بحس فكاهي يعلوه قدر من معلومات لا بأس بها، يصنّف صاحب متجر إنجليزي للكتب روّاده في سبع .. عدّهم عدّا! هكذا يعبّر عنوان الكتاب في رقم صحيح، في حين تتم صفحاته ثمان منهم .. الإرباك الذي يعزوه المؤلف صاحب المتجر إلى سوء تنظيمه، والذي افتقد عنصر التنبؤ بطبيعة الحال!
يضع (شون بيثل) كتابه أثناء الحظر العالمي الذي فرضه فايروس كوفيد، والذي يكشف فيه عن اشتياقه لزبائنه أولئك كاشتياقه لأصدقائه .. على حد سواء، بصرف النظر عن ذلك الجذاب منهم وذاك العدواني، وبصرف النظر عن حقيقتهم كمصدر دخل أوحد له، فضلاً عن افتقاده للتفاعل البشري المعتاد! وفي لفتة طيبة من أحد زبائنه حين يتصل به ليطلب منه نسخة من كتابه الثاني (اعترافات بائع كتب)، يطلب منه أن يضيف ما قيمته عشرة جنيهات إسترلينيه فوق إجمالي السعر شاملاً الطوابع البريدية! وحين يسأله شون عن السبب يقول: “لأنني أعرف مدى صعوبة الأوضاع الحالية للأعمال التجارية التي تُشبه عملك، وأريد منك أن تظل محافظاً على عملك حتى بعد أن تنتهي كل هذه الظروف الصعبة، حتى أتمكن من القدوم وزيارة المتجر مرة أخرى”. كذلك يتذكر شون تلك المرأة التي لم يلتق بها مطلقاً، لكنها بعثت له بشيك تطلب منه بلطف صرفه، وذلك استجابة لمقالة كتبتها روائية معروفة تدعو فيها القرّاء لدعم الأعمال الصغيرة خلال هذا الوقت العصيب. يعقّب شون على تلك اللفتات الإنسانية قائلاً: “هذا اللطف من الناس الغرباء يعقد لسانك، ويجعلك عاجزاً عن التعبير، ويدخلك في حالة من البكاء أسرع مما تفعله لكمة موجهة بشكل دقيق نحو ضفيرتك الشمسية”.
وعن أصناف رواد متجر الكتب الثمان حسب صاحب هذا المتجر في كتابه المترجم بحرفية (Seven Kinds of People You Find in Bookshops – By: Shaun Bythell)، والذين يتفرّعون بدورهم إلى أصناف أُخر، والذين اعتاد عليهم خلال فترة عمله الممتدة في عشرين عاماً، والذين قد يجد مرتاد المكتبات نفسه بينهم .. فهم:
- الصنف الأول: الخبير .. ومن أنواعه: الخبير، الممل، المنقذ، جامع الكتب القديمة، ميكانيكي المنازل
- الصنف الثاني: العوائل الشابة .. ومن أنواعه: الوالدان المتعبان، الطفل المتروك، الوالدان الطموحان، الأطفال المولعون بالكتب
- الصنف الثالث: عالم السحر والتنجيم .. ومن أنواعه: فنانون ظلاميون، أصحاب نظرية المؤامرة، العراف، صائد الأشباح، الشغوف بكتب الحرف اليدوية
- الصنف الرابع: المتسكع .. ومن أنواعه: متصفح كتب الإثارة الجنسية، المتسكع بدون هدف، شريك الحياة الممل، المؤلف الذي ينشر لنفسه
- الصنف الخامس: المتقاعد الملتحي .. ومن أنواعه: أصحاب الملابس الضيقة الليكرا، أصحاب البناطيل الحمراء، المتقشف، البخيل،
- الصنف السادس: المسافر الذي لا يعرف السكوت .. ومن أنواعه: صاحب الصفير، مستنشق مخاط الأنف، المدندن، مطلق الريح، الثرثار
- الصنف السابع: مؤرخ العائلة .. ومن أنواعه: الأمريكان، ليس هناك نوع ثان
- الصنف الثامن: الموظفون .. ومن أنواعه: الطالب هوغو، الطالبة ماري، اللاهث وراء الموضة، بائعو الكتب المستعملة، المدير
…. ثم يضيف شون حاشية بعنوان (صنف الزبون المثالي) قد يكون من الأفضل تسميتها بـ (الصنف التاسع) .. ومن أنواعه: جامعو كتب الروايات، جامعو الكتب التي تتحدث عن القطارات، الزبائن العاديون، عشاق كتب الخيال العلمي.
ومن صور هذه الأصناف التي قد لا تأتِ مألوفة للقارئ بينما هي مألوفة جداً لصاحب المتجر، أدوّن ما علق في ذاكرتي بعد القراءة، وباقتباس في نص ظريف (مع كامل الاحترام لحقوق النشر) إضافة إلى ما سبق من اقتباسات:
- عن (الأطفال المولعون بالكتب) التابعين لصنف (العوائل الشابة)، فهم يثيرون الإعجاب على قدر ما يثير آبائهم الحنق. يقول شون: “يحدث ذلك في المتجر أيضاً! عندما ينجذب الوالدان الذين لا يقرؤون إلى المكتبة على مضض من قبل أطفالهم الذين يتمتعون بحماس للقراءة. من الصعب عندما تكون قارئاً نهماً، أن تقبل حقيقة أنه ليس كل الآخرين مثلك، لكن الواقع أحياناً يصفعك على وجهك عندما ترى والدين يسحبان أطفالهما من أمام مكتبة، بدلاً من دخولها”.
- بعد الحديث عن الكرات الكريستالية المرتبطة بأشخاص غرباء ذوي لحى وملابس فضفاضة، يقرئون الطالع ويتنبئون بالمستقبل، وما للأمر من علاقة بتفسير الأحلام وأساطير شعوب السلت وفلسفة فنغ شوي الصينية ….، يصف شون القارئ (العراف) المصنّف تحت (عالم السحر والتنجيم) فيقول عنه وعن أقرانه: “غالباً ما يشترون كتباً حول كيف يبدأ المرء مشروعه التجاري الخاص، ولكن يجب عليهم في الحقيقة استثمار أموالهم في شراء كتب تتحدث عن التعامل مع التعسر المالي”.
- أما ضمن صنف (المتسكع)، فيدرج شون القارئ المراهق، لا سيما (متصفح كتب الإثارة الجنسية)، وقد راقب سلوك عدد من المراهقين في إقبالهم خلسة على تلك الكتب، وترقّبهم لأي عين قد ترصدهم، تحديداً والديهم .. فيقول وهو يجد مراقبة سلوكهم أمر جذاب: “هناك شيء جذاب إلى حدّ ما فيما يتعلق بأولئك المراهقين السفهاء -يمكنك سماع أصواتهم أثناء تجولك في المتجر- وهم يحشرون الكتب بقوة في الرفوف ويهربون في اتجاهات مختلفة عندما تقترب منهم. فآباؤهم -مثلنا- كانوا مذنبين بالجريمة نفسها في ذلك العمر، وسيغضون النظر عن فضول أبنائهم، لكن الأطفال وخاصة المراهقين ممتلئون بالرعب من القبض عليهم وهم يدخنون، أو يتصفحون المواد الإباحية، أو تظهر عليهم أية علامات على النضوج. إنهم يعرفون جيداً كيفية خداع البالغين وجعلهم يعتقدون بأنهم يسعون إلى التعرف على المزيد من الأعمال الأدبية النبيلة ويتابعون هروبهم من قسم الكتب الجنسية عندما يسمعون صوت والديهما وهما يقتربان، ويسلّحون أنفسهم بشكل مقنع بكتب عن تاريخ الكنيسة الإسكتلندية في العصور الوسطى، أو خطوط السكك الحديدية البخارية الفرعية في جلوسيستر شاير، أو أعمال ونستون تشرشل قبل الحرب العالمية الثانية. هذه هي الموضوعات التي يجب عليهم الآن تلقي كتب عنها من والديهما كهدايا بمناسبة أعياد الميلاد (الكريسماس) لما تبقى من حياتهم”.
- وفي نفس الصنف، وتحديداً مع (شريك الحياة الممل) من الجنسين، الذي تظهر عليها علامات نفاد الصبر في التنهيدات وعقد الذراعين والعبث في الهاتف المحمول والذي يصاحبه كلب في العادة، يصبح لملل الكلب اعتباراً عند الشريك الآخر الشغوف بالكتب أكبر من قلق زوجه الملول .. حقيقة مخيّبة! غير أن شون يورد مقولة معبّرة في حياة الموات الخالية من الكتب .. للروائي الأمريكي جورج مارتن التي يقول فيها: “قارئ الكتب يعيش ألف حياة قبل أن يموت .. أما الرجل الذي لا يقرأ أبداً فيعيش حياة واحدة فقط”.
= = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = =
نقلاً عن المفكرة: جاء تسلسل الكتاب (59) ضمن قائمة لا تنتهي من الكتب التي خصصتها لعام 2024، والذي أرجو أن يكون استثنائياً في جودة الكتب التي سأحظى بقراءتها خلاله، وهو في الترتيب (4) ضمن قراءات شهر يونيو. وعن اقتنائه، فقد حصلت عليه من معرض للكتاب أقيم الشهر الماضي بإحدى المدن العربية، ضمن (250) كتاب كانوا حصيلة مشترياتي من ذلك المعرض.
ومن فعاليات الشهر: القراءة فقط ولا شيء سواها .. وذلك عظيم.
ومن الكتب التي قرأتها في هذا الشهر: قناع بلون السماء / لماذا نقرأ الفلاسفة العرب؟ / بين الجزر والمد / كيف تلتئم: عن الأمومة وأشباحها / الحياة مهنة تافهة
وعلى رف (المكتبات) المحبب لي في مكتبتي، عدد يزيد عن (70) كتاب، بعضها قديم .. أذكر منها: (بم يفكر الأدب؟ تطبيقات في الفلسفة الأدبية) – تأليف: بيار ماشيري / (القراءة والقارئ: صورة في البلاغة الأدبية) – تأليف: فيليب دايفيس / (بضع جمل قصيرة عن الكتابة) – تأليف: فيرلين كلينكنبورغ / (يوميات القراءة: تأملات قارئ شغوف) – تأليف: ألبرتو مانغويل / (لماذا نكتب؟ عشرون من الكتاب الناجحين يجيبون على أسئلة الكتابة) – تأليف: ميريديث ماران / (غربة الكاتب العربي) – تأليف: حليم بركات / (يوميات طفل يقرأ) – تأليف: منغ شيان مينغ / (العالم المكتوب) – تأليف: مارتن بوكنر / (المكتبات تاريخ مضطرب) – تأليف: ماثيو باتلز / (مكتبة باريس) – تأليف: جانيت سكيزلين تشارلز / (مهنة الكتابة) – تأليف: راضي النماصي / (من كتبي: اعترافات قارئة عادية) – تأليف: آن فاديمان / (أخلاقيات القراءة) – تأليف: هيليس ميلر / (أهل الكتابة والقراءة) – تأليف: فتحي المزين / (مكتبة ساحة الأعشاب: قل لي ماذا تقرأ أقل لك من أنت) – تأليف: إيريك دو كيرميل / (أنثى الكتب) – تأليف: شهرزاد / (اقرأ أي شيء) – تأليف: أنيس منصور / (لماذا أكتب؟) – تأليف: جورج أورويل
تسلسل الكتاب على المدونة: 509
التعليقات