كتاب يثير السخرية، ثم العجب، ومن بعدهما التبصر في أبعد ما يمكن أن تشطح له النفس البشرية المجبولة على الاعتقاد بوجود قوة غيبية وأزلية -تسمى خالق أو طبيعة- تسيطر على الكون، ويخضع لها المخلوق البشري منذ لحظة ميلاده حتى مماته .. بل وبعد مماته!
ليس عجباً أن ينحرف العقل البشري في بدائيته .. عند إنسان داروين، أو رجل الكهف، أو طرزان الغاب، أو مخلوق ما بعد عصر الديناصور، غير أن ما يثير العجب حقاً هو ارتداده في ظلمات بعضها فوق بعض، من بعد ما حباه الله بأنوار الإيمان والعلم والحكمة، حملتها إليه رسالات سماوية وأنبياء نبلاء وأتباع صالحين وصالحات على المحجة البيضاء! إنه انتكاس فكري حاد به عن جادة الصواب، أصاب الدين والدنيا معه في مقتل!. غير أن العجب الأكبر يكمن في حالة الخرس التي تلبسّت رجال الدين -كما يتسمون- أمام تلكم الانحرافات الفكرية، بل الأدهى أن تصبح هي ذاتها نتاج نفوسهم المريضة اللاهثة خلف الشهوات، أو جيوبهم المتعطشة لعطايا السلطان، وقد كان منها ما يثير الحنق والتقزز والضحك كل على حد سواء!. وفي هذا يروي البيهقي عن علي بن أبي طالب -كرم الله وجهه- قوله عن شر الزمان القادم وشرار علمائه: “… علماؤهم شر من تحت أديم السماء، من عندهم تخرج الفتنة وفيهم تعود”.
على الرغم من الخلفية الأكاديمية للكاتب، حيث تخرّج في كلية التربية وعمل في مهنة التدريس داخل مدارس العراق والكويت، إلا أنه اتجه لاحقاً نحو دراسة علم الميثولوجي وما يشتمل عليه من علوم تعني بثقافات الشعوب وأديانها وأعرافها وتراثها وأساطيرها!. عليه، فقد وضع كتابه هذا عام 2015 كما تشير صفحة الكتاب الأولى، مع غيره من الإصدارات التي تعرضها صفحة الكتاب الأخيرة.
يعرض فهرس الكتاب الذي نال أربع نجمات من رصيد أنجمي الخماسي واحد وعشرون فصلاً، يتشعب عنها عدد أكبر من المواضيع ذات الصلة، أذكرها تباعاً كما يلي:
- الفصل الأول: خرافة القصيدة (الجلجلوتية) نظمها الله وأنزلها جبرائيل على النبي
- الفصل الثاني: كوميديا عنزة السيدة نفيسة
- الفصل الثالث: تقديس حوافر الحمير
- الفصل الرابع: احتفالية كنسية لتكريم حمار
- الفصل الخامس: حمار الأسود العنسي
- الفصل السادس: تقديس نعل الحصان في معتقدات السير نلسون والحاج حسّان
- الفصل السابع: نعل الإنسان بين عقيدتي القداسة والنجاسة
- الفصل الثامن: ظهور كفن المسيح المفقود
- الفصل التاسع: المسيح المنتظر في صورة دجّال
- الفصل العاشر: أستير ستانهوب في انتظار المنتظر
- الفصل الحادي عشر: ارتباط المنتظرين بالخيول
- الفصل الثاني عشر: اختفاء المنتظرين
- الفصل الثالث عشر: ظهور المنتظرين
- الفصل الرابع عشر: من مخاريق المفتين المضحكة
- الفصل الخامس عشر: من سخريات الصراعات الطائفية
- الفصل السادس عشر: أطرف فتاوى العصر الحديث
- الفصل السابع عشر: دخول النباتات في الصراعات الطائفية
- الفصل الثامن عشر: الحرب الدينية على الطماطم
- الفصل التاسع عشر: التحليل الشرعي لانحراف النيكروفيليا
- الفصل العشرون: تقديس القبور المجهولة
- الفصل الواحد والعشرون: تقديس المجانين وأضرحتهم
ومن تلك (المهازل) التي اشتق منها الكاتب عنوان كتابه، أسرد في الأسطر التالية ما علق في ذاكرتي منها بعد القراءة، مع التأكيد على أن الطرح لم يأتِ نتاج هوى، بل إنه موثّق بمصادر ومراجع معتمدة:
ملاحظة: ترد بعض التعليقات في نص أزرق .. لا تعبّر سوى عن رأيي الشخصي ولا تمتّ لمحتوى الكتاب بصلة.
- يستهل الكاتب بخرافة قصيدة تُدعى (جلجلوتية)، تجلجل فكي قارئها في نطق مصفوفات الطلاسم التي نزل بها الملاك جبرائيل على النبي محمد ﷺ كما زعم المريدين، وحاشاهما!. لم تأتِ القصيدة في لغة سريالية، بل فيما هو أشبه بالتعويذات التي تُتلى في جلسات تحضير الجن .. تقول بعض أبياتها:
إلهي لقد أقسمت باسمك داعياً … يأج أجوج جلجلوت وجلجلت
ألا واحجبني من عدو وظالم … بحق شماخ أشمخ سلمت سمت
أبارخ بيروخ وبيروخ برخوا … شماريخ شيراخ شروخ تشمخت
بآج أهوج جلمهوج جلالة … جليل جلجلوت جماه تمهرجت
تدور الشكوك في نظم هذه القصيدة حول أحمد بن علي البوني (وقد حمل لقب شيخ)، رغم ما عُرف عنه اشتغاله بالسحر .. حيث زعم احتوائها على اسم الله الأعظم الذي لولاه ما حملت الملائكة العرش، ولا أشرقت الشمس، ولا أضاء القمر، ولا هبط جبرائيل بجناحيه إلى النبي محمد ﷺ حاملاً له هذه الهدية من الله جلّ في علاه، وقد أقرأه السلام وخصّه بالتحيات. وإمعاناً في إلصاق صفة القداسة على جلجلوتيته، فقد حشر رموز أهل السنة كأبي بكر وعمر، ورموز أهل الشيعة كعلي وابنيه، في مناسبة التنزيل.
وفي الترجمة عن السريانية، يزعم هذا الشيخ أن أسماء الله الحسنى تجلّت من خلالها! فأهوج هو (الأحد)، وطمطام هو (البارئ)، ومهراش هو (الثابت)، وطيطخت هو (الجبار)، وشماخ هو (الحليم)، وشرنطح هو (الرؤوف) ….”سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ”. غير أن كل هذه الأسماء في جملتها لا تعدو عن كونها أسماء جن، كالجني (بدوح) الذي دعى الكاتب بالتوسع في البحث عنه لمن شاء، ضمن دائرة المعارف الإسلامية المترجمة.
ومما يثير الاستنكار بعد الاستهجان، أن يتناقل العلماء تلك القصيدة ويتصدى لها بعضهم بالشرح والتعظيم، كالشيخ عمر البياسي، والرومي الحنفي، ونور الدين الأصفهاني، انتهاءً بالعالم الرباني أبو حامد الغزالي الذي رأى أن ما تحمله من أسماء سريانية هي في حقيقتها أسماء الله الحسنى!. ويا لها من سقطة لحجة الإسلام وفقيه الأمة وفيلسوفها.
وقد أسفرت البحوث التي تنافس فيها السنة والشيعة على اسم الله الأعظم المزعوم، عن تطابق الرسم الطلسمي له واختلاف نظم القصيدة عنه، فقد جاءت (تائية) عند أهل السنة، و (ميمية) عند أهل الشيعة.
وعن النجمة ذات الأقطاب الخمس والمتربعة وسط طلسم الاسم المزعوم، يقول الكاتب أنها أُدرجت في تفسير (النجم الثاقب) المذكور في سورة الطارق، كما سطع ذكرها في أساطير الأولين .. فهي (الزهرة) عند الوثنيين، و(عشتار) عند البابليين، و(عشتروت) عند الفينيقيين، و(العزى) عند القرشيين، و(مايا) عند الهنود، و(ميترا) عند الفرس، و(فينوس) عند الإغريق.
أما (أهيا شراهيا) فهو تعريب لـ (يا حي يا قيوم) عن الأصل العبري لاسم الله الأعظم، حيث يقول نصّ البيت من تلك القصيدة: “بأهيا شراهيا أدوناي صبوة .. صباوت آل شداي أقسمت بطيطغت”. غير أن الشيخ الطبرسي قد جاء على ذكره في كتابه (مكارم الأخلاق)، فهو عنده الاسم المحفور على جبين الملاك اسرافيل، كما أنه يعالج ألم الأسنان إذا كُتب فوق ثلاثة وريقات زيتون ثم استُخدمت كحجاب. وبقدرة قادر انتقل هذا الاسم المعقد ذو الاثنان والسبعون حرفاً من على إحدى أوراق البردي في مصر القديمة، إلى التراث الإسلامي لكن بثلاث وسبعون حرفاً.
- يتوسع الكاتب في حديثه عن المهدي المنتظر وما لفّ حوله من تنبؤات وأحاديث وشروط وأشباه، بل وأدعياء للألوهية! فقد ادعّى منهم ميرزا حسين علي وتلقب بـ (البهاء)، فهو (البهي الأبهى لا إله إلا هو) الذي بشّر به السابقون من الأنبياء والرسل. غير أن مقام الألوهية لم يطب له، فقد نازعه فيه أخاه ميرزا يحيى والملقب بـ (صبح أزل) الذي شرفّه به المهدي السالف ولقبّه بـ (الباب). وقد تبادل الاثنان التهم بسرقة كتاب الوحي وإخفائه بعد التنزّل عليه من السماء. أما (البيان) فهو قرآن (الباب) الجديد الذي بدّل به الكثير من شرائع القرآن الكريم، كحق إلهي اختصه الله به، وذلك حين واجه أتباع الإسلام صعوبة تطبيق الأحكام المذكورة في القرآن، حسب زعمه!. غير أن هذا (البيان) تحديداً قد حوى الكثير من اللحن واللغط والأخطاء النحوية، والذي برره الباب قائلاً: “إن الله خفف عنا قواعد النحو فأباح لنا اللحن”.
أما المهدي الذي ظهر بين أهل السودان، فقد أظهرت حياته الخاصة صور من شبق عارم أفضى إلى وفاته وفي ذمته مائة وخمسون (حُرمة)، جمع وصاله بينهن أجمعين في بيته العامر في أم درمان، وقد حرّم عليهن الزواج بعد مماته تماهياً مع رسول الله وزوجاته أمهات المؤمنين (صلوات الله عليه وعليهن أجمعين)، غير أن أكبرهن سناً هي من حظيت بشرف لقب (أم المؤمنين) دون غيرها.
- يتحدث الكاتب عما أسماه بـ (مخاريق المفتين)، ويورد قصة لأحد المتهكمين على أبو يوسف القاضي، وقد فرغ من وضع كتابه (الحيل) الذي يحتال فيه على بعض الأحكام الشرعية بغية التملّص منها. حتى يستوقفه يوماً أحد الظرفاء في الطريق لاستفزازه .. فهو إذ برع في الحيل لم يبرع في الفطن، متسائلاً عن ملّة (بضع المرأة): أمسلم هو أم كافر؟! فلما ظن القاضي أن المنطق أسعفه، أجاب السائل الظريف .. غير أن التفنيد الذي جاء به السائل لجوابه كان أكثر إفحاماً وأقوى حجة .. وأبلغ بذاءة! أتحرّج عن ذكره.
- تتنافس طقوس التنجيس بين أهالي وادي النيل ووادي الفرات، حيث تُطرح ملابس الأطفال الجديدة في إحدى قرى العراق على الكلاب بغية تنجيسها ومن ثم إبعاد أي روح شريرة تطمع بها، بينما تعالج دمامل العيون عند المصريين من خلال قطنة مغموسة في أحواض الشرب المخصصة للكلاب، ولنفس هدف التنجيس.
- وعن (سخريات الصراعات الطائفية)، يعيب الكاتب على تلك الفرق المتناحرة -وقد ضمنت كل منها منزلة الفرقة الناجية- تلك المساجلات المعتمدة على النصوص الدينية، وما تبعها من تراشق وجدال وتُهم متبادلة. غير أنه يشير إلى تقنية (التطهير) الحكيمة التي ارتآها الفيلسوف الإغريقي سقراط في حديثه عن (المسرحية)، إذ يفجّر الجسم كامل طاقته السلبية من خلال مشهد تمثيلي يُعرض فوق خشبة المسرح وحسب، فيكفيه شرها، ويضمن إعراض الجمهور عنها بمجرد مشاهدتها تمثيلاً.
- حظي الزغبي (وهو شيخ أيضاً) ببراءة اختراع عن أطروحته في (نظرية التحول) التي سبق بها الأولين والآخرين! فعملية المسخ تمس فعلياً كل من شاء الله أن يُعاقب لجرم ما، فضلاً عن اختيار البعض مسخه لسبب قد يكون خاصاً. إن (حجري إساف ونائلة) شاهدان على مسخهما بعد ارتكاب جريمة الفاحشة داخل فناء الكعبة، كما أن (أسد بابل) قد أتى وأخته القابعة تحته نفس الفعل عندما كانا إنسيين. إن قائمة المخلوقات الممسوخة ذات الأصول البشرية تطول، غير أن ما يهم في خلاصة الأمر هو تحريم أكل لحومها، فيذكر الكاتب بعض منها معللاً: الفيل ملك زان، والذئب أعرابي قوّاد، والوطواط حرامي تمور، والدب غشاش ميزان، والعقرب رجل نمّام، والقنفذ خياط سروق، والأرنب زوجة خائنة، والفأرة امرأة فاسقة. غير أن الضبّ احتل نصيب الأسد بين معشر البهائم، فهو شيخ إسرائيلي -على ذمة الجاحظ- وقد تهكم على أعرابي أكَله رغم تحريمه عند بعض الأعراب!.
- يشّنع الكاتب -وحُق له- على (عبدالباري الزمزمي)، ضد ما أتحف به أمة الإسلام من مغربها حيث يقبع، إلى مشرقها حيت تردّى نتن فتواه! حظي هذا بلقب (شيخ) كحال أقرانه، غير أنه تفرّد بشذوذ ينأى الحيوان بمقامه عنه، إذ قال بالحرف: “إن الدين الإسلامي يسمح بممارسة الجنس على الجثة بشرط إذا كان الطرفان يربطهما عقد القران قبل الموت”. هذا إضافة إلى غيرها من فتاوى أطلقها، قذرة مستهجنة يندى لها الجبين .. كجواز استخدام الجزرة لإشباع المرأة جنسياً، واستحباب تنشّق زوجها رائحة افرازاتها الكريهة، حيث أن “كل الانحرافات مستحبّة في إطار العلاقة الزوجية”.
يتوسع الباحث في هذا الموضوع من خلال فصل (التحليل الشرعي لانحراف النيكروفيليا)، وهو انحراف يعرّفه علم النفس بـ (شغف ممارسة الجنس مع الجثث)، وقد تطرّق فيه إلى معنى المصطلح، وتحليله، واحصائياته، ومدى انتشاره، والشواهد التاريخية عليه، وممارسته بين الحيوانات بعضهم مع بعض، وممارسته عليهم من قبل بني البشر، والذي قد يكون (الشيخ) المشار إليه قد استنبط حكمه الشرعي -الأشد خزياً- بناءً على تلك الشواهد. وعنه يقول الكاتب نصاً: “ويظهر هذا الفكر التسلطي عند شيخنا في قوله: يباح للزوج أن يفعل بزوجته ما يشاء وكيف شاء وقت ممارسة الجنس. حتى بعد الموت يبقى متسلطاً عليها”.
ومن بعض ما يستوجب الانتباه، أقتبس في نص حالك ما أورده الكاتب (مع كامل الاحترام لحقوق النشر) كما يلي:
- شغلت قضية المهدي المنتظر مختلف الطوائف، وقد أسهب الكاتب عمّا تداعى حولها من أشباه مهدوية وآلهة مزعومة، ليخلص بأن عملية استقطاب المريدين ليست بالهينة، بل تتطلب خطط بعيدة المدى واستراتيجيات تكتيكية وتطبيق متأن حتى تؤتي أُكلها. هنا يستعين الكاتب بنص مقتبس من كتاب (قواعد عقائد آل محمد) للغزالي والديلمي، إذ يرد: “التفرس والمؤانسة والتشكيك والتعليق والربط والتدليس والتلبيس والخلع والسلخ حيث ينسلخ المستجيب من كل إيماناته السابقة”. ثم يسترسل ليقول: “ولا شك أن الحقد المتولد عند الناس على السلطة الجائرة المتكلمة باسم الإسلام يرفع درجة السخط ويجعل الناس ينسلخون من دينهم ويدخلون في مثل هذه التنظيمات”.
- لم يتغافل أولئك (الشيوخ) عن المرأة! كيف لا وقد حلوا معضلة (المحرم) من خلال تقنية (الإرضاع)، بعد أن سمحوا لها بالخروج من قمقمها إلى ميادين العمل .. فينقل الكاتب عن (شيخ) أزهري وقد اجتهد في فقه (رضاعة الكبير) بقوله: “أن يرضع الموظف من الموظفة حتى تصير أمه من الرضاعة، وبالتالي يحل الاختلاط بها في العمل” …. والويل الويل لمن جرّ عليها قدرها التنقل بين عدة وظائف، أو حظوتها بزملاء جدد بين حين وحين في نفس الوظيفة!.
- أما أم أنس، فقد حدثت هنا ولا حرج، وزادت على شعر الشيخ الأزهري أبيات .. تقول وقد تابت إلى الله من إثم الجلوس فوق الأرائك كصنيعة قوم كافرون، لم يُعرف عن السلف الصالح منها شيء: “ما يجلبه الكرسي أو الأريكة من راحة تجعل الجالس يسترخي وتجعل المرأة تفتح رجليها، وفي هذا مدعاة للفتنة والتبرج، فالمرأة بهذا العمل تمكّن نفسها من الرجل لينكحها، وقد يكون الرجل من الجن أو من الإنس، والغالب أن الجن ينكحون النساء وهن على الكراسي، وكم من مرة شعرت المرأة بالهيجان والشبق الجنسي المحرم، وذلك بعد جلوسها على الكرسي” ... وإذا كانت أم أنس وقد آنستنا هي وصويحباتها .. انتشت حين فرشخت فوق أريكة، فاستتابت إذ تدغدغت .. فلتعلم أن الذنب ليس ذنب أريكة، بل اضطرابات نفسجسمية أصلّتها فتاوي (شيوخ فرج المرأة)، ولتعلم أن معاشر النساء قد تعاظمن بإنسانيتهن وبكرامتهن وبعفافهن وجلسن حيثما شئن!. واسترسل -إذ لا حياء في الدين .. إذا كان من بقية حياء- لأستفتي أمهات الأنس ومشايخ الأزهار ما إذا كان الرجال من جملة من تشملهم حرمة الجلوس على الأرائك؟ علماً بأن زمن (الخصيان) قد ولى وانقضى!.
- يختم الكاتب موضوع (اختفاء المنتظرين) بالاقتباس من قول ألكسندر كراب في كتابه (علم الفولكلور) قوله: “ولعلنا نرى أن الاعتقاد في عودة ملك عظيم قديم إلى الحياة ليسترد شعبه عصره الذهبي، هذا الاعتقاد يضرب بجذوره في النفس الإنسانية بما يكفي أن نفترض نشوءه تلقائياً في أماكن متباعدة وفي عصور مختلفة”. بينما يختم موضوع (في انتظار المنتظر) ببيت من شعر الفرنسي لامارتين قائلاً: “هي أرض المعجزات. كل شيء يزدهر هنا. وكل رجل ساذج أو متعصب يمكن أن يصبح بدوره نبياً” وذلك في إشارة إلى استعداد الشرقيين تقبّل أي خرافة موعودة بمن هو قادم ومخلّص.
كما أقول دائماً: إن أي كتاب تُطوى صفحته الأخيرة ولا يفضي إلى صفحة كتاب جديد، هو في الحقيقة كتاب أبتر .. وقد جاء هذا الكتاب سخيّاً بمراجعه العلمية المنشورة في آخره. أما ما لفت انتباهي منها فمجموعة أحرص على اقتنائها قريباً، وهي:
- محمد واليهودية. المؤلف/ جورجي كنعان
- موسى والتوحيد. المؤلف/ سيجموند فرويد
- قصة الحضارة. المؤلف/ وول ديورانت
- الرموز والطلاسم السحرية عند المسلمين. المؤلف/ هانس فينكلر
- موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية. المؤلف/ عبدالوهاب المسيري
- طريق المثيولوجيا عند العرب. المؤلف/ محمود سليم الحوت
- الجنس والنفس في الحياة الإنسانية. المؤلف/ علي كامل
في عجالة -وعلى سبيل النقد الأدبي- فإن هذا الكتاب الفكري الجريء:
- سليم اللغة، واضح المفردات، ويخلو من الكلمات الغريبة.
- متناغم الإيقاع في سرد الأفكار حول موضوعاته المختلفة على طول الكتاب.
- مثير في أسلوبه الأدبي لعاطفة القارئ ومحفز لنظرته التحليلية نحو بعض الموروثات الدينية، بغية البحث وإعادة النظر.
- خصب الخيال في إيراد الكثير والكثير من الأمثلة لتوضيح الآراء المطروحة.
- مستفز في عنوانه، لا سيما ضد المتزمتين دينياً والآخذين بظواهر الأمور.
- خال من الأخطاء المطبعية والتي قلما تخلو منها المطبوعات والمنشورات.
ولأن الشيء بالشيء يُذكر، فقد جاء توقيت قراءة هذا الكتاب ملائماً مع أزمة تفشي وباء كورونا، وما تبعها من حجر صحي عالمي!. ليس على الكورونا من وزر، إلا أن أحد المتنطعين -وقد صادفته- قد انبرى ينادي ملء شدقيه على معشر الشباب، الأعزب منهم والمتزوج والمعدّد على حد سواء، بفتوى إحياء سنة تعدد الزوجات، حيث ما استطالت الكورونا إلا لحصائد فروجهم! وقد أغلظ القول على النساء -مستهلاً بابنته الغضة حديثة العهد بشهر عسل- منع أزواجهن الزواج بأخريات!.
لقد أعيت الكورونا حكماء المشرق والمغرب أن يجدوا لها طباً، غير أن في جعبة أبي جهل كان يقبع الخبر اليقين .. فليسعفنا -رضي الله عنه- بفتوى، لأن تركيبة عقاره السحري لمعاشر مسلمي الألفية الثالثة لا تُطبب كفّارها، ولأن الكورونا عمّت البشرية بمؤمنها وكافرها ولم تستثنِ منهم أحدا .. فما الحل يا رعاك الله؟
أسفاً!!.. كم يعزّ علينا ديننا وقد احتوشت أركانه المتردية والنطيحة بالهرطقات والأباطيل وأساطير الأولين، فبات مثقلاً بالضعيف من الحديث والمنكر والمكذوب والموضوع والغث والرث والرديء والخبيث .. ما أنزل الله بها جميعاً من سلطان!.
إنها فعلاً لقضية تحتاج إلى وقفة جادة تتظافر فيها جهود علماء الأمة الأمناء، مع مفكريها وباحثيها وشبابها من كلا الجنسين، لتنقية التراث وتنقيحه، والإبقاء على ما صح منه ونبذ ما دونه، بل وحرقه في الميادين على غرار سنن الأولين، وسنّ قوانين تحرّم تداوله أو طباعته من جديد. ملاحظة: لا باس في الإبقاء على شيء من ذلك الموروث الموبوء، بغية التندّر على زمن ساد فيه جهل، حسبه أهله نور مبين!.
ويبدو أن الكاتب قد اختار مع أقرانه المخلصين من المتنورين والباحثين والمفكرين خوض هذا الطريق الشائك! فالشكر موصول له، مع الدعاء أن يكفيه الله شرور التكفيريين!.
= = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = =
من الذاكرة: جاء تسلسل الكتاب (52) في قائمة ضمت (105) كتاب قرأتهم عام 2020 تتضمن تسعة كتب لم أتم قراءتها، على الرغم من أن العدد الذي جعلته في موضع تحدٍ للعام كان (100) كتاب فقط! وهو آخر كتاب اقرأه في شهر يونيو من بين واحد وعشرين كتاب. وقد حصلت عليه من معرض للكتاب في إحدى المدن العربية عام 2018 ضمن (140) كتاب تقريباً كانوا حصيلة مشترياتي من ذلك المعرض.
لقد كان عام الوباء الذي جاء من أعراضه الجانبية (ملازمة الدار وقراءة أكثر من مائة كتاب)! لم يكن عاماً عادياً وحسب .. بل كان عاماً مليئاً بالكمامات والكتب.
في هذا العام، دأبت على كتابة بعض من يوميات القراءة. وعن هذا الكتاب، فقد قرأته في شهر (يونيو)، والذي كان من فعالياته كما دوّنت حينها:
“كان شهراً حافلاً بالقراءة وإعداد مراجعات الكتب المقروءة .. مع استمرار الحجر الصحي بطبيعة الحال”.
تسلسل الكتاب على المدونة: 231
التعليقات