“لقد أطلقت أوروبا والولايات المتحدة العنان لإسرائيل كي تدمر غزة وتقتل سكّانها! نعم .. إنهم يهللون وربما كانوا يفضّلون (المشاركة)” .. هكذا تعبّر المؤلفة ابتداءً وهي ترى العالم مقلوباً رأسه على عقبه، حيث المضطهِد ضحية والمضطهَدون هم العادون، متغافلاً عن معترك الاستيطان الاستعماري ونظام الفصل العنصري الذي تمارسه إسرائيل جهاراً نهاراً على الأراضي الفلسطينية ضد شعبها المحتل .. في نفاق سافر يتقولب به تحديداً أهل الشمال منه أو الغرب الاستعماري أو ما يُعرف بالدول المتقدمة، وهم لا يعتبرون أهل الجنوب -أو كما يعرّفونهم بالدول النامية- أناساً أمثالهم، لهم ما لهم وعليهم ما عليهم تماماً، على قدم المساواة!
وبينما يتقدم الكتاب (مقدمة الطبعة العربية) وينتهي بـ (تحديث للطبعة العربية)، وبينهما كلمة تمهيدية جاءت بعنوان (نريد حريتنا ونريدها الآن) .. تستهل المؤلفة بحثها بـ (استعراض تاريخي) يتناول الفترة ما بين 1948 و 1967، حيث تسلط فيه الضوء على أبرز الأحداث التي جرت على الفلسطينيين، وما آلت إليها من نتائج متمثلة بشكل رئيسي في العنف الممارس ضدهم بقبضة الاحتلال الإسرائيلي، وإلى جانبه على الطرف العربي، عبدالناصر، بين استمالتهم واضطهادهم في قطاع غزة، والذي لم يختلف عن نظيره في المملكة الأردنية الهاشمية وما جرى على يده من ناحية أخرى في الضفة الغربية. ثم تنتقل إلى (الاحتلال الإسرائيلي بين حرب حزيران/تموز والانتفاضة الأولى 1967-2004) والذي تبحث فيه ما تعرضت له منظمة التحرير الفلسطينية من اضطرابات إلى جانب حركة فتح والجبهتين الشعبية والديمقراطية، وما كان من تركيز عملها السياسي والتنظيمي مع المجتمع الفلسطيني بهدف تحقيق النضال المشترك. ثم تتناول (الانتفاضة الأولى وأوسلو 1978-2004)، كأول تمرد جماهيري يشنّه الفلسطينيون ضد الاحتلال الاسرائيلي، وما صاحب تلك الفترة من وقفة تضاد بين السلطة الفلسطينية المتمثلة في نظام أبوي قادم من الشتات يترأسه ياسر عرفات، ونظام ديمقراطي يتولاه نشطاء من القيادة الوطنية الموحدة، أمثال عبدالشافي في غزة والحسيني في القدس والبرغوثي في الضفة الغربية. بعد ذلك، تتطرق المؤلفة إلى (الانتخابات 2004-2006) التي شهدت أزمة نهشت بالحركتين فتح وحماس وقد كان من أجل انتزاع الحرية وإقامة الدولة المستقلة .. حتى تختم بحديث طويل عن (حرب إسرائيل الطويلة على غزة 2006-2021).
أما المؤلفة، فهي أستاذة جامعية ألمانية، درّست العلوم السياسية في جامعة بيرزيت في الضفة الغربية لأكثر من ربع قرن، ومن قبل في الجامعة الأمريكية في بيروت، وأصدرت العديد من المؤلفات تتناول القضية الفلسطينية، والتي لا تزال تتابع تطوراتها من محل إقامتها في القدس، من خلال رؤية محلية ودولية. وبما أنها عدّت بلادها متقدمة صفوف العالم المتقدم في النفاق العالمي المشترك -كما هو الحال دائماً- فإنها لم تتوانى عن التصريح في مقابلة رسمية على التلفزيون الألماني عن العنف الممارس من قبل المحتل الإسرائيلي ضد الفلسطينيين لا سيما المسلمين منهم، إضافة إلى التطهير العرقي القائم في القدس الشرقية والإبادة الجماعية المماثلة لها في قطاع غزة .. الجرأة في النقد التي جاءت بردة فعل غير متوقعة من المواطنين المسلمين الألمان، وقد قابلوها بعدد لا حصر له من رسائل الشكر الإلكترونية.
ومن الكتاب الذي وضعته المؤلفة “في ذكرى ضحايا الحروب الإسرائيلية على غزة .. إلى أطفال غزة: من بيت حانون إلى رفح” .. وجاء في ترجمة متقنة من نصّه الأصلي (Kein Frieden für Palästina – By: Helga Baumgarten) أدوّن مقتطفات وأقتبس في نص حر (مع كامل الاحترام لحقوق النشر) وقد حصد أربعاً من رصيد أنجمي الخماسي:
- بعد الحرب التي دارت رحاها في مايو 2021، فإن المؤلفة تعتقد بأن الوضع في غزة هو أسوأ مما كان عليه قبلها، “فالحصار الإسرائيلي لا يزال قائماً، وهناك بين الحين والآخر هجمات عسكرية جديدة على قطاع غزة، حيث لم يبق هناك شيء يمكن تدميره. فالحرب الطويلة إذاً لا تزال مستمرة حتى بعد حرب 2021”. بل وبرغم التغطية الإعلامية العريضة في الغرب، إلى جانب الكثير من حملات التضامن الشعبية، لم تغير الحكومات الغربية موقفها الداعم تجاه إسرائيل وسياساتها، أياً كانت تجاه غزة ودرجة ما تمارسه من عنف .. أو كما تقول المؤلفة: “ولا تزال إسرائيل حتى اليوم تتمسك بحربها الطويلة ضد غزة والحصار الإنساني”.
- ومع العنف المتصاعد كنتاج للعقلية الاستعمارية التي تعتمرها إسرائيل ومن ورائها شمال العالم، تعتقد المؤلفة بأن إسرائيل والشمال عليهما التعلم بأن وضع حداً للعنف لا يتم بالعنف، حيث تقول: “لا تتوقف عملية تصعيد العنف! فيومياً نشهد عنفاً متزايداً، ومع ذلك لا يترك الفلسطينيون أنفسهم فريسة للتخويف والترهيب، فنضالهم من أجل الحرية لا يتوقف ويرفع شعاراً مركزياً: نريد حريتنا ونريدها الآن”.
= = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = =
نقلاً عن المفكرة: جاء تسلسل الكتاب (116) ضمن قائمة لا تنتهي من الكتب التي خصصتها لعام 2024، وهو أول ما قرأت في نوفمبر .. وقد حصلت عليه من معرض للكتاب بإحدى المدن العربية في مايو الماضي، ضمن (250) كتاب كانوا حصيلة مشترياتي من ذلك المعرض!
ومن فعاليات الشهر: لا شيء سوى مواصلة النهار بالليل في القراءة وحدها .. وكأنه حلم تحقق!
ومن الكتب التي قرأتها في هذا الشهر: العشق / ملوك الهرجلة / أهل الكتابة والقراءة / مائة نصيحة لحياة سعيدة / الاكتئاب: أسبابه وطرق علاجه / داخل المكتبة .. خارج العالم / من كتبي: اعترافات قارئة عادية / عزيزي العالم: فتاة سورية تروي الحرب وتُطالب بالسلام
وعلى رف (فلسطين والقضية الفلسطينية) في مكتبتي عدد جيد من الإصدارات آخذ في الزيادة، منها قديم انتقل من مكتبة العائلة العريقة … ومنها ما نشرت على مدونتي تحت تصنيف (السياسة)!
تسلسل الكتاب على المدونة: 566
التعليقات