رواية -إن أردت إنصافها- تستخدم الرمزية بشكل استعاري حذر ومضمر في الدلالة على واقع برجوازي مقيت يقبض على موارد الإنتاج كافة بقبضة من حديد ويقتات من عرق طبقة العمّال الكادحة، عايشه الروائي اليهودي فرانز كافكا (Franz Kafka 1924 : 1883) التشيكي الأصل الألماني الثقافة .. وقد حمّل روايته جانب آخر من ملامح سيرته الذاتية لا سيما في علاقته الجافة مع والده .. كما يُروى عنه!
وبينما يكافح (غريغور سامسا) في عمله كمندوب لمبيعات إحدى شركات الأقمشة بعد أن أفلست تجارة والده -وقد كان يخدم في الجيش قبل ذلك برتبة ملازم- فيتمكّن من توفير مستوى حياة برجوازية فوق المتوسط لعائلته، ساعياً لإلحاق شقيقته الشابة في المعهد العالي للموسيقى وقد كانت عازفة هاوية على الكمان .. إذا به يستيقظ ذات صباح ليجد نفسه وقد تحوّل إلى حشرة عملاقة قبيحة المنظر نتنة الرائحة ذات بطن مقسّم إلى طبقات عريضة، وأطراف ضئيلة متشابكة لا يتحكم في تحريكها ولا يقوى على الحراك من فوره .. التحوّل الذي يحيله بشكل ضمني إلى مجرد فرد كادح مكافح لا بد وأن يرزح تحت سلطان البرجوازية بقوانينها المجحفة بحق الإنسانية .. حيث ينفر منه رب العمل المتسلّط الذي جاءه مستطلعاً سبب تأخره على غير عادته عن موعد عمله المبكّر .. وتهابه شقيقته المحبّة التي أصبحت تقدّم له فتات الطعام وترميه إن أكل منه أو لم يأكل، وتقوم بأعمال المنزل بعد تصريف الخادمة فتسهو عن زينتها المعتادة، وتخرج من ثم للعمل في متجر لسد حاجة عائلتها .. وتنهار والدته المكلومة التي بدورها تضطر لخياطة الملابس الداخلية بأجر لأحد المصانع .. ويبغضه والده الغاضب الذي يلتحق بأحد البنوك للعمل كحارس أمن بعد أن ترك العمل لكبر سنه .. وتستهزأ به خادمة المنزل العجوز المؤقتة متى ما اقتحمت غرفته لتنظيفها مخاطبته بـ “خنفساء الروث العجوز” وهي تلكزه بالمكنسة .. ويتخذ المستأجرين العجائز الثلاث منه موقفاً فوقياً عندما اضطر والده تأجير إحدى غرف الشقة لتعويض خسارتهم من خسارة عمله .. حتى يتم شيئاً فشيئاً تفريغ غرفته من كافة أثاثها بل ويتم استخدامها فيما بعد كمخزن للنفايات والمستلزمات البالية، وهو الذي أخذ ابتداءً يختبأ تحت كنبة غرفته ثم تحت غطاء الفراش وينتهي بتسلق الجدار، حتى تعاف نفسه الطعام بمرور الوقت ويكسوه الغبار .. وينفق في الختام غير مأسوف عليه!
لا يظهر مع نهاية الرواية أي أثر لسوء أصاب العائلة جراّء تحوّل ابنها إلى مسخ وخسارة عمله وماله ومن ثم حياته، بل ظهر الجميع بلا مشاعر غير مباليين البتة يستأنفون حياتهم باعتياد، فضلاً عن سعي كل واحد منهم نحو تدبير أمره والذي بدى تدبيراً ناجحاً بمرور الوقت وبصورة مرضية.
وعلى الرغم من استحساني لعمق حكمة المتحوّل في قوله “إن التفكير الهادئ المتعقل أفضل بمراحل من اتخاذ قرارات نتيجة يأس” .. وعلى الرغم من نُبل المعاني التي قد تكون الرواية حملتها كما تصوّرتُ آنفاً، فضلاً عن الترجمة المتقنة، فإنها لم تكن سوى أداة من أدوات إضاعة الوقت المستهلكة لا أكثر! حيث تنقسم الرواية (Die Verwandlung) إلى ثلاثة أقسام رئيسية لم يحمل أي منها عنوان، وتأخذ طابع السرد الممل الذي لا يخرج عن يوميات دبيب الرجل-الحشرة في محيط غرفته لا يبرحها وهو يصارع في وصف أكثر مللاً -أشبه بالمؤثرات السينمائية بطيئة الحركة- تحريك أطرافه توازناً مع رأسه، وعدائية أسرته من حوله يوماً بعد يوم! قد كان من المجدي لو راود المتحوّل في خلوته المظلمة من التساؤلات الوجودية حول الإنسان وسعيه في الحياة ومآله المحتّم وما بعده، وما يتبعها من تأملات وخواطر وتصوّرات وأفكار تعكس شيء من تلك النظرة السوداوية والفلسفة التشاؤمية التي قد تكون سادت في تلك الفترة .. نحو معاش الإنسان المعدم، وظلمه على أيدي ذوي الجاه والنفوذ والسلطة، وزواله المأساوي كنتيجة حتمية! على هذا، لم تنل الرواية أي نجمة من رصيد أنجمي الخماسي!
لا أعلم! يحلو لي مقابلة هذا النوع من العبث في الأدب بآخر في الفن .. يوصف بـ (الحديث)! فبين جنون روائي يحوّل كائن بشري إلى حشرة تدب في خضم حوار باهت يطول ويطول .. وبين جنون رسّام لطخ عرض الحائط بقيئ من أصباغ يتهافت عليه معاتيه يحللونه نفسياً ووجدانياً .. لا أجد فاصلاً! فكلاهما لا يحمل معنى سوى الهراء الذي تُستغفل به العقول والجيوب وإن ادعى أصحابها وأتباعهم السريالية فيما قصدوه!.
… وكقارئة تجمعني بالكتب علاقة براغماتية، لم أكن حقاً بحاجة لتناول مائة صفحة في حشو لغوي لخيال لا علمي ولا وجداني، لأنتهي خاوية الوفاض من علم أو فكر أو حس أو حدس!.
ختاماً، استحضر من ذاتي خاطرة نحو أدب الرواية تحديداً .. الأدب الذي أجده عادة يقلّص الحدود في أفق مداركي الرحبة، وأجدد به مع كل خيبة يصيبني بها، قراري، بعدم القرب من أي إصدار روائي آخر حتى إشعار آخر .. يطول في الأغلب!.
= = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = =
من الذاكرة: جاء تسلسل الرواية (62) في قائمة احتوت (70) كتاب قرأتهم في عام 2022، وهي تحتل رقم (15) ضمن (22) كتاب قرأتهم في شهر ديسمبر .. وقد حصلت عليها من معرض للكتاب في إحدى المدن العربية عام 2019 ضمن (80) كتاب تقريباً كانوا حصيلة مشترياتي من ذلك المعرض .. ومن نفس المعرض كذلك، حصلت على ترجمة أخرى للرواية من (كنوز للنشر والتوزيع) جاءت بعنوان (المسخ) .. لم اقرأها، وآثرت هذه!
من فعاليات الشهر: لا شيء سوى مصارعة الوقت لقراءة المزيد من الكتب وتعويض ما فات خلال العام .. وقد أجّلت عمل الأمس إلى اليوم كثيراً والذي أصبح فائتاً كذلك!
تسلسل الرواية على المدونة: 393
التعليقات