كتاب إلكتروني قصير يضم مجموعة مقالات ذات صلة بـ (فوبيا) البكارة، نشرتها جريدة الأوان على فترات متباعدة نسبياً، حتى حان الأوان لتجميعها بين دفتي كتاب. هي جريدة “علمانية عقلانية تنويرية” كما نصت الصفحة التعريفية أول الكتاب.
يخرق كُتّاب المقالات -رجالاً ونساءً- بأقلامهم الساخنة الهالة المنسوجة برثاثة حول بكارة الأنثى .. البكارة المزعومة بحراسة عفافها قبل الزواج، وهي -ويا للعجب- نفس البكارة التي يلج فيها مشرط الجرّاح ليحوّل العاهرة إلى راهبة في ثلاثين دقيقة فقط، وبحفنة دراهم!.
تعرض قائمة المحتويات خمسة عشرة عنواناً نارياً -أعرضها تالياً- حظي معها الكتاب بثلاث أنجم من رصيد أنجمي الخماسي .. لا لشيء، بل لقصره فقط، إذ يحظى القارئ بمتعة النظر في مختلف وجهات النظر حول موضوع يغلّفه التابو المغلّظ في مجتمعاتنا الشرقية، كـ (بعبع) يقظّ مضاجع شرف القبيلة، وكشرارة نار لا يُحمد عواقب مسّها.
- نحو موت العذرية
- نموذجان مما نشر بفرنسا عن قضية محكمة ليل
- شرف المرأة وعود الكبريت
- “لزوم ما لا يلزم” من الألم
- ليلة “الدخلة”: تكرم المرأة أو تهان
- في الختان والافتضاض
- ثقافة العفة .. ثقافة الاستمناء
- أيها العلماني: هل تفضلها بغشاء بكارة أم دون غشاء بكارة؟
- العربي المسلم: أنا أفضّ إذن أنا موجود
- باستيل البكارة لم يهدم بعد
- مفارقات الشرف في ثقافتين: للمقارنة والتأمل
- الترقيع كحل مؤقت
- البكارة: عار على الدولة أم عار على المرأة؟
- مقتطف من مقال سيغموند فرويد عن “طابو البكارة”
- سياسة الجسد وتدبيره
أسرد في مقتطفات ما علق في ذهني بعد قراءة المقالات، مع الاقتباس في نص يقطر دماً فوق صفحاتها (مع كامل الاحترام لحقوق النشر) .. وذلك على الرغم من شعور التقزز الذي يثيره حديث البكارة وقدسيتها المهترئة .. لا للفضّ والنزف، بل للعور الأخلاقي الذي أصاب أمة جعلت من قطرات دم حَكماً على عفة نسائها:
ملاحظة: ترد بعض التعليقات في نص أزرق .. لا تعبّر سوى عن رأيي الشخصي.
- ينطلق الكتاب من حادثة حكم فيها القضاء الفرنسي لصالح زوج مغدور (غُبن) في زوجته (الجديدة) والتي كان يجب أن تكون (بكراً) في ليلة الدخلة بطبيعة الحال، إلا أنه قد وجد البضاعة التي اشتراها ليست (قطفة أولى) بل (Secondhand .. مستعملة)، فقاس القاضي عقد الزواج بعقد البيع، وحكم بـ “هذه بضاعتكم ردت إليكم”. لقد كان فرنسياً حديث الإسلام تزوج من مغربية مسلمة، وما لبث أن صدح بصوت يستدر الشفقة مولولاً: “قد غُششت في البضاعة .. وجدتها مثقوبة”. وعن عائلتها قال: “لقد سخروا منى ويريدونني أن أتحمل التكاليف”. عليه، يأتي السؤال الفاضح: “هل لنا أن نتصور امرأة تطالب بإلغاء زواجها لأن العريس لم يكن بكراً”؟. وأتساءل في لغة أكثر فجاجة: ألم يثقب باروده من ذي قبل أم جربّه فكان فشنك؟؟ وله ولأمثاله أقول: إن أردتها بطهر مريم فكن أولاً بعفة يوسف، وإن أضناك حدّ الموت قطرات دم امرأتك كدليل سافر على عفة فرجها وسائر فروج عشيرتها رجالاً ونساءً، فأقم الدليل السافر لعفتك بالمثل، ثم ارمها بحجر إن استطعت! ثم أقول: ولأن (لله في خلقه شؤون) فقد كان لفرج المرأة عند بعض فقهاء الإسلام شأناً جللاً، إذ لا يخرج تعريف عقد الزواج عند أولي الشهوات عن (عقد يملك الرجل بموجبه بضع المرأة) والبضع: الفرج، ولا تخلو الكلمة من معان: (تبضع) و (بضاعة). أو (عقد يفيد مالك المتعة قصداً. وهو معقود للرجل دون المرأة) أو (عقد على مجرد متعة التلذذ بآدمية). كما أن تصنيف عقود الأنكحة لدى هؤلاء يلي مباشرة عقود البيوع، إذ أن أحكام النكاح وأحكام الطلاق -كما يرون- كثيراً ما تلحق بالمعاني العامة للبيوع. بل أنه من الخزي أن تتناول مجالسهم حتى اليوم مهاترات -على طريقة الجدل البيزنطي- حول وجوب نفقة الزوج على زوجته المريضة من عدمه، مستشهدين على الدوام بإجماع أئمة الإسلام الأربعة على عدم وجوبها في زمانهم! وأنقل نصاً من موقع (الإسلام سؤال وجواب / رقم السؤال 83815 / تاريخ النشر 28-01-2008) قول د. وهبة الزحيلي: (قرر فقهاء المذاهب الأربعة أن الزوج لا يجب عليه أجور التداوي للمرأة المريضة من أجرة طبيب وحاجم وفاصد وثمن دواء، وإنما تكون النفقة في مالها إن كان لها مال، وإن لم يكن لها مال وجبت النفقة على من تلزمه نفقتها [كالابن والأب ومن يرثها من أقاربها] لأن التداوي لحفظ أصل الجسم، فلا يجب على مستحق المنفعة، كعمارة الدار المستأجرة، تجب على المالك لا على المستأجر). وهكذا هو الأمر عند من صمّوا آذان الأمم بديباجة تكريم دينهم للمرأة (وهو منهم براء) .. إذ تتساوى لديهم المرأة مع العين المستأجرة في الانتفاع المادي (الجسدي)، فإن عطب فلا يُلزم المستأجر بإصلاحه!.
- تترسخ العذرية في الوعي البشري الجمعي منذ الأزل، وقد ارتبطت بإسالة الدماء الذي يأخذ رمز الحياة. ولا تختص وحسب بالعرب كقيمة اجتماعية، ولا بالإسلام كقيمة دينية، إذ خصّت الشعوب البدائية افتضاض البكارة بطقوس، وبعقاب من تسول له نفسه مخالفتها، “فحينما يُسيل الرجل دم المرأة عند الافتضاض دون أن يأذن له المجتمع بذلك، يخاف من العقاب!. إن إسالة الدم بغير حق كان من الآثام الكبيرة لدى الشعوب البدائية. من أجل ذلك كان لابد من تحويل الافتضاض إلى طقس اجتماعي يتم به ومن خلاله خرق الطابو”.
- يرى المنظور الأبيسي/الأبوي (وهو عكس الأميسي/الأمومي) بأن الذكر الذي يفتضّ بكارة الفتاة للمرة الأولى فإنه “يوقّع جسدها بذكره، وهو توقيع لا رجعة فيه”. وبأنانية حمقاء مشوبة بعقدة نقص، يعتبر هذا الافتضاض أو التوقيع الأول-الأخير “امتلاكاً لجسد المرأة ولذاكرتها البيولوجية بشكل دائم، رغم تغيير الشريك الجنسي أو تبدل الوضع الزوجي. لذا يريد كل رجل أن يكون هو الأول لكي يظل مسجلاً في ذاكرة المرأة، ولكيلا تقارنه المرأة بشركائها السابقين”. يخاف الرجل من ماضي المرأة ومن جسدها الذي يحتفظ بالذكرى الجنسية الأولى، فيستخدم كامل جبروته من أجل السيطرة على المرأة سيطرة مطلقة. “من هنا تأتي أهمية العذرية، فهي الضامن لطهارة المرأة أي لبراءتها من كل جنسانية قبل -زوجية آثمة”. وأوجه سؤالاً لهكذا صنف ذكري: ألم تجد شبراً من أرض تضع فيه بصمتك يخلدك به التاريخ الإنساني كما خلّد نساءً ورجالاً من قبل ومن بعد، بدلاً من وسم فرج أنثوي بلطخة من زنخ تحمل صفاتك الوراثية؟
- عذرية العروس دالة في شرف عائلتها!. في هذا المعنى يقول (عبدالصمد الديالمي) في مقالته كشاهد من أهلها: “إن العذرية هي أساس شرف العائلة، ويشكل المسّ بها مسّاً بشرف العائلة، وبالخصوص بشرف رجالها الذين عجزوا عن الحفاظ عليها. إن وطء فتاة قبل الزواج يعني أبيسياً وطء كل ذكور الموطوءة من طرف الواطئ. بتعبير آخر يعني ذلك الوطء تحويلاً رمزياً لكل رجال الموطوءة إلى نساء، أي تحويل أبيها وأعمامها وإخوتها إلى ذكور دون فحولة، إلى مفعول بهم جنسياً. إن الرجولة قدرة على الفعل، والقدرة على الفعل هي القدرة على الوطء والقدرة على منع الوطء في آن. ففعل المراقبة نفسه يدرك كفعل رجولي بامتياز أي كفعل جنساني، ويشكل الإخفاق فيه إخفاقاً جنسانياً ينال من رجولة الذكر”. وأتساءل هنا عن مفهوم أولئك القوم للممارسة الطبيعية: أهي قضية فاعل ومفعول به، أم أنها علاقة تبادلية تكاملية في الأخذ والعطاء؟ لا أستطيع استيعاب فكر مصدره عضو تناسلي!.
- يصنّف فرويد المرأة كـ “طابو” في المجتمعات البدائية، لا سيما تلك التي تعمد إلى الفصل بين الجنسين وترتاب من سيرتها فتبدأ بالتعاويذ قبل النطق باسمها، ومن عضوها النازف الذي قد يجرّ النشوة به إلى الموت!. وفرويد في المعطيات التي قدّمها عن تلك المجتمعات، لا يفرّق كثيراً بينها وبين المتحضرة “فالخوف من المرأة في حد ذاته متأصّل في النفوس إلى اليوم. المرأة باعتبارها كائناً مختلفاً غامضاً، إنها تبدو غامضة مليئة بالأسرار وإذن فمعادية للرجل. والمرأة كائن مخصي أكثر من الرجل بما أنها لا تمتلك العضو. فالرجل يخاف أن تضعفه المرأة وأن تنتقل إليه عدوى أنوثتها فيصبح عاجزاً”. لا يا شيخ! أما فرويد الذي يُثبت سجله الطبي اضطراباً جنسياً، ومصابه من (عقدة القضيب) الذي أخذ به وبأمثاله مقلباً، فأوجه سؤالاً: إن كان الرجل يهاب المرأة كما زعمت -تناسلياً- فلمَ تصبح البشرية وتمسي على حوادث الاغتصاب، ولمَ تتسع صالات المواخير يوماً بعد يوم، ولمَ تشرعن الأديان البغاء المقدس وتباركه من على المنابر؟ هذا فضلاً عن الولادات اليومية للأطفال الشرعيين على مدار الثانية!.
- وبينما لا يسمح افتضاض بكارة العروس بأيدي (الداية) في قرى مصر للزوج إثبات فحولته، فإن طقس افتضاض “مولاي السلطان” المغربي لعروسه في ليلة الدخلة يرسخّ سردية “السلطان رجل والرجل السلطان”. إذ يوصي فقيههم عمر بن عبدالوهاب الرجل -بعد الملاعبة التي تلي “السنة والتسمية”– بالافتضاض فور ما وجد من نفسه القوة “وله بذلك عليها يد عليا”، ويحذّره من أن يأخذه القلق بالاستعجال فيخيب و “تكون لها عليه يد وصولة” .. ولا أعلم كيف غفل فقيه أوانهم وزمانهم عن معاني (السكن والمودة والرحمة) و (المعاشرة بالمعروف)، ليحرّض الزوج استهلال حياته الزوجية بيد طولى وأخرى بها كسر؟! والمفارقة أنه حرص على التسمية ابتداءً لضمان صولة يد عليا وعضو سفلي مغوار لا يهاب .. هكذا على بركة الله! كسر الله أنوف أقوام جعلوا من المرأة ضلع أعوج يُكسر إن حاولوا تقويمه!. لا بأس .. هنيئاً لكم أمهاتكم المعوّجات! وبمناسبة ذكر الثقافات، استرجع حديث أحد زملائي المسلمين الأسيويين الذي صرّح بأنه لم يكن يبحث عن قطرات زوجته ليلة الزفاف، بل كانت الفرحة ولا شيء سوى الفرحة تغمرهما آنذاك. يأتي قوله هذا كتعقيب على أحد الزملاء العرب من ذوي اللحى المموجة والجباه المختومة وقد جرّهما الحوار حين انبرى يقدم له المساعدة إن أراد اخضاع طفلته الرضيعة لعملية ختان لكن سراً، وذلك لأسباب تجريم هذا النوع من العمليات قانونياً في البلد التي يعملان بها، حتى أسكته قائلاً: (لن أفعلها .. إنها جريمة)، وقد استعان ذو اللحية الهائجة المائجة بحديث مكذوب منسوب للنبي الأكرم ﷺ يقول نصه لخاتنة المدينة “يا أم عطية، اخفِضي ولا تَنهِكيِ، فإنه أنضر للوجه، وأحظى عند الزوج” .. وكم يعكس هذا اللغط ترسيخ شرعي لأصل الأنثى كـ (جسد) مملوك للرجل، بحيث يتم الاعتناء بفرجها تحديداً دون سائر الأعضاء فور ولادتها، وتهيئته وتقطيعه وتشذيبه وتهذيبه وتسويته وتضبيطه ليحظى به الزوج الموعود عاجلاً غير آجل، شهياً طازجاً وهو في الحفظ والصون .. (وما باس تمها إلا إمها).
- وتحكي (عفاف مطيراوي) في مقالتها عن قصص “طاحونات العنف” التي تنسف المرأة بين أسوار مجتمعاتنا فلا تُبقي منها ولا تذر، بل وتقدم دليلاً دامغاً على شرف الزوجة وفحولة الزوج!. تقول في لغة ساخرة أشاركها فيها: “ولا تزال العائلات في أعراسنا في بعض ربوعنا تقف أمام غرفة نوم الزوجين منتظرة للقميص الملوّن بدم العروس لتأخذه الأم مزغردة راقصة رقصات هوسيّة بمشاركة الأخوات والخالات والعمّات فرحاً وإغاظة لكل من شكك في أخلاق ابنتها. والطريف أن الام في بعض جهاتنا تحتفظ بفستان ابنتها إلى مماتها ليدفن معها عند موتها، ربما لتقدمه إلى الخالق دليلاً على براءة ابنتها من الرذيلة أو لتدخل الأم بموجبه الجنة! ويأبى المدعوون لاسيّما النساء مغادرة حفل الزفاف قبل رؤية قميص العروس وعليه قطرات دمها، وبقدر ما يكون الدم كثيراً تكون الفتاة عفيفة شريفة لم يباعد بين فخديها غير زوجها”. استرجع هنا أجواء ليلة زفاف زوجين في محيط معارفي، تناقلها الأهل. الزوجة من أصل عربي-قروي والزوج من أصل تركي-فارسي، حين قبعت أم الزوجة خلف باب مخدعهما تنتظر على أحر من الجمر (منديل العفة)، حتى خرجت إليها ابنتها موّبخة مؤكدة على أنهما فقط من سيقرر أين ومتى “فارحلي”. وبعد رحيلها بسويعات، شهدت أم الزوج انسحاب الزوجين خلسة نحو (حمام الهنا)، فضربت بكفيها صفحة نافوخها تعبيراً عن الخزي (وبجاحة الجيل الجديد)!. ولا أعلم من يجب أن يُخزى: هل الزوجين أم أمهاتهما وموروثهما البالي؟!. استرجع كذلك وأنا على مشارف العشرين حين زرت صديقة الطفولة وقد كانت فرحة بجهازها وزفافها المرتقب من حبيبها الموعود .. ترفل بسعادة تغمر عينيها ومن حولها طيور الحب ترفرف، حتى اقتحمت والدتها علينا الحجرة -وهي عربية قروية أيضاً- لتقصّ علينا فيما مضى رواية رعب عايشتها (ليلة الدخلة)!. فقد وقفت أم الزوج وأباه على خط مستقيم قبالة مخدعهما في أمر صارم بالمباشرة، فاختفت هي تحت الغطاء وذراعيها تحجبان صفحة وجهها المحتقن، حتى تمكن العريس من انقاذ الموقف وإثبات فحولته وعفافها معاً .. هكذا كضرب عصفورين بحجر!. هنا، لا أنسى كيف تحولت صديقتي التي كانت منذ دقائق فراشة ترفرف بأحلامها بعيداً عن شرنقتها إلى زومبي أراد الفتك بمجتمع رجعي .. واكتفت بعواء قالت فيه: “تتتخخخلللففف”.
- ومع كل هذا الهراء، أختم بسؤال وجودي “عادل” للكاتب (حميد زناز) كخير شاهد آخر من أهلها: “لماذا لا نطالب الرجال بما نطالب به النساء؟ هل يصلون إلى ليلة الزفاف أبرياء من الجنس براءة الذئب من دم يوسف؟ إذن فمن لم يفعلها فليرمها بحجر”. وبدوري أتبعه بسؤال وجودي: كم سيبقى من الرجال على قيد الحياة لو وضع هذا الشرط قيد التنفيذ؟
بعيداً عن مقالات الكتاب، وبينما تعرض شبكة المعلومات عدداً من المواد التي تؤكد بأن البكارة ليست سوى خرافة، من بينها كلمة طالبتا الطب على منصة (TED) بعنوان (The Virginity Fraud)، تسرد مجموعة من النساء العربيات حوارهن مع نظيراتهن الغربيات عن تجربتهن الأولى، والذي أكدت فيه الغربيات عدم نزفهن مقابل الشرقيات اللاتي أكدنّ نزفهن!. تعزو إحدى التفسيرات العلمية -التي ترفض تبرير النزف بتمزق غشاء البكارة- إلى التوتر المصاحب للزوجة الشرقية والتي عليها الاستسلام (وإلا)، حيث يأتي النزف جرّاء الرفض المقموع وتشنّج الأعضاء والعنف الذكوري .. بينما تُقبل الغربية بكل رغبة حرة وحب ولهفة، فلا يصاحبها نزف!.
لقد ذهبت المرأة الشرقية -ولا تزال- ضحية قطرات من دم لم تنزفها عند أول لقاء، ولا تزال جرائم الشرف مقننة في بعض مجتمعاتنا ونحن في الألفية الثالثة!. ليس الحفاظ على العفة الجسدية قيمة أخلاقية أنثوية، بل تنسحب على الجنسين معاً، وفي حال أصرّ المجتمع على قطرات دم الأنثى كمعيار لشرفها، فليعلم أن ذكوره بلا شرف -كما تقول د. نوال السعداوي- إذ لا يقطر عضو أحدهم دماً! وليعلم أن هذا المعيار الأحادي يدفع بخلق نوع من الازدواجية تنتهي بأن تستعيد الأنثى (حوريتها) بحفنة من نقود، تصبح بها عذراء كأم المسيح .. فيصبح الزوج السعيد جانياً ومجنياً عليه في آن واحد!. تتجلى ازدواجية أخرى تخص الرجل الشرقي، وذلك من خلال حرصه على تدفق قطرات دم زوجته العربية، في حين لا يبالي بها عند زوجته الغربية، وقد عرف ماضيها الذي قد يحمل بصمات علاقات جنسية متعددة!. لذا، ومن جانب آخر، تُصبح الإشادة بالمساواة الإنسانية لدى المجتمع الغربي -رغم انفتاحه اللا أخلاقي- لزاماً، وذلك في استخدام الجنسين على حد سواء عبارة (I lost my virginity) عند ممارسة الجنس لأول مرة، فيقرّ الرجل بعدم عذريته كما المرأة تماماً!.
يحرص جوهر الإسلام -وإن عبث فيه فقهائه- على عفة الإنسان سواء كان ذكراً أم أنثى .. وبصرف النظر عن إيماني من عدمه بحديث يحض على اتخاذ دين الزوجة معياراً، يقول: “فاظفر بذات الدين تربت يداك” .. فإنني أتوجه بسؤال لمن يتبجّح بالإيمان به: ما علاقة البكارة بالدين؟
… سؤال وجودي آخر لن يجيب عليه ذكور المشرق ما لم يُخرج الله من أصلابهم رجالاً .. كأمثال كتّاب هذه المقالات!
…………………………………………………………………………………………………………………………………………………………
تعقيب:
قبل البدء وجب التنويه!
سيرد اسم (لحية) في التعقيب أدناه، والذي لا أنتقص به البتة من أي إنسان اختار اطلاق لحيته، سواء كان ذلك لأسباب دينية أو ثورية أو ذائقية، إنما عنيت ما عنى به المتنبي في قوله (أَغايَةُ الدينِ أَن تُحفوا شَوارِبَكُم .. يا أُمَّةً ضَحِكَت مِن جَهلِها الأُمَمُ)، من الحرص على قشرة الدين الخارجية وإهمال جوهره، وكأن اللحية أصبحت مرادفاً حرفياً لتقوى الرجل كما النقاب في الدلالة على صلاح المرأة.
بعد أن قمت بنشر هذه المراجعة عن المقالات، فوجئت بالإقبال على قراءتها دون غيرها! قد يُعزى الأمر إلى تصنيفها تحت (الممنوع-المرغوب) والتي تُعرّي في ذات الوقت ثقافة الكبت في المجتمعات الشرقية القمعية، وما يتخلّف عنها من إشكاليات عدة على رأسها الجنسية!.
ومما تلقيت من ردود، مقالة مطوّلة بقلم أحد الملتحين كطول لحيته التي هي أطول من شعري السافر بطبيعة الحال، قد شمّر عن ذراعيه -وشيء آخر معهما- ليتصدى للبكارة الساخنة، وقد حشر بها ترّهات لا دخل لها، كـ (قوامة الرجل، ونفقة الزوج على الزوجة، والمرأة كضلع أعوج، والنظام الرجعي لتعدد الزوجات، وعدم فلاح قوم تولّتهم امرأة) وكل ما من شأنه تحقير المرأة مع حرصه التغني بديباجة (تكريم الدين للمرأة)، وتأكيده على السمع والطاعة لما جاء به! هكذا كعادة فقهاء وأد المرأة في مجتمع القطيع، حيث يتم كساء كل هراء يصادف أهوائهم بغطاء ديني يُلزم القوم -بالضرورة- بالتبعية العمياء!
أنقل طرفاً مما قال:
“غشاء البكارة وقطرات دمه تدلان على عفة الفتاة من الناحية الجنسية، ولكنها لا تدل على سموها الأخلاقي، فلربما لم تسنح لها الفرصة لفضه، أو خافت من عواقب فضه، فمنعها الخوف على حياتها وليس حيائها وأخلاقها ودينها، ولربما فضت فتاة بكارتها بغلطةٍ شيطانية ثم ما لبثت أن تاب لرب البرية فتاب عليها وعفا عنها وكانت أفضل من مئات العفيفات ظاهرياً واللواتي قد يمارسن العلاقات المحرمة دون الاضطرار لفض البكارة، وهذا أمر يجعلها فاضلة في نظر أهلها ومن يرقبون ليلة عرسها بينما في الواقع هي شيطان تستر في غشاءٍ رقيق احتفظت بدمه ليوم زفافها لتفعل بعدها ما تشاء“.
وأقول بعد هذا العور الفكري:
- غشاء البكارة يا صاح ليس دليلاً لا على عفة جنسية ولا فضيلة أخلاقية .. ولا (بطيخ مبسمر) إن شئت!. أيضاً، ليس لها أصل ديني حتى يتم استخلاص حكم شرعي منه! فـ (البكر) شرعاً ليست من دلّ فرجها عليها ليلة زفافها، بل من لم يسبق لها الزواج من قبل، بإقرارها وشهادة الأسرة والمجتمع! عليه إن شئت: ما هو الدليل الشرعي على بكارة الرجل؟ أم أن الإله اشترط العفة للمرأة وأباح للرجل المجون بعد أن أعفاه من العفة؟ لك أن تحسب على أصابع يديك -وزد عليهم قليلاً من قدميك- عدد الرجال الأعفّاء الذين سيتم استخلاصهم لو أجري فحص عذرية لمعاشرهم!.
- غشاء البكارة المَهين والمُهين، لا يُستدل بسلامته على سلامة العفة الجنسية للفتاة كما حصره الملتحي في زاوية أضيق من زاوية وريده المنوي أو الخصوي، إذ أنه قابل للتمزق وبأبسط الأمور! على سبيل المثال: ممارسة الرياضة العنيفة كالجمباز وامتطاء الخيل وركوب الدراجة الهوائية. رقص البالية الذي يتطلب فتح الساقين باستمرار وعلى امتداد واسع. السقوط على أدوات حادة. النزيف الحاد. اندفاع الماء بعنف أثناء استخدام الشطّاف. الخضوع لعملية جراحية في المنطقة الحميمية لأسباب صحية. التعرض للاغتصاب. التعرض لزنا المحارم -لاسيما في المجتمع الشرقي المكبوت المتشدق بالدين عادة- فضلاً عن الغشاء المطاطي الذي لا ينزف أصلاً كما هو معروف طبيّاً.
- “الرغبة في فضّ البكارة .. عدم تهيؤ الفرص .. الخوف من العواقب .. الدين والحياة والحياء” … ما هذا الهراء الذي تفوّه به اللحية والذي جعل من ثقب أنثوي قضيته الأولى؟ ولم ترغب الفتاة في فضّه أصلاً؟ هل يقود هوس الرجل بعضوه والعبث به على مدار الساعة إلى الظنّ بمثله لدى المرأة؟ أمّا “تستّرها كالشرنقة في غشاء رقيق وهي شيطان رجيم .. والتعفف حتى حين .. والتمسكن حتى التمكن” … ليست سوى إسقاطات للمتخيلة الذكورية! فالرجل الذي يعربد لا يمنعه حمل ولا بكارة ولا أي مستمسك فسيولوجي آخر، قد ظنّ أن الله حباه بستر خاص، تصبو المرأة -كما يظن- إلى عربدة مماثلة تمنعها البكارة، حتى إذا فضّها قضيب زوج مغوار لا يُشق له غبار .. استعّر شبقها وانفلت!
- ولم تغليظ القول على المرأة وتشبيهها بـ (الشيطان) إن أخطئت، وهي كسائر البشر تخطئ وتصيب؟ لا يدل هذا سوى على ميسوجينيا متأصلة في العقلية الذكورية التي ترشّحت عن موروث ديني يصبّ من الهراء المقدّس ما يصبّ على مخلوق الأنثى .. أصل الخطيئة! وأقول: إن كانت المرأة التي تصطبر على دليل عفتها المزعوم قبل زواجها لتسرح وتمرح بعده، هي (شيطان) في نظر أولئك الملتحين، فأحرى بالرجل الذي لا يُستدل على عفته مطلقاً يتفحّش ويفسق ويعربد قبل وأثناء وبعد الزواج، أن يكون (أب الشياطين).
- أهل المناديل أحفاد أبي جهل .. أتباع أحاديث الناقصات عقلاً النازفات حيضاً .. المتعطرات الزانيات .. المتمنعات الملعونات .. الذين يترقبون ليلة عرسها، ليس لهم شأن بما يقبع بين فخذيها، ولا بين فُخذي زوجها! فليستخدموا مناديلهم كحجاب لستر نسائهم العوراوات، أو كورق تواليت لاستنجاء ألسنتهم الخبيثة!
رحمه الله .. اعتقد أنني بعد هذا القول قد (أخصيت) لحيته!
لقد تهافت ذو اللحية على مدونتي ظاناً أن التصدي لما دوّنت جهاداً في سبيل الله يرجو به الأجر، فضلاً عن (أنوثتي) التي لا يُسمح لها عند القوم الجاهلين بنطق كلمة (لا)! لقد استخدم فيما استخدم من حيل (حيلة اللباقة والإطراء ولين القول) التي لا تنطلي على من هنّ في منزلتي العقلية والفكرية والأخلاقية والإنسانية، حتى يجد مساحة للهراء الذي يؤمن به لنشره على مدونتي .. لكن المغفل لم يكن يعلم أن محدّثته امرأة كاملة العقل والدين .. شاء أم عوى!
… أخيراً وليس آخراً:
كم أعجب لأمر دين يقدّس الفرج تقديساً! فيقيس كمال دين المرأة بفرجها، وعفتها بفرجها، ويحجّبها كفرج عن الرجل كامل الدين الذي لا يستطيع إحكام فرجه أمامها والذي يُباح له أربع فروج شهية لإشباع فرجه الأغرّ .. لا بل ما ينتظره من فروج ميتافيزيقية لا تعد ولا تحصى لنساء موعودات في جنان يصلاها جزاءً لما جاهد في إعلاء كلمة الإله!. هكذا يهرف رجال الدين عبّاد فرج المرأة!.
وكم هو عجيب أمر ذوي اللحى مع الأنثى! فلأنهم يشتهونها يسلقونها .. ولكن بألسنة حداد! (قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ).
= = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = =
من الذاكرة: جاء تسلسل الكتاب (26) كما دوّنت ضمن قائمة من كتب قرأتهم في عام 2017، وهو خامس كتاب اقرأه في شهر أكتوبر من بين خمسة كتب. غير أن ذاكرتي لا تسعفني، ولا حتى مفكرتي القديمة بما تحويه من ملاحظات، ولا مسودات التدوين في حينها، من تعيين إجمالي عدد الكتب التي قرأتها في هذا العام بالتحديد! ملاحظة: أجد بخط يدي على هامش مفكرة العام عبارة: (33 كتاب) .. لا أعتقد أنها ملاحظة دقيقة.
لكنني لا زلت أذكر تماماً الأعوام الثلاث التي قضيتها في تحصيل دراساتي العليا في المملكة المتحدة، والأعوام التي تلتها وأنا منهمكة بجد في عملي المهني الذي لا يمتّ بصلة لهواية القراءة لا من قريب ولا من بعيد .. الدراسة التي استحوذت على حياتي حينها، والعمل الذي كان يستنفد القدر الأكبر من وقتي وطاقتي، بحيث لا يتبقى للقراءة في نهاية اليوم سوى القليل من الوقت والتركيز .. ولله الحمد دائماً وأبداً.
من فعاليات الشهر: قضيت إجازة لمدة عشرة أيام في مدينة أسطنبول .. وقد كانت زيارتي الثانية لها بعد أعوام طويلة مضت عن زيارتي الأولى! رغم هذا لم تكن ممتعة كما تمنيت والسبب سوء اختيار رفيق الطريق .. غير أن القدر أكرمني فيما بعد بزيارات ثلاث لها كانت الأكثر متعة والأجمل ذكرى.
تسلسل الكتاب على المدونة: 40
احسنت مها
وما شأن فاظفر بذات الدين بغشاء البكارة؟
فعلا لو كانت الاخلاق تقاس بطهارة وعفاف الاعضاء لما كان من اصحابها معظم الرجال..
اذا كان العقل ملوثا بأفكار رثة فما نفع طهارة الاعضاء؟
خاطب القران الرجل والمرأة فساوى بينهما في الأحكام ، ونهى كلاهما عن ارتكاب الفواحش ،،،
قال تعالى( والحافظين فروجهم والحافظات) الاحزاب ٣٥
وأحسنت يا هالة بدورك .. سؤال وجودي آخر عن كم سيكون عدد الرجال (الأعفّاء) إذا أجري لمعشرهم فحص عُذرية؟! يحسب المغفل منهم أنه (معفي) طالما أن عضوه لا يقطر (حيضاً) .. لكن لا يهم إذا كان يقطر (قيئاً) على الدوام!.