ليست الحياة وحسب تلك التي لا تتجزأ عن الطبيعة في قوانينها المادية، ولا يتجاوز حدود إدراكها مجموعة حواس خمس .. إنما هي فيما يعادلها طاقة، لا يقوى على تفسيرها سوى رؤية روحانية تخترق بصيرتها الحُجب وما وراءها .. وكذلك الإنسان في روحه لا في جسده!
إن طريق الوعي المؤدي إلى مستقر الروح هو طريق السعادة المنشودة، والإنسان في سعيه وهو يخوض تجارب تلو تجارب من خلال بدائل وخيارات متاحة له في الحياة، يحدد مساره خيراً أم شراً .. فإن كان اختياره يقوم على أساس من حب وما يجود به من امتنان وصبر وتقدير، فسيتقدم بوعي نحو جوائز الحب، أما إن كان اختياره قائماً على أساس من خوف وما يرتبط به من غضب وغيرة وانتقام، فذلك تقدّم بلا وعي نحو عواقب أليمة وهدّامة.
وبينما ينجذب المؤلف في سنوات أعماله الأولى إلى أعمال عالم الفيزياء ألبرت أينشتاين، ونظيره نيلز بوهر، وعالم النفس كارل يونغ، وعالم اللسانيات بنجامين لي وورف، فيعود إليها مرات ومرات، لم يتمكّن من تبيان سرّ انجذابه لها، إلى أن اكتشف بعد حين أن سرّ تفوق أولئك العلماء يعود إلى معرفتهم التي فاقت قدرتهم في التعبير عنها في أعمالهم، حيث شاهدوا ببصيرتهم أكثر مما يمكن للغتهم التعبير عنه، لكنهم آثروا مشاركة الآخرين فيما عاينوا من مشاهدات بمعايير علمية! يقول المؤلف عنهم: “إنهم صوفيون. هكذا يمكنني وصفهم”. إن سر تلك الإبداعات لا يعود قطعاً إلى المكافآت الأرضية ولا إلى تقدير الآخرين، إنما إلى الروح التي وجّهت فكرها نحو اتجاه معين، فأوصلت أصحابها إلى أماكن عظيمة لا تنتمي علومها إلى العلوم التي سعوا نحوها، “بل انتقلوا إلى فضاء الوحي فنشطت مصادر إلهامهم وانفتحت، فعرفوا أن في الوجود أكثر من الزمان والمكان والمادة وأكثر من الحياة الجسدية” .. هكذا يقول المؤلف من جديد! لقد عرفوا أموراً روحية لكنهم لم يتمكنوا من التعبير عنها بوضوح لقلة استعدادهم التعبير روحانياً، فنقلوا ما شعروا به فيما كتبوا!
وعن المؤلف (غاري زوكاف 1942)، فهو معلم روحي أمريكي، تصدّرت أربع من مؤلفاته على التوالي قائمة الأكثر مبيعاً حسب تصنيف صحيفة نيويورك تايمز، ابتداءً من عام 1998، في حين حصل أحد كتبه عام 1979 على جائزة (الكتاب الوطني) في أمريكا، وقد ذاع صيته من خلال البرنامج الحواري الأشهر للإعلامية الأمريكية (أوبرا وينفري) حيث استضافته في أكثر من ثلاثين مرة لمناقشة رؤيته حول تحولات الوعي البشري كما جاءت في كتابه (موطن الروح)، وهو الكتاب الذي قالت عنه: “غيّر كتاب (موطن الروح) طريقتي في النظر إلى نفسي وفي النظر إلى العالم، وغيّر بعمق أسلوبي في التعاطي مع الآخرين على الصعيد الشخصي، كما في مجال عملي”.
يعرض المؤلف مادة كتابه الرئيسية الأربع في ست عشرة فصلاً، تبدأ بمقدمتين تتقاسمها الإعلامية الأمريكية أوبرا وينفري والشاعرة الأمريكية مايا أنجلو، وتنتهي بدليل تعليمي مفصّل .. وهي كما يلي:
مدخل
- الفصل الأول: التطور
- الفصل الثاني: كارما
- الفصل الثالث: التهيب
- الفصل الرابع: القلب
الخلق
- الفصل الخامس: الوحي
- الفصل السادس: النور
- الفصل السابع: النية (1)
- الفصل الثامن: النية (2)
المسئولية
- الفصل التاسع: الاختيار
- الفصل العاشر: الإدمان
- الفصل الحادي عشر: العلاقات
- الفصل الثاني عشر: الأرواح
القوة
- الفصل الثالث عشر: علم النفس
- الفصل الرابع عشر: الوهم
- الفصل الخامس عشر: القوة
- الفصل السادس عشر: الثقة
ومن الكتاب الذي جاء في ترجمة احترافية من نصه الأصلي (The Seat of the Soul – By: Gary Zukav) وحصد أربعاً من رصيد أنجمي الخماسي، أسرد ما علق في روحي منه بعد القراءة، وباقتباس في نص أرواحي (مع كامل الاحترام لحقوق النشر) إضافة إلى ما سبق من اقتباسات:
- تتطلّب الحياة التهيّب، فلا يعالج الغضب الصعوبات ولا يحميها من متوجبّات الكارما الملاحقة لها. يقول المؤلف في فصل (التطور): “نجد أن الأنشطة الحياتية تكتسب نبلاً في المعنى والهدف عندما تمتزج بالتهيّب. وفي المقابل نجد أن افتقارها إلى التهيب ينتج ظلماً وعنفاً وشعوراً بالوحدة. يشكّل المحيط المادي ميدانا رائعاً لتلقي الدروس. إنه مدرسة نتوصل بفضلها، وعبر التجربة، إلى فهم أيّ الأسباب تجعلنا نتوسّع، وأيها تجعلنا نتقلّص، وأيها تساعدنا على النمو، وتلك التي تتسبب في تراجعنا، وأيها تغذي أرواحنا، وأيها تؤدي إلى ذوائها، أي الأسباب تفيدنا وأيها تضرنا“.
- إن فوق العالم المنظور مصدر القيم الإنسانية الأشد عمقاً، والتي تفسّر التضحية التي يقدمها بعض البشر بوعي من أجل تحقيق مقاصد سامية، كقوة غاندي ورحمة المسيح. يقول المؤلف وهو لا يزال في نفس الفصل: “المعلمون العظماء في تاريخ الإنسانية هم أناس تمتعوا بسعة الإدراك. لقد تحدثوا ويتحدثون إلينا، وفعلوا ويفعلون وفق قيم ومدارك تعكس الوعي الأشمل الذي يتميّز به الإنسان من ذوي الإدراك الموسع، فأيقظت بالتالي كلماتهم وأعمالهم في داخلنا معرفة بالحقيقة”.
- تتولد الطاقة السلبية مع إطلاق الأحكام ضد الحوادث التي لا تبدو ملائمة ولا تُعرف أسبابها الحقيقية، غير إن إطلاق تلك الأحكام تتصل بالشخصية، وتخلق كارما مستحقة! يقول المؤلف في فصل (الكارما): “من حيث عدم إمكاننا الاطلاع على الأمور التي يتم شفاؤها عبر كل حدث أو حالة معيّنة -وأيّ ديون لطاقة كارما قد تم استيفاؤها- لا يمكننا إطلاق الأحكام على ما نشهده. إذا رأينا على سبيل المثال إنساناً ينام في الزقاق في فصل الشتاء، لا نعلم نوع المقاضاة الجارية بالنسبة لروحه، لا نعلم ما إذا كانت هذه الروح قد تورطت بارتكاب عمل ظالم في حياة أخرى، واختارت الآن المرور بتجربة متصلة بالدينامية عينها، ولكن من زاوية مختلفة كلياً، كمتسوّل من غير مأوى مثلاً. من الملائم أن نقابل مثل هذه الحالة بالرحمة، ولكنه من غير الملائم اعتبارها غير عادلة، لأنها ليست كذلك”.
- تتهيب الروح الحياة بينما لا تتهيبها الشخصية! والشخصية التي تختار أن تتصاف مع روحها في نفس نظرة التهيب، تحتمي من طاقة الكارما السلبية، وتتمكن من ترسيخ بعض الميزات الروحية في واقعها المادي. يقول المؤلف في فصل (التهيّب): “إنه يعني تحدّي رؤية وقيم العالم المقيّد بحدود الحواس الخمس، والذي يفتقد إلى التهيّب. وهذا ليس بالأمر السهل، خصوصا بالنسبة إلى الذكور الذين تلقّنوا دائماً القيم المحفّزة على تكديس عناصر القوة الخارجية. لا يشعر من توصّل إلى القوّة الحقيقية من الذكور بالإحراج أو بتراجع صفاته الذكورية إن أظهر اهتماماً أكبر بقيمة الحياة، وبمجمل المخلوقات التي تعيش على سطح الأرض. إنها طاقة التهيب. من هنا، فإن اتخاذ القرار بمقاربة الحياة بتهيّب يحتاج غالباً إلى الشجاعة، ليس من جانب الذكور وحسب، بل إلى شجاعة الإناث أيضاً ممن كن قد تلقين تلك القيم”.
- عندما تفقد الروح قدرتها على الاتصال بروحها تفقد مصدر نورها، فتطغى حيالها حالة السواد التي تُدعى (الشر) .. فيختار الإنسان أن يغضب بدلاً أن يتسامح، وأن يدين بدل أن يتفهّم. بيد أن الشخصية المتكاملة تعيش في حالة (الضوء الأبيض) الذي يمثّل في طهره أثواب الأبطال ورسمات الملائكة وتصورات الجنة وأشكال رسل الله، وأن حالة غياب النور هو حالة غياب الحب وتجسد الشر .. وأن الحديث بشاعرية عن النور المتمثل في الطهارة والبصيرة والإلهام الإلهي، هو حديث حقيقي لا شاعري وحسب! يقول المؤلف في فصل (القلب): “النور الواعي يساوي الألوهية، ويساوي الذكاء الإلهي. والمكان الذي يغيب عنه الذكاء الإلهي، يتفشى فيه الظلام. وببساطة نقول إن هناك ظلاماً، ونحن نتعثر في الظلام. لكن الوجود في الظلام لا يدوم، إذ سوف تصل كل روح في النهاية إلى الاستنارة الكلية. ولا بد للروح غير المستنيرة من التعرف إلى النور، لأن مزيداً من المساعدة متوفر لكل روح في جميع الأوقات. هناك فيض من النور الذي يحيط بمثل هذه الروح، ولكنه قد لا يتمكّن من الدخول إليها مباشرة، وهناك مزيد من المساعدة المتوفرة لتلك الأرواح التي تصرّ على العيش في الظلام، والتحفيز إلى تحويل حتى واحدة من أفكارها من الظلمة إلى النور يبقى متوفراً. وفي النهاية، تتحوّل جميعها نحو النور”.
ختاماً .. وكما آمن المعلم الروحي، فإن الروح الحقيقية لا تتفجر فيها القوة إلا حين يسخّر الإنسان طاقته في خدمتها بشكل تام .. وهو الإنسان الذي يسعى بتوق إلى ملامسة هذه القوة الأزلية في رحلة تطوره الروحية ابتداءً من كوكب الأرض .. من مستوى “الإدراك المقيّد بالحواس الخمس” إلى مراحل “الإدراك الموسع” .. حين يسمح لروحه أن تشعّ من خلاله وأن تجسّد احترام وحب الحياة بعمق لا متناهي.
إنه كتاب يتقاطع مع كثير مما أؤمن!
= = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = =
نقلاً عن المفكرة: جاء تسلسل الكتاب (47) ضمن قائمة لا تنتهي من الكتب التي خصصتها لعام 2024، والذي أرجو أن يكون استثنائياً في جودة الكتب التي سأحظى بقراءتها خلاله، وهو في الترتيب (4) ضمن قراءات شهر مايو الذي قرأت فيه (12) كتاب، منها واحداً لم أتمّه! وعن اقتنائه، فقد حصلت عليه من معرض للكتاب أقيم هذا الشهر بإحدى المدن العربية، ضمن (250) كتاب كانوا حصيلة مشترياتي من ذلك المعرض.
ومن فعاليات الشهر: كان الوقت حافلاً بإعداد قائمة الكتب التي حرصت على شرائها من المعرض، وبزيارة المعرض خلال معظم أيامه! وليت العام بطوله معرضاً للكتاب .. لكن هكذا هي الأيام السعيدة، سريعاً ما تنقضي، والأمل يتجدد مع المعارض القادمة.
ومن الكتب التي قرأتها في هذا الشهر: رسائل من القرآن / نحو تجديد الفكر القومي العربي / مقالات في السياسة / أخاديد / في جو من الندم الفكري / صنعة الكتابة / الخزنة: الحب والحرية / الغباء البشري
وعلى رف (علم الطاقة والروحانيات) في مكتبتي عدد يتجاوز (80) كتاب، بعضها قديم .. أذكر منها: (تناسخ الأجساد: قصة استنساخ كائن بشري) – تأليف: دافيدرورفيك / (التقمص: أحاديث مع متقمصين) – تأليف: تورفالد دتلفزن / (ترانسيرفينج الواقع) – تأليف: فاديم زيلاند / (خطاب ميهيز بابا: تقنيات اكتشاف الروح وأسرارها) – تأليف: ميهيز بابا / (الإسقاط النجمي: الخروج من الجسد) – تأليف: روبيرت بروس / (القفزة: علم نفس الاستيقاظ الروحي) – تأليف: ستيف تايلور / (الواقع الخفي: الأكوان الموازية وقوانين الكون العميقة) – تأليف: براين جرين / (كتاب الأسرار: من أنا؟ من أين أتيت؟ لماذا أنا هنا؟) – تأليف: د. ديباك شوبرا / (عناصر المزاج: تشابك الجينات والثقافة والزمن والحظ) – تأليف: جيروم كاجان / (تجاوز مستويات الوعي) – تأليف: د. ديفيد هاوكينز / (قوة الكارما) – تأليف: ماري براون / (الأفكار هي الأشياء) – تأليف: برنتيس مالفورد / (الكوكب المميز: كيف صُمم موقعنا في الكون للاكتشاف) – تأليف: غييرمو غونزاليز / (الإنسان وقواه الخفية) – تأليف: كولن ويلسون / (الخيال العلمي والفلسفة: من السفر عبر الزمن الي الذكاء الفائق) – تأليف: سوزان سينج / (عملية الحضور: رحلة إلى داخل إدراك اللحظة الحالية) – تأليف: مايكل براون / (تسعة تصورات عن الزمن: السفر عبر الزمن بين الحقيقة والخيال) – تأليف: جون جريبين / (الحب هو الحقيقة الوحيدة) – تأليف: برايان ل. ويس / (العوالم المتوازية للذات) – تأليف: فريدريك داودسون / (قوة الآن: الدليل إلى التنوير الروحي) – تأليف: إكهارت تول
Life Before Life – By: Jim B. Tucker / Proof of Heaven – By: Eben Alexander / Beyond Coincidence – By: Martin Plimmer and Brian King
تسلسل الكتاب على المدونة: 497
التعليقات