هنا يتقمص العلم كينونة روحانية، طالما وقف منها وقفة عداء .. من أجل تفسير ظواهر خارقة للعادة!
فعلى مدار الأربعين عاماً الماضية، أجرى الأطباء العاملين في المركز الطبي بجامعة فيرجينيا الأمريكية، أبحاثاً حول تقارير أعدت عن أطفال تحدثوا بغرابة عن ذكرياتهم من حيوات عاشوها سابقاً على كوكب الأرض! لقد وجّه (د. إيان ستيفنسون) مؤسس هذا العمل كتاباته بشكل دائم إلى جمهور العلماء، غير أن مؤلف هذا الكتاب (د. جيم تاكر) فخاطب الخواص والعوام على حد سواء، حيث عكف ابتداءً على استكشاف تلك السمات المختلفة لظاهرة (الحياة قبل الحياة) وقد برزت كظاهرة عالمية إلى حد كبير. وفي كتابه هذا، يصف العديد من تلك الحالات الموثقة من مختلف الثقافات على طول كتابه، وبأسلوب مباشر في السرد، يتبعه منهج علمي في تجميع الحالات الأخرى ذات الصلة، ودراسة أفضل السبل لتفسير ما أسفرت عنه من أدلة مذهلة .. كما أنه لا يغفل عن إفساح المجال لقرائه في وضع فرضياتهم واستنتاجاتهم الخاصة، والتي قد لا تقل عمقاً ورؤية ودراية.
يقول د. ديباك شوبرا، الرائد في مجال الطب البديل، ومؤلف كتاب (الحياة بعد الموت: عبء الإثبات) في إطرائه للكتاب على غلافه: “في هذا الكتاب الأنيق للغاية، يقدم د. تاكر الدليل العلمي الأكثر إقناعاً على حقيقة أن وعينا ينجو من الموت الجسدي”.
ونقلاً عن موقعه الإلكتروني فهو (د. جيم تاكر Jim B. Tucker)، أستاذ الطب النفسي وعلوم الأعصاب السلوكية، ومدير قسم الدراسات الإدراكية في جامعة فيرجينيا. وإضافة إلى عمله كطبيب نفسي معتمد للأطفال، فهو لا يزال يواصل البحث الذي بدأه سابقه (د. إيان ستيفنسون) في ذكريات الأطفال عن حيواتهم السابقة. ومن اللافت للنظر أن د. تاكر ولأسباب عقائدية، لم يكن يعتقد بفكرة الحياة السابقة قبل أن يقرأ أحد كتب د. ستيفنسون، وبعد أن علم بأعماله البحثية -وقد أصبح مفتوناً بتقارير الأطفال تلك- ارتأى إمكانية دراستها بمنهجية علمية، فالتحق بفريق العمل وتخلى تماماً عن عمله السابق في الجامعة! حتى اليوم، فقد نشر د. تاكر ثلاثة كتب، وقدم العديد من الأوراق البحثية في المجلات العلمية، كما تحدث للعامة وظهر في عدد من البرامج التلفزيونية.
يجد القارئ في أولى الحالات العجائبية (كمال آتاسوي) .. الصبي التركي الذي يبلغ من العمر ست سنوات ويعيش مع والديه المتعلمين في أحد أحياء الطبقة المتوسطة العليا، بينما يشير التاريخ إلى عام 1997. يروي الصبي بثقة تفاصيل حياة سابقة يقول بأنه يتذكرها! فبحسب تجربته، فقد عاش في إسطنبول -التي تبعد عن مدينته الحالية بحوالي 500 ميل- لعائلة مسيحية أرمنية ثرية تُدعى (كاراكاس)، في منزل كبير مكون من ثلاثة طوابق، تسكن بجواره امرأة تركية معروفة تُدعى (آيسغول)، وقد وصف منزله بأنه كان يقرب من الماء حيث تُربط القوارب، وبأن كنيسة ما كانت تربض خلفه. أما زوجته وأطفاله، فكانوا يحملون أسماءً يونانية، بينما كان يُرى في كثير من الأحيان وهو يحمل حقيبة جلدية كبيرة، ولم يكن يمضِ في منزله إلا لفترات قليلة من العام! لم يكن والداه يعرفان أحداً في إسطنبول، بل إنه ووالدته لم يذهبا إلى هناك قط، ولم يزرها والده إلا مرتين من أجل العمل، فضلاً عن عدم معرفتهما لأي من الأرمن، فوالداه مسلمان ينتميان للطائفة العلوية التي تؤمن بتناسخ الأرواح، غير أنهما لم يعتقدا بأهمية ما كان يدلي به ابنهما منذ أن كان طفلاً في الثانية من عمره! من هنا، شرع (د. يورجن كايل) وهو طبيب نفسي من استراليا، بالتحري حول التصريحات التي أدلى بها كمال فيما إذا كانت تتفق وشخص عاش بالفعل هناك! لقد كان البحث الذي أنجزه د. كايل يثبت أن كمال لم يكن من الممكن أن يصادف تفاصيل حياة الرجل بالصدفة! فعندما ذهب د. كايل ومترجمه إلى إسطنبول، وجدا منزل السيدة (آيسغول) يقع بالفعل بجوار مسكن فارغ من ثلاثة طوابق، ويطابق تماماً وصف كمال! لقد كان على حافة الماء حيث القوارب مربوطة وبخلفه كنيسة، إلا أن د. كايل واجه صعوبة في العثور على دليل لشخص مثله كان موجوداً هناك، حيث لم يكن ثمة أرمن يعيشون في تلك المنطقة آنذاك، ولم يتم العثور على أي شخص يتذكر أرمناً عاشوا هناك من قبل. عندما عاد د. كايل إلى إسطنبول في وقت لاحق من العام، تحدث مع مسؤولي الكنيسة الأرمنية الذين أخبروه بأنهم لم يكونوا على علم بأن أرمنياً عاش في المنزل من قبل، كما لم تشر سجلات للكنيسة إلى أن أحداً قد عاش هناك لأن حريقاً قد دمر معظم السجلات. فيما بعد، تحدث د. كايل مع رجل مسن في الحي الذي أكد أن أرمنياً عاش هناك بالتأكيد قبل سنوات عديدة، وأن مسؤولي الكنيسة كانوا ببساطة صغاراً جداً بحيث لن يتذكروا ذلك! مسلحاً بهذا التقرير، قرر د. كايل مواصلة بحثه، ففي العام التالي قام برحلة ثالثة إلى المنطقة وأجرى مقابلة مع مؤرخ محلي معروف، وقد حرص على ألا يطلب إجابات معينة أو أن يقدم أية اقتراحات! فروى المؤرخ قصة تشبه إلى حد كبير القصة التي رواها كمال، بأن مسيحياً أرمنياً ثرياً كان يعيش في ذلك المنزل، وقد كان الأرمني الوحيد في تلك المنطقة، وكان اسم عائلته بالضبط (كاراكاس)، وقد كانت زوجته من الطائفة الأرثوذكسية اليونانية التي لم توافق أسرتها على زواجهما، وقد أنجبا ثلاثة أطفال، لكنه لم يكن يعرف أسماءهم. وقال كذلك أن عشيرة (كاراكاس) كانت تعيش في جزء آخر من إسطنبول، وأنهم كانوا يتاجرون في السلع الجلدية، وأن الرجل المتوفى كان يحمل حقيبة جلدية كبيرة في كثير من الأحيان، وقال أيضاً إن الرجل كان يعيش في المنزل خلال أشهر الصيف فقط من العام، وقد توفي عام 1940 أو 1941. ورغم أن د. كايل لم يتمكن من التحقق من صحة تصريح كمال عن أسماء الزوجة والأطفال اليونانية، إلا أن الزوجة كانت من عائلة يونانية بحق، كما تبين أن الاسم الأول الذي أطلقه كمال على الرجل كان مصطلحاً أرمنياً يعني “الرجل الطيب”، في حين أنه لم يكن من أحد حول كمال يعرف هذا التعبير، غير أنه أطلق على الرجل اسماً كان من الممكن استخدامه بسهولة لوصف السيد (كاراكاس).
والسؤال الجوهري الذي يطرحه الباحث في هذا الكتاب: كيف عرف هذا الصبي الذي يعيش في بلدة تبعد 500 ميل، الكثير من الأمور عن رجل توفي في إسطنبول قبل خمسين عاماً من ولادته؟ لم يكن من الممكن أن يكون قد سمع عن الرجل الذي كان على د. كايل أن يعمل بجد لمعرفة أي شيء عنه! ما التفسير المحتمل إذاً لذلك؟ كان لدى كمال إجابة بسيطة للغاية: قال إنه كان الرجل نفسه في حياة سابقة!
من هنا، يؤكد د. تاكر بأن كمال لم يكن الوحيد في ادعاءاته، فقد وصف أطفال كُثر حول العالم ذكريات تعود لحيواتهم السابقة! فلأكثر من أربعين عاماً، قام الباحثون بالتحقيق في تقاريرهم، وتم تسجيل أكثر من 2500 حالة في ملفات قسم دراسات الشخصية بجامعة فيرجينيا. عادة ما يبدأ الطفل بوصف ذكريات حياة أخرى، وغالباً ما يصر عليها مطالباً عائلته الحالية باصطحابه إلى عائلته الأخرى في ذلك المكان الآخر، وعندما يعطي أسماء أو تفاصيل كافية عن المكان الآخر وتذهب إليه عائلته، تجد أن عبارات الطفل تتناسب مع حياة شخص مات هناك بالفعل في الماضي القريب.
فهل يتذكر كمال و 2500 طفل حقاً ما اعتقدوا أنهم يتذكرونه من أحداث لحياة عاشوها سابقاً؟ لقد شغل هذا السؤال الباحثين لسنوات كما يقول د. تاكر، وسيحاول في كتابه هذا الإجابة عليه. وبينما كان هو وزملائه في السابق يخاطبون جمهور علمي فقط، فقد أصبح للعامة -وبأيديهم بيانات تمتد لأربعين عام- أن يحضوا بفرصة تقييم الأدلة. يقول د. تاكر في نهاية مقدمته: “سأحاول تقديمها بطريقة عادلة قدر الإمكان حتى تتمكن من الحكم بنفسك! إن ظاهرة الأطفال الذين يتذكرون ذكريات حياتهم السابقة شائعة جداً، ومع تعلمك عنها، يمكنك تكوين رأي تدريجي حول ما تعنيه الظاهرة. يمكنك في النهاية أن تقرر ما إذا كنت تعتقد بحق أن الأطفال مثل كمال قد عادوا للحياة بعد حيوات سابقة، وما إذا كان البقية منا قادر على العودة أيضاً!؟
يضع الباحث مادة كتابه في عشرة أجزاء تظهر كما يلي .. وهي تبدأ بمقدمة (بقلم د. إيان ستيفنسون)، تتبعها مقدمة المؤلف، وتنتهي بملاحظاته مع الشكر والتقدير. وبها يحصد الكتاب أربعاً من رصيد أنجمي الخماسي:
- الأطفال الذين أبلغوا عن ذكريات حيواتهم السابقة
- بحث الحالات
- تفسيرات ينبغي مراعاتها
- علامات مميزة للحياة
- تذكر الماضي
- سلوكيات غير عادية
- التعرف على وجوه مألوفة
- هدنة إلهية
- وجهات نظر معارضة
- الاستنتاجات والتكهنات
ومن الكتاب الذي أهداه مؤلفه لزوجته (كريس)، أقتبس ما راق لي بعد ترجمته بمجهود شخصي (مع كامل الاحترام لحقوق النشر):
- لضرورات البحث العلمي أمام تطرّف الآراء بين المؤمنين بالتناسخ وبين المشككين، وبما أن الباحث منفتح على كافة الاحتمالات، فإن فرضية (ذكريات الحياة الماضية) ووجود رابط خارق للطبيعة بين الطفل والفرد المتوفى، قد تكون صادقة وقد تكون محض خيال! لذا، وأخذاً بالتفسيرات المحتملة، فالباحث يفرق بين نوعين أساسيين في الجزء الثالث (تفسيرات ينبغي مراعاتها)، حيث تحدث الحالات في نظره إما لعملية طبيعية أو كنتاج لعملية خارقة للطبيعة. فبالنسبة للنوع الأول (التفسيرات العادية)، فتأخذ بعين الاعتبار: الخداع، الخيال، المعرفة المكتسبة بوسائل عادية، ذاكرة خاطئة للمبلّغين بالحالة، الذاكرة الوراثية. أما بالنسبة للنوع الثاني (تفسيرات غير عادية)، فتراعي: الإدراك الحسي الإضافي، الاستحواذ، التناسخ.
- يخلص الباحث في الجزء الرابع (علامات مميزة للحياة)، على قدرة العقل البشري إحداث تغييرات في الجسم ليس بالإمكان تفسيرها وفق المعطيات المعرفية الحالية! وهو في إشارته للعقل لا يعني بالضرورة الدماغ، إنما عالم الأفكار أو الوعي الكامن في الدماغ. فإذا كان الوعي أو العقل قادر على البقاء بعد موت الدماغ .. أو بعبارة أخرى، إذا نجا جزء من الإنسان عند موت جسده وتمكّن من الدخول كجنين ليولد من جديد، فهذا يعني قدرته على إحداث تغييرات في نمو ذلك الجنين، تماماً كما يمكنه إحداث تغييرات أثناء الحياة. ومع الفرضية التي تعتبر فترة النمو في الرحم هشة بما يجعل الجسم عرضة للتأثر، فيمكن بسهولة للعقل الذي يحتل الجنين -وهو يحمل ذكريات مؤلمة- أن ينتهي بإنتاج آفات محددة على جلد الجنين، أي أن هذه الذكريات يمكن أن تنتج علامات ولادة أو حتى عيوب خلقية تتوافق مع الجروح التي عانى منها العقل في حياته السابقة، إذ حين ينجو العقل من حياة واحدة وينتقل إلى أخرى، فقد ينطوي جسده بعلامات ولادة! في هذا الصدد، يؤكد الباحث بأن الجروح الأكثر إيلاماً عاطفياً، هي الأكثر احتمالاً للانتقال عبر الحياة اللاحقة!
- في الجزء السادس (سلوكيات غير عادية) وعند تطرّقه للتبعات العاطفية لظاهرة ذكريات حياة الأطفال الماضية، لا سيما لدى الآباء، يرى الباحث وبشكل تقريبي بأن الآباء الآسيويين يتمتعون بميزة يفتقر إليها الآباء الغربيين! ففي الحالات التي بحثها في آسيا، يظهر الآباء عادة متقبلين لادعاءات أطفالهم بشأن حيواتهم السابقة، رغم محاولات إقناعهم بالتوقف عن خلقها، إلا أنهم يتمكنون عادة من معالجة الأمور العاطفية بشكل مباشر، وإخبار أطفالهم بأنه على الرغم من أنهم كانوا بني آباء مختلفين في الحياة الماضية، فإن والديهم الحاليين هم الذين حضوا بهم هذه المرة. على الجانب الآخر، قد يرتبك الآباء الغربيون من تصريحات أطفالهم ولا يعرفون كيف يتعاطون معها، فتارة يتجاهلون تصريحاتهم أو قد يتهمونهم بالكذب والتظاهر! يعتقد الباحث بأن هذا النوع من الاستجابات غير مرضي للأطفال، ولا تنقل نفس الرسالة التي ينقلها الآباء الآسيويون لأطفالهم غالباً.
- أما في الجزء الثامن (هدنة إلهية) وبعد حديثه عن حالة لطفل تحدث فيها عن فترة فاصلة بين وفاة الشخصية السابقة وميلاده، وعن أحداث وقعت عندما كان في رحم أمه بل ووجوده في عالم آخر قبل مجيئه إليها، فالباحث يصرّح بأن معظم الحالات لا تدلي بمثل هذه التصريحات! فمن بين 1100 حالة، ذكر تسعة وستون طفلاً ذكريات عن جنازة الشخصية السابقة وطرق تدبّر رفاتها، بينما وصف واحد وتسعون منهم أحداثاً أخرى حدثت على الأرض، في حين ذكر 112 آخرون ذكريات عن حياتهم في عالم آخر، وقد ذكر خمسة وأربعون طفلاً ذكريات إما عن الحمل أو الولادة من جديد. ومن العجيب أن يتم احتساب بعض الأطفال في أكثر من فئة واحدة لوصفهم أكثر من نوع واحد من الخبرات السابقة، بينما ذكر 217 طفل فقط مرورهم بتجربة واحدة على الأقل من هذه التجارب!.
- يتطرق الباحث في الجزء التاسع (وجهات نظر معارضة) إلى (النظرة المادية للعالم) وإلى (الاعتراضات الدينية). ففي العالم العلمي، يتمثل الانتقاد الأساسي الموجه للتناسخ في عدم إمكانية حدوثه، ذلك لأن العالم المادي -وببساطة- هو كل ما هو موجود! بهذه النظرة، يصبح الوعي نتاج لدماغ يعمل وليس لوجوده مستقلاً عن الدماغ، لذا فالوعي ينتهي بموت الدماغ. يتمسك العلماء بهذا الرأي لأن فكرة البقاء على قيد الحياة بعد الموت تتعارض إلى حد كبير مع حقائق الطبيعة المادية للعالم، وكذلك لعدم وجود دليل علمي لحدوث ذلك! غير أنه في الآونة الأخيرة، بدأ عدد من العلماء المبجلين وخاصة في مجال الفيزياء، بطرح وجهات نظر مختلفة تتحدى مجتمعة هذا الرفض المادي للوعي باعتباره مجرد منتج ثانوي تافه لدماغ يعمل، مؤكدين على أهمية اعتبار الوعي منفصلاً عن الدماغ، كما أن الفيزياء الحديثة في رأيهم قادرة على دمج الظواهر الخارقة للطبيعة، وأن الوعي في حد ذاته يشكل جزءاً أساسياً من الكون، الرأي الذي قد يقبل في نهاية المطاف بفكرة الوعي المستقل لتصبح جزءاً من المعرفة العلمية. أما على الطرف الآخر، فهناك من يعترض على فكرة التناسخ لأنها -ببساطة- تتعارض مع المعتقدات الدينية! ورغم عدم قناعة الباحث بإمكانية معالجة الحجة الدينية بمنهج علمي، إلا أنها لا تزال قضية تستحق النظر! فعلى الرغم من أن التناسخ ليس جزءاً من العقيدتين اليهودية والمسيحية، إلا أن من أتباعهما من يؤمن به، وقد أدرجت بعض الجماعات الدينية التناسخ في معتقداتها، مثل الكابالا لدى الجماعات اليهودية، وجماعة المسيحية الغنوصية. كذلك، يظهر في الكتاب المقدس مقاطع من العهد الجديد تبدو وكأنها تشير إلى التناسخ! ففي (متى) يقول يسوع -ولا يبدو حديثه مجازاً- بأن يوحنا المعمدان هو النبي إيليا الذي عاش قبل عدة قرون، بينما يرد البعض -مستعينين بالعهد القديم- زعم موت إيليا بصعوده إلى السماء في زوبعة، ما قد يجعله يعود للأرض بدل ولادته من جديد، في حين يناقض إنجيل (لوقا) هذا الزعم في وصف ولادة يوحنا المعمدان، إذ أنه بدأ حياته كطفل وليس كنبي ناضج عاد إلى الأرض! وفي الحديث عن الجنة والنار، تظهر بعض الجماعات الشيعية المسلمة متفقة مع فكرة التناسخ التي تتجلى تحديداً في يوم القيامة الذي سيحل بعد سلسلة من الحيوات، وعندما يرسل الله الأرواح إلى الجنة أو إلى الجحيم بناءً على الجودة الأخلاقية لأفعالها خلال كل ما مضى من حيواتها السابقة. بشكل عام، فإن عقيدة التناسخ لا تتعارض بالتأكيد مع قيم الخير المعطاة في جميع الديانات العالمية الكبرى، إلا إنها -في رأيه- لا تحرك ساكناً لتأكيد فكرة العيش بحياة ملؤها الحب والأخلاق الحميدة، كأمر هام .. سواء كانت هناك حياة واحدة أو واحدة في سلسلة!
وأنا أختم .. فإني لأجد إشارات روحانية خفية بين آيات الذكر الحكيم .. يأسرني منها في كل صباح: “أَفَعَيِينَا بِالْخَلْقِ الأَوَّلِ * بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ”
= = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = =
نقلاً عن المفكرة: جاء تسلسل الكتاب (92) ضمن قائمة لا تنتهي من الكتب التي خصصتها لعام 2024، والذي أرجو أن يكون استثنائياً في جودة الكتب التي سأحظى بقراءتها فيه، وهو في الترتيب الأخير ضمن (12) كتاب خلال أغسطس، لم أتم اثنان منهم! أما عن اقتنائه، فقد حصلت عليه من موقع أمازون التجاري ضمن مجموعة من الكتب في يناير الماضي.
ومن قبل، وفي نفس المعضلة بين العلوم المادية والعلوم الروحية، فقد قرأت الرحلة العجائبية للجراح الأمريكي (د. إبين ألكسندر) في كتابه (Proof of Heaven) .. وكذلك الكتاب الأشهر (الحياة بعد الحياة) لمؤلفه (د. ريموند مودي)
ومن فعاليات الشهر: لا شيء سوى مواصلة النهار بالليل في القراءة وحدها .. وكأنه حلم تحقق!
ومن الكتب التي قرأتها في هذا الشهر: الدماغ والألم / أمير الظل / ميثوس: الأساطير اليونانية تحكى من جديد / حديث السكون / الطوفان: الحرب على فلسطين في غزة / بيت لحم والمسيح في كاريكاتير ناجي العلي
تسلسل الكتاب على المدونة: 542
التعليقات