الكتاب
من يهودية الدولة حتى شارون
المؤلف
دار النشر
دار الشروق
الطبعة
(2) 2010
عدد الصفحات
390
النوع
ورقي
تاريخ القراءة
07/24/2024
التصنيف
الموضوع
الديمقراطية الإسرائيلية تحت مجهر باحث فلسطيني
درجة التقييم

من يهودية الدولة حتى شارون

بالبحث والنقد والتحليل، يتصدى هذا الكتاب لنظام الحكم القائم في دولة إسرائيل، وما يعتوره من إشكاليات تمس بالأساس بنيته الديمقراطية والتناقضات الماثلة فيها، لا سيما من خلال تقاطعات السياسة والاقتصاد ومنظومة الأفكار المؤسسة لأيديولوجيتها، والممثلة لنشاطها ككل في بناء الدولة.. البحث الذي يكشف بالضرورة عن جوانب اجتماعية وسياسية غير معلنة في تلك الإيديولوجيا، كالعلاقة بين الدين والدولة والجيش والأمن، والطبيعة الكولونيالية وقضية العرب داخل الكيان المحتل، واليهودية في ارتباطها بالدولة كهوية من ناحية وكوظيفة من ناحية أخرى، والعولمة إلى جانب التحولات السياسة الإسرائيلية المعاصرة! والباحث إذ يُفصح عن هذا الغرض في بحثه، فهو يؤكد على أنه ليس بمثابة “استغراب عربي” ضد “استشراق إسرائيلي”، إنما هو نقد موضوعي أبعد ما يكون عن المناكفات الاستعراضية، من أجل عرض “زاوية نظر إلى مجتمع مركب”.

لذا، يقول الباحث ابتداءً عن كتابه بأنه “حصيلة بحث وحصيلة تجربة طويلة يمكن اعتبارها تجمع بين النظرية الاجتماعية والفلسفة والمراقبة الميدانية التي تضاف إلى الجهد النظري. والمهمة تفكيك ونقد وإعادة تركيب لجوانب أساسية في المجتمع والسياسة الإسرائيلية، تمكّن من نقد شامل لهذا المجتمع، مبني على المعرفة“.

وعنه، فهو الأكاديمي والسياسي والمفكر والأديب الفلسطيني (د. عزمي بشارة 1956)، النائب السابق في الكنيست الإسرائيلي وأبرز مؤسسي حزب (التجمع الوطني الديمقراطي)، والذي عُرف عنه -إلى جانب تمثيله للمواطنين الفلسطينيين- جرأته في طرح قضايا تمس قيم المواطنة والحرية والعدالة والقومية والديمقراطية والعلمانية، فضلاً عن تعرّضه للمجتمع وللدولة في إسرائيل بالبحث والنقد.. الجرأة التي عرضته للعديد من المضايقات والاتهامات من الجانبين، العربي كمحرّض لثورات الربيع العربي، والإسرائيلي كمعارض ليهودية الدولة! وهو إذ نشر مئات المقالات في الصحف العربية، وأصدر العديد من الكتب الفكرية باللغات العربية والعبرية والإنجليزية، فقد أعلن في الأعوام الأخيرة اعتزاله العمل السياسي لصالح الإنتاج الفكري، وهو يتولى حالياً إدارة المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات.

والكتاب الذي يصف عنوانه الفرعي محتواه، كـ (دراسة في تناقض الديمقراطية الإسرائيلية)، ويصف الواقع الصهيوني منذ ولادته بهويته اليهودية حتى تولي (آرييل شارون) رئاسة مجلس الوزراء مع قيام دولته إسرائيل، يعرض مادته في خمسة أبواب رئيسية تنقسم بدورها إلى عدة فصول، حتى ينتهي بصفحة (بدل الخاتمة: جوانب مسكوت عنها للتحرك السياسي في عهد شارون) .. وقد اعتمد فيه الباحث على عدد من المراجع العربية والعبرية والإنجليزية وغيرها من صحف إسرائيلية ومصادر وثائقية. والمادة هي:

  • الباب الأول:
    • الفصل الأول: تناقضات الديمقراطية اليهودية
    • الفصل الثاني: دولة يهودية وديمقراطية
    • الفصل الثالث: دوامة الدين في الدولة تاريخياً
  • الباب الثاني:
    • النزعة الأمنية
  • الباب الثالث:
    • الفصل الأول: الاقتصاد والعولمة والسياسة
    • الفصل الثاني: بعض جوانب جدلية العولمة إسرائيلياً
  • الباب الرابع:
    • الفصل الأول: المنتصر والمهزوم في الانتخابات الإسرائيلية
    • الفصل الثاني: انتصار الوسط ونهاية حقبة الاستقطاب
    • الفصل الثالث: تجزئة الهوية الجماعية
    • الفصل الرابع: إشكال العلمانية والتدين في انتخابات العقد الأخير
    • الفصل الخامس: اليمين واليسار بعد انتخاب باراك
  • الباب الخامس
    • الفصل الأول: باراك
    • الفصل الثاني: سقوط باراك
    • الفصل الثالث: شارون
    • الفصل الرابع: صورة السياسي

 

ومن الكتاب الذي نال ثلاثاً من رصيد أنجمي الخماسي، أدوّن في الأسطر التالية ما علق في ذهني بعد القراءة، وباقتباس في نص جريء (مع كامل الاحترام لحقوق النشر).

  • وأنا إذ أكتفي بمراجعة الأبواب الثلاث الأولى، فإن الباحث يفرد البابين الأخيرين لإحالة ما سبق من مفاهيم نظرية إلى أرض الواقع، أو كما يقول: ننتقل في الباب الرابع إلى فحص تحولات السياسة الإسرائيلية المعاصرة بناء على ما سبق، وإلى استعراض نماذج عن الإشكاليات والتناقضات المطروحة في الأبواب الأولى وتجسدها في الخارطة السياسية والحزبية، مع التطرق في الباب الأخير بشكل مفصل إلى نماذج معاصرة مثل شارون وباراك. ونحن نعالج باراك وشارون كظاهرتين تتقاطع فيهما وعندهما التناقضات والإشكاليات المذكورة في الأبواب الثلاثة الأولى. وهذا ما يهمنا فعلا في استعراض حقبتيهما سياسياً مع تطرق لمرحلة نتنياهو“.

الباب الأول:

  • تظهر إسرائيل في (الفصل الأول: تناقضات الديمقراطية اليهودية) كدولة ديمقراطية تتمتع بانتخابات عامة ضمن نظام برلماني قوي وقوى حزبية وطنية، وبنظام فصل للسلطات وبقضاء مستقل. غير أن المحكمة العليا التي ترعى قيّم الديمقراطية المنصوص عليها في القوانين الأساسية باعتبارها دستوراً، يؤهلها إلى تفسيرها بل وإلى إلغاء أي قانون يتبيّن لها أنه يتعارض مع المبادئ الدستورية، يجعلها عرضة بشكل دائم لحملات الأحزاب الدينية والقوى اليمينية المعارضة لتدخل القضاء في التشريع، والمطالبة بإقامة “محكمة دستورية ذات صبغة تمثيلية” تمثل قيم الشعب اليهودي بشكل عام، لا المبادئ الليبرالية فقط! لذا، تتعرض مكانة القيم الليبرالية في هذا النظام الديمقراطي إلى معضلة حقيقية تتعلق بمدى سيادتها في حال تمثيلها لقيم الأقلية، ومدى تمثيلها الواقعي لقيم الأغلبية، ودرجة ثباتها نسبياً مقابل تقلبّات هذه الأغلبية! ومع تنامي الاحتدام حول هذه الإشكالية في الديمقراطية الاسرائيلية المعاصرة، يبرز على السطح ثلاث صراعات أساسية لا تنفك عنها: “الأول هو الصراع حول العلاقة بين الدين والدولة، والثاني هو الصراع على تضييق الحريات أو توسيعها ومدى خضوعها للمسألة الوطنية وقضايا الأمن التي قد تتخذ شكل سياسات احتلال قمعية حيناً آخر، والصراع الثالث هو الصراع بين مساواة المواطنين ويهودية الدولة”. وعند الإشارة إلى توجه المنظرين الديمقراطيين في إسرائيل نحو منح العرب حق المساواة، يتضح أن نموذج الدولة القومية الديمقراطية لا ينطبق والحالة الإسرائيلية، إذ “أن إسرائيل لا تفصل بين الأمة والقومية والدين، وبالتالي لا يمكنها الفصل بين الدين والدولة”، إضافة إلى الثقافة الاستيطانية وما يرتبط بها من قيم أمنية وعسكرية جمعية، تعيق بدورها الديمقراطية الليبرالية المنشودة. كذلك، فإن “إشكالية المواطنة ويهودية الدولة” تتمظهر من خلال مبدأ عدم الفصل بين الدين والقومية الذي يقود بالضرورة نحو عدم الفصل بين الدين والدولة، كما أن الدولة لا تعتبر يهودية بحكم الأغلبية اليهودية بقدر ما هي دولة اليهود، فهي من هذا المنظور ليست دولة لفئة كبيرة من مواطنيها في الوقت الذي هي فيه دولة للكثير من غير مواطنيها. عليه، تواجه الديمقراطية الإسرائيلية إشكاليتين، أولهما: عدم القدرة على تحقيق المساواة بين المواطنين، ثانيهما: المواطنة المؤدلجة صهيونياً.
  • أما في (الفصل الثاني: دولة يهودية وديمقراطية)، وبينما لا يفصل رئيس مجلس الوزراء الأسبق (ديفيد بن غوريون) بين الدين والدولة، وهو آخذ في الاعتبار وحدة المصير بين دولة إسرائيل والشعب اليهودي، فإن الحجة الحالية حول حق السيادة وتقرير المصير، لا تزال حجة ذات طابع ديني تاريخي توراتي! وعلى الرغم من النفور الذي واجهت به الحركات الدينية الأرثوذوكسية في البداية، نشاط الحركة الصهيونية حين استثمرت الموروث الديني لغرض قومي سياسي، وباعتبار الصهيونية حركة “مسيانية خلاصية كاذبة (مسيحاً كذاباً)”، فقد تداعت تلك الحراسة لصالح “قيام الصهيونية الأرثوذكسية الدينية اليهودية” وبحيث “لم تجد الصهيونية في النهاية ما يحل محلها”. وعلى الرغم من تعرض الديمقراطية اليهودية لتفاعلات اجتماعية وسياسية وقانونية على مدى خمسين عاماً، فإن سياق ذلك التطور هو سياق صهيوني في حقيقته، يقوم على تجميع الهجرات الصهيونية وفرض انسجاماً يعوّض ذلك الافتقار إلى البنية القومية والتاريخ الديمقراطي، ويتحمّل التعددية. عليه، تُصبح الصهيونية لا المواطنة وعاء الديمقراطية اليهودية، بحيث “لا يمكن فصل يهودية الدولة العبرية عن ديمقراطيتها”. وللموازنة بين هاتين القيمتين، يفرد رئيس المحكمة الإسرائيلية العليا (أهرون باراك) عشرة أوجه ينبغي الإجماع عليها في تفسير “يهودية الدولة”، وهي: (الهجرة: جمع الشتات اليهودي. القومية: تشابك التاريخ واللغة والدين. الاستيطان: كأول الأولويات. التجديد: إحياء ذكرى المحرقة وتجديد الدولة في إسرائيل. التكريس: حب كل ما هو يهودي. الخلاص: تحقيق تطلعات الأجيال. المبادئ: تبني قيم العدل والسلام والحرية من الإرث اليهودي. الدين: التوراة وأنبيائها كدستور للأخلاق. الشريعة: قوانين التوراة كتشريع مدني. التراث: قيم التوراة وشرائعها والتراث اليهودي كمصدر أساسي للقيم). غير أن هذا التفسير قد ورّط الديمقراطية المزعومة حين اصطدمت مع الأغلبية العربية، وهذا يعني “أن الدولة العبرية تجد نفسها إذا أرادت المحافظة على يهوديتها في حالة تناقض مستمر مع الديمقراطية وقيمها”.
  • وعند الحديث عن “عملية العلمنة” في (الفصل الثالث: دوامة الدين في الدولة تاريخياً)، يبدو واضحاً تجلياتها في “الحركات السلفية” و “الحركات العلمانية”، رغم تلاعب كلتا الحركتين في المصطلحات المعنية لتبدو متناقضة! ففي حين تسعى الأولى إلباس الدين غطاءً سياسياً، تسعى الثانية إضفاء طابعاً مقدساً على المفاهيم الدنيوية. وعليه، يُصبح (المثال الإسرائيلي) هو الأصدق في التعبير عن “الطبقية المتطرفة” في “الدولة التي تعلمنت”، وعن “التوجهات الأصولية” في “الدين الذي فقد الدولة”، بحيث يغدو الصراع الأزلي بين الصهيونية واليهود المتدينين “صراعاً حقيقياً مؤلماً”، كالصراع الذي يتجلى في تعريف “من هو اليهودي؟” باعتباره سؤالاً دينياً مجرداً، لكنه كفيل بإرباك (قانون العودة) وعملية التهويد، في خضوعهما إما لأصول الشريعة أم للتشريع المدني! تتجلى كذلك موضوعات حقوقية أخرى كفيلة بدورها لجعل مفهوم (الأمة) مخالفاً لمفهوم (المواطنة) في دولة إسرائيل القائمة أصلاً على القومية اليهودية. من أهمها: قوانين الأحوال الشخصية، قداسة يوم السبت، الغذاء المباح (الكوشير)، إلزامية التعليم العلماني، حرية العبادة. أما أصل ذلك الصراع الديني-الصهيوني، فيصدر عن: القومية كعامل موحد لليهود بدل التوراة وفرائضها. الخلاص الكاذب أو “مشيحوت شيكر-المسيح الكذاب” وتعجيل النهاية بوسائل دنيوية لا سماوية. سراب الصهيونية المعتمدة على مساعدة الأمم الأخرى لليهود بدافع حسن النوايا.

الباب الثاني:

  • بينما يتراوح تعريف مصطلح (بطحون) أو (أمن) في الثقافة العبرية بين: نزعة تجعل أمن الدولة معيار أوحد في الحكم على أي شيء، وأداة تجنّد القوة السياسة وتحافظ على حالة جمود سياسي من خلال إثارة الفوضى، فإن فصل (النزعة الأمنية) في هذا الباب يتطرق إلى الطموح العربي الدائم في التحرك ضد أنظمته العاجزة عن منع قيام دولة إسرائيل، والتي فقدت الشرعية في نظره مقابل شرعية أيديولوجيته البديلة، وهو الطموح أو الحراك أو التهديد الذي يشكّل هاجساً لدى إسرائيل تحيل فيه النزعة الأمنية إلى ثقافة سائدة تواجه فيه “النزعة العدوانية العربية”. يتضح هذا المعنى كذلك من خلال خطاب رئيس أركان الجيش الإسرائيلي الأسبق (موشي ديان)، والذي ألقاه على قبر شاب إسرائيلي راح ضحية “متسللين من غزة”، والذي يُستشف منه: (حجم الجريمة التي ارتكبت في حق الشعب الفلسطيني، وحجم الكراهية العربية الناجمة عنه، وما يتطلبان من قوة وتسليح ويقظة دائمة)! لقد دفع هذا الواقع المضطرب دولة إسرائيل إلى تكوين عقيدة أمنية ذات بُعد استراتيجي عسكري تتشكل من أربع مركّبات أساسية، هي: (الاستعداد الدائم للحرب كخيار أوحد. تطوير نوعي للقدرات الإسرائيلية العسكرية إزاء التفوق العربي “العددي والاقتصادي والجغرافي”. الانتصار التدريجي ضد العرب في حرب تلو أخرى تتكفل بإقناعهم بعدم جدوى خيار القوة. الحرص على عقد تحالف مع دول عظمى، ودول غير عربية تحيط بالدول العربية). عليه، فإن قانون خدمة الأمن الإسرائيلي حين تم تشريعه، قد أسس لثلاث قطاعات رئيسية للخدمة العسكرية، هي: (الجيش النظامي القائم على خدمة إلزامية لمدة عامين. الجيش المهني القائم على هيكلية الجيش التنظيمي. جيش الاحتياط القائم على خدمة سنوية لمدة شهر واحد). أما (بن جوريون) الذي ذهب إلى أبعد من إشكالية الصهيونية في تحويل اليهود إلى قومية، متجاهلاً وجود شعب بأكمله، حين قال أمام الكنيست وهو لا يزال يؤكد على أصالة صهيونيته ويستبرأ لنفسه من الكفر بوجود شعب اسرائيل: “ليس لدينا الوقت لمئات السنين، وبدون أداة الجيش لن نصبح شعباً بسرعة، ولا نستطيع أن نعتمد على عملية بطيئة وعفوية. علينا أن نوجه العملية التاريخية، أن نحثها على الإسراع، أن ندفعها بالاتجاه المطلوب، وهذا يتطلب إطاراً إلزامياً للشباب كافة، إطاراً للطاعة القومية.. ولا يمكن فعل هذا إلا في إطار الجيش”. على هذا يُصبح الجيش “الأداة الأكثر نجاعة والأسرع والأكثر قومية”. والفصل إذ يعرض استهداف فئة الشباب من الجنسين في التجنيد الإجباري، يكشف عن نسب مئوية تشير إلى “التهرب” من الخدمة، بحجج عدم الأهلية الجسدية تارة أو عدم الصلاحية النفسية تارة أخرى، إضافة إلى الحجج الدينية التي تستعين بها المجندات لا سيما وهن يتعرضن لهيمنة القيم الذكورية داخل المؤسسة العسكرية.

الباب الثالث:

  • يسلط (الفصل الأول: الاقتصاد والعولمة والسياسة) الضوء على (الخارطة السياسية الإسرائيلية)، وما طرأ عليها من تغيرات ضمن عدد من التحولات الاجتماعية والسياسية، تستلزم بالضرورة الكشف عن جوانب عدة تمس بنية الاقتصاد الإسرائيلي، والتي تعتبر بمثابة إسناد للتحول الطبقي ونشوء نخب جديدة وسياسات أمنية وتوجهات طائفية، مع الأخذ بعين الاعتبار حالة الاستيطان الزراعي السائدة عند قيام دولة إسرائيل وغياب التصنيع، إلى حالة عدم الاستقرار الاقتصادي أمام تحديات العولمة الحالية! فبعد التدرج في الاعتماد على توزيع الحصص التموينية، وتشديد الرقابة على استيراد السلع الاستهلاكية، ومنع تداول العملة الصعبة، وارتفاع تكلفة استيراد السلاح لا سيما في سبعينات القرن الماضي، يشهد العالم ككل في الثمانينات وعقب الحرب الباردة حالة من انفراج العلاقات الدولية، نجم عنها انخفاض ملحوظ في الطلب الإسرائيلي على شراء الأسلحة، وانفتاح السوق الأمريكي على العالم بشكل واسع، الحالة التي شهدت تعاوناً رسمياً بين رئيس الحكومة الإسرائيلي والولايات المتحدة الأمريكية سعت إلى استقرار الاقتصاد الإسرائيلي وإلى تسهيل اندماجه بالاقتصاد العالمي. ومع هذه المرحلة الانتقالية الحاسمة في تطور الاقتصاد الاسرائيلي، تنشأ طبقة وسطى ذات مصلحة اقتصادية بالتسوية السياسية، لا ترتبط بالمؤسسة العسكرية لكنها تدعو إلى تجاوز ذلك الخلاف التقليدي بين التيارات الصهيونية المتعلقة “بشأن التسوية مع العرب”، وهي الطبقة التي وجدت صدى كبيراً لا سيما لدى حزب العمال الممثل لليسار الصهيوني، والذي اتضح تأثيرها على المستويين الداخلي والخارجي، كما في اتفاقيات السلام التي تقدمت بها إسرائيل، وحجم المصروفات العسكرية من مجمل الميزانية تحت وطأة الانتفاضة الفلسطينية، وبعد اتفاقية السلام مع مصر! يستشهد الفصل كذلك بعدد من الإحصائيات التي تعكس تأثر الاقتصاد الإسرائيلي بعدد من العوامل الداخلية والخارجية، كاتفاقية السلام مع مصر، والحرب العراقية-الإيرانية، وتفكك الاتحاد السوفيتي وتدفق الهجرات، كما تظهر في قوائم: مجمل الناتج المحلي، معدل دخل الفرد، معدل النمو، نسبة القوة العاملة، مجمل الاستيراد والتصدير، العجز المالي الداخلي والخارجي.
  • أما (الفصل الثاني: بعض جوانب جدلية العولمة إسرائيلياً) الذي يتعرّض فيه موضوع العولمة في الوطن العربي إلى الازدواجية في تناوله فكرياً، بين مواجهة إيديولوجية وبين واقع مفروض، فالفصل يتصدى من ناحية أخرى للصراعات العالمية التي لحقت بمفهوم العولمة والتي “تعكس تطورات حقيقية جارية على أرض الواقع”، فيعرضها في أربع صراعات، هي: (“توحيد السوق العالمية بمركز صناعي متطور وهوامش مرتبطة به” كمرحلة ناجمة عن انتصار الرأسمالية. الادعاء بانتهاء الصراع التاريخي بين اليسار واليمين، كموقف أيديولوجي ترتب على سقوط الاشتراكية. انتقال الصراع التاريخي بين القطبين الآنفين إلى الهوامش من طرف وإلى عولمة رأس المال من طرف آخر “لأن العولمة لابد أن تتمخض عن مركز ومحيط”. نشوء أيديولوجيات متعصبة وأصوليات دينية وسياسات تعني بالهويات في دول المحيط، ناجمة عن النشاط العالمي للرأسمالية وتسببها في “حالة التشويه البنيوية”). وعند وضع دولة إسرائيل في حدود هذا الإطار النظري، يتضح تدرجها في ولوج السوق الرأسمالية العالمية بعد حرب عام 1967 ونزاعها لاحتلال موقع هام ضمن التقسيم الدولي، وما انعكس كحالة انتقالية في واقعها المحلي، من مجتمع يرزح تحت وطأة قطاع عسكري عام إلى مجتمع ينعم بعسكرة الاقتصاد، الأمر الذي تطلب كنتيجة لهذا الانتقال، إلى خلق ثقافة (مواجهة العدو العربي) تقوم على توحيد عناصر المجتمع من أفراد ونقابات وجيش وحكومة، في “وحدة أيديولوجية أهلية واحدة”.. وقد أسفرت هذه الانتقالية عن دخول إسرائيل “مرحل التعددية الحزبية” في عملية تداول السلطة. وبعد استعراض جملة من الإحصائيات التي تعكس حجم الثورة الاقتصادية التي شهدتها إسرائيل في العقد الأخير من القرن الماضي، تستكشف بدورها تعدديتها الطبقية والثقافية والطائفية التي تزامنت مع انهيار ثقافة بوتقة الصهر، في حين تكشف ثقافة النخبة العلمانية أن تلك الحرب التي خاضتها وافتتحت لها مرحلة تطورية، هي ذات الحرب التي كشفت عن الصهيونية “كأيديولوجية غيبية ولا عقلانية تهدد أيديولوجية الدولة وتستبدلها بأيديولوجية (الأمة-الدين)”، والتي فرقت بالتالي بين القوى التي تماهت مع هذه الغيبيات، والقوى التي اعتنقت الليبرالية ودفعت بإسرائيل نحو علاقات عالمية اقتصادية وسياسية، ولم تذهب إلى أبعد من حدود المشروع الصهيوني. وعلى الرغم من عدم اكتراث الثقافة السياسية في إسرائيل لإشكاليات عملية العولمة، فهي تعتبر “الأكثر تطرفاً” في الدلالة على عدم فاعليتها في إلغاء الفوارق القومية، بل إنها قد تأتي بردة فعل تحافظ على هذه الفوارق كحدود ثقافية، عن طريق “تعميق البعد الإثني الباحث عن الأصل المشترك للجماعة القومية”.

 

= = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = =

نقلاً عن المفكرة: جاء تسلسل الكتاب (76) ضمن قائمة لا تنتهي من الكتب التي خصصتها لعام 2024، والذي أرجو أن يكون استثنائياً في جودة الكتب التي سأحظى بقراءتها خلاله، وهو السادس ضمن قراءات شهر يوليو! وعن اقتنائه، فقد حصلت عليه من مكتبة ألف في فبراير من هذا العام، ضمن (10) كتب مختلفة.

إضافة لهذا الكتاب، فللمؤلف على مكتبتي هذه الكتب، وهي على رأس قائمة القراءة: العرب في إسرائيل: رؤية من الداخل / قضية فلسطين: أسئلة الحقيقة والعدالة / الطوفان: الحرب على فلسطين في غزة

ومن فعاليات الشهر: لا شيء سوى مواصلة القراءة ليلاً نهاراً .. وكأنه حلم تحقق!

ومن الكتب التي قرأتها في هذا الشهر: محمد كريشان يروي: وإليكم التفاصيل / علم رواية القصص / إعجام / ER Nurses: True stories from the frontline

وعلى رف (السياسة) في مكتبتي عدد يصل إلى (115) كتاب، وصل عدد كبير منها إلى مكتبتي من مكتبة العائلة العريقة، في حين يبلغ عدد الكتب التي تتناول القضية الفلسطينية (100) كتاب .. أذكر منها جميعاً: (من يجرؤ على الكلام: الشعب والمؤسسات في مواجهة اللوبي الإسرائيلي) – تأليف: بول فندلي / (النساء أسلحة حربية: العراق الجنس والإعلام) – تأليف: كيلي أوليفر / (لورنس في بلاد العرب: مشاهدات تاريخية وسياسية) – تأليف: لويل ثوماس / (الكتاب الأخضر) – تأليف: معمر القذافي / (الملف السري لرأفت الهجان) – تأليف: حسني أبو اليزيد / (حلف المصالح المشتركة) – تأليف: تريتا بارزي / (الإرهاب الغربي) – تأليف: د. روجيه جارودي / (أيها المتأنق .. ماذا حل ببلادي؟) – تأليف: مايكل موور / (التطهير العرقي في فلسطين) – تأليف: إيلان بابه / (عز الدين القسام: شيخ المجاهدين في فلسطين) – تأليف: محمد حسن شراب / (الأمن الوطني) – تأليف: فايز الدويري / (العولمة والعبرنة في المشهد اللغوي العربي الفلسطيني في إسرائيل) – تأليف: محمد أمارة / (عن فلسطين) – تأليف: نعوم تشومسكي / (الصراع الدولي للسيطرة على الشرق الأوسط) – تأليف: د. علي وهب / (البندقية وغصن الزيتون) – تأليف: دايفيد هيرست / (التمادي في المعرفة: لماذا تشارف العلاقة الحميمة بين اليهود الأميركيين واسرائيل على نهايتها) – تأليف: نورمان فنكلستين / (مونتسكيو: السياسة والتاريخ) – تأليف: لوي ألتوسير / (جواسيس جدعون: التاريخ السري للموساد) – تأليف: غوردون توماس / (غزة تاريخ من النضال) – تأليف: جو ساكو

تسلسل الكتاب على المدونة: 526

تاريخ النشر: يوليو 25, 2024

عدد القراءات:192 قراءة

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *