الكتاب
بورخس وأنا
المؤلف
المترجم/المحقق
حسين نهابة
دار النشر
دار سطور للنشر والتوزيع
الطبعة
128
عدد الصفحات
(1) 2020
النوع
ورقي
تاريخ القراءة
12/03/2023
التصنيف
الموضوع
الأدب الإسباني بقلم مثقف عربي
درجة التقييم

بورخس وأنا

كتاب في أروقة الأدب الإسباني .. عني المترجم في انتقاء مقالات أبرز أعلامه بمهارة! حيث تناولت المقالات في العموم سير أولئك الأعلام وأهم أعمالهم الأدبية، وسمحت كذلك بالتعرّف عليهم من عدة جوانب شخصية، مثل أمزجتهم وأفكارهم وفلسفاتهم وخواطرهم وتأملاتهم وتوجهاتهم الأدبية وبعض من أسرارهم. فمن الأسباني (فدريكو لوركا) الذي ألقى خطاباً في قريته بمناسبة افتتاح مكتبتها العامة، وقد أشاد بسكّانها الذين كانوا يحملون إحساساً فنياً بالفطرة و “إحساس فني بالسعادة التي تحملها الحياة” .. إلى الأسباني الآخر (غوستافو بيكر) الذي شاهد في “مقدمة سيمفونية” عقله الراشد ينهار ليمتزج الناس أمامه بأطيافهم المختلفة، فلا يعي حينها الحقيقة من الخيال .. إلى الأرجنتيني (خورخيه بورخيس) الذي كان يرى نفسه في كل من عرفهم من الكتّاب والناس والنساء والمدن والأسلاف، فيمضي عمره في الهرب أو في النسيان أو في اختراع أشياء أخرى .. إلى صاحب دون كيخوتيه، الأسباني (ميغيل دي سرفانتس) وأعماله العبقرية الأخرى، كالرواية الرعوية “لا غاليتيا” وهي تعبّر عن رؤيته في الحب، ومسرحيته “مأساة نومانثيا” وكانت عن الحرب التي دارت في أيبيريا خلال حقبة ما قبل التاريخ، وروايته المتخيلة في كلبين يتحدثان ليلاً أسماها “مناجاة الكلاب” .. انتهاءً بـ الأسباني (خوسيه أورتيغا) ومفهومه عن الحياة، وضباب الأسباني (ميغيل أونامونو)، وخطة الأسباني (بيوباروخا) الفلسفية، وقصيدة الأرجنتيني (مارتين رودريكو) الملعونة الأخيرة!

ومن جانب آخر لا يزال يصول في ميدان الأدب، ألحق المترجم بأولئك الرواد في الأدب الإسباني، آخرون، كالروائي الألماني هيرمان هسه، والشاعر الإنجليزي تيد هيوز، ومواطنه الفيلسوف برتراند راسل، والفيلسوفة الوجودية الفرنسية سيمون دي بوفوار. أما الكتاب إضافة إلى محتواه الأدبي، فقد شابه شيء من الفلسفة والتحليل الفكري والنقد الأدبي، وقد جاء متخصصاً في بعض أجزائه، لا سيما لأولئك الناطقين باللغة الإسبانية أو المطلعين على ثقافتها، ما قد ينغلق على إدراك القارئ العادي، كما في المقالة العاشرة (سرفانتس واللغة الأسبانية – الباحثة الأرجنتينية: سوزانا مارتوريل دي لاكوني)، والمقالة الثانية عشرة (مفهوم الحياة: الكاتب الأسباني خوسيه اورتيغا أي غاسيت)، والمقالة الأخيرة (رافائيل سانجيث فيرلوسيو: حجر الهيكل الأخير)!

ومن الكتاب الذي أصاب ثلاث من رصيد أنجمي الخماسي، أدوّن بعض مما علق في خاطري بعد القراءة، وباقتباس في نص عذب (مع كامل الاحترام لحقوق النشر):

  • في مقالة (نصف رغيف وكتاب: الكاتب الأسباني فدريكو غارثيا لوركا) يتطرّق لوركا في خطبته إلى الجهد المطلوب من كل كاتب لإنتاج كتاب، مع مراعاة التأثيرات التي سيحدثها. لكن! كيف كان حال الكتب والكتّاب في السابق؟ هنا يعود لوركا إلى حقبة ما قبل التاريخ ويقول: “لكن قبل أن يتمكن الإنسان من إنشاء الكتب ونشرها، لابد أن نفكر في المأساة والصراع المرير الذي خاضه من أجل هذا الهدف. كان الانسان البدائي يعمل كتبه من الحجر، أي إنه كان يكتب رموز أديانه فوق الجبال. لم يكن لديه وسيلة أخرى، فكان ينقش على الحجر حنينه واشتياقه للخلود والبقاء على قيد الحياة، والذي يميز الانسان عن الحيوان. ثم بدأ يستخدم المعادن. هارون، كاهن العبرانيين، شقيق موسى كان يحمل الألواح المنقوشة من الذهب على صدره، وكذلك أعمال الشاعر اليوناني “هيسيودو” الذي كان أول من رأى آلهة الشعر ترقص فوق قمم جبال “هليكون”، كانت تكتب على صفائح من الرصاص. ثم بدأ الكلدان والآشوريون يكتبون مخطوطاتهم وتأريخهم على الآجر، فكان لديهم مكتبات عظيمة من الألواح الفخارية، لأنهم كانوا شعباً متحضّراً ومتفوقاً في علم الفلك، وهم أول من بنى الأبراج العالية وخصّصوها لدراسة قباب السماء. كان المصريون يكتبون على بوابات معابدهم المدهشة، وفوق قطع نباتية مستطيلة قابلة للطي، تُدعى “بردي”. وهنا يبدأ الكتاب الفعلي. ولأن المصري كان يمنع تصدير هذه المادية النباتية، ولأن شعب “بير كامو ” كان يرغب بامتلاك مكتبة وكتباً، بدأ يستخدم الجلود الجافة للحيوانات للكتابة فولد “الرق” الذي انتصر فيما بعد على “البردي” واستعمل كمادة متفردة لصناعة الكتب، حتى أكتشف الورق”.
  • وفي مقالة (قراءة وامتلاك كتاب: الكاتب الألماني هيرمان هسه) يصبح للكتاب تأثير غريب -حسب اعتقاد هسه- وأن الأبوين يرتكبان خطأ في إعطاء ابنهما كتاباً ممتازاً من وجهة نظرهما، حيث أن لكل فرد حقه في إيجاد طريقه الخاص نحو عالم الكتب. لذا، فهو يقول في كتابه (كتابات حول الأدب): “لكن هناك قانون واحد وسبيل واحد للإفلاح والتنمية الفكرية للكتب، هو احترام ما يُقرأ والصبر من أجل حب الإدراك، والخشوع للصبر والاستماع. الإنسان الذي يقرأ من أجل التسلية، سيقرأ وينسى وسيكون بعدها أكثر فقراً، لكن الذي يقرأ الكتب التي تثريه، مثل إصغائه الى الأصدقاء، ستكون ملكاً له. إن القارئ الحقيقي لن يزلّ ولن يضيع، بل سوف يبقى معه، ينتسب إليه ويتسلى به، مثلما يفعل الأصدقاء المخلصون”.

ومع إطراء إبداعات أولئك الأعلام، فإن للمترجم نصيب ككل مجتهد! فقد أبدع بدوره أيما إبداع في نقل محتوى تلك المقالات باحترافية، وهو يحظى بسيرة ذاتية لا تقل إبداعاً، تظهر في مؤهلاته الأكاديمية ومناصبه الإدارية وإصداراته الأدبية والتاريخية وإسهاماته في أعمال الترجمة، وما حصد بها من جوائز محلية وعالمية .. وهو يبدو مؤمناً بدور المترجم الحيوي في عملية التبادل الثقافي بين الشعوب، ولا بد لكتابه هذا من أن يشعل فتيل الفضول لدى كل قارئ لا يقف نهمه عند حد في تلقي المزيد من المعرفة.

وعلى هامش مادة الكتاب الغنية، ثمة فائدة! فكما قال الأديب المصري أنيس منصور في مقالته (كتاب يدعي قراءته كل الناس) الواردة في كتابه (كتاب عن كتب): ‎”هناك كتب مثل الخرائط تهديك إلى غيرها” .. فإن هذا الكتاب كان خير دليل نحو اكتشاف كتب جديدة! فقد أشار بين مقالاته إلى العديد من الكتب التي قد تدفع القارئ النهم إلى اقتنائها أو الحصول على نبذة عنها، كأضعف الإيمان. أذكر منها على سبيل المثال: المرآه المكسورة – لمؤلفته: أجاثا كريستي / الفردوس المفقود – لمؤلفه: جون ملتون / مدينة الله – لمؤلفه: القديس أوغسطين / هكذا تكلم زرادشت – لمؤلفه: فريدريك نيتشه / رأس المال – لمؤلفه: كارل ماركس / كتابات حول الأدب – لمؤلفه: هيرمن هيسه / الغجرية الصغيرة – لمؤلفه: ميغيل دي سرفانتس / النكات وعلاقتها باللاوعي – لمؤلفه: سيجموند فرويد / عنف المتعصبين – لمؤلفه: خوسيه لازارو / نهر الخاراما – لمؤلفه: رافائيل سانشيث فيرلوسيو

وأختم مع خطبة (فدريكو لوركا) مرة أخرى عند افتتاح مكتبة القرية والتي جاء ذكرها تحت مقالة (نصف رغيف وكتاب)، فأنقل: “لقد شرحتُ لكم الجهود التي كلفت الإنسان حتى تمكن من إنتاج الكتب كي يطالها الجميع. أتمنى أن يخدم هذا الدرس الصغير والمتواضع كل الذين أحبوا الكتب وبحثوا عنها مثل بحثهم عن صديق، لأن الإنسان يموت، والأشجار تموت، بينما تبقى الكتب حية، خضراء متجددة أبداً تفتحها في أية دقيقة وفي أية ساعة بحثاً عن إجابة لسؤال أو تسلية” .. وبدوري، أرجو أن تكون مدونتي المتواضعة قد خدمت جزءاً مما عناه الشاعر، حيث يرحل الإنسان ولا يبقى سوى أثره .. وهو الشاعر الذي عرفته من قبل في قوله العذب: (كتب كتب .. ها هي كلمة سحرية تعادل كلمة .. حب حب).

 

= = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = =

نقلاً عن المفكرة: جاء تسلسل الكتاب (44) في قائمة من (50) كتاب خصصتها لعام 2023 والذي رجوت مع بدايته أن يكون استثنائياً في جودة الكتب التي سأحظى بقراءتها فيه، وهو ثالث ما قرأت خلال شهر ديسمبر ضمن تسعة كتب .. وقد حصلت عليه في نفس العام من معرض للكتاب بإحدى المدن العربية ضمن (400) كتاب كانوا حصيلة مشترياتي من ذلك المعرض.

ولأن هذا الكتاب عني بالأدب الإسباني الذي تشكّل العربية ربع مفردات لغته، ولأنني أحمل من الشغف للتراث الأندلسي الشيء الكثير، فقد خصصت ضمن تصنيفات الكتب الرئيسية في مدونتي تصنيف (أندلسيات).

وعلى رف (الأدب العالمي) في مكتبتي تصطف إصدارات متنوعة من الثقافة الإسبانية، أذكر منها: (ذاكرة القراءة) تأليف (ألبرتو مانغويل) / (الحب في زمن الكوليرا) تأليف (غابرييل غارسيا ماركيز) / (الخيميائى) تأليف (باولو كويلو) / (المنور) تأليف (جوزيه ساراماجو) / (كتاب اللاطمأنينة) تأليف (فرناندو بيسوا) / (الشتاء في لشبونة) تأليف (أنطونيو مونيوز مولينا) / (نظرية عامة للنسيان) تأليف (جوزيه أغوالوسا) / (هيا نشتر شاعراً) تأليف (أفونسو كروش) / (ميتتان لرجل واحد) تأليف (جورج أمادو) / (أبناء الزمن: تقويم للتاريخ البشري) تأليف (إدواردو غاليانو) / (مدينة من بخار) تأليف (كارلوس رويث ثافون) / (الحنين إلى الممكن) تأليف (أنطونيو تابوكي) / (نية حسنة) تأليف (اندرس باربا) / (الحياة في خريطة) تأليف (نونو جوديس) / (تجليات بورخيس) تأليف (حسونة المصباحي) / (الفراشة والمرآة) تأليف (سعيد بنعبد الواحد)

من فعاليات الشهر: تتصادم الأولويات لدي عادة في آخر شهر من كل عام! فهناك دائماً ما هو ضروري لإنجازه قبل بدء العام الجديد .. الضروري الذي يعيق الضروري الدائم لدي .. (القراءة).

وفي هذا الشهر، استلمت شحنة كتب جديدة تجاوزت حمولتها المائة وعشرين كتاب .. حمّلتها أمنياتي لقراءة أكثر غنى في العام الجديد.

تسلسل الكتاب على المدونة: 444

تاريخ النشر: ديسمبر 19, 2023

عدد القراءات:547 قراءة

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *