كتاب يعقد بسلك شائك (السياسة وألعابها القذرة) من طرف و (المرأة وقضاياها) من طرف آخر .. إذ تعرض فيه الكاتبة كيلي أوليفر سياسة اتخاذ النساء أداة عسكرية في الحروب، وما يلحقها من جلسات استجواب وتعذيب للمعتقلين تتم باستخدام (أسلحة أنثوية). تترسخ هذه الفكرة المبتكرة من رواسب موغلة في القدم تحيط الأنثى بمخاوف، كمخلوق ذو أسلحة خطرة!.
بين عناوين (التصدير، الشكر والتقدير، الهوامش) في الفهرس، تسترسل ست موضوعات هي محور الكتاب، حظي بها بثلاث نجمات من رصيد أنجمي الخماسي، وهي كما يلي:
- مقدمة: الجنس والمخدرات والروك أند رول
- النساء: هل هنّ السلاح السري في الحرب الحديثة؟
- هل الحرية الجنسية حرية كوكبية؟
- الحرب الدائمة: تغطية حية حقيقية
- البراءة والجرح والعنف
- الخاتمة: الشهادة على الأخلاق مرة أخرى
لن أطيل في تدوين ما علق في ذهني بعد القراءة، مع الاستعانة ببعض الاقتباسات في نص دموي من بين صفحات الكتاب (مع كامل الاحترام لحقوق النشر) كما يلي:
- تكشف الكاتبة دور الإدارة الأمريكية الخبيث في إثارة قضايا استعباد المرأة وهضم حقوقها في الشرق الأوسط، وهوس نزع حجاب المسلمات، الأمر الذي يبرر قرارات شن الحروب في تلك المناطق، لا سيما في أفغانستان على سبيل المثال!. يظهر هذا في خطابات الرئيس الأسبق جورج بوش التي تطرق فيها إلى “النساء المحجبات”، وزوجته لورا التي ترى أن مكاسب بلادها العسكرية في أفغانستان كان لها الفضل في تحرير النساء، إذ: “لم تعد النساء سجينات في بيوتهن! فالحرب على الإرهاب هي أيضاً حرب من أجل حقوق النساء وكرامتهن”. وغيرها من أمور تتدخل بعضها عنوة في لباس المرأة المسلمة، وكأن العري مظهر من مظاهر التحرر والعصرية تسعى إليه النساء، كما يظن هؤلاء القوم غرورا.
- يلفت انتباه الكاتبة صور الجنديات المتورطات في فضائح سجن أبو غريب على حد سواء مع الفدائيات الفلسطينيات، وتثير تساؤلاتها حول مدى تأثير صورة المرأة العسكرية عن نظيرها الرجل العسكري، فتقول: “في الوقت نفسه الذي بدأت أفكر فيه في النساء الضالعات في أحداث هتك العرض في أبي غريب، بدأت ألاحظ تقارير عن الفدائيات الفلسطينيات، ومرة أخرى بدأت الأغلفة اللامعة للمجلات الإخبارية الواسعة الانتشار تجذب انتباهي. ومرة أخرى أدهشتني تلك النساء العنيفات، ومع ذلك سرعان ما جذبتني التغطية الإعلامية لهن! لماذا تظهر تلك النساء على أغلفة المجلات؟ ولماذا تتصدر أخبارهن الصحف؟ وهل انتهاكات أبي غريب ستحدث الصدمة نفسها لو كان الحرّاس جميعاً من الرجال؟”.
- تستغرب الكاتبة كيف تثير الفدائيات الفلسطينيات المحجبات الذعر! وبينما تصفهن بـ “كابوس اسرائيل الجديد”، وبينما ترى جريدة الصنداي البريطانية بـ “إن التفجيريات الانتحاريات أشد فتكاً من الانتحاريين”، يصفهن مدربيهن بـ “القنابل الدقيقة البشرية الفلسطينية الجديدة”، إذ تتنكر إحداهن بتسريحة ذيل الحصان، مع ابتسامة ساحرة تعلو وجهها .. في مراوغة، لتفتك بالإسرائيليين.
- تتطرق الكاتبة إلى الرقيب (إريك سار) في سجن غوانتنامو، الذي وضع كتاباً فضح فيه طرق الاستجواب الدنيئة مع المعتقلين، وقد تم تسريب جزء منه للصحافة يبدو أنه قد تم حذفه، فتقول: “وتصف تلك الصفحات كيف تستخدم المستجوِبات اللمس الجنسي والملابس المثيرة (منها التنانير القصيرة ومشدات الصدر والملابس الداخلية الشبكية الكاشفة) ودم الحيض الكاذب لكسر السجناء المسلمين، بجعلهم غير طاهرين ومن ثم غير قادرين على الصلاة “. ثم تصف: “سجيناً سعودياً تم تلطيخ وجهه بحبر أحمر خرج من سراويل مستجوبته التي قالت له: إنه دم حيض”. ثم تقول على لسان (سار): “لو جاءني أحد قبل أن أذهب إلى غوانتنامو وقال لي أننا نستخدم النساء لتعذيب المحتجزين جنسياً في الاستجوابات من أجل قطع صلتهم بالله ربما قلت إن هذا الكلام يبدو معقولاً، ولكنني مقتّ نفسي حين خرجت من تلك الغرفة على الرغم من أنني كنت متأكداً إلى حد بعيد من أننا نخاطب حثالة في الداخل هناك”. وتُعقّب الكاتبة متسائلة: “فما معنى أن يوصف العدو بالحثالة؟ وأن يُستخدم دم الحيض سلاحاً حربياً؟”.
- تحاول الكاتبة فضح سطحية الواقع الحالي الذي يعتمد على الصورة الحية -والتي يتم التلاعب بها إلى حد كبير بتقنية هوليوودية- وما يلحقها من تفاعل لحظي يفتقر إلى التحليل والتبصر وبُعد النظر. فتقول: “إن التلفزيون والانترنت كلاهما يطمس الاختلافات، ويصير المكان والزمان غير محدّدين”. ثم تقول: “إن عملية طمس الاختلافات التي يحدثها التلفزيون والانترنت تزيد من إضعاف قدرتنا على اتخاذ موقف نقدي يسمح لنا برؤية الإطار حول الصور”.
- وأختم بسؤالها الذي أثارته في معرض كتابها كجزء غريب في المعادلة: “كيف استطاعت البنات في أبي غريب هتك عرض الرجال؟”.
يؤخذ على الكتاب الترجمة الحرفية في بعض أجزائه عن الكتاب الأصلي (Women as Weapons of War: Iraq, Sex, and the Media – By: Kelly Oliver)، وقد تكررت كلمة (البوركا) بشكل استفزازي كترجمة لكلمة (البرقع) بأحرف عربية، وقد شاب الكلمة اللكنة الأمريكية في كتاب مؤلفته!.
ختاماً .. أرجو من الله عز وجل (كما أثار الكتاب من مشاعر خزي تعكس هوان الأمة، حتى أطلق عليها الرعاع كلابهم وكلباتهم)، بأن يخرج من أصلاب ذكورها -كأضعف الإيمان- من يُعيد مجدها التليد!.
“وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّه بِعَزِيزٍ”.
= = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = =
من الذاكرة: جاء تسلسل الكتاب (22) كما دوّنت ضمن قائمة من كتب قرأتهم في عام 2017، وهو أول كتاب اقرأه في شهر أكتوبر من بين خمسة كتب، وقد حصلت عليه من معرض للكتاب في إحدى المدن العربية عام 2015 على أقرب تقدير. غير أن ذاكرتي لا تسعفني، ولا حتى مفكرتي القديمة بما تحويه من ملاحظات، ولا مسودات التدوين في حينها، من تعيين إجمالي عدد الكتب التي قرأتها في هذا العام بالتحديد! ملاحظة: أجد بخط يدي على هامش مفكرة العام عبارة: (33 كتاب) .. لا أعتقد أنها ملاحظة دقيقة.
لكنني لا زلت أذكر تماماً الأعوام الثلاث التي قضيتها في تحصيل دراساتي العليا في المملكة المتحدة، والأعوام التي تلتها وأنا منهمكة بجد في عملي المهني الذي لا يمتّ بصلة لهواية القراءة لا من قريب ولا من بعيد .. الدراسة التي استحوذت على حياتي حينها، والعمل الذي كان يستنفد القدر الأكبر من وقتي وطاقتي، بحيث لا يتبقى للقراءة في نهاية اليوم سوى القليل من الوقت والتركيز .. ولله الحمد دائماً وأبداً.
من فعاليات الشهر: قضيت إجازة لمدة عشرة أيام في مدينة أسطنبول .. وقد كانت زيارتي الثانية لها بعد أعوام طويلة مضت عن زيارتي الأولى! رغم هذا لم تكن ممتعة كما تمنيت والسبب سوء اختيار رفيق الطريق .. غير أن القدر أكرمني فيما بعد بزيارات ثلاث لها كانت الأكثر متعة والأجمل ذكرى.
تسلسل الكتاب على المدونة: 39
التعليقات