الكتاب
الحياة المريبة للجثث البشرية
المؤلف
الكتاب باللغة الأصلية
Stiff: The Curious Lives of Human Cadavers - By: Mary Roach
المترجم/المحقق
د. إيمان معروف
دار النشر
منشورات تكوين
الطبعة
(1) 2023
عدد الصفحات
400
النوع
ورقي
تاريخ القراءة
03/26/2024
التصنيف
الموضوع
الموتى في خدمة الأحياء
درجة التقييم

الحياة المريبة للجثث البشرية

على قدر ما حمل الكتاب من أشكال الرعب وبواعث القلق ولواعج الحزن وصور أخرى تثير التقزز لا محالة، فهو كتاب علمي جاء في لغة مبسطة حول الجسد البشري، والذي كشف عن مدى النفع الذي من الممكن أو حتى من غير المتوقع لجثمان بشري أن يقدمه، ما قد لا يخطر على بال أي إنسان عادي!

لقد تبيّن أنه مع كل إجراء جراحي ابتكره الطب من زراعة القلب إلى تغيير الجنس، قد كانت الجثث تجاور الجراحين طوال الوقت “تصنع التاريخ بطريقتها الهادئة والمميزة” .. أو ربما على طريقة (الجندي المجهول)!. فعلى مدار القرنين الماضيين، ساهمت الجثث -جبراً أو اختياراً- في أكثر التجارب العملية شجاعة وغرابة! فلقد كانت هناك في فرنسا مع أول اختبار للمقصلة كبديل عن الإعدام شنقاً .. وكانت في مختبرات روسيا مع الذين قاموا بتحنيط الزعيم الشيوعي فلاديمير لينين .. كما كانت حاضرة في تقارير الكونجرس الأمريكي تدعم الحجة حول إلزامية استخدام حزام الأمان .. كما صعد أجزاء منها إلى الفضاء الواسع عبر رحلة مكوك فضائي .. وقد صُلبت مرة أخرى في مختبر فرنسي من أجل التأكيد على أصالة كفن مقدس.

نعم، هكذا تؤكد مؤلفة الكتاب الأمريكية المتخصصة في تناول الأمور العلمية، الغريبة والشاذة .. فالجثث البشرية تفعل كل تلك الأشياء، وهي “في مقابل خوض تجاربها هذه، توافق الجثث على الخضوع لكمية كبيرة من الممارسات المقززة والقاتمة. تُقطع أوصالها، وتبقر أحشاؤها، ويُعاد ترتيبها. ولكن المهم هنا أنها لا تكابد المشاق. الجثث أبطالنا الخارقون، تتحدى النار دون أن تتراجع، وتصمد أمام السقوط من المباني الشاهقة، وتصادم السيارات بالجدران! يمكنك إطلاق النار على الجثث، أو تمرير زورق سريع على أرجلها، ولن يزعجها ذلك. يمكن نزع رؤوسها دون إضرار بها. يمكن أن تكون في ستة أماكن بوقت واحد. ولو أخذت وجهة نظر سوبرمان، فإنَّه من العار هدر هذه القوى، وعدم استغلالها في تحسين النوع البشري”.

تعرض صفحة المحتويات اثنا عشرة موضوعاً والتي عرضت لحقائق علمية وثقافية وتاريخية عن الجثث البشرية مع قدر من الفكاهة، يحصد بها الكتاب رصيد أنجمي الخماسي كاملاً .. وهي كما يلي:

  1. رأس الإنسان رائع يجب ألا يُهدر: ممارسة الجراحة على الموتى
  2. جرائم التشريح: خطف الجثث وحكايات دنيئة أخرى من فجر تشريح الإنسان
  3. الحياة بعد الموت: عن تحلل جسد الإنسان، وما يمكن فعله حيال ذلك
  4. رجل ميت يقود سيارة: دُمى التجارب التصادمية والعلوم المروعة والضرورية لدراسة تأثير الصدمات
  5. ما وراء الصندوق الأسود: عندما تروي جثث الركّاب قصة تحطم الطائرة
  6. الجثة التي التحقت بالجيش: المبادئ اللزجة للرصاص والقنابل
  7. الجثة المقدسة: تجارب الصلب
  8. كيف تعرف بأنك ميت؟: الجثث النابضة، ودفن الأحياء، والبحث العلمي في الروح
  9. رأس فقط: قطع وإنعاش وزراعة رأس الإنسان
  10. تناولني: أكل لحوم البشر، والزلابية البشرية
  11. خارج النار، داخل حاوية السماد: طرق جديدة أخرى للتخلص من جثة
  12. رفات المؤلفة: هل ستفعلها أم لا؟

ففي دهاليز الحياة المريبة التي جعلت للجثث البشرية سيرة ذاتية واحدة، محطات! فهناك وسط مشرحة في إحدى كليات الطب، مقلاة فرن جمعت أربعين رأساً منها، تجمّع حولها جراحو تجميل وتقاسم كل اثنان منهم رأساً واحدة يتدربان على عملية شد الجفون .. في حين راجت في أوروبا القرن التاسع عشر تجارة خطف الجثث على يد عصابات جشعة من أجل توريدها لعلماء التشريح الذين لم يظهر الكثير منهم آنذاك أي ندم في تقطيع أوصالها فور استلامها .. وخلف مركز طبي لجامعة حديثة، حديقة شاسعة غنّاء يتقافز بين أغصانها السناجب، في حين يستلقي على تلالها الخضراء وتحت شمسها الساطعة جثث على ظهورها، تمكّث أياماً ليتمكن الطب الجنائي من معاينة تحللها الكيميائي والبيولوجي تدريجياً .. أما المهندسون الحيويون ومصنّعو السيارات معاً، فقد عرّضوا الجثث لحوادث سيارات مفتعلة، نجمت عن تهشّم وجوهها، وتكسّر سيقانها، وتهتكّ أعضائها الداخلية، وتمزّق أوعيتها الدموية، وإصابة قلوبها إصابات بالغة ….، ما فعّل من إلزامية أحزمة الأمان والأكياس الهوائية وأزرار لوحات القيادة، وغيرها من التشريعات المرورية .. لم يختلف الأمر مع الجثث وهي في السماء في تجارب تحاكي تحطّم الطائرات أو غرقها أو اصطدامها بمرتفعات أو انفجارها بفعل قنابل مزروعة على متنها .. فمع تفتت الجثث أو احتراقها أو تقطع أطرافها أو تحولها إلى أشلاء أو تشظيها بالكامل، قد أعطت دليلاً حياً على شدة الضرر الجسدي ودرجة العطل التقني، ومن ثم ابتكار أنظمة أكثر فعالية في السلامة ……، وهناك من المحطات (المروّعة) المزيد التي تجعل الأموات -بكل إخلاص- في خدمة الأحياء!

ومن الكتاب الفريد من نوعه والذي جاء عن ترجمة احترافية من نصّه الأصلي (Stiff: The Curious Lives of Human Cadavers – By: Mary Roach)، أدوّن ما علق في ذهني بعد القراءة، وباقتباس في نص حي (مع كامل الاحترام لحقوق النشر) إضافة إلى ما سبق:

  • في مراقبة أولى مراحل تحلل جسد الإنسان، والتي تُعرف بالمرحلة (الطازجة)، تبدو أن السمة المميزة هي في عملية “التحلل الذاتي أو الهضم الذاتي”، والتي تستخدم فيها الخلايا البشرية الأنزيمات من أجل تفتيت المركبات إلى مواد بسيطة، وقد كانت الخلايا فيما سبق -وهي حية- تسيطر على تلك الأنزيمات وتمنعها من محاولة الالتهام. تقول المؤلفة وهي تعاين إحدى الجثث: ثمة شيء آخر يجري الآن! حبيبات أرز تتلوى وتتكدس في سرة الرجل. إنها حفلة رقص مكتظة بحبيبات الأرز، لكن حبوب الأرز لا تتحرك. لا يمكن أن تكون هذه حبوب أرز. ليست كذلك! إنها ذباب يافع”. ولهذا التكالب المفاجئ من الذباب، تفسير علمي، هو “أن الذباب يضع بيضه على نقاط دخول الجسم العينان والفم والجروح المفتوحة والأعضاء التناسلية”.
  • تموت (السيدة H) دماغياً، لكنها تهب قلبها وكبدها وكليتيها للأحياء! وكحقيقتين متناقضتين، كم تبدو السيدة على قيد الحياة إلى درجة كبيرة، في حين يتعاقب عليها الجراحون واحداً تلو الآخر في أخذ ما يلزم من أعضاء عائدين ومحمّلين بها إلى مرضاهم المترقبين. تختم المؤلفة حديثها عن الجثث النابضة وتقول قولاً إنسانياً: “لكن H مختلفة بالفعل! لقد منحت فرصة الشفاء لثلاثة مرضى، ووفرت لهم وقتاً إضافيا على الأرض. كم هو رائع أن تكون قادراً كشخص ميت على تقديم هدية بهذا الحجم. معظم الناس يرفضون هذا النوع من العطاء وهم على قيد الحياة. إن الجثث مثل H أبطال بين الموتى. إنه لأمر مذهل بالنسبة لي ومحزن جداً، مع وجود ثمانين ألف شخص في قائمة الانتظار لزراعة القلب والكبد والكلى المتبرع بها، ووفاة ستة عشر شخصاً يومياً من تلك القائمة، فإن أكثر من نصف الأشخاص في الوضع الذي كانت فيه عائلة H سيقولون لا، سيختارون حرق تلك الأعضاء أو السماح لها بالتحلل. نتحمل مشرط الجراح لإنقاذ حياتنا، حياة أحبائنا، ولكن ليس لإنقاذ حياة شخص غريب. لا تمتلك H قلباً الآن، ولكن (بلا قلب) هو آخر شيء يمكن أن تصفها به“.
  • وعبر فكرة مرعبة في إجراء عملية زراعة رأس إنسان، تتساءل إحدى الفرضيات عن إمكانية المضي قدماً وزراعة رأس مقطوع تواً على جسم لا يزال حياً ويتنفس، بحيث سيتمكن من الحصول على إمداد مستمر من الدم .. وطالما أنه بالإمكان الحفاظ على الرأس المتبرع وظيفياً متضمناً الدماغ (الذات)، بواسطة الإمداد الخارجي المتدفق بلا انقطاع من الدم المطلوب!!. تنقل المؤلفة عن أحد أطباء فرنسا في القرن التاسع عشر، تجربته في معاينة رأس سجين يُدعى (لانجيل) لحظة سقوط شفرة المقصلة على عنقه: إليكم إذن ما تمكنت من ملاحظته مباشرة بعد قطع الرأس: تقلص جفنا وشفتا الرجل تقلصات إيقاعية غير منتظمة لمدة خمس أو ست ثوان … وتوقف! استرخى الوجه، وأغمض الجفنان جزئياً على مقلتي العينين، تماماً كما يحدث مع المحتضرين الذين نشهدهم يومياً في ممارسة مهنتنا. عندئذ ناديت بصوت قوي وحاد: (لانجيل)، ثم رأيت الجفنان يرتفعان ببطء، دون أي تقلص تشنجي … تماماً كما يحدث في الحياة اليومية مع الأشخاص الذين يستيقظون فجأة أو ينتزعون من أفكارهم. ثم ركزت عينا لانجيل بوضوح على عيني وتمركزت الحدقتان. لم أكن بالتالي أتعامل مع النظرة الباهتة الغامضة والتي لا تحمل أي تعبير ويمكن رؤيتها في أي يوم عند الأشخاص المحتضرين الذين أتحدث إليهم، بل أتعامل مع عينين حيتين لا يمكن إنكارهما، كانتا تنظران إلي. بعد ثوان، يغمض الجفنان مرة أخرى، ببطء وبشكل متساو، ويأخذ الرأس نفس المظهر الذي كان عليه قبل أن أصرخ. في تلك اللحظة، صرخت باسمه مرة أخرى، وأخرى، وبدون أي تشنج، ارتفع الجفنان ببطء وبوضوح، وثبتت العينان الحيتان على عيني ربما بتركيز أكبر حتَى من المرة الأولى. حاولتُ اختبار تأثير الصراخ لمرة ثالثة؛ ولم ألحظ المزيد من الحركة .. وثبتت العينان على نظرة زجاجية كنظرة الأموات”.

ختاماً أقول: وكأن الجسد البشري وهو يجسّد عظيم صنع الخالق .. يأبى إلا أن يخدم البشرية حياً وميتاً.

 

= = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = =

نقلاً عن المفكرة: جاء تسلسل الكتاب (30) ضمن قائمة لا تنتهي من الكتب التي خصصتها لعام 2024، والذي أرجو أن يكون استثنائياً بحق في جودة الكتب التي سأحظى بقراءتها فيه، وهو في الترتيب (10) ضمن قراءات شهر مارس .. وقد حصلت عليه من متجر (بيت الكتب) الإلكتروني في ديسمبر العام الماضي، ضمن (120) كتاب تقريباً كانوا حصيلة مشترياتي من تلك الشحنة.

وعلى رف (العلم) في مكتبتي، عدد متزايد من الإصدارات، فضلاً عن تلك القديمة التي انضمت إليها من مكتبة العائلة  .. أذكر منها: (سين جيم) – تأليف: شريف العلمي / (مثلث برمودا) – تأليف: خليل فضل عبود / (الكوارث: الموت الآتي من الأرض والفضاء) – تأليف: أديب أبي ضاهر / (أغرب من الخيال: سر الأطباق الطائرة) – تأليف: راجي عنايت / (أمور لا تصدق) – تأليف: مايك باركر / (الثقوب السوداء والأكوان الناشئة) – تأليف: ستيفن هوكينج / (شرخ في التكوين) – تأليف: د. جنفر داودنا / (حتى نهاية الزمن) – تأليف: برايان جرين / (نظام الزمن) – تأليف: كارلو روفيللي / (قصة الأصل) – تأليف: ديفيد كريستيان / (مبدأ الريبة) – تأليف: ديفيد لندلى / (عن هذا الكون الفسيح: حقائق عن الكون، والظهور الأول، ونطاق العِلم) – تأليف: نيل دغراس تايسن / (نرد أينشتين وقطة شرودنجر) – تأليف: د. بول هالبرن / (طبيعة العالم الفيزيائي: النظرية النسبية ونظرية الكم وأسئلة الإنسان الكبرى) – تأليف: سير آرثر ستانلي إدنجتون / (عالم الرياضات العجيب) – تأليف: جين أكياما

من فعاليات الشهر: يقابله في العام الهجري 1445 شهر رمضان المبارك، والذي انقطع فيه عادة عن القراءة، غير أنني تمكّنت من استقطاع وقتاً يسيراً للقراءة في هذا العام، وكان مثمراً.

تسلسل الكتاب على المدونة: 480

تاريخ النشر: أبريل 1, 2024

عدد القراءات:479 قراءة

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *