كيف تكون وجودياً

في هذا الكتاب، ينحصر العالم والحياة الأصيلة المرجوة فيه، في نظرة فلسفية يصوّبها الوجوديون، الذين يظهرون تارة كعدميين يؤمنون بعبثية الحياة وخلوها من المعنى، ولاعدميين تارة أخرى، يُضفون عليها المعنى كاختيار حر يخضع لإرادة الإنسان وحده!

قد تكمن أهمية الفلسفة الوجودية اليوم في أنها تجيب على سؤال كان ولا زال الأهم في التاريخ البشري، وهو: “كيف يجب أن أعيش؟” فبينما تشرّع الأديان قواعد صارمة -رغم سطحية بعضها- ليس للإنسان حق التجرؤ على انتهاكها أو التشكيك فيها، فإن الفلسفة الوجودية تصف هذا الإنسان الذي يمرّ عابراً في عالم موحش وغريب ولا مبالٍ، كأصيل وحر متفرّد، يعيش وفق طبيعته الحقيقية وإرادته الحرة وخياراته الشخصية، لا كمبرمج وفق ما تمليه الأحكام الدينية والأعراف الاجتماعية والمنظومة الأخلاقية ومشاعر الذنب، وغيرها من قوى الاضطهاد البالية! تتبع حرية الاختيار هذه بالضرورة حرية الفعل، بحيث يُصبح الفعل “صميم الوجود البشري”، أو كما كان يقول سارتر: “الكينونة هي ما تفعله”.

ومؤلف الكتاب في هذا، وهو فيلسوف إنجليزي معاصر حاصل على درجة الدكتوراة في الفلسفة، يستمد آرائه من الفلسفة الوجودية التي خلقها الفيلسوف الوجودي الفرنسي (جان بول سارتر 1905 : 1980)، لا سيما وهو يستشهد بكتابه الشهير (الوجودية منزع إنساني)، إضافة إلى آراء غيره من الفلاسفة، أمثال: سيمون دي بوفوار، فريدريك نيتشه، إيمانويل كانت، مارتن هيدجر، ويليام هيجل، جوستاف فلوبير!

ومع عنوان الكتاب الذي جاء بصيغة سؤال، وعنوانه الفرعي كذلك (كيف تكون أصيلاً، وتمسك بزمام أمورك وتتوقّف عن اختلاق الأعذار؟)، يعرض الفيلسوف الإنجليزي مادة كتابه في خمسة فصول تأتي عناوينها على هيئة أسئلة كذلك، وقد نال الكتاب بها أربعاً من رصيد أنجمي الخماسي .. وهي:

• ‎الفصل الأول: ماذا يعني أن تكون وجوديا؟
• ‎الفصل الثاني: ما الوجودية؟
• ‎الفصل الثالث: كيف تكون لا وجوديا؟
• ‎الفصل الرابع: كيف تكون أصيلا؟
• ‎الفصل الخامس: المشورة الوجودية

ومن اللافت للانتباه أن صنّف المؤلف كتابه ضمن “كتب المساعدة الذاتية”، والذي أجده صائباً، لا من ناحية ما يتم الترويج له اعتباطاً في الآونة الأخيرة من منتوجات رخيصة تستهلك هذا العنوان، لكن من ناحية تأثيره الفعّال ومادته الفلسفية في فكر الإنسان وسلوكه!

ومن الكتاب الذي جاء في ترجمة متقنة من النص الأصلي (How to Be an Existentialist: or How to Get Real, Get a Grip and Stop Making Excuses – By: Gary Cox)، أقتبس من الفصل الثالث (كيف تكون لا وجوديا؟) ما جاء في مفهوم (الإمكانية الطارئة) كسمة رئيسية للعالم، والذي يفيد بأن كل حالة طارئة هي ليست ضرورية … ((مع كامل الاحترام لحقوق النشر)):

“بالرغم من أنّ سارتر يرى أن الوجود غير مخلوق، وهو موجود بذاته، ولا يعتمد على أي شيء آخر في وجوده، إلا أنه غير ضروري، أي زائد، فائض. ليس بمعنى أنه لا يمكن أن يكون، فلا توجد أي قوانين فيزيائية أو منطقيّة أو أي شيء آخر علمي ليكون كما هو. إنه كذلك، كما هو، ولكنّه غير ضروري، وكونه غير ضروري، فهو طارئ وعَرَضي. يرى سارتر أن الوجود مشروط، بمعنى أنه غير ضروري بشكل عبثي. إنّه حادث كوني طارئ وعرضي شنيع لا يلزم وجوده، ولكنه موجود، وجود بالإمكانية من دون أي غاية أو سبب“.

= = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = =

نقلاً عن المفكرة: جاء تسلسل الكتاب (25) في قائمة طويلة جداً خصصتها لعام 2025، وقد حصلت عليه من معرض للكتاب في إحدى المدن العربية مايو الماضي، ضمن (250) كتاب كانوا حصيلة مشترياتي من ذلك المعرض .. وهو خامس ما قرأت في أبريل!

من فعاليات الشهر: تتوافق بداياته مع عيد الفطر لعام 1446هـ، والذي أستأنف فيه القراءة بحماس أكبر بعد شهر الصيام.

ومن الكتب التي قرأتها في هذا الشهر: Three Worlds: Memoir of an Arab-Jew / Gaza Writes Back / فكر أقل في الموت / أفكار كبيرة لعقول متعطشة / هدوء: دليل إلى العثور على سكينة النفس من خلال أفكارنا / مهنة الكتابة: ما تمنيت معرفته في بداياتي / مسرات القراءة ومخاض الكتابة

تسلسل الكتاب على المدونة: 625