الكتاب
حطب دامه
المؤلف
دار النشر
منشورات ذات السلاسل للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة
(1) 2021
عدد الصفحات
255
النوع
ورقي
تاريخ القراءة
03/19/2022
التصنيف
الموضوع
فراغ مغبون فيه صاحبه وهاوية ما لها من قرار
درجة التقييم

حطب دامه

رواية بوليسية في ظاهرها، يقرأ القارئ ما بين سطورها وصفاً لمناخ اجتماعي ما يحيلها إلى رواية أشبه بأدب المدينة الفاسدة من جانب، في الوقت الذي يأتي فيه أحد أبطالها من غرابة الأطوار ما يحيلها ثانية إلى رواية إنسانية تصوّر جانباً من صراعات النفس البشرية، والتي تمخضّت عن نمط تربوي مبكّر لم يكن بالضرورة صحيحاً رغم صدق النوايا .. بينما -وفي خضم كل هذه الأجواء- تستهل الرواية ببشائر علاقة حميمية بين البطلة المغرر بها والبطل المنطوي على ذاته رغم نبوغه، تبدو وكأنها رواية رومانسية بخلاف البؤس المحيط بها، لا سيما حين تنتهي بتتويج تلك العلاقة قلبياً .. أو شيئاً ما.

قبل البدء، وكما حملت العبارة التسويقية على ظهر الرواية من معنى ضمني لعنوانها، فإن (لعبة الدامة) هي إحدى الألعاب الشعبية السائدة في منطقة الخليج الأشبه بلعبة الشطرنج، طرفاها لاعبان يقتسمان رقعة مصنوعة من قماش مقسّمة إلى 64 خانة ويملك كل منهما 16 قطعة مصنوعة من الخشب (حطب)، يحتل فيها (الدامة) وهي كلمة يرجّح أنها من أصل تركي وتعني (الملك)، وضعاً مهيمناً بعد عدة مناورات، فيعلو فيه فوق القانون ويستجمع مطلق الصلاحيات ويحيل باقي القطع إلى مجرد (حطب دامة) يحرّكهم كيف يشاء .. وعلى هذه الرمزية يتشكّل نص الراوية في تجليّاتها عن الرعي حول الحمى وما يستتبعها من حتمية الوقوع فيه، إذ لا مخرج بعدئذ ولا رجعة!.

على حين غرةّ، يستيقظ أهل المدينة المطمئنة على جثة إحدى فتياتها اليافعات التي تُستتبع بجثث سبع تنجو أخراها من موت محتّم وقد أوسعت ضرباً وخنقاً وألقيت تحت جنح الظلام بالقرب من مزرعة نائية خارج مركبة لا تحمل رقماً .. فيلتقطها صاحب المزرعة وقد عاين كل ما جرى بتفاصيله الدقيقة من خلف السور .. فيعمد (شاهين) إلى مداواة (ناي)، حتى تتمكن بعد حين من تذكّر رقم والدتها ومن ثم الرجوع إلى أهلها سالمة، وهي لم تُبصر بعد منقذها الشهم لما ألمّت تلك الحادثة بعينيها من أذى، والذي لم يكن سوى شاب قسى عليه الزمن وأحاله إلى شخص منكفئ على ذاته، مكتفياً بمزرعته، ويتحدث مع أمه المتوفاة طوال الوقت.

تُصبح (ناي) طرف الخيط الذي يقود المحققان (مساعد) و (حمود) نحو تتبع حبكة الجريمة التي نسج شباكها بدهاء أولئك الأشقياء، الأمر الذي يدفعهما إلى التغلغل في مجالس المدينة الشعبية أو الدواوين، وتلمّس الأخبار بأذن واعية وبخطة محكمة مسبقاً. يتعرفان على (فهد) في إحدى (الديوانيات) الذي يبلع الطعم حين ينصت إليهما وقد أخذا يثنيان على الديوانيات السابقة التي كان لديها من الأنشطة (الحية) ما يكسر الملل القاتل. يوشوش لهما على انفراد بملاقاته في مكان وزمان محددان، ومن ثم يبدئان بالانخراط في بعض العمليات التخريبية على نسق المجرمين، كسرقة محتويات مركبة بعد تحطيمها وسرقة أخرى وحرقها، وذلك بعد أن بدأ (فهد) يوجههما من بعيد ومن خلال رسائل مكتوبة يوصلها لهما عن طريق وسطاء يلتقطهم عشوائياً من الشارع كالسائقين الهنود، ويحسب لهما النقاط التي ترفع من رصيدهما الإجرامي لديه كشروط مبدئية للالتحاق بفريق العصابة. غير أن حقيقتهما كمحققين يكشفها (مشاري) لرئيسه المباشر في العصابة، والذي التقى بهما شخصياً في مركز الشرطة وقت التحقيق في مقتل (منيرة) ابنة عمه وزوجته التي عقد عليها القران .. (منيرة) التي ذهبت غدراً كضحية لرفض الأوامر، وتحديداً رفض (مشاري) الأمر بخطفها وقتلها وقد انخرط في سلك الإجرام ذاك، فجاءه التهديد بتوكيل المهمة لغيره إن لم يفعل .. فرفض وتم بالفعل قتل زوجته نكاية.

بعد افتضاح هويتهما وتهديدهما مباشرة بقتل (ناي) إن لم يقوما بقتلها بأيديهما، لم يجد المحققان تالياً بد من كشف أوراقهما واللعب على المكشوف مع المجرمين، فأصدرا أوامرهما مباشرة للمخبر بملاحقة المشتبه به، وهو مخبر سري كانا قد كلّفاه بتتبعهما وتتبع من يقوم بتسليم رسائل الأوامر لهما عشوائياً عن طريق الوسطاء من السائقين الهنود أولئك، وقد اعتمدا على الوصف الذي أدلى به (شاهين) عن الشخص الذي ألقى بالضحية السابعة (ناي) إلى جانب مزرعته، كإنسان متصلبة ذراعه اليسرى لا تتحرك تلقائياً أثناء المشي.

يتم القبض على المتورطين فعلياً والمشتبه بهم كذلك، فتدور مجريات التحقيق لتكشف عن رؤوس العصابة الثلاث الذين حاول فريق عملهم التكتم على شخصياتهم .. وكانت المفاجأة!. لم يكن الأول (جمال) سوى شاب في السادسة عشر من عمره، وقد تلقى من ترف العيش الذي وفرّه له والديه ما أبطره، وجعل ما يحيط به من نعم مدعاة للملل، فبحث جاهداً عمّا يبث في حياته الحياة ويثيرها ويحرّكها ولو كان بامتهان القتل والإجرام. أما الثاني (أحمد) فقد كان شاباً كذلك، لكنه قاسى ألم الرفض، وأي رفض؟ رفض والديه له بعد طلاقهما، في الوقت الذي كان ينتقل بينهما ويقاسي مرارة صدّ كل واحد منهما له في سبيل دفعه للآخر. أما الأخير، فقد كان شاباً أيضاً بل والأصغر بين أخوته، وضحية والدته التي أهملته فتكفّل به والده كأب وأم في محاولة لتعويضه! لكن ما لأحد أن يعوّض دور الأم بالذات رغم أهمية دور الأب كذلك. وقد تعلّق بالخادمة التي تركته أيضاً وهو صغير وحاول الانتحار لكنه جَبُن، ثم قرر أن يدمّر حياة الآخرين طالما أن حياته نفسها قد دمّرت، وقد أتقن لعبة (الملك والجلاد) التي حرص على أدائها في صغره، وهي اللعبة التي نمّت لديه نزعتي السيادة والتسلط ومن ثم الطغيان بلا رادع حين كبر!. ورغم أن العدالة لا بد وأن تأخذ مجراها، إلا أن أولئك المجرمين الذين اتخذوا من بيوت الأسر السعيدة ضحايا، لم يكونوا سوى ضحايا لأسر ما كان لها أن تكون وقد كان كل زوج فيها من أب وأم على قدر واهٍ من الإحساس بالمسؤولية!.

يعكس المشهد الأخير من الرواية لوحة ليست تراجيدية الألوان بأكملها، فبينما هناك أسرة (منيرة) هناك أيضاً أسرة (ناي). (غنيمة) و (سليمان) .. يجلسان في سرادق العزاء ينعيان قدرهما في فاجعة ابنتهما التي لولا توّرط ابن عمها (مشاري) مع أولئك المجرمين واللعب معهم بالنار لكانت اليوم عروساً تُزف إليه، و(مشاري) الذي يبدو بدوره نحيلاً باكياً مستسلماً يرجو المحققين بعدم فضحه أمام عمه، لا لشيء سوى لسنّه الذي لن يتحمل معه خيانة ابن أخيه التي أودت بحياة ابنته الوحيدة. أما (عزيزة) و (عبدالكريم) فيتخذان موقفاً حكيماً تجاه طلب (شاهين) ابنتهما (ناي) للزواج، فهو وإن كان شهماً وخلوقاً وذكياً واستقلالياً وقد نال استحسان الأعمام في دعوة له على العشاء، لا يحمل شهادة علمية ولا يملك عملاً، الموقف الذي تتصدى له (ناي) بقوة وتسعى لمساعدته في الالتحاق بإحدى الجامعات وقد علمت أنه نابغاً منذ صغره رغم أقداره القاسية، وقد علمت أن حبه لها قد كان العلاج الذي احتاجه أكثر من غيره، وهي التي بثّت لصديقتها (أماني) من حبها له أكثر بكثير .. لذا، لا بأس من انتظار خمسة أعوام حتى يتم تتويج هذا الكفاح بعش في الحلال.

ومن الرواية التي تحظى بثلاث نجمات من رصيد أنجمي الخماسي، اقتبس من مأثور القول في نص أدهم (مع كامل الاحترام لحقوق النشر) الآتي: “أن الحياة كالصحراء المليئة بالرمال الناعمة والإنسان يمشي فيها ليصل لوجهته الأخيرة، وخلال سيره في هذه الصحراء دائماً ما يكون هناك من يلقي عليه بأحمال وأثقال من هموم ومشاكل وضغوط، فإما أن يحملها ويستمر بالسير وإن تعثر أو سقط أو كان تقدمه بطيئا فإنه بالنهاية سيصل لحيث يريد، وأما من سينهار تحت الضغوط ويضعف ويستسلم فإنه سيغوص في الرمال كالمسمار تدقه المطرقة وهو واقف لا يتحرك ليصبح سجين مكانه وكل من حوله يتقدم ويصل كل حسب سرعته وقوته وقدرته”.

تستهل الكاتبة الواعدة مسيرتها الأدبية بهذه الرواية التي تنمّ عن قدرة جيدة في توليد تركيبة من العاطفة والانفعالات والتشويق من خلال حبكة ذكية، عمدت فيها إلى ربط خيوط الرواية بأحداث متشابكة ومتلاحقة ومشوّقة وبأبطال مختلفين في العمر والمهنة والاهتمام والشعور والعاطفة، لتنتهي بإبداع أدبي لا يقتصر على نص وتعبير وحدث، بل كمصدر معرفي يضيف إلى حصيلة القارئ إدراكاً جديداً. ومن ناحية أخرى، فإن الكاتبة أودعت ما بين السطور معانٍ قد تدفع القارئ إلى تحليلها بشكل أو بآخر، تظهر بشكل أوضح من خلال شخصية (شاهين) المركّبة الذي يتقن التعامل مع البشر لكنه ينفر من أي اتصال معهم، وتواصله مع والدته المتوفاة أثيرياً والتي توجهه وتوبّخه أحياناً على كل مسلك أو حتى ظن يخطر على باله! وعلى الرغم من أن الكاتبة لم تغفل عن وصف مسرح الأحداث وإعطاء نبذة عن شخصيات الرواية وإلقاء الضوء على نمط الحياة السائد لا سيما الاجتماعي ما يساعد القارئ على استقراء الشخصيات وما قد تؤول إليه أحوالهم، إلا أنها تركت بعض من فراغات يملؤها غموض يحرّض القارئ على مزيد من التحليل، كما في موقف (مشاري) و (فهد) وذو الذراع المتصلّبة والمتهمين الثلاث الرئيسيين!.

يؤخذ على الرواية مأخذاً واحداً مهماً أجده كافياً في بخس حقها من الانتشار! فعلى الرغم من استخدام اللغة العربية الفصحى في سرد الرواية، إلا أن الحوار الذي دار بين أبطالها جاء بالدارجة الكويتية، والتي لا بد وأن تستغلق على الكثير من القرّاء العرب -باستثناء بعض من عاش على أرض الكويت- في الوقت الذي ستُحصر فيه محلياً وستقتصر على القرّاء الخليجيين في أوسع الاحتمالات، فضلاً عن إظهارها في قالب أشبه بسيناريو لمسلسل درامي. إن الكاتبة على مستوى متمكن في اللغة العربية، إضافة إلى أسلوبها السلس المعبّر في السرد والوصف واختيار المفردات، الأمر الذي لن يعيقها من إعادة كتابة الرواية بأكملها باللغة العربية الفصحى ونشرها من جديد، بهدف الانتشار واستقطاب المزيد من القرّاء.

على الرغم من أن الأدب الروائي لا يستهويني في العموم وبالكاد أستطيع استرجاع آخر رواية قرأتها أواخر عام 2019 فضلاً عن البوليسية منها والتي كانت آخرها لأجاثا كريستي وأنا دون العشرين من عمري .. فقد جاء قراري باقتناء هذه الرواية وقراءتها على الفور حينما جاءت كترشيح جميل من مؤلفة الرواية .. وكعربون لتعارف أجمل.

الفاضلة/ سنابل المسلم .. الروائية الواعدة .. استمري، وفي انتظار المزيد من إبداعاتك

مع خالص الأمنيات

 

= = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = =

نقلاً من المفكّرة: جاء تسلسل الرواية (12) في قائمة لا تنتهي من الكتب التي خصصتها للقراءة في عام 2022، وهي ثاني ما قرأت في شهر مارس ضمن كتابين آخرين، وقد حصلت عليها من معرض للكتاب في إحدى المدن العربية من نفس العام، ضمن (120) كتاب تقريباً كانوا حصيلة مشترياتي من ذلك المعرض.

تسلسل الرواية على المدونة: 118

 

تاريخ النشر: مارس 21, 2022

عدد القراءات:1349 قراءة

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *