ديوان قرأته ضمن أسبوع كان منمّقاً باللون الشعري .. بعد ستة أشهر كانت قاتمة الألوان اصطفت فيها كتب الفلسفة والتصوف والتاريخ والعلم والفكر والأدب والدين …، أنهيت قراءتها تباعاً، ثم أفسحت المجال لأطياف الشعر أن تحل!.
أخذ الديوان موقعه مع دواوين أخرى للشاعرة الشمّاء د. سعاد الصباح .. وقد تقاطعت ألوانه كثيراً مع ديوان (القصيدة أنثى .. والأنثى قصيدة) وديوان (في البدء كانت الأنثى) وديوان (فتافيت امرأة). لم تكن تلك الدواوين كاملة، بل اشتملت على مقاطع شعرية من قصائد مطولة خطّتها الشاعرة .. وفي بعضها، كانت تأتي القصيدة الواحدة مقطّعة على أكثر من صفحة، بعناوين مختلفة!..
ولا أنسى ابتداءً التعريف بالشاعرة:
هي سعاد محمد صباح المحمد الصباح (1942)، شاعرة وكاتبة وناقدة كويتية، وُلدت في مدينة البصرة بالعراق وتلقت تعليمها الابتدائي فيها، والذي استكملته في الكويت حتى المرحلة الجامعية. حصلت على درجة الماجستير من جامعة لندن عام 1976، ودرجة الدكتوراة من جامعة ساري في لندن أيضاً عام 1981، عن اطروحتها في الاقتصاد والعلوم السياسية. وبالإضافة إلى لغتها العربية لا سيما الشاعرية، تجيد الشاعرة اللغتين الإنجليزية والفرنسية، وصدر لها العديد من الأعمال في الأدب والشعر والتاريخ والاقتصاد، وتم طرح عدد من الدراسات حول قصائدها وأعمالها الأدبية. أسست عام 1985 (دار سعاد الصباح للنشر والتوزيع)، وانخرطت من خلالها في الأنشطة التي من شأنها تشجيع الشباب على الإبداع العلمي والفكري والأدبي، فأسست جائزة باسمها خاصة بالإبداع الفكري، وأخرى باسم زوجها خاصة بالإبداع العلمي، وثالثة خاصة بشباب أرض فلسطين، فكرّمت العديد من الأدباء المعاصرين على أعمالهم. إضافة إلى أنشطتها الخاصة، تقلّدت العديد من المناصب الرسمية في اللجان والجمعيات والمجالس والاتحادات والروابط الخليجية والعربية والعالمية، ونالت الكثير من جوائز التكريم العربية والعالمية. يصطبغ شعرها باللون الحزين، والمحب للحياة أيضاً .. الجمال والعذوبة تارة مقابل التمرد والجرأة تارة أخرى، ويطغى على أشعارها القضايا التي آمنت بها، كحب الوطن وتحرير المرأة .. وتم تلحين قصيدتها (كن صديقي) في ديوان (فتافيت امرأة) التي تغنّت بها المطربة اللبنانية ماجدة الرومي، وقد لاقت صدى طيباً واسعاً.
ومن الديوان، وددت لو نظمت كل ما راق لي وما لم يرق لي، لكن سأكتفي باقتباسات في نص مشرق وآخر معتم (مع كامل الاحترام لحقوق النشر)، وقد التقط الديوان نجمتين من رصيد أنجمي الخماسي. ومع كل مقطع، جاءت خواطري موجهة إلى الأنثى المعنية بها أو أنماط الذكورة الملازمة لها .. ولا شيء منها موجّه على الإطلاق إلى شخص الشاعرة الموّقرة!.
مما راق لي من الديوان:
(كرامة):
تصرف
كذئب يجيد ثلاث لغات
فلن تستطيع اختراق حصوني
ولن تستطيع احتواء جنوني
ولن يستطيع جنودك
أن يشربوا قطرة
من سواد عيوني
وأقول في فخر:
… هكذا أقتل أشباه الرجال .. بلا سلاح!.
عندما تكون جبال العفاف حصوني
وعندما أعرّي جهل الجاهل .. إذا في العقل حاول جدالي
(بيت الزجاج):
فافرشوا السجاد والورد
لأطفال الحجارة
واغمروهم بالزهر
إن اسرائيل
بيت من زجاج
وانكسر
وأقول بأسى:
… وبيت العرب بيت عار، ورجاله القارّين فيه يلزمهم الرجم!
لكن!! حجارة أولئك الأطفال الأشبال قد لا تكفي!
(القناعة):
ليسَ السعيدُ من اغتنى
ليرى مَن حولَه يَقضون أنفاسا
إنَّ السعادةَ عندَ ذُروتِها
هي أنْ أعيشَ لأُسعدَ الناسا
وأقول تأكيداً:
… قد تكون السعادة في الأخذ، لكن أعظم أجزائها في العطاء!.
وفي مأثور الحديث: “خير النَّاس أنفعهم للنَّاس”.
(الرجل الحر):
صعبٌ على الأحرار أن يستسلموا
قدر الكبير بأن يظل كبيرا
وأقول في إباء:
… مع المتنبي: و إذا كانت النُّفوسُ كِباراً .. تَعِبَت في مُرادِها الأجسامُ
(عمق):
كل ما يبنى على الرمل .. هباء في هباء
فابتنوا في العمق ما يرقى لأسباب السماء
وأقول صدقاً:
… مع الذين لا يريدون علواً في الأرض:
اللهم اجعلني مغموراً عند أهل الأرض .. مشهوراً عند أهل السماء
(عصافير لا تنام):
وأعينُ العشاقِ لا تنام
والشعرُ حتى الفجرِ لا ينام
يا ليتني مثل العصافيرِ التي
تشتاقُ كلَّ لحظةٍ إلى بلادِ الشام
وأقول بلوعة:
… مع شوقي وشوقه، وشوقي، وشوق ابنة الصباح إلى الشام:
سَلامٌ مِن صَبا بَرَدى أَرَقُّ .. وَدَمعٌ لا يُكَفكَفُ يا دِمَشقُ
تَكادُ لِرَوعَةِ الأَحداثِ فيها .. تُخالُ مِنَ الخُرافَةِ وَهيَ صِدقُ
أَلَستِ دِمَشقُ لِلإِسلامِ ظِئرًا .. وَمُرضِعَةُ الأُبُوَّةِ لا تُعَقُّ
لَهُ بِالشامِ أَعلامٌ وَعُسٌ .. بَشائِرُهُ بِأَندَلُسٍ تَدُقُّ
نَصَحتُ وَنَحنُ مُختَلِفونَ دارًا .. وَلَكِن كُلُّنا في الهَمِّ شَرقُ
(غياب):
يا إلهي ..
اقْبَلْ صَلاتي وامتثالي وخُشوعي
فهيَ قُربْاني إلى ذاتكَ
في شَوْقِي وجُوعي
للقاءِ مَنْ راحوا إلى غيرِ رجوعِ
وأقول وما حيلتي:
… مع محمود درويش: هو الغائب الذي لا يأتي .. وأنا المشتاق الذي لا ينسى.
(كنز):
ماد ُمْتَ موجوداً معي
فالعامُ أسْعَدُ مِنْ سعيد
وأقول بفرح:
… وكل يوم يمرّ معك .. فهو عيد.
مما لم يرق لي من الديوان:
(خذني):
قل لي لغة
لم تسمعها امرأة غيري
خذني نحو جزيرة حب
لم يسكنها أحد غيري
خذني نحو كلام خلف
حدود الشعر
وأقول هزواً:
… “وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ”.. أولئك الشعراء!.
فمن ذاك الذي سيقول قولاً خلف حدود ما قال الشعراء؟!!
(شهادة تخرج):
أنا لا أكتمل
إلا عندما أتخرج من بين أصابعك
وأقول للعجينة:
… وكيف ستتخرّجين؟ كاملة الدسم؟
(أمنية):
يا صديقي .. يا الذي يخرج من منديله ضوء النهار
يا الذي أتبعه حتى انتحاري
كم تمنيت بأن تصبح في يومٍ من الأيام قرطي أو سواري
وأقول للحالمة:
… يا وجع الأماني! إنما الأمنيات بالمجان!
فليكن -إن كان لزاماً- خاتم في اصبعك ..
وأختم -بغير خاطرة- من إبداع ما خربشت أظافر العصافير .. وإنها كلمات تشبهني:
لكن!!
قد كان بوسعي
أن ابتلع الدمع
وأن ابتلع القمع
وأن أتأقلم
مثل جميع المسجونات
= = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = =
من الذاكرة: جاء تسلسل الديوان (44) في قائمة ضمت (105) كتاب قرأتهم عام 2020 تتضمن تسعة كتب لم أتم قراءتها، على الرغم من أن العدد الذي جعلته في موضع تحدٍ للعام كان (100) كتاب فقط! وهو في الترتيب (13) ضمن ما قرأت في شهر يونيو من بين (21) كتاب، وقد حصلت عليه من معرض للكتاب في إحدى المدن العربية في نفس العام ضمن (90) كتاب تقريباً كانوا حصيلة مشترياتي من ذلك المعرض.
لقد كان عام الوباء الذي جاء من أعراضه الجانبية (ملازمة الدار وقراءة أكثر من مائة كتاب)! لم يكن عاماً عادياً وحسب .. بل كان عاماً مليئاً بالكمامات والكتب.
في هذا العام، دأبت على كتابة بعض من يوميات القراءة. وعن هذا الديوان، فقد قرأته في شهر (يونيو)، والذي كان من فعالياته كما دوّنت حينها:
“كان شهراً حافلاً بالقراءة وإعداد مراجعات الكتب المقروءة .. مع استمرار الحجر الصحي بطبيعة الحال”.
من فعاليات الشهر: كنت قد استغرقت في القراءة بشكل مهووس خلال النصف الأول من هذا العام دون أي فاصل يُذكر، رغم الوقت الذي استقطعه عادة بعد قراءة كل كتاب من أجل تدوين مراجعة عنه! ما حدث في تلك الفترة هو تراكم الكتب التي أنهيت قراءتها من غير تدوين، حتى قررت على مضض بتعطيل القراءة لصالح التدوين .. وأقول “على مضض” لأن القراءة المسترسلة من غير انقطاع بالنسبة لي هي أشبه بالحلم الجميل الذي لا أودّ أن أستفيق منه، لكنني تمكّنت من تخصيص وقتاً جيداً في نهاية هذا الشهر لتأدية عمل الأمس الذي أجلّته للغد.
تسلسل الديوان على المدونة: 224
التعليقات