الكتاب
لماذا نقرأ الفلاسفة العرب؟
المؤلف
دار النشر
آفاق للنشر والتوزيع
الطبعة
(1) 2017
عدد الصفحات
108
النوع
ورقي
تاريخ القراءة
06/18/2024
التصنيف
الموضوع
فلاسفة العرب مقابل فلاسفة الغرب
درجة التقييم

لماذا نقرأ الفلاسفة العرب؟

كتاب يبحث بتعمق في آراء فلاسفة العرب المسلمين، التي ازدهرت خلال القرون الممتدة من الثامن حتى الخامس عشر .. من بغداد في الشرق حتى قرطبة في الغرب، حيث شكلّت بدورها جزءاً رئيساً في تاريخ الفكر الإنساني، على الرغم من الزعم في نسبة الفلسفة العربية المتداولة حالياً إلى العصر العربي الوسيط .. غير أن صياغتها ضاربة في القدم إلى ما قبل عشرة قرون!

تطور علم الفلسفة عربياً خلال تلك الفترة تطوراً غير مسبوق، إضافة إلى تطورها في روح الشريعة الإسلامية، فقد قال جان جوليفيه، العالم المختص بعلوم العصر الوسيط، إن: “الفلسفة وُلدت مرتين في الإسلام: أولاً في صورة اللاهوت الأصلي أو علم الكلام، ثم في صورة التيار الفلسفي الذي يتغذى في أغلبه على المصادر اليونانية”. ومما يثير العجب، هو أن الميلاد الثاني المنبثق من الفكر اليوناني لم يسعَ إلى تأكيد حججه من خلال ما جاء مع الميلاد الأول العقائدي، بل تشكّل كوريث للتراث اليوناني الوثني، غير أن هذا الاستقلال الفلسفي لم يمنع فلاسفة العرب المسلمين من التمييز بين الدين وعلم الكلام.

في نفس الوقت ولإسباغ الحجة، سعت الفلسفة العربية القائمة على علم الكلام البرهاني لا الوحي الإلهي، إلى الاستعانة بالمنطق الأرسطي في الوصول إلى الحقيقة، كما ظهر جلياً في آراء الفيلسوف القرطبي ابن رشد التي ضمّنها كتابه (فصل المقال وتقرير ما بين الشريعة والحكمة من الاتصال) لا سيما عن العقل كمصدر أول للفكر، حيث -في رأيه- أن الشرع حين حرّض على إعمال الفكر في الموجودات واستنباط المجهول من المعلوم، فقد أكدّ على القياس العقلي الذي قال به أرسطو! يعقّب المؤلف على هذا في مدخل كتابه، قائلاً: “بهذا النمط من التفكير، تصبح الفلسفة مفسراً للنصوص المقدسة، ومن هنا تستمد شرعيتها بالإشارة إلى بعض الآيات. وليو شتراوس من بين مفكرينا المعاصرين قد لفت انتباهنا إلى هذا التفرد في الفلسفتين العربية واليهودية التي تضع دائمًا الحقيقة أمام محكمة القانون الإلهي: بالنسبة لليهودي والمسلم الدين ليس كما هو الحال بالنسبة للمسيحي عبارة عن إيمان صيغ في عقائد، لكنه قانون، ومدونة قانونية من أصل إلهي. والعلم الديني أو المذهب المقدس ليس هو اللاهوت العقائدي، ولكن علم القانون، الهالاكا أو الفقه”.

وفي هذا النمط الفكري، يتخذ ابن رشد شعاراً يتمثل في الحق الذي لا يمتلكه أحد بعينه، بل يتتابع عبر ثقافات مختلفة يستوجب النظر فيها بالضرورة. والمؤلف إذ يؤكد على هذا النمط، ينقل عن ابن رشد ما قاله وهو في القرن الثاني عشر: “لا يمكن لأحد أن يمتلك كل الحق، إنه تتابع أجيال واستمرار مؤكد بين ثقافات مختلفة تقدم صورة له: «وإذا كان الأمر هكذا، وكان كل ما يحتاج إليه من النظر في أمر المقاييس العقلية قد فحص عنه القدماء أتم فحص، فقد ينبغي أن نضرب بأيدينا إلى كتبهم، فننظر فيما قالوه من ذلك»”.

لا يغفل المؤلف عن التطرق إلى “واجب الإنسانية” الذي يعتبر مؤشراً لكل صورة من صور التحضّر، فقد ولى أولئك الفلاسفة جسد الإنسان اهتماماً بالغاً كجانب هش لديه! فحين كان أغلبهم من الأطباء، فقد ضمّنوا فلسفاتهم إرشادات طبية ظهرت من خلال إعمال العقل كذلك، حيث تظهر كتابات ابن رشد في الصحة، والرازي في الأغذية، وابن سينا في النباتات الدوائية ….، والتي لم تنفصل عن هذا الالتزام الإنساني بأبعاده المتعددة، لا سيما الفلسفية.

يختم المؤلف بحثه عن السؤال الذي عنون به كتابه، بمفردة (الحكمة)، والتي وجدها قد ساعدت كلا الفريقين من فقهاء العرب وفلاسفتهم في توكيد حججهم، لا سيما وهم يستندون فيها إلى الشريعة الإسلامية! فقد كانت تعبّر عن مداخل ثلاث للحقيقة، الأولى حكمة في البرهان كالتي تتطلب تصديق ما متعلق بعقيدة أو بنظرية، والثانية حكمة في الوقوف على أكثر المناهج الجدلية ترجيحاً، والثالثة حكمة في الحذر الملحق بالأقوال المدعمة بصور مجازية.

أما عن محتويات الكتاب الذي لا بد وأن يستعصي فهمه على القارئ غير المطلع على علوم الفلسفة، فتندرج تحت سبعة مباحث رئيسية، نال بها الكتاب اثنتان من رصيد أنجمي الخماسي، وهي:

  1. الفلسفة العربية تراث من الإنسانية
  2. التزام بقضية الحق
  3. التاريخ، المدينة، الحضارة
  4. النموذج الطبي
  5. معرفة الجسم الإنساني
  6. الحكمة بين الفلسفة والقانون
  7. تمدّن وتاريخ

ومنها، أدوّن ما علق في ذهني بعد القراءة، وباقتباس في نص حكيم (مع كامل الاحترام لحقوق النشر) إضافة إلى ما تقدم من الاقتباسات:

  • عن العقل الكوني لدى ابن رشد .. يقول المؤلف في (الفلسفة العربية فلسفة خادمة): “العقل لدى ابن رشد ليس أولاً إنسانياً كما هو الفكر. إنه مقام في التفكير يشارك الإنسان فيه، ولكنه ليس من الأصل في داخله”.
  • وعن السهروردي في التأمل الروحي، والذي تفتقر إليه فلسفة أرسطو .. يقول المؤلف في (أنبياء وفلاسفة): “في نظره، يفتقر هذا التراث الأرسطي إلى الصلة بالإلهام واللجوء إلى الرمز أو إلى الحكاية الرمزية التي تدخل الفيلسوف إلى الطريق الروحي ﴿وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِن نُورٍ﴾ لأن الصوفي إذا كان محروماً من القدرة الفلسفية فهو ناقص، كذلك الفيلسوف إذا لم يكن مصحوباً بالرؤية الشخصية للعلامات والملكوت يكون هو أيضاً ناقصاً وبلا أهمية؛ فهو رجل لم يستمع إلى العالم الروحي”.
  • وعن الدين حين يأتي من دون فلسفة، والفلسفة حين تعاند الدين كفكر مضاد .. يقول المؤلف في (الدين بين التاريخ والمفهوم): “وبهذا توجد استمرارية واقعية بين الكتاب المقدس والقرآن من جانب، والفكر القديم من جانب آخر، كما أشار إلى ذلك مراراً ليو شتراوس: «الفكرية الموجهة التي اتفق بشأنها اليهود واليونان هي بالتحديد فكرة القانون الإلهي كقانون واحد وكلي وهو في نفس الوقت قانون ديني، قانون مدني قانون أخلاقي وهي بالفعل فلسفة يونانية للقانون الإلهي التي هي أساس الفلسفة اليهودية والإسلامية في التوراة أو الشريعة»”.

 

= = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = =

نقلاً عن المفكرة: جاء تسلسل الكتاب (58) ضمن قائمة لا تنتهي من الكتب التي خصصتها لعام 2024، والذي أرجو أن يكون استثنائياً في جودة الكتب التي سأحظى بقراءتها خلاله، وهو في الترتيب (3) ضمن قراءات شهر يونيو. وعن اقتنائه، فقد حصلت عليه من معرض للكتاب أقيم الشهر الماضي بإحدى المدن العربية، ضمن (250) كتاب كانوا حصيلة مشترياتي من ذلك المعرض.

ومن فعاليات الشهر: القراءة فقط ولا شيء سواها .. وذلك عظيم.

ومن الكتب التي قرأتها في هذا الشهر: قناع بلون السماء / سبعة أصناف من الأشخاص تجدهم في المكتبات / بين الجزر والمد / كيف تلتئم: عن الأمومة وأشباحها / الحياة مهنة تافهة

وعلى رف (المنطق والفلسفة) في مكتبتي عدد يقارب (140) كتاب .. أذكر منها: (علم الجمال في الفلسفة المعاصرة) – تأليف: مجاهد عبدالمنعم / (هكذا تكلم زرادشت) – تأليف: فريدريك نيتشه / (كتاب الاغاليط) – تأليف: نجيب الحصادي / (التفكير الفلسفي عند ابن رشد) – تأليف: د. سلمى بو غازي / (إرادة الاعتقاد) – تأليف: وليم جيمس / (المذاهب الوجودية من كيركجورد الي جان بول سارتر) – تأليف: ريجيس جوليفيه / (التأملات في الفلسفة الأولى) – تأليف: ديكارت / (على مرتفعات اليأس) – تأليف: إميل سيوران / (رسائل من المنفى) – تأليف: لوكيوس سينيكا / (تاريخ الشك) – تأليف: جينيفر مايكل / (التفكير الناقد: طرح الأسئلة المناسبة) – تأليف: نبيل براون / (اكتشاف اللذة: شذرات قورينية) – تأليف: ميشيل أونفري / (كيف تكون وجودياً) – تأليف: غاري كوكس / (النجاة في الحكمة المنطقية والطبيعية الإلهية) – تأليف: ابن سينا / (في اليقين) – تأليف: لودفيج فتجنشتين / (المعجزة السبينوزية: فلسفة لإنارة حياتنا) – تأليف: فريدريك لونوار / (العقل والطبيعة في عالم طبيعي) – تأليف: ريتشارد كارير / (All About Greek Philosophy) – تأليف: Don Domonkos

تسلسل الكتاب على المدونة: 508

تاريخ النشر: يونيو 21, 2024

عدد القراءات:281 قراءة

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *