كتاب يفسّر آية “وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا” من خلال عرض مشاهدات حية عاينها فرد منها! فمع صفحات كتابه الأولى، يركز د. صادق على الرجل كمسئول أول في الحفاظ على الأسرة وعلى استمرار تماسكها .. فتراه يقول في جرأة قد يقاتله عليه بني جنسه: “أي أسرة فاشلة يكون ربها -أي الزوج والأب- رجلاً فاشلاً”.
إنه إذاً د. عادل صادق (1943 : 2004). تعلّم وتخرج في كلية الطب عام 1966 نزولاً على رغبة والده، رغم ميله نحو الأدب والفن الموسيقى، ثم حصل على درجة الدكتوراة في الأمراض العصبية والنفسية عام 1973، وعمل أستاذاً للطب النفسي والأعصاب بكلية طب عين شمس. شغل مناصب أخرى منها رئيس تحرير مجلة الجديد في الطب النفسي، وأمين عام اتحاد الأطباء النفسيين العرب، وافتتح عام 2000 مستشفى يحمل اسمه لعلاج الإدمان والأمراض النفسية لا يزال يحظى بشهرة واسعة على امتداد الشرق الأوسط. عُرف بالنبوغ منذ صغره وبدماثة الأخلاق وإخلاصه للعمل وسعيه الحثيث نحو رفع وعي المجتمع بالمرض النفسي وسبل علاجه، وذلك من خلال مؤلفاته وأبحاثه التي تجاوزت الثلاثين إصدار، والتي أهلّته عام 1990 للحصول على جائزة الدولة في تبسيط العلوم.
يعرض فهرس الكتاب أربعة عشر موضوعاً بالإضافة إلى المقدمة، يعرض فيها المؤلف بعض حالات الضعف التي تنتاب الرجل والتي تكتوي بها زوجته أكثر من غيرها كضحية أولى، مع تفسير كل حالة وعرض الدوافع والحلول، وهي كالآتي:
- الرجل الأول
- اللارجل
- زوج بلا مواهب
- رجل ضعيف وامرأة قوية
- نقص الرجل وتفوق المرأة
- رجل وامرأة
- الزوجة النكدية
- المودة والرحمة
- لعبة الغيرة والشك
- رجل خانته زوجته
- خريف الرجل
- عندما يصاب الرجل بالضعف الجنسي
- زوج مهاجر
- رجل سعيد
يحصد الكتاب رصيد أنجمي الخماسي كاملاً ولا يُبق، والذي أعرض من بين صفحاته ما علق في ذهني بعد إنهائه، وباقتباس في نص صريح صارخ، (مع كامل الاحترام لحقوق النشر) كما يلي:
ملاحظة: عادة، يعتمد أسلوبي في التدوين على التعبير بـقلمي عن محتوى الكتاب ككل بعد قراءته، مع القليل من الاقتباسات بما يخدم عرض محتواه بشكل جيد. رغم هذا، أستثني الكتب التي تجمع بين موضوعية الرأي وبديع الأسلوب في قالب واحد، بحيث يصبح نقل النص كما ورد هو الخيار الأمثل، بدلاً من التعبير عنه وفق أسلوب آخر. لذا، تدفعني بعض الكتب لاقتباسات أكثر مما اعتدت عليه، وهذا قلّما يحدث في مراجعاتي! جاء هذا الكتاب ضمن هذا الاستثناء، لذا وجب التنويه.
ملاحظة أخرى: ترد بعض التعليقات في نص أزرق .. لا تعبّر سوى عن رأيي الشخصي.
- يؤكد المؤلف أن وداعة المرأة ورقتها وأنوثتها لا تحركها إلا روح رجل حقيقي، إذ تنقلب هذه الأنثى الوادعة الرقيقة إلى وحش كاسر مع وجود رجل زائف. فيقول: “والمرأة تحتاج إلى رجل حقيقي، وهي تُصدم صدمة عمرها إذا اكتشفت نقصاً في رجولة الرجل الذي اختارته ليكون شريك حياتها، والمرأة لا يمكن أن تخضع وتستسلم لرجل منقوص الرجولة”. ويؤكد أيضاً في سياق الحديث أن الفحولة ليست رجولة كما يظن بعض المغرورين والنرجسيين والذكوريين، بل شعور وجداني وسلوك إنساني.
- في تعريف مختصر لـ (الرجل الحقيقي)، يعتبره المؤلف أنه: “هو الروح التي تمنح الحياة، وهو الفكر الذي يدير حركة الحياة، وهو الإحساس الذي تنبض به الحياة، وهو الإدراك الكلي الشامل والاستيعاب الأعمق والبصيرة النافذة والرؤية الثاقبة والقوة المحركة”.
- يرى المؤلف للرجل وهو يتحمل المسئولية الأولى أن تتم له عدد من مقومات الشخصية ما تخوّله لتولي مهام القيادة وفرض السيطرة، لكنه يوضح رأيه قائلاً: “والسيطرة لا بد أن تكون فكرية! أي أن تكون قوته في عقله، ذكائه، عمله، ثقافته، معلوماته، إحاطته بالأمور، قوة منطقه، حكمته، موضوعيته”.
- تتضمن (المسئولية الأولى) التي يتولاها الرجل معانٍ قد لا يعتقد الكثير من الرجال -لا سيما الشرقيين- أنها من صميم مسئولياتهم، بل قد تنتقص من رجولتهم .. فهي (أنثوية) صرفة .. إنها معانٍ في (الحب .. الإلهام .. الوجد .. المشاعر العميقة الدافئة المشعة)، غير أن المؤلف يعتقد بأن تفكك البنيان الأسري يعود إلى (بلادة) رب الأسرة عاطفياً، فيقول: “إن أحد دواعي الترابط الأسري هو طاقة الحب التي يبعثها الرجل الأول، أي الزوج والأب من وجدانه. الجليد العاطفي هو أهم أسباب انهيار الأسرة، وهذه هي مسئولية الرجل الأول”.
- ومع سلسلة السمات التي تجسّد الرجل الحقيقي، يأتي (الصدق) أولها وآخرها. يقول المؤلف: “وآخر سمات شخصية الرجل الأول وأن كان من الممكن أن تأتي في المقدمة هي الصدق، وإلا فقد مصداقيته تماماً”.
- قد تحب امرأة رجلاً ترى فيه مواطن الجمال رغم بساطته التي لا تثير الإعجاب، وقد تحب شريراً لأنها وحدها من رأت فيه مواطن الخير: “ولكن المرأة لا تحب الكاذب، ولا تحب الرجل الأناني، ولا تحب الرجل البخيل، ولا تحب الرجل النرجسي، ولا تحب الرجل الحسود الحقود، ولا تحب الرجل العدواني، ولا تحب الرجل المغرور المتكبر المتعالي. وكلها صفات مترابطة، إن وجدت إحداها وجدت بقية الصفات الأخرى في نفس الرجل”.
- يصف المؤلف وصفاً دقيقاً لوضع تتأزم فيه المرأة بزوج يحمل تلك الصفات، لكنه مع هذا يعتقد نرجسياً -وقد أخذ في نفسه مقلباً- بأنه شهريار أوانه وزمانه، فيقول: “تشعر المرأة بمرارة إذا أوقعها حظها العاثر في رجل يحمل هذه الصفات وتدرك أنها فقدت حياتها، فإما تفر وإما تتحمل على مضض. وتدريجياً تفقد أحاسيسها نحو الرجل، يصير في عينيها لا رجل، ويظن هو في نفسه أنه الرجل، وهذه هي المشكلة، فهو لأنه لا رجل في نظرها فهي لا تتوقع منه شيئاً ولا تستجيب له، ولأنه يتصور أنه الرجل فهو يتوقع منها كامل استجابة الأنثى”. لا تملك المرأة مع هكذا زوج وقد فقدت مشاعر الأنثى التي تحب، سوى تحويرها إلى سلوك العناد والعدوانية والاستفزاز، فما أن يمسها حتى يقشعر بدنها، وما أن يقترب منها حتى تتقلص معدتها.
- ومع تبادل الأدوار الفطرية حال وجود خلل في شخصية الزوج، وحين يُصبح “الرجل غير سعيد بضعفه” و “المرأة غير سعيدة بقوتها” تُخلق ظروف غير صحية لنشأة أسرة طبيعية لا سيما الأبناء فيها “حيث يحدث تشوش في أذهانهم لدور كل منهم في الحياة”.
- تلعب العوامل الثقافية كذلك دوراً في تحديد الأدوار بين الزوجين. هنا يفرّق المؤلف بين نوعين رئيسيين من المجتمعات: (ذكورية) ترفع من قدر الذكر وتسلّمه كاملاً مقاليد “القيادة والقوامة والرعية”، و(أنثوية) استطاعت فيها المرأة بفضل حق المساواة أن تنتزع من الرجل هكذا منصب، بل وأن تتفوق عليه وقد حملت كامل المؤهلات والإمكانيات والمواهب “حتى وإن كان ذلك على حساب الشكل الأسري التقليدي التراثي، حتى وإن دفعها ذلك إلى التضحية بحياة الأسرة وتفضيل حياة الوحدة والحرية بدلاً من أن تخضع لرجل”. إن هذا قول حق! فـ (حرية الاختيار) أصل إنساني .. وكم أطربني تعليق إحداهن في وسائل التواصل الاجتماعي على سفه حكمة (ظل راجل ولا ظل حيطة) القروسطية، إذ قالت: وددت لو عاد ذلك المعتوه مخترع هذه الحكمة ليتيقن أنه لم ينفع المرأة في هذا الزمن سوى (ظل الحيطة) … وصدقت!
- يتصدى المؤلف لذلك الزوج الذي ما برح يترنم بأغنية (ظلموه) مسبلة عينيه وهو في شكاء مستمر عن تسلّط زوجته الذي هدد معه بالطلاق مرات، فيواجهه في لغة الخبير لكنها فضائحية صادمة: “الشكوى بعد هذه السنوات الطويلة من الزواج تعني أنك لا تستطيع الانفصال عنها. لقد استمرت حياتك لأنك أردت الاستمرار، ولو كانت اعتراضات حقيقية لكنت قد أنهيت العلاقة منذ البداية، بل لعل زوجتك بتسلطها وعنفها واستبدادها تلبي احتياجات نفسية معينة عندك. أنت راض ولكنك تعترض، واعتراضك باللسان فقط. فاستمر لأنك لا تستطيع أن تغير حياتك بل أنت لا تريد حقيقة أن تغير حياتك. وربما لو أتينا لك بزوجة مطيعة مسالمة خاضعة لما استطعت أن تؤدي معها الدور الذكري الكامل، ولما استطعت أن تلغي دور الرجل الأول. فهكذا أنت وهكذا زوجتك”.
- أما عن الأمومة التي قد لا تتفق وغريزة وعاطفة وطموح كل أنثى سوية أو تختلف درجتها بين أنثى وأخرى .. فالحلول متاحة، منها وسائل منع الحمل أو ربط الأنابيب أو تنظيم الممارسة الجنسية. يقول المؤلف في معرض حديثه كحوار دائر بين رجل وامرأة: “وأكثر جدوى للنساء اللاتي يعترضن على دور الأمومة هي ألا تتزوج على الإطلاق. لا أحد يمنع امرأة من ألا تتزوج. عدم الزواج يعطي المرأة الفرصة لتمارس تحقيق ذاتها. هذه الذات التي تتشوش حدودها ومعالمها إذا قصرنا دور المرأة في الحياة أن تكون أماً. لا أحد يجبر المرأة على أن تكون أماً، ولكنها إذا ارتضت أن تتزوج رجلاً يعيش في هذا العصر فلا بد أن تصل معه إلى اتفاق مكتوب أو غير مكتوب بشأن موضوع الأمومة، وخاصة قبل عقد القران”. يأتي هذا الرأي ليهدّأ من حدة تهافت المجتمعات الشرقية تحديداً في تقديس (الأمومة) وعاطفتها وكأنها دين .. وكأن من تخبت عندها هذه العاطفة فطرياً تكون (عاصية)!. ثم يستكمل بقول حكيم يقوّم به اعوجاج فكر المجتمع القروسطي الذي تتجدد نسخته عربياً، قائلاً: “ليس من الحرية أن نرسخ مفهوم أنه لا علاقة بين الرحم والحمل، أو أن وجود الرحم ليس مبرراً لأن تحمل المرأة”.
- الأسرة -فطرياً- كيان واحد لا مجموعة أشخاص متفرقين، أما مريض البارانويد: “الاضطهادي الأناني النرجسي المغرور المتعالي المنتفخ بجنون العظمة” فترفض (الأنا) لديه الانخراط في كيان الأسرة مصراً على إبقاء شخصيته مستقلة، أما المريض العقلي الآخر فيذوب ذوباناً لا حدود به في الكيان بحيث تتفسخ عنده (الأنا) تماماً، “أما التوازن الصحي الطبيعي الفطري التلقائي” هو أن يعيش الإنسان مع ذاته مفرداً ومع أسرته متحداً.
- الزواج مسئولية مشتركة بين الزوجين من خلال أدوارهما الرئيسية، لا تستقيم معها قيم القيادة والخضوع والتبعية، غير أن “الموروثات” قد تلعب دوراً خطيراً في توزيع هذه المسئوليات والتي لا تكون بالضرورة حق وعدل، بل ظلم وإجحاف. عليه، يحرّض المؤلف ما “إذا شعرت المرأة بالظلم أو الامتهان فمن حقها أن ترفض! من حقها أن ترفض المسئوليات التي يدعي الرجل أنها من اختصاصاتها .. من حقها أن تنازعه هذه الاختصاصات .. ومن حقها أن ترفض بعض مسئولياتها .. وهذه هي النقطة الثانية في مفهوم الحرية. كانت النقطة الأولى حق الاختيار، ثم تأتي النقطة الثانية وهي حق القبول والرفض”. ويسترسل بقوله: “أما النقطة الثالثة فهي أن أكون أنا .. ذاتي الحقيقية” وتعني أساساً صدق الإنسان مع نفسه فلا ينافق ولا يجامل، فيقبل به الآخرون كما هو حين يقبل هو بنفسه ويرضى عنها .. الرضا الذي يقوده بالتالي نحو الرضا حول دوره ومسئولياته، ومن ثم أدوار من حوله ومسئولياتهم.
- أسّ الزواج الاحترام: “احترام إنسانية كل طرف” وهو احترام منبعه الحب، فلا بد وأن يحترم المرء من يحب، ومن غير السوي أن يحب المرء إنساناً غير جدير بالاحترام، “وإذا تعمقنا في مفهوم المودة والرحمة نجد أنهما لا يتحققان إلا من خلال علاقة يسودها الاحترام”. بالتالي “من حق كل إنسان أن يخرج من علاقة الزواج إذا لم يكن هذا الزواج يحقق له الاحترام الكافي الذي هو حق لكل إنسان”.
- تثور المرأة ضد سيطرة الرجل وضد الخضوع له وضد عدم احترامه وضد معاملته الدونية لها وضد مسئوليات البيت وضد مسئولية الإنجاب وضد استخدامها جنسياً …. إلى غيرها ضمن “سلسلة طويلة من التوهمات”، يراها المؤلف قد تصل إلى حد توهمها بمسئولية مسح حذاء زوجها!. لا تكمن مشكلة هذه المرأة مع الرجل أو مع المرأة، بل إنها مشكلتها هي، فقد تكون تعرضت لظروف خاصة أفقدتها ثقتها ورضاها الذاتي، واضطرت للاصطباغ بلون لا يمثلها لإرضاء المجتمع، لكنها بطريقة ما أسقطت تلك المشكلة على الرجل الذي لا يستطيع هو وغيره تفهمها “مما زاد من حدة عزلتها وزاد من حدة ثورتها” إذ لا يسمع أحد صراخها، وإن سمع فلا يفهم!. حسناً .. إنها كما قال المؤلف (ظروف خاصة) خضعت لها تلك المرأة، كتنشئة في بيئة ذكورية مشبعّة بثقافة الجهل المقدس، فلا غرابة أن تأتي ثورتها على كل موروث وعلى الجمل بما حمل، لا سيما إن تحلّت تلك المرأة بكرامة إنسانية حقيقية لا مزيفة كنساء خاضعات لثقافة جعلت منهن مجرد أضلاع عوجاء وفروج تُنكح وأرحام تضخ!.
- يعتقد الكاتب أنه من خلال الموروثات، أدت المرأة دورها في البيت بإتقان في حين فشل الرجل، فهي “المايسترو” داخله وهو كذلك خارجه. ثم يقول في نبرة حكيمة تؤمن بمحال دوام الحال: “وبعد ألف عام قد يثبت صحة الموروثات التي نتبعها حالياً وينجح الرجل داخل البيت وتنجح المرأة خارج البيت ويعاد توزيع المسئوليات ونتخلص من مورثاتنا القديمة”. قد يعتبر بعض الناقصين عقلاً وديناً لا سيما من خدّام البلاط بأن هذا القول (المنكر) إنما هو علامة من علامات الساعة .. هذا إن لم يُفبركوا ضده قولاً يكسونه قداسة فلان عن علان!
- التجاهل .. وما أدراك ما سلاح التجاهل: “يقلق الزوج .. يكتئب هو الآخر ثم يغلي في داخله ثم ينفجر وتشتعل النيران. وبذلك تكون الزوجة قد نجحت -أي استفزته- إلى حد الخروج عن توازنه، لأنها ضغطت على أهم شيء يوجع رجولته وهو التجاهل، أي عدم الاعتراف برجولته .. أي اللامبالاة”.
- يعرض المؤلف رأيه في (المودة والرحمة) فيقول قولاً عذباً قد يثير حفيظة بني جنسه: “يقال أن الزواج سترة للبنت ولكنه في الحقيقة سترة للرجل أكثر والرجل بدون زواج ضائع، والرجل بدون زوجة ناقص. وحين يموت الزوج يستمر البيت قائماً، تظل الزوجة ويظل الأولاد من حولها، ثم يتفرقون ولكنهم يروحون ويجيئون. ولكن إذا ماتت الزوجة فإن البيت ينهار والزوج وحده لا يستطيع أن يقيم بيتاً، لا يستطيع أن يعمر سكناً . ينطفئ البيت ويتفرق الأبناء، وهذا هو ما جاء ذكره بالقرآن الكريم تحديداً ونصاً (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) إذاً الزوجة هي السكن، والزوج يسكن لدى الزوجة، إذاً الزوج هو الساكن وليس صاحب السكن حتى وإن كان يمتلكه .. حقيقة هو اشتراه أو استأجره بماله ومسجل باسمه ولكنه مجرد جدران وسقف، السكن شيء أبعد وأعمق من هذا. السكن معنى .. السكن هو سكينة النفس وطمأنينتها واستقرارها .. السكن هو الحماية والأمن والسلام والراحة والظل والارتواء والشبع والسرور .. السكن قيمة معنوية وليس قيمة مادية .. وإذا ذهبت الزوجة ذهب السكن، حتى وإن كان الزوج يعيش في قصر. وهو سكن ليس مجانياً .. يجب أن يدفع الزوج”. ثم يستنتج قائلاً: “وبالتالي تصبح الزوجة هي أصل المودة وهي أصل الرحمة، لأنها هي التي وفرت السكن، فلا دعامة لهذا السكن إلا بالمودة والرحمة”.
- ومن مفارقات العلاقة الزوجية أن تكون قائمة على الشرط الجنسي دون سواه لدى البعض، بينما تأتي لا مشروطة عند البعض الآخر والتي تتجسد فيها معاني السكن والمودة والرحمة كغاية قصوى من الزواج. يقول: “هناك عقود زواج مشروطة بمدى قدرة كل منهما على الاستمرار في العطاء ومن ضمنها العطاء الجنسي، فإذا تعطلت هذه القدرة كانت مبرراً كافياً للانفصال. وهناك عقود أبدية خالية من أي شروط، والنقطة الجوهرية هنا تصبح: مدى اليقين الراسخ داخل كل منهما عن أبدية العلاقة الزوجية مهما كانت الصعوبات والتحديات”.
- يعتقد المؤلف أن الغيرة لا توجد عند الرجل غير الحقيقي، وأن تلاعب المرأة على هذا الوتر الحساس لا تُحمد عواقبه، إذ تفسد العلاقة بينهما والتي قد تنتهي بالانفصال. يقول: “الرجل يكره المرأة في حالة واحدة فقط، وذلك إذا هزت ثقته بنفسه عن طريق رجل آخر لأنها تكون قد ذبحت رجولته، ولا شيء يذبح رجولة رجل إلا رجل آخر يُستخدم عن طريق امرأة مريضة أو امرأة سيئة”. وهل ينسحب هذا القول على الرجل (المريض) أو (السيء) الذي (يذبح) أنوثة امرأته مستخدماً امرأة أخرى؟ أم أن هكذا خيانة تجد لها عادة مبرراً شرعياً في مجتمعات تعدد الأضلاع العوجاء؟
- يتطرق المؤلف إلى أزمة منتصف العمر التي تعصف بخريف الرجل حين يشاهد جفاف أغصانه وهي تفقد أوراقها الخضراء، في تشبيه لاضمحلال هرموناته وتساقط خلاياه وخفوت الرغبة وبطء الاستجابة، فيصاب بكآبة النفس والمنظر. فيقول عن معشرهم: “ينزعجون .. يصيبهم قلق وغم .. يتحسرون ينظرون بأسف إلى الشباب اليانع من حولهم بل ويحسدون .. يهرعون إلى الأصباغ والألوان والمقويات لعلهم يسرقون الزمن ولكن هيهات .. ينشغلون بالكامل بأجسادهم فتنطفئ أرواحهم ويدخلون في سباق هم الخاسرون فيه حتماً .. ويزداد القلق وتزداد الكآبة فيزداد التهور والاندفاع والانغماس واللهث وراء لذات فورية مؤقتة تفشل في إرواء الجسد المتراجع”.
- يتطور الأمر عند هؤلاء المتصابين المتباكين على ما أفسده الدهر، فيتصور بعضهم: “أن بإمكانهم خداع الزمن فيتشبهون بشباب العصر في ملبسهم وسلوكهم، ثم يتصورون أنه بإمكانهم البدء من جديد، أي وكأنهم يبدأون حياتهم فيتزوجون بمن تصغرهم في السن كثيراً ويدخلون في سباق ومنافسة مرهقة مضنية ويعيشون الوهم، وبذلك تضيع منهم متعة الطمأنينة مع شريك العمر ورفيق رحلة الحياة، حيث كبرا معاً وحصدا معاً وحزنا معاً وادخرا رصيداً هائلاً في بنك الذكريات ينفقان منه وهما يندثران ملتصقين حول مدفأة الشتاء. وبذلك تفوت عليهم فرص الاستمتاع بالأبناء وقد كبروا، وبذلك يفقدون فرص التمتع بالشجرة الكبيرة التي بدآها معاً وأثمرت أولاداً وبنات وأحفاداً”. ولا يفوت المؤلف أن يتوجه بالنصح للزوج الذي ضعف جنسياً كنتيجة بيولوجية حتمية لهذه المرحلة قائلاً: “المتوقع أن يعوض الزوج ضعفه الجنسي برقة المعاملة”.
- يستمر المؤلف في حديثه عن أزمة منتصف العمر التي تزيد طينتها بلّة (التقاعد عن العمل)، فتكون وطأتها على الرجل الذي تدرج في عمله على أسس حقيقية أقل حدة من ذلك الذي حصل على سلطته من غير أسس. يقول: “والمعاش عند بعض الناس معناه فراغ وضياع السلطة والهيبة، وكأن الرجل كان يستمد كل كيانه وذاته من سلطته، فإذا فقدها أصبح هو لا شيء بعد أن كان كل شيء. وهذه خطورة .. أن يصل الإنسان إلى سلطة أو منصب براق أو هام دون أن يكون هناك أساس علمي أو تفوق مهني حقيقي، فإذا ترك وظيفته عاد إلى نقطة الصفر لأنه لم يكن لديه رصيد حقيقي من علم وخبرة وتميز. هذا يحدث في نوعية معينة من الوظائف والتي تجعل صاحبها ينشغل بالسلطة ويزهو بالقوة وينصرف عن الاهتمام الواعي الذكي لمستقبله فيما بعد زوال السلطة”. لهذا، ينصح المؤلف كل إنسان ألا يتوقف عن ممارسة كل ما يستمتع به مع بدايات حياته، بل سيجد المزيد منها بعد إحالته إلى المعاش مع وقت متسع أكثر من ذي قبل.
وللمؤلف، تحمل مكتبتي الجوداء مؤلفات أخرى قرأت معظمها، هي: الألم النفسي والعضوي / الطب النفسي / مشكلات نفسية / في بيتنا مريض نفسي / أعرف نفسك / من أنت من أنا من هو / حياتي عذاب / أسرار البيوت: أزواج وزوجات أمام الطبيب النفسي / أسرار البيوت في العيادة النفسية / متاعب الزواج / الزوج أول من يشكو / امرأة عاجزة عن الحب / امرأة وثلاث رجال / امرأة في محنة.
ختاماً .. إنه كتاب لا يختلف عن كتب المؤلف الأخرى التي تجمع بين ثراء المعلومة ومتعتها في آن واحد، فضلاً عن الأسلوب الذي يخاطب فيه القارئ بشكل مباشر .. إنه كتاب يبدأه القارئ لينهيه في التو، وغير مستبعد أن يعود لقراءته بعد حين.
= = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = =
من الذاكرة: جاء تسلسل الكتاب (6) كما دوّنت ضمن قائمة من كتب قرأتهم في عام 2017، غير أن ذاكرتي لا تسعفني، ولا حتى مفكرتي القديمة بما تحويه من ملاحظات، ولا مسودات التدوين في حينها، من تعيين إجمالي عدد الكتب التي قرأتها في هذا العام بالتحديد! ملاحظة: أجد بخط يدي على هامش مفكرة العام عبارة: (33 كتاب) .. لا أعتقد أنها ملاحظة دقيقة.
لكنني لا زلت أذكر تماماً الأعوام الثلاث التي قضيتها في تحصيل دراساتي العليا في المملكة المتحدة، والأعوام التي تلتها وأنا منهمكة بجد في عملي المهني الذي لا يمتّ بصلة لهواية القراءة لا من قريب ولا من بعيد .. الدراسة التي استحوذت على حياتي حينها، والعمل الذي كان يستنفد القدر الأكبر من وقتي وطاقتي، بحيث لا يتبقى للقراءة في نهاية اليوم سوى القليل من الوقت والتركيز .. ولله الحمد دائماً وأبداً.
تسلسل الكتاب على المدونة: 62
التعليقات