الكتاب
لا سكوت بعد اليوم: مواجهة الصور المزيفة عن الإسلام في أميركا
المؤلف
الكتاب باللغة الأصلية
Silent No More: Confronting America's False Images of Islam - By Paul Findley
دار النشر
شركة المطبوعات للتوزيع والنشر
الطبعة
(2) 2001
عدد الصفحات
396
النوع
ورقي
تاريخ القراءة
06/03/2015
التصنيف
الموضوع
دفاع صادق عن الإسلام بقلم غير مسلم
درجة التقييم

لا سكوت بعد اليوم: مواجهة الصور المزيفة عن الإسلام في أميركا

تحليل موضوعي حول الصورة النمطية الشائعة عن الإسلام والمسلمين في الولايات المتحدة الأمريكية، ومحاولة جريئة وصادقة في التصدي للزيف الممنهج حولهما، في الولايات وفي العالم أجمع .. قام به السياسي المحنك (بول فندلي Paul Findley) -العضو الأسبق في الكونجرس الأمريكي- في حيادية، ومن خلال معايشة واقعية لأفراد مسلمين وغير مسلمين داخل المجتمع الأمريكي وخارجه.

يعرض الكتاب جانب من سيرة الكاتب الذاتية والذي يُعتبر جزء لا يتجزأ منه، حيث يتطرق إلى رحلته الأولى نحو مجاهل ديار العرب في مهمة رسمية، والتي كانت بمثابة استهلال لرحلة استكشافية طويلة خاضها الكاتب فيما بعد للتعرف على الإسلام وأتباعه عن قرب، حتى يأتي هذا الكتاب كثمرة لتلك الرحلة!. لقد قصد عدن، عاصمة الجمهورية اليمنية الديمقراطية الشعبية عام 1974، للوساطة في قضية أحد الناخبين في ولاية إيلينوي، والذي تم اعتقاله بتهمة تجسس بدت ملفّقة.

لم تكن رحلته الاستكشافية التي تلتها أقل شائكية، فقد أخذ الكاتب على عاتقه مهمة تعريف المجتمع الأمريكي بالأقلية المتنامية بين أطيافه، والتي تدين بدين لا يختلف عن المسيحية في إعلاء مبادئ الرحمة والمساواة وكرامة الإنسان، والعمل على إزالة كل لبس يحوط به!. لقد تبنى في سعيه هذا مناصرة القضايا العربية لا سيما الفلسطينية، الأمر الذي تصدى له اللوبي اليهودي في الكونجرس بلا هوادة!. لم يقرر بعد ذاك النضال التزام الصمت، بل أسمع العالم صوته من خلال صيحته (Silent No More: Confronting America’s False Images of Islam) المدوية في كتابه، والتي لا يزال يتردد صداها بعد رحيله عن عالمنا عام 2019.

تعرض صفحة المحتويات ثلاثة عشرة فصلاً رئيسياً أسردها تباعاً، لا تقل عناوينها إثارة عن مضمونها .. قد حظي معها الكتاب بأربع نجمات من رصيد أنجمي الخماسي:

  1. الفصل الأول: النسب الخفي
  2. الفصل الثاني: غرباء في وسطنا
  3. الفصل ‏ الثالث: الإرهاب والافتراء
  4. الفصل الرابع: عامل “طالبان”
  5. الفصل الخامس: “هذه حقائق نؤمن بها”
  6. الفصل السادس: سواسية كسنيّن من أسنان المشط
  7. الفصل السابع: ربط مريف بالإسلام
  8. الفصل الثامن: ردم الهوة
  9. الفصل التاسع: الطلاب يرشدون إلى الطريق
  10. الفصل العاشر: كسر جدار الصمت
  11. الفصل الحادي عشر: الطريق إلى النجاح الحزبي
  12. الفصل الثاني عشر: تصويت الكتلة الانتخابية الإسلامية
  13. الفصل الثالث عشر: المضي في التحدي

…. بالإضافة إلى ما يتقدم الكتاب من صفحات في (كلمة الشكر، ومقدمة الطبعة العربية، ومقدمة عن الرحلة غير المتوقعة)، وما ينتهي به من (الملاحق، وقائمة المنظمات العربية والإسلامية الواردة فيه). وعن كلمة حق لا بد منها هنا، فإن ترجمة الكتاب جاءت متمكنة جداً إلى درجة يظن القارئ بأن العربية هي لغة الكتاب الأصلية. أقول هذا وقد عانيت الأمرّين من بعض الكتب المترجمة التي لا تقل عن ترجمة محرك البحث (جوجل) سوءاً.

يزخر الكتاب بالعديد من القضايا القديمة-الحديثة الساخنة، مع الكثير من الأمثلة الحية الداعمة لها، والتي ازدحم ذهني بها .. الأمر الذي وضعني في حيرة عن ماذا أدون منها!؟ قد تفي الأسطر القادمة بالغرض، والتي اقتبس معها مقتطفات من الكتاب في نص يأخذ من الإسلام لونه (مع كامل الاحترام لحقوق النشر):

ملاحظة: عادة، يعتمد أسلوبي في التدوين على التعبير بـقلمي عن محتوى الكتاب ككل بعد قراءته، مع القليل من الاقتباسات بما يخدم عرض محتواه بشكل جيد. رغم هذا، أستثني الكتب التي تجمع بين موضوعية الرأي وبديع الأسلوب في قالب واحد، بحيث يصبح نقل النص كما ورد هو الخيار الأمثل، بدلاً من التعبير عنه وفق أسلوب آخر. لذا، تدفعني بعض الكتب لاقتباسات أكثر مما اعتدت عليه، وهذا قلّما يحدث في مراجعاتي! جاء هذا الكتاب ضمن هذا الاستثناء، لذا وجب التنويه.

ملاحظة أخرى: ترد بعض التعليقات في نص أزرق .. لا تعبّر سوى عن رأيي الشخصي

  • مع المقدمة (رحلة غير متوقعة)، ومع مخيلة الكاتب التي لا يزال يمثل فيها بشاعة التمييز العنصري الذي عانى منه اليهود في الولايات المتحدة الأمريكية في الماضي القريب، وزيارته وزوجته مدينة (كيب تاون) عام 1989 بدعوة من الداعية (أحمد ديدات) لأجل المشاركة في خطاب عام، ومخالطته للجالية الإسلامية وغيرها من جاليات الديانات الأخرى ….، قد مثّلت جميعها دافعاً كبيراً للكاتب في وضع هذا الكتاب، وفي اتخاذ موقفاً احتجاجياً صارماً في مبنى الكابيتول ضد سياسة بلاده في الشرق الأوسط فور عودته من مهمته في اليمن. يقول عن هذا الاحتجاج: “وطالبت الحكومة الأمريكية بإلحاح بوقف تقديم المساعدات كافة إلى اسرائيل حتى تكف عن انتهاك حقوق الإنسان الفلسطيني، وتوقف الهجمات العسكرية ضد لبنان”. لقد دفع الكاتب ثمن احتجاجاته المستميتة التي امتدت إلى ثمانية أعوام معارضات قوية في مبنى الكابيتول، انتهت بسقوطه في حملة الانتخابات عن ولاية إيلينوى.
  • ثم يكمل على نفس الوتيرة ليلقي الضوء على بعض الصور النمطية المأخوذة عن المسلمين، والتي تُعتبر “العائق الأكبر أمام الانسجام والتعاون بين الديانات والثقافات، فهي تربط الإسلام بالإرهاب والتعصب، واستعباد المرأة، وانعدام التسامح تجاه غير المسلمين، والعداء للديمقراطية، وعبادة إله غريب وانتقامي”.
  • يقرّ الكاتب بعالمية الدين الإسلامي الذي يشمل جميع البشر على أسس راسخة من القيم. فيقول وهو لا يزال في المقدمة: “وتعلمت في مراحل لاحقة من مسيرتي أن الإسلام مثل المسيحية واليهودية متأصل في السلام والانسجام والمسئولية العائلية واحترام الأديان والتواضع والعدل لكل البشر، تحت رحمة إله واحد. إن الإسلام دين عالمي متعدد الثقافات، ومتعدد الأعراق، يدعو إلى الأخوة والمساواة بين الناس جميعاً، بغض النظر عن العرق أو الجنسية أو العقيدة الدينية”. ثم يتحدث عن انطباعاته في قول صاف: “إنني إذ أتذكر، أدرك أن عدن كانت أول محطة لي في استكشاف العالم الإسلامي. وفي المحطات التالية التي توقفت فيها، فتحت عيني على ثقافة مستندة إلى الشرف والكرامة وقيمة كل انسان، علاوة على التسامح وطلب العلم، وهي معايير عرفت فيما بعد أنها متأصلة عميقاً في الدين الإسلامي. إنها أهداف كانت ستلقى استحسان أجدادي المسيحيين”.
  • ثم يستمر ليوضح أنه عل الرغم من تلك المبادئ الأساسية والمشتركة بين الأديان الابراهيمية “يواجه المسلمون مصاعب يومية في مجتمع أميركا المسيحي في غالبيته. إن معظم الأميركيين لا يعرفون أي مسلم، وما زالوا غافلين عن وجود المسلمين المتنامي بوتيرة سريعة في الولايات المتحدة، ولم يناقشوا يوماً الإسلام مع أي شخص مطلّع على هذا الدين، ولم يقرأوا يوماً آية واحدة من القرآن الكريم، وتنبع أغلب تصوّراتهم عن الإسلام من الصور السلبية المزيّفة التي تظهرها التقارير الإخبارية والأفلام والمسلسلات التلفزيونية والحوارات في الإذاعة والتلفزيون”.
  • وعن إيمان المسلمين المطلق بميلاد السيد المسيح المعجز، يعترف القس (مونكيور كونوي) عل مضض في اجتماع تم عقده بحضور ممثلين من الديانات المختلفة في كلكتا، وبعد أن أدلى ممثل المسلمين برأي الإسلام القاطع فيه، بأن: “المسلمون ليسوا مسيحيين إلا (أنهم) الوحيدون في الشرق الذين يؤكدون حرفياً صحة المعجزات كافة التي تُنسب إلى المسيح في الأناجيل أو في فقرات من الكتاب المقدس لها صلة بميلاده، ومن النادر أن تجد متشككاً بينهم”.
  • وهو لا يزال في المقدمة، يتحدث عن الكارثة الإنسانية التي أحدثتها حكومة بلاده في ناغازاكي وقد عاصر أحداثها. فيقول في نبرة تفضح شرورها: “في عام 1455 اشتركت كتيبة سيبي التي كنت أخدم فيها في الغزو الضخم الذي حرر جزيرة غوام من اليابانيين. وبعد خمسة عشر شهراً وعقب استسلام اليابان، اشتركت كتيبتي في احتلالها. وبعيد الإنزال، قدت سيارة جيب إلى مدينة ناغاساكى المجاورة، حيث قتلت قنبلة ذرية أميركية واحدة أكثر من ستين ألف مدني قبل وصولي ببضعة أسابيع، وأرغمت اليابان على إنهاء الأعمال الحربية. استكشفت دائرة الركام التي بلغ قطرها أكثر من ميلين. وكانت هي كل ما بقي من تلك المدينة الصناعية الكبيرة بعد انفجار القنبلة. وتأملت في القوة المخيفة للذرة”.
  • في الفصل الأول الذي جاء بعنوان (النسب الخفي)، يتحدث عن جهل المجتمع الأمريكي بدين الإسلام واتباعه، حيث حمل الكثير من المفاهيم المغلوطة التي لا تشي سوى ببربرية أولئك القوم الذين يُدعون بـ (المحمديين)!. فينقل عن معلمتهم والتي رغم تصورها المشابه “عطوفة”: “إن شعبا أميّاً وبدائياً وميّالاً إلى العنف يعيش في مناطق صحراوية في الأراضي المقدسة، ويعبد إلهاً غريباً”. ثم يكمل: “وما زلت أذكر من طفولتي المبكرة أنها كانت تسميهم (محمديين) وتواظب على تكرار قولها (إنهم ليسوا مثلنا)”. يسترجع ذكرى هذا الحديث مع مشهد يظهر فيه هو وأقرانه وهم يلهون في تل من الرمل، يغرسون فيه “أشكالا مصغرة لأشجار النخيل والجمال والخيم والبدو”. يعترف الآن بأن تعليقات معلمتهم تلك قد حفرت في ذاكرته صورة “عن المحمّديين كأناس غرباء جهلة ويضمرون الأذى للآخرين”. لكنه يلتمس العذر لما كانت عليه تلك الصورة من تضليل، فيقول: “كانت معلّمتي مثلها مثل العديد من الأميركيين اليوم، تكرّر ببراءة الأضاليل التي اكتسبتها من أناس آخرين يفتقرون إلى المعرفة الوافية. فقد كانت تردد في صفنا ما كانت تعتقد أنه الحقيقة، بما في ذلك التسمية المغلوطة (المحمديون). لا أظنّها تعمدت تقديم معلومات مضلّلة أو الافتراء على الإسلام، كانت بكل بساطة تفتقر إلى الحقائق شأنها شأن المعلّمات الأخريات والقس الذي ترأس أبرشيتنا”. يذكر الكاتب أنه لم يتيقن من سبب رفض المسلمين لتسميتهم بـ (المحمدين) حتى بلوغه سن السابعة والسبعين “وقد شرح هذا السبب (أندرو باترسن) الكاتب الذي اعتنق الإسلام قائلاً: إنها تشي بسوء فهم عميق للإسلام، وتوحي بأن المسلمين يعبدون النبي محمداً كإله. إنهم يبجلون محمداً ويجلونه كآخر رسل الله، غير أنهم لا يعبدونه. وفي الحقيقة أن الإيمان بإله واحد يحتل المرتبة العليا من أركان الإسلام الخمسة”. ثم يستطرد باترسن في شرح أركان الإسلام الخمس له. يعزو الكاتب اعتقاد المسيحيين بتأليه النبي محمد لدى المسلمين لما يقوم عليه الدين المسيحي -رغم تصنيفه عالمياً كدين توحيدي- على الثالوث المقدس.
  • ثم يضيف الكاتب فوق الجرح ملح حين يذكر ترتيلة (إلى الفرسان في الأيام الخوالي) التي كان يُفتتح بها المراسم العامة، والتي كانت تشيد بالفرسان المسيحيين الصليبيين المجاهدين في الأراضي المقدسة وهم يعملون سيوفهم في رقاب المسلمين الأبرياء، وقد تخلوا عمّا ينادي به كتابهم المقدس من تسامح ورحمة وعدل، واستطابوا سفك الدماء. ينقل الكاتب تعليقاً لأحد الصليبيين عن “المشهد الدموي في القدس” حيث “طاف رجالنا شاهري السيوف في أرجاء المدينة. لم يبقوا على أحد حتى أولئك الذين التمسوا الرحمة. وخاضت الخيول في الدماء حتى ركبها، بل حتى اللجام. كان ذلك حكماً عادلاً ورائعاً من الله”. ثم يسترسل في ذكر المجازر التي تغنت بها الترتيلة فيقول: “ولم تقتصر المجزرة على القدس، فقد أقدم الصليبيون وهم يبحثون عن الوثنيين والملحدين على قتل مسلمين ويهود وحتى مسيحيين آخرين في أنحاء الشرق الأوسط ولا سيما في أنطاكية والقسطنطينية”. لكن “وبالمقابل، لم تسفك أي دماء في الفترات الثلاث المنفصلة التي سيطر فيها المسلمون على القدس”.
  • ومع خواتيم الفصل الأول، ينقل الكاتب عن (الأمير تشارلز) ولي عهد العرش البريطاني، قول ينم عن عقلانية وبصيرة ونزاهة، حيث “يعتقد الأمير تشارلز وريث العرش البريطاني الذي يجعله منصبه هذا رئيساً فخرياً لكنيسة إنكلترا أن بوسع المسيحيين تعلّم أمور كثيرة من المسلمين. وفي خطاب متلفز ألقاه عام 1993 في جامعة أوكسفورد، لحظ تشارلز مآثر الإسلام للحضارة الغربية، حين قال: يمكن للإسلام أن يعلّمنا اليوم طريقة للفهم والعيش في عالم كانت المسيحية هي الخاسرة عندما فقدته. ذلك أننا نجد في جوهر الإسلام محافظته على نظرة متكاملة إلى الكون، فهو يرفض الفصل بين الإنسان والطبيعة، وبين الدين والعلوم، وبين العقل والمادة، وقد حافظ على نظرة ميتافيزيقية، وموحدة عن أنفسنا وعن العالم من حولنا”. ويبدو أن الرجل -حتى يومنا هذا- لا يزال يبطن إسلامه .. وإن العرش لعزيز!.
  • ينتقل الكاتب في الفصل الثاني والمعنون بـ (غرباء في وسطنا) إلى الحديث عن أوائل المسلمين الذين قدموا إلى قارتهم أرقّاء سود مكبّلين بالسلاسل، وقد شحن التجّار البيض بعض منهم إلى الكاريبي، وفرّقوا البعض الآخر على المستعمرات البريطانية حول العالم. فيقول في لحن يشوبه العار: “يُقدّر أنه عبر السنين وفي أحد أسوأ الفصول المخزية في تاريخنا، استُرقّ على نحو دائم في الولايات المتحدة ما يقرب من عشرة ملايين إنسان، كان زهاء 25% منهم من المسلمين أرغموا على التخلي عن دينهم”. ثم يسترسل ليتحدث عن المسلمين الآخرين الذين قدموا طواعية إليهم، فيقول في نبرة عزة: “وتشير وثيقة قديمة إلى أن البحارة المسلمين قَدِموا إلى أميركا الشمالية في عام 1178، أي قبل ثلاثة قرون من رحلة كولمبوس الأولى. وكان بعض أولئك البحارة من الصين وآخرون من غرب أفريقيا. وفي عام 1312، كان مسلمون من منطقة مالي في افريقيا أول من استكشفوا المناطق الداخلية التي أصبحت فيما بعد الولايات المتحدة، مستخدمين نهر المسيسبي طريق مرور لهم. وفي عام 1492 كان عدة بحارة مسلمين بين بحارة كريستوفر كولمبوس أثناء رحلته الناجحة إلى العالم الجديد. وحمل معه أيضاً وثيقة يشير فيها العالِم العربي الإدريسي إلى أن ثمانية مستكشفين مسلمين قد اكتشفوا قارة جديدة قبل ذلك بعدة سنوات”.
  • ويتحدث في نفس الفصل عن الملاكم الأمريكي (محمد علي) كرمز إسلامي بارز، والذي اختار النهج المعتدل خلاف ما كانت تسير عليه منظمة أمة الإسلام من “عقائد انفصالية عنصرية” والتي انفصل عنها فيما بعد!. وبالإضافة إلى لقبه كـ “رياضي القرن” فإنه “يشتهر أكثر من ذلك بشجاعته الهادئة في ظل الضغط السياسي. يلقى محمد على تقديراً كبيراً لصراحته المتسمة بالشجاعة عندما يتحدث في المسائل العامة، ولتمسكه بقناعاته، وقد كلفه ذلك غالياً في مهنته كرياضي”. ثم يستطرد في اطراء الملاكم قائلاً على لسان الصحفي (ماكس والاس) في صحيفة نيويورك تايمز بأن “محمد علي غيّر فعلياً عالم الرياضة إلى الأبد عندما وضع حدّاً للتسامح المتّسم بحس التفوق نحو السود في عالم الرياضة. وهو ممارسة عنصرية شاعت في أيام بطل الملاكمة الأميركي الأفريقي الأسبق (جو لويس). فقد كان لويس يحظى بإطراء الكتّاب الرياضيين بوصفه (مفخرة لبنى جنسه) لأنه حافظ في العلن على مسلك يتّسم بالطواعية والاستكانة والتواضع. يقول والاس: (كان محمد علي أيضاً مصمّماً على أن يكون مفخرة بنى جنسه). إلا أن لتلك الكلمات مغزى مختلفاً جداً عمّا كانت تعنيه لجو لويس. ويقول عالم الاجتماع الرياضي (هاري إدواردز): (قبل محمد على كان الرياضيون السود مجرد مقاتلين في القرن العشرين، سخُروا أنفسهم لخدمة المجتمع الأبيض)”.
  • يستعيد ذكرى زيارته الأولى إلى مدينة دبي عام 1988 ولقاءه بأحد رجال الأعمال الذي أصبح صديقاً مقرباً له فيما بعد، وحديثهما عن إيواء كبار السن دار المسنين. يقول: “فعندما قدمني لوالدته قال إنه أصّر على أن تعيش معه خلال سنواتها الباقية. وعندما قلت له إن والدتي الأرملة أعلنت أنها تنوي العيش في دار للرعاية قرب عائلتي ابنتها وحفيدتها بعد أن عاشت عدة سنوات مع إحدى شقيقاتي، اعترض قائلاً: (لا تدعها تفعل ذلك وإلا ندمت طول عمرك. ينبغي أن تصرّ على أن تقضي والدتك بقية حياتها مع أحد أبنائها)”. يقول الكاتب أنه استرجع في الأثناء تعليق والد زوجته عن هذا الأمر، حيث كان يقول: “تستطيع ‏الأم أن ترعى عشرة أبناء، غير أن عشرة أبناء لا يستطيعون رعاية أم واحدة”. ثم يقول في أسى وهو لا يزال يسترجع وصية صاحبه وتعليق حموه: “على الرغم من توصيتي، أصرّت والدتي أن تعيش في دار رعاية المسنين. ومنذ ذلك الحين ينتابني شعور بالذنب”.
  • ومع انتقال الكاتب إلى الفصل الثالث الذي حمل عنوان (الإرهاب والافتراء) وهو يشي بخطورة ما يحمل من تطرف فكري ضد المسلمين في المجتمع الأمريكي، يورد حادثة وقعت في يوليو عام 1999 في ولاية نيوجيرسي كان بطلها (ريجينالد كوري) حين اقتحم بنكاً وادعى “تحت وطأة الحاجة إلى المال لشراء الهيرويين أنه مسلم، وسلّم أمين صندوق أحد البنوك ورقة كتب فيها: (بسم الله. في حوزتي قنبلة، وأنا راغب في الاستشهاد في سبيل قضية الإسلام. ضع كل المال في الحقيبة ولا تكن بطلاً). فما كان من أمين الصندوق المرتعب إلا أن أطاعه بسرعة، ثم ما لبثت الخدعة أن كُشِفت إثر اعتقال كوري”.
  • يستطرد الكاتب ليتحدث مناضلاً وكأنه من بني جلدتنا، وقد عرّى الإزدواجية العالمية في تعاطي الحوادث الإرهابية ما بين المسلمين وغير المسلمين، والتي يعتبرها من أخبث صور تنميط الإسلام .. فحيث ما يُذكر الإسلام يُذكر الإرهاب! يقول: “هناك العديد من المنافقين بين قادة المسيحيين، لكن الإسلام بخلاف الأديان الأخرى يُربط في الأخبار والتقارير والمقالات بالعنف باستمرار، في حين أنه نادراً ما تُذكر ديانة الفاعلين عندما تُرتكب أعمال مروّعة على أيدي أناس ينتمون إلى ديانات أخرى. فالتقارير الإخبارية لم تُشر إطلاقاً إلى المذابح المرتكبة ضد ألبان كوسوفو بأنها أعمال قتل ارتكبها الصرب الأرثوذكس، وأن البورميين يُقتلون بأيدي البوذيين، وأن الفلسطينيين يُقتلون بأيدي اليهود. فالجناة يُحددون روتينياً بهويتهم القومية وليس بانتماءاتهم الدينية، إلا عندما يكونون مسلمين. إذ لا يُنظر إلى مرتكبي العنف المسيحيين بأنهم يشوهون سمعة المسيحية، ولكن إذا ارتكب مسلم إثماً فإن هذا الإثم يُصور كعنصر من عناصر الخطر الإسلامي الداهم على أميركا. وعندما نقف لنتأمل في حقد الدولة اليهودية التي تغزو لبنان وتقتل الألوف، والتي تقصف بيوت الفلسطينيين وتقتلعهم من وطنهم، فإننا نقاوم مغريات التفكير أن العنف والتعصب من دعائم اليهودية. لا ريب في أننا نجد هنا مكيالين يُكال بهما، حيث يُلقى اللوم على الإسلام في النزاعات الدولية”. وفي معرض الكتاب، يتطرق الكاتب إلى التسامح الذي يتحلى به غير المسلمين كأفراد لا حكومات. فيذكر الممثلة الأمريكية اليهودية الأصل (ميلي أفيتال) والتي أدت بنجاح منقطع النظير دور شهرزاد الأسطوري في (الليالي العربية)، حيث قالت عن سعادتها بتقديم دور شخصية عربية: “أنا جزء من جيل جديد لا يؤمن بهذه الأمور وكلما ازدادت الثقافات في العالم كان ذلك أفضل، ولو قُدر لي أن أقوم بدور يمثل جيراني (الفلسطينيين) لكان ذلك عظيماً. إن لديهم ثقافة جميلة”. لقد شاهدت الفيلم الأسطوري سابقاً، وقد أثار إعجابي بقدر ما أثار تساؤلاتي حول إعطاء دور شهرزاد العربية إلى يهودية شقراء!؟.
  • ثم ينتقل الكاتب إلى الفصل الرابع (عامل “طالبان”) والذي يُقرأ من عنوانه، فيعرض مشهد عمّ فيه الاستياء العالمي مداه “عندما أمرت طالبان بتدمير تمثاليّ بوذا العملاقين المحفورين في الصخر قبل زمن طويل من ظهور الإسلام. وتُعد أفغانستان أحد المواقع الأولى للديانة البوذية. وللتمثالين قيمة تاريخية لا تضاهى في علم الآثار”. وفي حين ثارت المظاهرات المنددة، عبّر القادة المسلمون عن أسفهم مؤكدين على أن الإسلام وإن كان “يعارض تصوير شخصياته الدينية ويعارض عبادة الأصنام، ولكنّه لا يصفح أبداً عن تدمير رموز الديانات الأخرى”.
  • أما الفصل الخامس الذي حمل عنوان (هذه حقائق نؤمن بها)، فقد تطرق فيه الكاتب إلى لقائه مع الداعية (أحمد ديدات) رئيس المركز الدولي للدعوة الإسلامية، في جنوب أفريقيا، وتقاسمهما محاضرة ألقياها أمام حشد كبير من الناس. قام الداعية “بتقديم صورة عن الحكم الإسلامي مغايرة تماماً لتلك التي أبرزتها بعد سنوات تقارير وسائل الإعلام عن طالبان في أفغانستان”، وقد أخبره الداعية أنه دبّر عرض نسخاً من كتابين للجمهور. كان الأول كتابه (من يجرؤ على الكلام)، أما الثاني فكان “نص دستور الحكومة العالمية” حسب تعبير الداعية. أثار هذا فضول الكاتب وتساؤلاته الذي كان “مهتماً منذ زمن بعيد بالمنظمات الدولية التي من شأنها حماية حقوق الإنسان وإحلال السلام في العالم. فمن ألف الكتاب؟ وأي شكل من أشكال الحكم يقترح؟” فيقول: “تعجّبت من أن يكون في وسع الحكومة الجديدة المقترحة أن تنجز ما قصّرت عن إنجازه الأمم المتحدة، ومنظمات دولية أخرى”. حتى يفاجئ الكاتب بأن الدستور المعني لم يكن سوى (القرآن الكريم)، وقد جاوز مبيعاته مبيعات كتابه المذكور في نهاية المحاضرة.
  • واستكمالاً للتصورات حول الإسلام والمسلمين، يستمر الكاتب في الفصل الخامس بعرض آراء بعض الأمريكيين البارزين المتفاوتة. فبينما يرى (آندرو باترسون) بأن “ليس كل المسلمين متنوّرين، ولن أستطيع أبداً النفاذ إلى عقول المتزمّتين، ولكن بعضهم يحاول عزل المسلمين عن الغرب”، يشير بروفيسور العلوم السياسية والدراسات الإسلامية (رالف بريبانتي) إلى الحروب الأهلية الدائرة بين المسلمين أنفسهم، إذ “من السخرية القاسية أن يجد المسلمين أنفسهم مُبتلين بصراع إسلامي-إسلامي في الفترة التي أصبحوا فيها متحررين من السيطرة الاستعمارية”. غير أن (إبريل زوشيت) تنقل عن المسلمين إيمانهم بالديمقراطية الأمريكية كمبدأ أساسي يقوم عليه الإسلام، إذ تقول: “إن معظم المسلمين لا يرون أن الديمقراطية ابتدعتها وتتعهدها الولايات المتحدة أو العالم الغربي. العكس هو الصحيح. إنهم يضعون الإسلام في هذا المقام، ولا يرون أن المسلمين يحاولون محاكاة المثل الغربية العليا. إنهم بدلاً من ذلك غالباً ما يلحظون باستحسان أن الولايات المتحدة تطبق المبادئ الإسلامية”.

وللمرأة المسلمة نصيب غزير في معظم فصول الكتاب، حيث أخصّ السطور القادمة بما جاء في شأنها، لكن في نص معتم يأخذ من ضبابية صورتها النمطية لدى الغرب، لا يُعفى المسلمين أنفسهم من دورهم الجزئي فيه:

  • بينما يصّرح الكاتب في الفصل الرابع (عامل “طالبان”) بأنه نظام “غير إسلامي” من عدة وجوه، لا سيما اقتصاده القائم في الدرجة الأولى على انتاج الهيروين، حيث “تشكل المخدرات أكبر مصدر دخل من صادرات أفغانستان”، يورد ما جاء في كتاب (طالبان) لمؤلفه (بيتر مارسدين)، من صور التمييز ضد المرأة في المجتمع الأفغاني، وذلك من خلال أنظمة رسمية “تشكل انتهاكاً صارخاً لتعاليم الإسلام” وُضعت موضع التنفيذ لا سيما في كابول والمناطق الخاضعة تحت هذا النظام. منها:
    • ممنوع على النساء مغادرة بيوتهن إلا برفقة رجل حتى في حالة طوارئ تتطلب الاستعانة بطبيب أو الانتقال إلى مستشفى
    • ممنوع أن يقوم طبيب بمعالجة النساء إلا نادراً رغم النقص الحاد في عدد الطبيبات
    • ممنوع عمل المرأة خارج البيت إلا في عدد من أنواع الأعمال يحدّدها “طالبان”
    • على المرأة عندما تكون خارج بيتها أن ترخي برقعاً يحجب وجهها
    • المدارس الحكومية للذكور فقط فلا وجود لمدارس البنات إلا على الورق

بالإضافة إلى:

    • يجب على كل الذكور الإلتحاء وإقامة الصلوات الخمس في المسجد يوميا في مواقيتها
    • أجهزة التلفزة محرمة بموجب القانون
  • وفي الفصل السادس (سواسية كسنيّن من أسنان المشط)، يعيب الكاتب على الأمريكيين استشهادهم الدائم بالتمييز السافر ضد المرأة في البلاد الإسلامية “كدليل على أن الإسلام يتساهل حيال إساءة معاملة النساء ويتغاضى عنها. وصحيح أن هذا التمييز موجود وغالباً ما يكون شديداً، إلا أن القيادات الإسلامية تصرّ على أن أي شكل من أشكال قمع النساء واضطهادهن ينتهك تعاليم الإسلام وقواعده، إذ إِن معظم التمييز ناشئ عن العادات الوحشية وعن الشوفينية الذكورية، لا عن القرآن أو السنة”. وفي سؤال مختصر مفيد: وهل أنصف المرأة (تغني) علماء الإسلام الدائم بديباجة (تكريم الإسلام للمرأة)، ثم التصدي (لسانياً) ضد كل من تسوّل له نفسه الطعن فيها؟ ما لم تفعّل قوانين الإسلام في التكريم المتغنى به، فهو إذاً تكريم زائف!.
  • على الرغم من اعتقاد الأمريكيين بتطبيق المسلمين نظام تعدد الزوجات في بلادهم على حد سواء مع البلاد الإسلامية، فإن “زعماء المسلمين الأميركيين يؤكدون أن تعدد الزوجات عمل لا يغتفر، لأنه يشكل خرقاً للقانون العام، وهو نادراً ما يحصل في أوساط المسلمين الأميركيين. أما حالاته النادرة في أميركا فأفضل ما يقال فيها أنها شاذة”. ويؤكد سلام المراياطي -مدير مجلس الشئون الإسلامية في لوس أنجلوس- بأن هذا النظام مخالف للقانون الأمريكي، وبأن “الذين يمارسون تعدد الزوجات يكونون على الأرجح غير متعلمين، فقراء منعزلين عن غيرهم من المسلمين”. ويستكمل المراياطي حديثه عن مفهوم إجازة هذا النظام عند المسلمين والذي يعتبره مغلوطاً ومرفوضاً، لاسيما وهم يغفلون عن الشروط الصارمة -وأقول: بل التعجيزية- التي يفترضها الدين، فضلاً عن العقاب الأخروي في حال الإخلال بها.
  • يستمر المراياطي في حديث شهم عن عزة المرأة المسلمة وحقوقها ومساواتها بالرجل. فيقول: “فالإسلام يعلمنا أن حواء لم تُخلق من ضلع آدم بل خُلقت مساوية له. وبحسب ما جاء في القرآن الكريم لم تكن حواء هي التي وسوس لها الشيطان لتغوي آدم وتُغريه بارتكاب الخطيئة وإنما سقطا فيها معاً وقد عفا الله عنهما معاً بعد أن استغفراه. وبحسب الإسلام أيضاً، فقد خلق الله الذكر والأنثى من طين واحد ومن نفس واحدة”. ثم يستشهد الكاتب بفريضتين شرعيتين تصب في حق المرأة “الأولى مالها وإرثها اللذان لا يحق للزوج التصرف بها دون إذنها. والثانية أن على زوجها مشاركتها في تحمل مسئولية الأعمال المنزلية وأن يؤمن لها مدبرة للمنزل”.
  • ينقل الكاتب عن إحدى الشابات المسلمات نفيها وجود نص قرآني يمنع المرأة من تولي منصب الإمامة، “إذ يمكن للمرأة أن تؤم صلاة الجماعة، أو أن تقدم الإرشادات الدينية لجموع من المؤمنين، سواء أكانوا نساء أم رجالاً أم مختلطين”. وعلى الرغم من قلة عدد المسلمات الممتهنات لهذا المنصب، فإن تلك القلة تأتي من “باب الاحتشام” أو “العرف والتقليد، ولا تكون نابعة من القرآن الكريم”.
  • يحتفظ الإسلام ببعض من صور السلطة الأبوية التي تبُرز التحيز للرجل ضد المرأة. حيث يباح له الطلاق أنى شاء، بينما تستطيع هي أن تحتفظ بالعصمة فقط -وأقول: وإن تم- ويباح له الزواج من المسيحية واليهودية بينما يُحرّم عليها ذلك، بل “يُعتبر زواج المسلمة من غير المسلم عملاً باطلاً يدين المرأة، بل يعتبره بعضهم من الزنى”. تبلغ هذه السلطة مداها إلى درجة “أن الراغبين في الزواج يضطران للسفر إلى بلد غير إسلامي لعقد زواجهما. ويقول أحد قادة المسلمين في الولايات المتحدة (وقد فضّل عدم ذكر اسمه): (أخشى أن يكون فقهاء المسلمين في هذا الموضوع متخلفين عن مواكبة العصر الحديث، وأن ذلك سيظل مشكلة لوقت طويل). وقد تبدو هذه المشكلة غير ذات أهمية في الولايات المتحدة، حيث يتزوج العديد من المسلمات من غير المسلمين خلافاً لما تفرضه القواعد الإسلامية”. وبعد (بالرفاء والبنين) أستشهد بالآية القرآنية الكريمة: “وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ”.
  • أما في الفصل السابع والذي حمل عنوان صريح بـ (ربط مزيّف بالإسلام)، فيتطرق إلى جريمتين تتعلق الأولى منها بـ (الشرف) والثانية بـ (الختان)، لا تعدو كلا منهما عن عمل وحشي بشع لا يمتّ للإسلام بصلة!. وقد حمل الحديث في الفصل قدر من معلومات صادمة وحوادث ختان، واحصائيات أخرى تتعلق بجرائم شرف بربرية … ما ملء جوفي قيحاً!!. وأكتفي بما ورد في قول الكاتب عن العقدة الذكورية في شرف عائلي صرف ينحصر بين أفخاذ نساء القبيلة حصراً دون رجالها الفاقدين للشرف تبعاً لذلك. إذ يقول: “يقرر الوالدان وعادة ما يكون الأب ما إذا كان الختان سيجري ومتى سيجرى. ففي مصر حيث يعتبر ختان الأنثى تقليداً متّبعاً منذ قرون، تجري هذه الجراحة بصورة سرية تماماً”. ثم يعمم قائلاً: “ففي معظم البلدان تجري العملية بالسر وغالباً دون تخدير وفي ظروف غير صحية البتة، على يد امرأة غير مجازة تسافر من قرية إلى قرية، وقد يجريها طبيب مجاز في ظروف صحية جيدة، وإن بسرية تامة أيضاً في هذه الحالة”. وأقول لمثل هذا الطبيب السّفاح: تبت يداك!. وجرّاء هذا “الإحساس الشوفيني بالتفوق الذكوري” والتي تحظى معه المرأة بصك ضمان (عفتها) قبل الزواج و (ولائها) لزوجها بعده، فإن العواقب الكارثية تتوالى على المختّنة في شكل “إصابة المهبل والشرج والمثانة والمسالك البولية بالتشوه وتلوثها بالجراثيم مما يؤدي إلى إعطال فيها مدى العمر فضلاً عن التسبب بالعقم والكزاز وعسر آلام الحيض، تشويه الأعضاء التناسلية، تبوّل مؤلم واحتباس بولي، جماع مؤلم، مصاعب أثناء الوضع تعرّض صحة الأم والطفل وحياتهما للخطر، الموت بسبب نزف غير قابل للتحكم به أو بسبب الصدمة”. ثم يتطرق الكاتب إلى رأي الفقهاء المتحفظ شرعاً وفق آراء المذاهب السنية الأربع، والمرفوض قطعياً من قبل أتباعه فرادى وجماعات، نساءً ورجالاً. أما تحفّظ أولئك الفقهاء فليس مستغرباً، طالما الأمر يمسّ المرأة -التي لا ترتقي لديهم عن كونها متاع- ويرضي شهوتهم التي لا يُرضيها شيء!.. وكنموذج عن جرائم الشرف، تبث هيئة الإذاعة البريطانية خبر مقتل زوجة باكستانية في السادسة عشرة من عمرها حرقاً بعد إدانتها بالخيانة من قبل أهل زوجها. وقد قام محام باكستاني بوضع كتاباً “يستعرض فيه قضايا النساء اللواتي كنّ ضحايا جرائم الشرف في المنطقة التي يقطنها في باكستان، حيث يحكم عادة على الجناة بالبراءة. وقال في شهادة أدلى بها أمام إحدى لجان الأمم المتحدة: (لنفترض أنني قتلت زوجتي، سأسير إلى السجن مثل ملك وسيقيم لي الناس استقبالاً ولن ألبث حتى أخرج حراً)”. يختتم الكاتب هذا الفصل الدموي بقوله: “إن ختان الأنثى وجرائم الشرف ممارستان تعبّران عن ذروة الشوفينية الذكورية. إنهما من البقايا البشعة للممارسات القبلية التي ثبتت هيمنة الرجل على مدى قرون”.

………… أكتفي بهذا القدر الذي شمل الفصول حتى السابع، وأترك للقارئ المهتم متعة استكشاف رحلة، قد لم يكن اطلع على مثيل لها من قبل!.

أخيراً .. وعلى الرغم من صدور الكتاب عام 2001، فهو لا يزال يحتفظ بقيمته كمرجع لتعريف شامل بالإسلام وأتباعه المسلمين، لاسيما وأنه كُتب بقلم من لا يمت لهما بصلة نسب أو عرق أو دين أو ثقافة .. بل صلة الإنسانية وحسب، ومن أجل الحق وحده!. لذا، كم كان جميلاً أن يهدي الكاتب كتابه إلى “كل من يجلّون الحرية .. لكل الناس .. في كل مكان”.

عليه، أنصح الجميع بقراءته، وإهداءه للرفاق غير المسلمين.

وإلى جانب هذا الكتاب، تحتفظ أرفف مكتبتي العامرة بكتاب (الخداع) وكتاب (من يجرؤ علي الكلام: الشعب والمؤسسات في مواجهة اللوبي الإسرائيلي) لنفس الكاتب، وهما على قائمة الانتظار منذ زمن!. أما هذا الكتاب، فقد قرأته منذ أربعة أعوام، وقد أعود لقراءته مرة أخرى لاسترجاع معلوماته القيمة.

إنه كتاب يستحق القراءة وإعادة القراءة.

رحم الله بول فندلي.

 

المقالة على صحيفة المشرق العراقية 20 يوليو 2022 – صفحة (10) جزء1

المقالة على صحيفة المشرق العراقية 21 يوليو 2022 – صفحة (10) جزء2

المقالة على ضفة ثالثة / العربي الجديد 23 سبتمبر 2023

 

= = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = =

من الذاكرة: جاء تسلسل الكتاب (22) كما دوّنت ضمن قائمة من كتب قرأتهم في عام 2016، غير أن ذاكرتي لا تسعفني، ولا حتى مفكرتي القديمة بما تحويه من ملاحظات، ولا مسودات التدوين في حينها، من تعيين إجمالي عدد الكتب التي قرأتها في هذا العام بالتحديد! ملاحظة: أجد بخط يدي على هامش مفكرة العام عبارة: (36 كتاب) .. لا أعتقد أنها ملاحظة دقيقة. 

لكنني لا زلت أذكر تماماً الأعوام الثلاث التي قضيتها في تحصيل دراساتي العليا في المملكة المتحدة، والأعوام التي تلتها وأنا منهمكة بجد في عملي المهني الذي لا يمتّ بصلة لهواية القراءة لا من قريب ولا من بعيد .. الدراسة التي استحوذت على حياتي حينها، والعمل الذي كان يستنفد القدر الأكبر من وقتي وطاقتي، بحيث لا يتبقى للقراءة في نهاية اليوم سوى القليل من الوقت والتركيز .. ولله الحمد دائماً وأبداً.

وعن اقتنائه، فقد كان ضمن مكتبة العائلة العريقة التي استحوذتُ عليها كاملة، بما تضم من كتب قديمة قد لا تتوفر حالياً في المكتبات.

تسلسل الكتاب على المدونة: 51

 

تاريخ النشر: مايو 23, 2021

عدد القراءات:1253 قراءة

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *