الكتاب
المرأة والغربة
المؤلف
دار النشر
مكتبة مدبولي
الطبعة
(1) 2005
عدد الصفحات
121
النوع
ورقي
تاريخ القراءة
12/11/2022
التصنيف
الموضوع
المرأة كإنسان في عالم لا إنساني
درجة التقييم

المرأة والغربة

كتاب يشهد ساحة معركة فكرية جديدة تفتح فيها المناضلة الراحلة النار على واقع متأزم، يكبّل بقيوده الصدئة إنسانية المرأة التي لا تزال مهترئة بين هوية مفقودة وثقة بالنفس متزعزعة وشعور بالغربة متجذّر وعنف جسدي يستهدف ضمن ما يستهدف موضع العفّة، وذلك من خلال فكر جمعي عربي متجمّد يعكس ثقافة الخوف واللاحركة والعبودية والتقليد .. وهي متسلّحة في خضم الوطيس الحام بقلمها الجريء المسنون الذي لم يجفّ دمه إلا برحيلها! لا تستبعد المناضلة بهذا الجانب الناري من المعركة جوانب أخرى تدور رحاها ضد الإنسان العربي ككل من تدمير شامل يستهدف كينونته، سواء بسواء!.

إنها د. نوال السعداوي (1931 : 2021) الرائدة في مجال حقوق الإنسان، وحقوق المرأة على وجه الخصوص. تخرجت في كلية الطب جامعة القاهرة عام 1955 وحصلت على بكالوريوس الطب والجراحة. وبالإضافة إلى ممارسة مهنة الطب، تقلّدت مناصب مرموقة في بلادها، كمنصب الأمين العام لنقابة الأطباء، ومنصب المدير العام لإدارة التثقيف الصحي في وزارة الصحة، ورئاسة تحرير مجلتي الصحة والجمعية الطبية، وساهمت في تأسيس الجمعيات الحقوقية، كما حصدت جوائز عالمية، وتُرجمت أعمالها العلمية والفكرية والروائية إلى أربعين لغة. تشرّبت قيم الصدق والحرية والاعتداد بالذات منذ طفولتها، حيث ناضل والدها ضد الاحتلال البريطاني وشارك في الثورة الشعبية ضد سياستها في مصر عقب الحرب العالمية الأولى، حتى تم معاقبته بتعطيل ترقيته لسنوات بعد نقله إلى قرية صغيرة، وقد كان مسئولاً في وزارة التربية والتعليم آنذاك. لا عجب إذاً أن يتم زجّها في سجون الرئيس المصري الراحل أنور السادات عام 1981 ضمن حملة استهدفت مجموعة من الأدباء والكّتاب والصحفيين، تحت شبهة نشر الآراء التحريضية ضد الوطن ورموزه .. وقد قالت في كتابها (مذكّراتي في سجن النساء) عن قيمة الإنسان: “إن كل شيء أجنبي أصبح أعلى قيمة من أي شيء مصري .. حتى الإنسان”.

وفي كتابها هذا الذي يظفر برصيد أنجمي الخماسي كاملاً، تخوض هذه الساحات الفكرية كمحاربة لا تهاب النقد ولا القذف ولا النفي ولا التهديد بالقتل، بقلمها الحر:

  • ‎عن أزمة الهوية
  • ‎الهوية الاستهلاكية
  • ‎أليست هي جريمة ثقافية؟
  • ‎الثقة بالنفس والصراع الحضاري
  • ‎مظاهرات في واشنطن
  • ‎المرأة وأزمة الفكر العربي
  • ‎ثقافة الصابون
  • ‎المرأة والإحساس بالغربة
  • ‎كيف ولماذا يحدث ذلك؟
  • ‎الكونية والمرأة والفساد
  • ‎المرأة لا تولد امرأة بل تصبح امرأة
  • ‎ختان الذكور والإناث
  • ‎انتصار العقل على النقل
  • عن كرامة المرأة والختان
  • ‎إنه عاهة وليس هوية

ومن تلك الساحات المشتعلة، أنقل صوراً مما جال عنها في ذهني بعد القراءة أدعمها باقتباس في نص جريء (مع كامل الاحترام لحقوق النشر) كما يلي:

  • لا يُعد انتشار أفلام هوليوود في أي بلد كان سوى انتصاراً محققاً للولايات المتحدة الأمريكية، ثقافياً واقتصادياً، إذ لا تجني تلك المؤسسة العملاقة الأرباح الطائلة من صناعة الأفلام وحسب، إنما تتكسّب من خلال الترويج للثقافة الأمريكية التي تقوم على هوية استهلاكية في المقام الأول، تدفع بالملايين من فقراء العالم الثالث نحو التهافت على شراء سلع لا حاجة لهم بها، وذلك تحت تأثير الإغراء الدعائي على القيم الاستهلاكية. تعاين د. السعداوي في بنجلاديش نساء معدمات مريضات بالأنيميا يتبارين في اقتناء البضائع الأمريكية واستهلاك حبوب منع الحمل، ورجال يصطفون في طوابير طويلة عند بوابات السينما لمشاهدة فيلم أمريكي يعرض إعلانه صورة امرأة عارية تحمل مسدساً .. فتقول في (الهوية الاستهلاكية): في طريقي إلى بنجلاديش مررت بعدد من العواصم العربية! رأيت السوق الحرة مزدحمة بنساء محجبات يتنافسن على شراء بضائع أمريكية أغلبها مساحيق وأدوات تجميل وأغطية للرأس أو أحجبة للنساء المسلمات مزينة بفصوص من اللؤلؤ، ومصنوعة في نيويورك أو نیوجرسي“.
  • ليس مدهشاً أن يُصبح موضوع الختان قضية عالمية كما الحصار الاقتصادي الذي تقوم لأجله مظاهرات عارمة، فكلاهما يحصد ضحاياه من الأطفال ذكوراً وإناثاً على حد سواء!. تعود د. السعداوي إلى أرض الوطن عام 1997 بعد أن تشهد مظاهرة عالمية في مدينة نيويورك تناهض العقوبات الاقتصادية أو (التجويع) الممارس ضد الدول الفقيرة، فيراعها دعوة أحد كبار الشيوخ بممارسة (الخفاض) أو ختان الأنثى صوناً كرامتها، حيث تفقد شهوتها بذلك ولا تكون في علاقتها الزوجية محل (طالبة) بل (مطلوبة)، مؤكداً على أن الزوج لا يرغب في المرأة “الغوراء” دائمة الشبق التي ما “إذا ركبت دابة واهتزت فارت شهوتها”. تستمر وهي تتحدث (عن كرامة المرأة والختان) لتعقّب على هكذا هراء مقدّس قائلة: “دهشت لأن هذا الكلام يُنشر على لسان واحد من أشهر الدعاة الإسلاميين وله أتباع كثيرون وكثيرات في بلادنا، ولم أقرأ رداً على هذا الكلام الخطير الذي لا علاقة له بالعلم أو الطب أو صحة المرأة أو حتى كرامتها وأخلاقها”. ثم تتساءل في استنكار: “ومن هي المرأة التي تركب الدابة اليوم؟ وإذا كان ركوب الدابة يثير شهوة المرأة بسبب احتكاك البظر بظهر (الدابة) ألا يحدث ذلك أيضاً للرجل؟ ماذا عند احتكاك العضو الذكرى بظهر الدابة؟ لماذا لا نقطع إذن الأعضاء الذكرية للرجال بمثل ما نقطع بظور النساء؟”. تقول بعد استخفافها -الذي لم يخلُ من منطق- قولاً علمياً وهي من أهل الاختصاص: “من المعروف في علم الطب أن «مخ» الإنسان (الرجل أو المرأة) هو العضو الجنسي الأساسي، وهو مصدر الإثارة الجنسية، أي أن «عقل» الإنسان هو الذى يتحكم في شهوته سواء كان رجلاً أو امرأة، وإلا عشنا مجتمعاً همجياً يثور فيه الرجال والنساء بمجرد ركوب دابة أو دراجة أو شيء من هذا القبيل! إن الملايين من النساء في العالم غير مختتنات وهن يركبن الخيول والدراجات والنفاثات والدبابات ولا تحدث لهن أي إثارة جنسية لمجرد احتكاك شيء بأجسادهن”. تستمر بعد عرض الرأي الطبي في دحض وفضح هذا العور الإنساني، فكرياً، فتقول: إن هناك من يتصور المرأة «حيواناً» يثور جنسياً لأى لمسة، وهذا تصور خاطئ يدل على عدم دراية بالمرأة، أو ربما هو خيال بعض الرجال أو أحلامهم الكامنة في اللاوعي .. يتصور الرجل منهم أن المرأة ستصاب بالإغماء من شدة الشهوة إذا ما لمسها بيده! إنها إحدى الخرافات المتوارثة في التاريخ منذ نشوء العبودية أو النظام الطبقي الأبوي، الذي أدان شهوة المرأة الطبيعية وحرّم عليها اللذة، واعتبرها مجرد أداة للولادة والخدمة في بيت الزوجية”.
  • أما في الساحة التي احتل موضوعها عنوان الكتاب، فتعود د. السعداوي ابتداءً إلى طفولتها المبكّرة التي وإن لم تتمكن خلالها من نطق كلمتي ذكر وأنثى، فقد عرفت بالغريزة أنها تنتمي إلى نوع الجنس الهامشي الذي تنتمي إليه أمها وجدتها .. ثم وبعد أن أخذت عيناها تتفتح على الحياة وتتسع بهما مداركها، تذهب إلى المكتبة لتبحث عن معنى الغربة، فلا تجد سوى تفسيرات عديدة كُتبت بأقلام رجال انشغلوا بغربتهم عن غربة المرأة! فوصفوا الحكم والحاكم والعمّال والمصانع والأجور والسخرة والعبودية .. والإنسان الذي يقطع كل يوم طريقه نحو العمل كقط أو كلب أو حمار، غريزياً بحكم العادة ذهاباً وإياباً .. غير أنها رغم ذلك الزخم، لم تجد كتاباً واحداً يصف غربة المرأة، لكنها وجدتها في أعين البنات من حولها .. كالغمامة تطفو وتغيب كعلامة استفهام كبيرة حائرة أبدياً بلا جواب: “لماذا خلقني الله أنثى في عالم الذكور؟”. لا تستطيع أن تجيب على تلك الأسئلة الطفولية في بديهيتها وقد بلغت اليوم من العمر أشده دون أن تفكّ تلك الروابط التي تعقد في السر والعلن بين حكام العالم شرقاً وغرباً، شمالاً وجنوباً، حيث “أصبح العالم مقسّماً إلى حكام ومحكومين! الحكام أغلبهم ذكور وقلة من الإناث، والمحكومون أغلبهم نساء وشعوب مقهورة من النساء والرجال”. وتختم خواطرها في (المرأة والإحساس بالغربة) والتي تفتّقت عن شعور غائر بالغربة، لتقول بعد أن تقارن بين ابنة عمتها في القرية وهي تحلب البقرة وأمامهما شاشة يطلّ من خلاها الرئيس الأمريكي جورج بوش يبشّر بنظام عالمي جديد ويداه تقطران دماً مسفوحاً لنصف مليون إنسان قُتلوا في حرب الخليج: “لكن غربة المرأة أشد، لأن الإنسان يدرك الغربة أكثر من الحيوان، ولأن المرأة تباع في سوق الزواج كما تباع البقرة. وداخل الزواج تفقد المرأة ذاتها .. تصبح زوجة فلان أو أم فلان، وأولادها وبناتها يحملون اسم رجل آخر هو زوجها، له الحق في أن يطلقها بكلمة تخرج من بين شفتيه أو يتزوج عليها امرأة أخرى أصغر سناً أو أكثر مالاً .. حق مطلق يضمنه له القانون والشرع” وهنا يتجلّى شيء من معنى الغربة في ظل هذا القانون تعيش المرأة إحساس الغربة المزدوج، داخل البيت وخارجه في العالم الذكوري الممدود شرقاً وغرباً”.

ختاماً، وعلى مستوى شخصي .. أرى الدين كما تراه د. السعداوي، لا مجرد طقوس تعبّدية، وإنما سعي حثيث نحو قيم “العدل والحرية والحب” والتفاني في العمل وتحمّل المسئوليات .. وأرى المرأة المخلصة في عملها كما تراها د. السعداوي كالرجل المخلص في عمله، داخل بيتهما وخارجه “كلاهما يعرف الدين حق المعرفة” وكلاهما شريكان أساسيان في تأسيس أسرة وبناء مجتمع سليم .. وأرى الرجل الخائن كما تراه د. السعداوي في خيانة زوجه وتشريد أطفاله إما بالطلاق أو بالتعدد، وهو بهذا ناقص عقلاً وديناً “لأن الدين الصحيح يقود إلى العقل الصحيح” الذي يقود بدوره إلى العمل والإخلاص والحب .. وأخيراً، أرى الأخلاق القويمة كما تراها د. السعداوي “تنبع من التربية الصحيحة للأطفال في البيوت والمدراس” والتي تتأسس على الجمع بين الحرية والمسئولية وعلى التكامل بين العقل والجسد.

 

= = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = =

من الذاكرة: جاء تسلسل الكتاب (56) في قائمة خططت لها أن تضم (70) كتاب لهذا العام 2022، وهو تاسع كتاب اقرؤه في شهر ديسمبر حيث بات تحدي القراءة على قدم وساق .. وقد حصلت عليه من متجر نيل وفرات الإلكتروني للكتب العربية في يونيو من عام 2021، ضمن (80) كتاب تقريباً كانوا حصيلة مشترياتي من تلك الشحنة.

وللأديبة الراحلة على مكتبتي إضافة إلى هذا الكتاب، الكثير، أذكر منها ما يتعلق بالمرأة في الصميم: قضايا المرأة / المرأة والجنس / الأنثى هي الأصل / المرأة والصراع النفسي / امرأة تحدق في الشمس / عن المرأة والدين والأخلاق / قضايا المرأة والفكر والسياسة / معركة جديدة في قضية المرأة / الوجه العاري للمرأة العربية / تأملات في السياسة والمرأة والكتابة / الأنوثة والذكورة والدين والإبداع

من فعاليات الشهر: لا شيء سوى مصارعة الوقت لقراءة المزيد من الكتب وتعويض ما فات خلال العام .. وقد أجّلت عمل الأمس إلى اليوم كثيراً والذي أصبح فائتاً كذلك!

تسلسل الكتاب على المدونة: 387

 

تاريخ النشر: ديسمبر 17, 2022

عدد القراءات:992 قراءة

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *