الرومي:

إذا كان سقف البيت حجاباً لجمال الشمس      فأزل هذا السقف سريعاً بمعول عشق الحق

  • لا يتشابه العشق في مفهومه عند الرومي والتبريزي مع من أتى بمقولات فيه من قبل كأفلاطون، بل العشق لديهما خلّاق، وقد خلُق في رحم الحقيقة ومنه استمد نوره، فيقول الرومي في سلسلة (المثنوي):

العشق بحر والسماء فوقه زبد                                  مثل زليخا في هوى يوسف

فاعلم أن دوران الأفلاك من موج العشق       ولو لم يوجد العشق لتجمد العالم

  • يجتمع شمس في خانقاه دمشق مع مريديه، يفرّق لهم بين (كعبة القلب وكعبة الطين)، أو بين (كعبة دل وكعبة كل) بالفارسية. الكعبة والقلب هما بيتان لله، غير أن الله لم يدخل الكعبة بعد بنائها، لكنه لم يغادر بيت القلب، وهو البيت الحق. وبختم شمس جلسته مع مريديه بنصيحة عذبة في عدم إيذاء القلوب.
  • ليست منفى بائساً .. تلك العزلة والنهل فيها من دن خمر المحبة حتى الثمالة، بل بها لقاء العارفين والعاشقين ورجال الله. ورغم عالم التراب فإنه حقيقة لا مكان لفراق أو هجران بينهم.
  • الدوران والرقص والغناء والعزف والسماع، كلها بوابات نحو دنيا العشق والسُكر والحيوية والسعادة لدى الصوفيين. فعن السماع، كان الابتداء بخطاب “أَلَسْتُ” والانتهاء بـ ” بَلَى “، حينها أصبح فريق من الخلق والهين، وهكذا تأتيهم لذة السماع استجابة للسماع الأول. وفي أقوال، كانت أرواحاً علوية قد ألفت تسبيح الملائكة، وبسبب مثولها في الجسد غُيّبت عن ذاك السماع، فيحصل لها الوجد والاضطراب أينما حلّت تذكرة له. وفي أقوال أخرى، ابتدأ السماع مع عطاس آدم الأول حال نفخ الروح فيه، وتشميت الله سبحانه له بقوله “يرحمك ربك يا آدم”، حينذاك استقرت الروح على لذة هذا القول. وللسماع عند الأنبياء قول آخر، فتلك الحية أتت لتؤنس يوسف في الجب بتسبيح جميل، وتلك عصا موسى شرعّت تسبح في حضرته لما أصابته الوحشة، وبطن الحوت شرع بالتسبيح كذلك حين استوطنه يونس برهة، وسبّح الطير لسليمان وحين انقطع تسبيح الهدهد بينهم، تفقّده.
  • والحديث لا يزال عن الأنبياء!. العشق مفتاح معرفة الخالق ومعرفة الخلق، وبه يتطهر العارف أولاً من درن النفس، ومن الرياء، ومن تبعية الخلق إلى تبعية الخالق، حتى يُصبح العارف عاشقاً خالصاً، فيحصل القبول. تلك الجبال الراسخات انقادت لداوود، وسلّمت الريح العنيدة أمرها لابنه سليمان، والبحر قد انفلق بأمر من عصا موسى، والقمر حين انشق كان بإشارة من محمد. يقول الرومي:

تغدو الريح حمّالة سليمان                   ويغدو البحر خبيرا بالكلام مع موسى

ويغدو القمر رائياً للإشارة مع أحمد               وتغدو النار نسريناً على ابراهيم

  • السماع وسيلة لتلمّس الحقيقة، فهو يحتوي على بذورها. ليس السماع سوى الإنصات لخطاب “أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ”، وما يستشفه العاشق في حالات وجده إنما هو صدى “أَلَسْتُ”، وكل إشارة تحصل على التراب إنما هي تذكرة للعاشق بمعشوقه .. تذكرة لحالة اختبرها في عالم الباطن، وتردد بعدها صدى اللاهوت في الناسوت.
  • يعزو الرومي لطف نغمة الرباب إلى صوت باب الجنة الذي يسمعه كلما رقّ الرباب. وعن أولئك الذي لا يتأثرون كما يتأثر هو والعارفين أمثاله بالنغمات إذ هم يسمعون صوت انغلاق باب الجنة، خلاف الرومي وصحبه الذين يسمعون صوت انفتاحه.

ويقول:

هو الغفور أسمع من صوت الرباب          صوت باب الجنة أسمع من صوت الرباب

فشتان ما بين سماعي وسماعك            أنت تسمع صوت انغلاق الباب وأنا أسمع صوت انفتاحه

  • يقود هذا القول إلى وصية شمس في (السماع). فتلك الألحان الربانية توقظ الرؤى في نفوس العارفين، وكأنها مشاعل من نور تنطلق من السماء إلى الآذان مع صوت الناي والرباب، فتنير القلوب.
  • يُقتطع جزء من القصب ليًصنع منه الناي، وذلك الأنين المنبعث منه ليس طرباً ولا حبورا إنما هو ألم الفراق، وكذلك شجن الروح حين فارقت الموطن الأول لتحل في جسد من ماء وطين. يعترف الرومي بأن الأذن والعين الشحميتان لا تدركان مغزى هذا السماع، إلا أن تتلبسا طبيعة نورانية. وفي هذا المعنى يقول في المثنوي:

استمع للناي كيف يقص حكايته      إنه يشكو آلام الفراق

  • وللروح منازل في سير العبد إلى الله، يسميها المتصوفون بالأسفار ويحددونها بأربع: 1. (السفر من الخلق إلى الحق) وهي مرحلة انتقال العبد من الحيوانية إلى الإنسانية. 2. (السفر من الحق إلى الحق) وهي مرحلة التحلي بالأوصاف الإلهية والوصول للربوبية. 3. (السفر في الحق) وهي مرحلة إبصار الكون بنور الله والشهادة على عجائب صنعه. 4. (السفر بالحق في الخلق) وهي مرحلة يعود فيها العبد لأول منزل لكن من اجل إصلاح الخلق. وهكذا هو حال الأنبياء.
  • إدراك معاني العشق قلب حديث الرومي، حتى أصبح كل موجود في هذا الكون لديه محلاً للمحبة، ويستمر ليخبر ابنه بأن هذا الحديث هو ما سيطغى على الكون آخراً.
  • خلق الله الدنيا حين أراد أن يُظهر بديع صنعه، وخلق آدم حين أراد أن يُظهر ذاته، وخلق العشق حين أراد نقطة ارتكاز بينهما. هكذا يقول أحد المتصوفين الأولين، مصداقاً لما جاء في الحديث القدسي: “فأحببت أن أُعرف”. ويعتقد شمس بأن أساس الوجود مبني على عبادة البشر، فطالما تلك النجوم لاتزال تلمع في السموات والشمس لا تزال تبدد الظلمات، فذلك بسبب مؤمنين وعارفين وعابدين لله بحضور القلب.
  • نبذ الجموع، والاستغراق في العزلة، والاتصال بالحق عز وجل من غير واسطة، وتحرير المخلوقات من القيود، والانحناء للحقيقة، وإدراك أن اختبار العشق يكون في الفراق لا في الوصال …، أمور قد يُستصعب فهمها!. غير أن شمس لا يجزم بميثاق العشق، بل يراه كالنور يهيّج العواطف ويكشف عن عظمة الإنسان. وكل إنسان هو أصلاً سالك في طريق العشق، غير أن المؤمن بقصر أمد الحياة، يتخذ من العشق تذكرة صعود إلى الحق وإلى الكمال .. إلى عبادة الواحد الأحد.
  • كيف جئتم من عالم الغيب؟ وكيف سترحلون عبر هذه القبة السماوية؟ لا تعلمون! لكن الرومي يستمر ليخاطب أهل قونية محرضاً على البحث في سر المجيء والرحيل. العشق كسر لا يُكشف بعلم القال بل بعلم الحال .. لا بمطالعة الكتب بل بالتبصر في السلوك وفي الروح التي تضيق بحدود الجسد فتحلق في الفضاء.
  • ليعلم أولئك اللاهثين خلف اشباع غرائزهم وحوائجهم أن الله تعالى لم يخلقهم لنوال عطايا الطبيعة وتلبية رغائب الشهوات، بل تكمن فلسفة خلق الإنسان العظيمة في خلافته للأرض كأعظم من استحق الخلافة، وللتعرف على ذات الحق سبحانه كأعظم طاعة وعبادة.
  • جهاد النفس الطويل في وجه الميول والرغائب والشهوات يأتي بعواقب فعّالة، بعدها يبدأ جهاد من نوع آخر في تطهير المجتمع من شرور الكراهية والتعصب والرياء، ومساعدة أفراده في التحلي بأخلاق المحبة والمساواة والصفاء. نعم، الالتزام بأداء العبادات وتبذ المعاصي عمل أساسي، غير أن نصيب كل من يتعبّد الله على ملته هو الإكرام والاحترام.
  • ليس عالم الدين الحق هو العارف بعلوم الفقه والتفسير والحديث، بل بعلم التصوف كذلك. لا طريق للخلاص من منغصات الحياة سوى الإيمان بالله العظيم، وأولئك الماديين والدهريين هم الأكثر بؤساً وقلقا، فلا هم يتمتعون بهبات الطبيعة، ولا لهم علم بمقام القرب، ولا علموا ما هو العدم، وما سر التضاد في الخلق، قد نهش الحسد قلوبهم وأعمى التعصب بصائرهم. أما الصوفيون فهم من دخلوا معبد العرفان، وتقدموا بخطوات نحو الماورائيات، فانفتحت لهم الآفاق الجديدة الكامنة وراء الطبيعة الظاهرة، فأينما ولوا وجوههم رأوا الله.
  • تتكشف الأسرار شيئاً فشيئاً لدى المؤمن الحق الباحث المتدبر لكتاب الله الذي يقود روحه المتعبة نحو السكينة. عليه، تُطوى خواطره المريرة في النسيان، ويظفر بالوجد والتبصر، ويفقد الزمان لديه قوانين البعد والقرب. ذلك بأنه كان ضيف الله فحدّثه وأكرمه، وأطلعه على حقائق الأسرار، وجعل لقلبه محلاً لتجليات ذاته العليا. يقول الرومي في المثنوي:

فإن أنت فزعت إلى قرآن الحق                             فقد امتزجت بأرواح الأنبياء

فإذا قرأت القرآن وأنت غير متقبل           فافترض أنك رأيت الأنبياء والأولياء

من غرماء العشق:

  • يصرخ الرومي في جوف الخانقاه موبخاً ذاك الذي ادعى موت شمس، ويقول:

من قال إن الروح المثير للعشق مات؟           أمات جبريل الأمين بخنجر حاد؟

ذلك الشخص الذي مات عناداً كإبليس                    يظن أن شمس تبريز مات

  • نهض السيد المسيح بين بني إسرائيل ناصحاً بعدم إفشاء أسرار الحكمة للجاهلين، وبعدم منعها عن العاشقين، ففي ذلك ظلم للفريقين. وقد حافظ الإمام الصادق على أسرار العلم والحكمة في صدره كالجواهر النفيسة، ولو بذلها لتصدى له عميان البصيرة بالطعن والرمي بعبادة الأصنام. وكذلك خشي الرومي من كشف أسراره ومعلمه حتى لا يصطبغ تراب قونية بدماء العاشقين. غير أن بلال الحبشي وقد عمل ابتداءً بنصيحته ﷺ ولم يصدح بـ (أحد أحد) تفادياً لسوء العذاب، قد أعلن إسلامه حين ضاق ذرعاً بالتوبة، وتحدى سيده في إعلانه رؤية الحياة في أنوار الحق تعالى. بهذا تناهى لمسامعه ﷺ وهو في معراجه نحو السماوات أذانه المفعم بالوجد والشوق والهيجان.
  • يتواقح المعاندون فيسألون الرومي: “هل تؤمن بالله”؟ وود الرومي لو تخلى عن أدب الحوار وسألهم بدوره: “وهل تعرفون أنفسكم”؟ ولو كانوا قد قرأوا “فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ” بتدبر، لعلموا أن الله يحب سماع عبده في تسبيحه وشكواه ليل نهار. وكما جاء في الأثر، إنه سبحانه يأمر جبرائيل بتأخير إجابة عبده محبة سماعه.
  • يدبّر ستة من رعاع أهل قونية أمراً بليل ضد التبريزي ومذهبه في العشق لا سيما وقد أصبح له مريديه، يقودهم في هذا ابن الرومي نفسه وقد استقوى به أولئك الجاهلين المتعصبين الأكثر أمية في القوم. هكذا هو ديدن شياطين الإنس، الساقطين المرائين في كل زمان، عندما يتلون نصوصهم المقدسة تبلغ حناجرهم فقط، فيثورون على من تسول له نفسه إعمال عقله والتدبر بقلبه، في مخالفة يعتبرونها ضد ما جاء به السلف. وهكذا سولت لهم أنفسهم قتل شمس. رغم هذا، تتضارب الأقوال في غروب شمس التبريزي عن عالمنا، يصل مدى البعض منها إلى خوارق الطبيعة.

ومن عذب القول ما يتناغم وهوى جناني:

  • التميز والتفوق والتفرد والانعتاق من أسر المألوف، سمات متأصلة لذوي الحب الإلهي والمعرفة الحقيقية للوجود.
  • في رقبة صاحب الفكر دين مستحق الأداء، وما يشعر به من نشوة إشراك الآخرين بمكنون حكمته لهو كالغريزة المتأصلة في طبعه.
  • تنتهي الولادة الأولى للعاشق مع لحظة إدراك العشق، حيث ولادته من جديد.
  • لا يجادل العاشق، ولا يتعصب لمذهبه، بل يقبل ما يستحسنه من المذاهب المغايرة.
  • لا يثار غضب العاشق بسهولة، وهو لا يقيم وزناً لأعراف أهل زمانه، بل يبدو لا مبالياً لمسائل الدين والأخلاق تحديداً. يرى مكانه في الأفلاك، ولا يشتري رضا السلطان بنقير، ولا يُثني على عظماء عصره ولا يأبه بهم، بل قد يُثني على المغمورين لا سيما أولئك الخارجين على معايير الدين والأخلاق.
  • قد يكون التشدد الفكري، وشح العواطف، والكبت بأشكاله، عوامل لحدوث الانفجار الروحي لدى العاشق.
  • المعرفة أولاً والمحبة ثانياً ثم يحصل العشق.
  • تزداد محبة الله للعاشق كلما استزاد عشقاً للمعرفة وللكائنات وللخالق.
  • ولوج عالم العشق لا يتأتى عن طريق علوم المدرسة، بل ولوج باطن الذات هو البوابة نحو حياة مختلفة ومشاهدة أكثر جلاء.
  • لا بد للعشق من أن يسود الكون، حينها يُصبح الطريق ممهداً نحو العلم الحق. أثناءه، يُبصر العاشق نور الله في مختلى القلب بعين القلب!. إنه ذلك الطريق الموصل نحو الكمال، نحو المركز الفيّاض، نحو الوجود المطلق .. نحو الله.
  • يحصل العاشق على الوجد كرسالة مجهولة من عالم الإلهام، فتنهمر كلمات الشوق على القلب والروح.
  • تستمر كيمياء الحياة في التحول، ويستمر الإنسان متعلقاً بأمل الرجوع إلى الرياض التي جاء منها، حيث يتحد بالحقيقة.
  • يركب المتعصبون سرجاً من غير جواد ليركضوا في ميدان الرجال الأوائل. فإن كان أولئك قد أتوا من الحكمة والتفسير ما يحكي واقعهم، وكان كلامهم كلام أناس ذاك الزمان، فرجال الآن عليهم أن يجلسوا في مقامهم أنفسهم، ويتحدثوا بألسنتهم، ويكشفوا أسرارهم. هكذا يفضح العاشق السطحيين من التابعين المقلدين، متحجري العقول والقلوب.
  • إيثار الصمت على إفشاء أسرار العشق والملكوت وسويداء القلب ليس فقط خشية إنكار القوم أو اضطرابهم، بل إن ترجمة تلك الثقافة الإنسانية المتفرّدة بعلومها تحتاج إلى أبجدية جديدة.
  • الدنيا جسد بلا روح وروح هذا الجسد هو الإنسان، وقلب هذا الإنسان منبع التجليات الإلهية.
  • الإنسان بذرة الوجود، وهو غاية الخلق، وعلى الرغم من ظهوره الأخير بين الخلائق، فهو مقّدم عليهم أجمعين.
  • خلق الله الكون لخلق الإنسان، فجعله خليفة له فيها، وأودع في صدره قلباً أوسع في الرحمة من عرض السموات .. وهذا القلب هو بيته سبحانه.
  • لا يشطح المتصوف العاشق كما يُشاع، فهو ينشأ النشأة الدينية الصحيحة وبإيمان بالله راسخ، وحتى يتّنزل في قلبه العشق، يكون قد أدرك أن قلبه منزلاً له، وأن العشق هو في الأصل عصارة الدين.
  • لا تنهمر أسرار العشق في رياضة الخلوة والمجاهدة -فقد تكون الخلوة أحد مسببات البدع- بل لا بد من المخالطة في مدارس والتتلمذ على يد معلم تقي ومتفكر، للتحرر أولاً من سلطان الماديات.
  • العاشق سبّاح ماهر في بحر العشق اللامتناهي، وعليه لا تسري الأحكام الدينية والعقلية، بل قد يأتي بأمور يعتبرها القوم جرائم، غير أنه يحكم بمعايير أخرى تنبع من وحيه الباطني. إنها مخالفات عندهم لكنها طاعات عند المتصوفة.
  • انبثاق العشق في طينة الإنسان لهو أشبه بالمعجزة: إنه يمحو القنوط الذي يأكل جسده كالجذام، يجلي جمال ذاته الأبدية وجلالها، به يجيش صدره عن جواهر المعارف الإلهية كالحجر حين يتشقق بالماء الزلال، ينير باطنه المظلم، يتفتق سمعه عن صوت أمنياته وصدى تأوهات قلبه وآماله، يجمع عباد الله في مختلف مذاهبهم ومشاربهم كالفراش حول النور، ويحفظ الأرض والكائنات وجاذبيتهما من حولهم.
  • حياة العشق الخلّابة تستودع الجمال، وبه تتجلى كل المحاسن في الكائنات والطبيعة والوجود بأسره، غير أن على العاشق -حتى يستمد الجمال- أن يودّع الدنيا وينبذ التعلق بمظاهرها المخادعة.
  • بينما يعرّف العاشق الفضيلة بالعشق، يطأ المعاندون بأقدامهم هذه الفضيلة، حين يعتبرون هذا العاشق مجرد كافر.
  • “لا صلاة ثم إلا بالحضور” .. والمقصود حضور القلب. فأثناء الصلاة وفي حال الضراعة وبلحظاتها المقدسة ينبغي ألا يشتغل التفكير بغير الله، بل يجب أن تتم في صمت كامل وسلام قدسي. حينها يحلّق المتضرع بأجنحة من نور نحو السماوات حيث حقيقة الوجود، فيظفر بمقام إلى جانب من يعتبرهم المتصوفة بـ (الأرواح المجردة)، في اللامكان، أو في مكان ما في عالم الغيب.
  • بالعين الباطنة وبالإلهام وبالإشراق يصل العارف إلى عالم الغيب، فيبصر ما لا يبصره الآخرون، وهي طرق أقوى استدلالاً من طرق العلوم التجريبية كالحواس الظاهرة والفكر المنطقي. وعن هذا المعنى يقول أينشتاين: “إن في السماء أخباراً، وفي عالم الروح أيضا”.
  • يفر العاشق من المنافقين المدعين، ويعتبر مخالفتهم وتعصبهم وزمجرتهم صور حية لغباوة الإنسان.
  • إنها لنعمة أن يجد المرء من ينتشله من ظلماته الداخلية ويجيب على أسئلته الحائرة ويؤنس وحدته وانفراده. إنها ليست غربة فقد الصاحب، بل غربة حياة تملؤها الحيرة ولا من مغيث عارف لكشفها.
  • لا تروي علوم الكتب والرسائل عطش المتعطش لمعرفة حقيقة الوجود، فتلك المعارف ما وُضعت للناس إلا لتحصيل سبل عيشهم، وإن اقترنت بالتقوى فسفينة نجاتهم في الدارين. غير أن العاشق يرى أن الحياة أقصر من إضاعتها في ملاحقتها، بل إن ما وراء الطبيعة ونحو المجرات ما يستحق البحث.
  • الحق في قول والصدق في العمل والاستقامة في السلوك .. كلها مرادفات لـ (كمال الدين).
  • قبل العشق، لا تكون الحياة سوى قصة تافهة تنتهي بمرقد في مقبرة. وبعد العشق، هي منبع لتجليات الرغائب والمسرات الأبدية.

ومن عذب القول أقتبس نصاً في نقش قرمزي ما طاب لي (مع كامل الاحترام لحقوق النشر):

ملاحظة: ما بين القوسين عناوين فصول الكتاب المقتبس منها النص.

  • في (تقديم المترجم)، يظهر لقاء الرومي ومعلمه التبريزي محل اهتمام ثقافي عالمي مشترك تناولته أقلام كتّاب الشرق والغرب، وقد قاد الأدباء نحو صياغة معيار فكري أدبي جديد: “بالتحدث عن المفكر الأديب الذي يقدم للبشرية حداء للروح إلى فردوسه المفقود، ودعوة للإنسان إلى معرفة المكان الذي جاء منه على هذه الدنيا، والهدف الذي جاء من أجله، والسلوك الذي يلزمه أن يأخذ نفسه به، والمصير الذي سينتهي إليه. وكل ذلك ببيان تألفه النفوس كلها وتستجيب لأدواته وتقنيات توصيله. حتى أنه غدا ممكناً أن تتحدث في جلال الدين الرومي عن أديب للروح الإنساني الشامل، وفي أدبه عن أدب يجد فيه الأفراد المختلفون تلبيات لحاجات نفوسهم ونكهات مناسبة لأذواقهم وطباعهم”.
  • في (المقدمة) وعن (طباع شمس وخصاله)، يعتقد الرومي بكمال إنسانية معلمه التبريزي، فيقول: “كلما اكتملت (الإنسانية) تمتع العشق بقدر أكبر من الكمال، ذلك لان العشق أمانة إلهية أُسلمت للإنسان فقط”.
  • في (تقديم المؤلف)، يتحدث الرومي في كتابه الشهير (المثنوي) عن العشق ويتساءل مستنكراً: “العشق هو تلك الشعلة التي عندما اشتعلت أحرقت كل شيء ما عدا المعشوق، وأنت بسبب شوكة واحدة تفر من العشق! فماذا أنت تعرف عن العشق ما خلا الاسم؟”.
  • وفي نفس الفصل، يقول فريد الدين العطار عن تجلي جمال الإلهي في البشري:

“خلقنا الحق على صورته                     فأخذ وصفنا من وصفه السبق

فكل ما يظهر فيه هو صورته      مثلما تظهر صورة القمر في ماء النهر”

  • ويستمر في نفس الفصل ليتحدث عن توأمة العشق والروح، فيقول: “أن العشق صفة للروح، وأن العشق والروح خُلقا في لحظة واحدة. وإذا كان العشق خاصية للروح فمرجع ذلك أنه في الأصل صفة للذات أو صفة للحق، ومن هذه الوجهة تقول جمهرة مشايخ التصوف والعرفان: (ظننت أنني أنا الذي كنت أحبه، وعندما تأملت أدركت أن محبته إياي كانت سابقة)”.
  • وهو لا يزال في نفس الفصل وفي حال من التحرق والاهتياج، يكشف عن العشق .. لغز الروح الذي يقود إلى معراج الحقيقة، فيقول: “إن الإنسان هو مجلى اللاهوت في الناسوت، ومظهر الربوبية في رداء البشرية، ومكان السجود اللامكان في المكان”.
  • ويتحدث الرومي عن الإنشاد وغزليات العشق وهو لا يزال في نفس الفصل، فيقول: “وكان شمس يعتقد أن الشعر الممتع والمؤثر الذي يكون موزوناً ومثيراً يؤثر في روح السامع وقلبه ويغمره بالتفكير فوق شريط الزمان المهتز. ويذهب في أحد أقواله إلى أنه يدفع الروح إلى الطيران في عالم الرؤى”.
  • ويستطرد الرومي في الفصل ليوصي -بإصرار- السائرين في طريق العشق: “إن شئتم أن يكون لكم نصيب من مواهب الحياة وجمال الكائنات، وتستحق أسماؤكم أن تُثبت في دفتر الأيام مخلّدة باقية على الدوام على نحو رائع، فتعلموا أسرار العشق والسكر:

اذهب واغسل صدرك من الأحقاد سبع مرات بالماء مثلما تُغسل الصدور

وصر عندئذ كاساً لشراب العشق، صر كأساً”.

  • ومع خواتيم الفصل، يستنكر الرومي بقاء الإنسان في طينة العواطف وقد حلقت به عواصف الإلهام بعيداً: “كنت في مقام التراب فسافرت في خفاء، وعندما وصلت إلى مرتبة الآدمية لا تبق هنا”.
  • ينتقل المؤلف إلى (سماع مولانا) ليكشف عن عظمة الرومي الذي تساوي كلمة منه ألف دينار، فيضرب في هذا مثلاً ليقول: “إن عظمة الجبل يمكن تعرّفها من بعد على نحو أفضل، ولا بد من تعرّف مولانا على نحو أفضل. إن وراء كلامه أشياء، ويجب طلب تلك الأشياء منه”.
  • في (علم الحال) ينقل جلال الدين الرومي عن والده بهاء الدين قوله في معاني الشوق الذي يجذب النور فيجلي الأسرار: “إذا آنست في نفسك ميلاً ورغبة بالحقائق أو بالصفات الإلهية فاعلم يقيناً أن هذا مراد الله، وإن كان ميلك إلى الجنة وفي طلب الجنة فإن ذلك الميل إلى الجنة هو الذي يطلبك، وإذا كان لديك ميل إلى إنسان فإن ذلك الإنسان أيضاً يطلبك، فإن اليد الواحدة لا تصفق”.
  • يبدو قبل الحديث في (تجليات العشق) أن المؤلف يحذر المتزمتين، فيّقدم قول لنجم الدين الرازي بـ: “ذلك الطريق الذي جئت فيه، أي طريق هو يا قلبي؟

لكي أعودكما جئت؛ فإن أمري فج وغير مكتمل، يا قلبي

وفي كل خطوة ألف فخ وكمين يا قلبي

وعند أشباه الرجال، العشق حرام، يا قلبي”.

  • ويستطرد في نفس الفصل ليتحدث على لسان الرومي مع أهل قونية عن بعض معاني العشق، فيقول: “العشق من التجليات الإلهية وهو أساس الوجود، وهيجان الحياة السرمدية وصانع العمران وأساسه. ويدفع الناس إلى القرب والصفاء والصميمية والوحدة. اعلموا يا أهل قونية أن الأمر هكذا:

مع أن سكر العشق قد خرّبني       ظل أساس وجودي عامرا من هذا الخراب”.

  • يستمر الرومي في نفس الفصل ليعرّف ببعض صفات العاشق، فيقول: “الإنسان العاشق يطوي طريق الصلح والصفاء ويكون مداحا للعظمة الإلهية وهو يفتخر بمسقط رأسه وبأصدقائه وبنبيه وبإيمانه”.
  • وعن أحد أسرار نيل العشق مما لقّنه معلّمه، يقول الرومي وهو لا يزال في نفس الفصل: “لو ذهبت إلى العرش لما كانت هناك فائدة وإن ذهبت إلى ما فوق العرش وإلى ما تحت سبع طبقات فليس ثمة فائدة. ينبغي أن يُفتح باب القلب”.
  • وللناي نصيبه في تجليات الرومي، فيقول في (الموسيقا لغة الروح): “إن الموسيقا هي اللغة الفصيحة لأسرار أعماق الروح والقلب عند الإنسان”.
  • ومن شجن الفراق، يجود قلب الرومي العاشق لمعلمه التبريزي أبياتاً، فيقول وهو في نفس الفصل:

“إن كل من يبقى بعيدا عن أصله ‏    يظل يبحت عن زمان وصله

أنشد صدرا مزقه الفراق إربا إربا ‏     لكي أشرح له ألم الاشتياق”.

  • لشاعر إيران الكبير سنائي قول عن الدوران والسماع كأحد طرق المتصوفة، ينقله الرومي وهو لا يزال في نفس الفصل، إذ أنه: “سفر نحو الحق ولطائف الحق وعوائد الفتح ومعاني الكشف وهو قوت للروح وحياة للقلب”. أما الرومي فيعبّر عن حالته وهو دائراً بـ: “لا أسمع فقط صدى الطبيعة، بل أسمع الصدى المتناغم للمجرات، وأنا مفعم بكليتي محبة وإخلاصاً”. ثم عن أحزين هو أم سعيد يقول: “علمتني عظمة العشق الدوران حول نفسي، والغم والفرح سيان عندي، هما عندي شيء واحد. وبالصبر أتحمل صعوبات الفراق كلها. في كل إنسان يتوارى نوع خاص من العظمة والجلال”. ولا يتردد عن دحض رأي من وصمه في دورانه بالجنون، فيقول: “تحتم العظمة الروحية أن يغدو الإنسان مجلى للجمال وللأنوار السماوية وللألحان الخالدة، وإن الرياضات ومجاهدة الشهوات تصقل وجود الإنسان وتهذبه. الدوران والسماع يحرران حقيقة الإنسان من القيود البشرية، والأنغام العذاب هي مخاطبات وإشارات إلهية، وسيحدث في النهاية في يوم من الأيام أن يكون مذهب العشق حاكما على القلوب والأرواح، ويستولي هذا المنشور المقدس الذي توارت فيه كل البدائع وآيات الجمال على العام كله”.
  • يستبرأ الرومي لدينه في (من العارف؟) فيقول: “أنا أؤمن بالله تعالى وأحب رسوله الأكرم محبة عظيمة. وكل ما في قلبي وفي ذهني هو من عطايا الدين المحمدي. وإذا لم أغد مفيضاً لهذه العطايا وهذا الكرم الذي لا نهاية له فمتى أقدر على إشعال مشعل العلم والعرفان، وإرشاد الناس إلى طريق الصلاح والنجاة؟ فمن النور المحمدي انتصاري وتوفيقي، وإذهابي ضروب الإزعاج والاضطراب والقلق الداخلي”.
  • يوصي الرومي كما أوصاه معلمه التبريزي في (من شمس؟) قبل المسير نحو بحور أرواح المشتاقين بـ: “إنه قبل كل شيء على الإنسان أن يكون مؤمنا وأن يعرف الله جيدا بكلية وجوده. الله الذي هو نور مطلق، الذي هو غاية الحياة، والقانون الأزلي والأبدي للوجود”. وفي (بحث قصير في شأن الإنسان الكامل) وعند بلوغ العاشق أسمى درجات النبوغ العرفاني، يقول شمس: “عندما تكون عاشقاً مخلصاً تقف نجوم السماء في محراب عبادتك لكي تشاهدك”.
  • وفي هذا الفصل، يتحدث الرومي عن دروس معلمه في العشق والمعشوق، فيقول: “وقد علمني شمس كيف أستطيع بمدد الدين والعشق والعلم التي جاء أحدها من القلب والآخر من الروح والثالث من العقل أن أسير في الطريق الذهبي للحياة، ابتغاء قدر أكبر من الإدراك والمعرفة، مهتديا بنجم العشق اللألاء”. ثم يكمل: “وأعلن أنه بمدد العمق والروح العلوي يمكن الإنسان أن يصعد على درجات سلم الحقيقة درجة درجة ويغدو إنسانا كاملا ويصل إلى جناب الحق تعالى”.
  • في (بحر العشق الذي لا تبدو له ضفاف) ينطلق الرومي ليتحدث عن علم معلمه، فيقول في إشارة للآية الكريمة “وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا” أنه: “ويعلم أيضاً فلسفة خلق الناس: من أين جئنا؟ وإلى أين نذهب؟ وفي أي مكان قلنا (بلى)”. ثم ينقل عنه حديث عذب عن العبادة، فيقول: إن الطريق لنيل المجال المغناطيسي للجاذبية هو العبادة. وقد قال شمس: إنه علينا أن ننقد أمر القرآن الذي قال: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) على النحو اللائق. وقد تحدت شمس كثيرا عن معبد العرفان وهو يرى أن معبد الرجل الكريم القلب الطاهر الخالي من الأغيار. وعندما تصقلون قلوتكم ستحسون بعظمة الحق وجلاله بوضوح. تدوي الأصداء المهيجة في سويداء القلب وتقول للإنسان: ادخل من هذا الباب إلى الجناب الإلهي لكي تظفر بما تريد”.
  • في نفس الفصل، وفي إشارة واضحة لتفوق العقل على القلب عرفانياً، يقول الرومي في المثنوي:

“تصير عقلاً فتعرف العقل على التمام        وتصير عشقاً فترى العشق وما فيه من جمال

عندما يدخل العشق من باب القلب                                       يُلقي العقل بضاعته خارجاً”

  • وعمن سبقهما، يقول في (شيخ ميهنة والسماع): “قرأت السيرة المؤلمة لحسين بن منصور الحلاج، وعلمت أنه كان يعتقد أن في رأس المولود الجديد من البشر روحا، وبين عينيه نور مناجاة، وفي أذنه نور يقين، وفي لسانه نور بيان، وفي صدره نور إيمان. وكل من شاء الله تعالى أن يهديه لنوره، كل من شاء أن يقويه بنوره، أوصله إلى عالم الغيب”.
  • ويستمر في نفس الفصل ليعطي مثال جميل آخر نقلاً عن أحد طلبة العلوم الدينية، فيقول: “إنه يعرف عارفا يؤدي كل يوم صلاة الفجر في المسجد الحرام، ويجلس قرب الركن الشآمي حتى تشرق الشمس من المشرق، وبعدئذ يطوف، ويصلي ركعتين في مقام إبراهيم، ثم يؤدي صلاة الظهر في المدينة، وصلاة المغرب في طور سيناء، ويؤدي صلاة العشاء عند سد ذي القرين، ويبقى الليل كله هناك حتى الفجر، ثم يذهب مرة أخرى إلى المسجد الحرام في مكة”.
  • وفي (أنا وشمس) يُثني الرومي على الشيخ العطار في قوله الجميل: “أنا أيضاً أعد الكلام العرفاني ماءً فراتاً، يزيل ظمأ الروح والقلب عند مشتاقي الطريقة وعاشقي العرفان”. أما هو فيقول في ذات المعنى: “تعلمون أن العباد لله تعالى المؤمنين المعتقدين به عندهم معاريج روحية. وهذا السير غير ممكن وغير مقدور عليه بقراءة الكتب بل يستلزم ذوقا وحالا، لا قالا وكتابا”.
  • وينقل عن الشيخ عبدالله الأنصاري في (لماذا جئت من خراسان إلى الروم الشرقية؟) قوله عمن تمسّك بحبل العشق ولم يأبه حتى وصل: “أن كل إنسان أعطي موهبة من العشق قيل له: عليك أن تكون متحملا وصبورا أمام تهم الجاهلين، لأن المحنة والابتلاء امتحان لطلاب النعمة ما دام قد مرج المحبة بالعطاء وربطها ببلاء. المحبة جوهر والصدف بلاء”.
  • وفي (مولانا المنجذب) يقول عن الآراء العرفانية: “عندما لا يوجد من هو أهل لبث السر يكون عدم إذاعة السر أفضل، وعدم ثقب اللؤلؤ أفضل، وإبقاء الأسرار في الصدر أفضل”.
  • وعن معنى الحياة الجديدة يقول في (مرحباً، أي شمس المضيء لقلبي): “المقصود من وجود العالم التقاء حبيبين يتوجه كل منهما ناحية الآخر من أجل الله سبحانه بعيداً عن الأهواء”.
  • وفي (آخر لقاء) يقول: “على أهل الدنيا أن يعلموا أن العصر عصر معرفة، والزمان زمان علم الإنسان أو معرفة الإنسان نفسه. وإذا لم يعرف الإنسان نفسه فلن يعرف الله تعالى”.
  • وفي حق معلمه شمس يقول في (هجران في الشيخوخة): “إن علماء الظاهر مطلعون على أخبار الرسول، وحضرة شمس الدين مطلع على أسرار الرسول”.
  • وفي حق العاشقين، يقول المؤلف في (باتجاه المصير): “شمس لا يموت، شمس لن يموت، شمس ومولانا سيبقيان خالدين. هذان الاسمان سيذهبان من قارة إلى قارة أخرى، ومن مجرة إلى مجرة أكبر، وسيرى العاشقون في القرون والإعصار الأضواء الحقيقية للفكر السماوي، في كانون فكر هذين وآثارهما”.
  • وآخرها .. من جميل غزليات ديوان شمس، أقتطف الثالثة:

“يا ظريف العالم سلام عليك

إن دائي وصحتي بيديك

وإذا لم أصل إليك ببدني

فإنما الروح والفؤاد لديك

وإذا كان الخطاب لا يصل من دون كلام

فلماذا أصبحت الدنيا مملوءة بلبيك؟

النحس يقول لك: بدّلني

والسعد يقول لك: يا سعديك

آتي إليك، وعندك أيضا أصرخ:

آه المستغاث منك وإليك

ما دواء ألمي؟ قل

قبلة لو رُزقت من شفتيك

يا شمس الدين هنيئا لك السرور بالحبيب

فإن ذلك قد ظهر في عينيك”

هل من مآخذ؟:

  • نعم! فعلى الرغم من شاعرية مذهب العشق الإلهي والعشاق في محرابه، إلا أن المسلك إلى هذا المعراج العرفاني لم يتضح، أو بالأحرى لم يتم التطرق إليه -رغم أنه لب العشق- سوى عن إشارات في التبصّر القلبي بعد فتحه وتطهيره من أدرانه!. كذلك، لم يتم التطرق إلى صور من التجليات العرفانية بعد ممارسة طرق العشق تلك، غير نزر يسير من آيات قرآنية ومواقف أخرى ألقى عليها العاشقان تفسيراتهما الصوفية، الغامضة بالضرورة. أكان هذا عملاً بما جاء في الأثر: “أنزلوا الناس منازلهم”؟. وفي قول آخر: “أمرنا معاشر الأنبياء أن نكلم الناس على قدر عقولهم”؟. وأيضاً: “حدثوا الناس بما يعرفون. أتريدون أن يُكذب الله ورسوله؟”. أم أن لكل قلب سره ومفتاحه ومسلكه، لا يشاركه فيه أحد، وعليها يكون معراجه؟
  • رغم السلسبيل المنهمر من أقوال العشق لفظاً ومعنى، إلا أن الكتاب في جلّه أتى إنشائي الطابع وتكراري، مما قد يبعث على الملل في بعض أجزائه، أو حتى الخيبة عن توقع الكثير من طرق الممارسة الفعلية للعشق، والتجليات المعرفية عقبها.

من زاوية أخرى:

  • حصلت على الكتاب ضمن قائمة مشترياتي الطويلة -بطبيعة الحال- من دار نينوى في إحدى معارض الكتاب. لا تزال أجواءها بثرائها ومرحها حاضرة في مخيلتي وانا أسطر هذه المراجعة.
  • ومع قائمة المراجع المستخدمة في تأليف الكتاب، لفت انتباهي اثناء القراءة عدد من الكتب التي سأسعى لاقتنائها قريباً .. منها ما طلبته في الحال. وهي: (المقالات) لشمس التبريزي، (منازل السائرين إلى الحق) لعبدالله الأنصاري، (رسالة في حقيقة العشق) لشهاب الدين السهروردي، (منطق الطير) و (الإنسان الكامل) لفردي الدين العطار، (الفصوص) لابن عربي. أما الأجزاء الستة في (المثنوي المعنوي) لجلال الدين الرومي -والتي حصلت عليها من نفس دار النشر- فهي لا تزال في مكتبتي على قائمة الانتظار.
  • من المضحكات المبكيات أن يتم منع رواية (قواعد العشق الأربعون) للكاتبة التركية أليف شفق -والتي تناولت فيها سيرة العاشقين- في معرض للكتاب بإحدى الدول العربية، وذلك بحجة أفكارها الصوفية .. وعجبي!!.
  • في حين تتضارب الأقوال حول حقيقة الضريح المنسوب لشمس الدين التبريزي في ولاية قونية وسط تركيا، فإن ضريح جلال الدين الرومي يقع ضمن متحف (مولانا) في نفس الولاية وعلى بعد عدة أمتار منه، ويعتبر مزاراً سياحياً للملايين. وعلى الرغم من زياراتي المتكررة لتركيا لم أحظ بزيارة مولانا، على أمل اللقاء قريباً في زيارة أقرب.

أخيراً، وفي عجالة -وعلى سبيل النقد الأدبي- فإن هذا الكتاب الملهم:

  • سليم اللغة، واضح المفردات، ويخلو من الألفاظ الغريبة.
  • ترجمة إبداعية تعكس وبدقة جوهر حديث العشق، قلّما تحظى بها الكتب المترجمة حديثاً. مجهود عظيم للمترجم يستحق عليه الشكر والثناء.
  • متناغم الإيقاع في سرد الأفكار حول موضوعات العشق المترامية على طول الكتاب.
  • مثير في أسلوبه الأدبي لعاطفة القارئ، ومحفز لنظرته الباطنية نحو جوهر روحه، وارتباطها عشقاً بذات الله.
  • خصب الخيال في إيراد العديد من الأمثلة لتوضيح مذهبه. على سبيل المثال: موسى والخضر، عيسى وحواريه ومائدة السماء، الواعظ والمكاري وحماره المسروق، نبوءة الإمام أبو يزيد البسطامي بمقدم المرشد أبو الحسن الخرقاني، الأفعى آكلة البشر والدودة الحقيرة.
  • مباشر في عنوانه عن لب الموضوع.
  • معبّر في صورة غلافه وقد ظهر أحد المريدين في دورانه على الطريقة المولوية.

تلتقط يداي هذا الكتاب -وقد جاءت مناسبة قراءته سراً آخر من الأسرار لا أبوح به- ليأتلف مع ما يجيش به صدري من نجوى لا يُشبه ما يراه هؤلاء ويسمعه أولئك .. ليتجلى لي العرفان الإلهي في أقدس صوره: العشق.

 

= = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = =

من الذاكرة: جاء تسلسل الكتاب (102) في قائمة احتوت (105) كتاب قرأتهم عام 2020 تتضمن تسعة كتب لم أتم قراءتها، على الرغم من أن العدد الذي جعلته في موضع تحدٍ للعام كان (100) كتاب فقط! وهو في الترتيب (11) ضمن ما قرأت في شهر نوفمبر من بين اثنا عشر كتاب! وقد حصلت عليه في نفس العام من معرض للكتاب في إحدى المدن العربية ضمن (90) كتاب تقريباً كانوا حصيلة مشترياتي من ذلك المعرض!.

لقد كان 2020 عام الوباء الذي جاء من أعراضه الجانبية (ملازمة الدار وقراءة أكثر من مائة كتاب)! لم يكن عاماً عادياً وحسب .. بل كان عاماً مليئاً بالكمامات والكتب.

وفي هذا العام، دأبت على كتابة بعض من يوميات القراءة .. وعن هذا الكتاب، فقد قرأته في شهر (نوفمبر)، والذي كان من فعالياته كما دوّنت حينها:

السفر ممنوع .. والاحترازات جارية“.

تسلسل الكتاب على المدونة: 280

تاريخ النشر: يوليو 5, 2022

عدد القراءات:502 قراءة

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *