بينما يستهل المؤلف كتابه الذي يضم مائة وثلاث وعشرون مقالة في السياسة، بمفهوم السياسة العام، يأخذ على عاتقه تحدياتها التي يضعف أمامها الكثير من الكتّاب السياسيين! فالسياسية في أبسط تعريفاتها هي تلك العلاقة التي تربط الحاكم بالمحكوم، وتجعل للأول الذي بيده مقاليد الحكم ومرافق الدولة ومقدراتها، المقدرة على جعل الثاني يعمل، سواء كانت تلك العلاقة تقوم على أسس ديمقراطية تدعمها الشرعية الدستورية، أو تنحصر في نظام الحزب الواحد. لذا، يتحرى المؤلف الصدق والنزاهة والأمانة والإخلاص والحيادية في التعاطي مع قضايا الأمة، وفي الدفاع عن الإنسان العربي وحقوقه، وعن قضايا الحق في أي مكان كان من الخليج إلى المحيط، لا سيما تحت سطوة تفشي الأنظمة الديكتاتورية في العالم العربي منذ استقلاله، وهي تتحصن -ضمن تحصيناتها- بزمرة من المرتزقة المحسوبين على نخبة الكتّاب والمثقفين والدبلوماسيين والمحللين السياسيين!
وعن المؤلف، فهو أستاذ جامعي متقاعد في الأدب الإنجليزي والعلوم السياسية، حيث تعلّم وعلّم في الجامعات الأمريكية، وقد أصدر عدد من المؤلفات الأكاديمية والأعمال السياسية والفكرية الأخرى، إضافة إلى الكثير من المقالات التي حرص على نشرها في عدة صحف ومجلات عربية.
ومن كتابه الذي نال ثلاثاً من رصيد أنجمي الخماسي، أدوّن ما علق في ذهني بعد القراءة، وباقتباس في نص صريح (مع كامل الاحترام لحقوق النشر):
- في حين يسرد المؤلف النجاحات التي حققتها التكتلات والمنظمات والاتحادات الإقليمية لا سيما بعد الحرب العالمية الأولى، كـ (الاتحاد الأوروبي) الذي يضم سبع وعشرون دولة أوروبية، وتكتل (المركوسور) الاقتصادي الذي يضم دول أمريكا اللاتينية، واتحاد (النافتا) الذي يضم أمريكا وكندا والمكسيك …. وغيرها، يتعجّب من عدم تمكّن جامعة الدول العربية تحقيق أي نجاح يُذكر رغم أسبقيتها في التكتل كأول منظمة إقليمية، وتحديداً في مارس من عام 1945، سبقت حتى منظمة الأمم المتحدة التي تأسست في أكتوبر من نفس العام! يقلّب المؤلف المواجع هنا ليهوّن على الفلسطينيين أمرهم ويبرر التخاذل العربي الرسمي، فيقول في مقالة (فشل “جامعة الدول العربية” وانحيازها ليس جديداً! فلماذا يغضب الفلسطينيون؟): “رفضت جامعة الدول العربية في الاجتماع الذي عقده وزراء الخارجية الأربعاء ٩/٩/ ۲۰۲۰ عبر الانترنت، اقتراحاً تقدمت به السلطة الوطنية الفلسطينية وطلبت فيه أن يشتمل البيان الختامي على بند يدين أي اتفاق تطبيع مع إسرائيل يتبلور بدون إجماع عربي وخلافا لمبادرة السلام العربية؛ إن هذا الرفض للاقتراح الفلسطيني من قبل دول النفط وبدعم من بعض الدول العربية المنتفعة من مساعداتها ليس غريباً، وليس الرفض الأول لمشاريع القرارات المعارضة للتطبيع والاستسلام لإسرائيل وأمريكا، ولن يكون الأخير الذي اتخذته وستتخذه جامعة الدول العربية إذا بقيت على قيد الحياة .. فلماذا يغضب الفلسطينيون؟ ومتى سيدركون أن الجامعة العربية يتحكم بقراراتها حكام دول النفط ومن لف لفيفهم من العرب الذين يخضعون للإملاءات الأمريكية والصهيونية؟“.
- لا يتورّع الحكام العرب من الكيل بمكيالين! فها هي ترسانة إعلامهم المدججة بالمرتزقة، تضجّ بخطابات الشجب والاستنكار ضد التهويد الأمريكي للقدس، في الوقت الذي يقبّلون فيه أحذية سادتهم الأمريكان وكبرائهم الصهاينة من تحت الطاولة، مع تأكيد بقائهم على عهد الولاء والبراء والسمع والطاعة! يكيل المؤلف بدوره لهذه الطغمة الواهية سيل من القدح والذم، فيقول في مقالة (الخزي والعار لحكّام الأمتين العربية والإسلامية): “بكل صفاقة وتعال أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب اعتراف الولايات المتحدة الأمريكية بالقدس (عاصمة لدولة إسرائيل)، وأمر وزارة الخارجية بالعمل فوراً لنقل سفارة بلاده من تل أبيب إلى القدس؛ هذا القرار لم يكن مفاجئاً لأن الرجل أعلن ولاءه لإسرائيل وعداءه للعرب والمسلمين في أكثر من مناسبة، وأحاط نفسه بمجموعة من المستشارين الصهاينة الذين لا يحرصون إلا على مصالح إسرائيل. سيسجل التاريخ هذا الإعلان العدواني الأمريكي كإهانة مدوية لحكام دول العالمين العربي والإسلامي و ۱۸۰۰ مليون مسلم يشكّلون ربع سكان العالم، ولكل الذين يؤمنون بالحق والعدل والسلام، وضربة قاضية لحل الدولتين الذي وافقت عليه معظم دول العالم، وأن ترامب بقراره تهويد القدس بصق في وجوه القادة العرب والمسلمين جميعاً، وخاصة أولئك الذين حضروا مؤتمره في الرياض، وقدّموا له ۵۰۰ مليار دولار، وشكّلوا معه حلفاً إسلامياً أمريكياً صهيونياً لقتل العرب والمسلمين، وأعلنوا استعدادهم لتنفيذ أوامره ومخططاته العدوانية في بلادهم“.
- يثير المؤلف في مقالة (العرب الأمريكيون .. نجاح تجاري وعلمي، وفشل سياسي واجتماعي) تساؤلاً حول المهاجرين العرب الذين رغم حصولهم على كافة حقوق المواطنة بحصولهم على الجنسية الأمريكية، وتصدّرهم هناك مجالات رائدة في الطب والهندسة والإدارة والتعليم ….، فقد فشلوا في تعزيز مكانتهم اجتماعياً وثقافياً وسياسياً، بل لا يزالون يرسّخون الصورة النمطية للعرب في الفرقة والانقسام والخلاف والصراع!؟ فيجيب بدوره قائلاً: “هناك العديد من الأسباب التي أوصلتهم إلى هذا الوضع، منها أنهم يعيشون محنة ارتجاج وضعف بانتمائهم عقلياً إلى هويتين متناقضتين، هما هوية أوطانهم الأصلية التي هاجروا منها وهوية الوطن الجديد الذي هاجروا إليه، ومن تأثرهم بالانقسامات السياسية والدينية والطائفية السائدة في العالم العربي، ومن الدعاية المسمومة التي تروجها المنظمات اليهودية والكنائس المؤيدة لإسرائيل، ومن الأضرار التي لحقت بهم نتيجة لهجوم القاعدة على مركز التجارة العالمي في نيويورك، والسمعة السيئة للأنظمة الدكتاتورية العربية، وحروب سوريا واليمن والعراق وليبيا ، وأعمال داعش البربرية، والهجمات التي شنتها المنظمات الإسلامية المتطرفة ضد المدنيين الأبرياء في مناطق متعددة من العالم“.
- أخيراً، لا يغفل المؤلف من أن يضمّن مقالاته عرفاناً لمسقط رأسه (بلدة عقربا)، والتي تضرب في جذورها التاريخية إلى العهد الكنعاني، والتي تأثرت بثقافات الأقوام التي تكالبوا على فلسطين وسيطروا عليها لفترات زمنية مختلفة، كالكلدانيين والرومان والإغريق والفرس. وهي المدينة التي ظهرت مزدهرة في التوراة والإنجيل، والتي تروي مروياتها مرور السيد المسيح بها وهو في طريقه إلى الجليل، حيث يتجاور فيها الآن آثار لكنيسة بيزنطية ومسجد قديم وذلك مع تحول أهلها من المسيحية إلى الإسلام بعد مجيئه، وهي التي تكثر فيها مقامات الشيوخ. يقول المؤلف في مقالة (إنها بلدة عقربا .. أيقونة فلسطينية بجمالها وتاريخها ورجاله ونضالها): “تشتهر عقربا بتعاضد وكرم أهلها، وبصلابة رجالها، ودفاعهم عن الحق ومناصرة المظلومين؛ ولهذا كان أهل القرية يتكاتفون ويقفون وقفة رجل واحد في السراء والضراء، ويساعد بعضهم بعضًا في الأفراح والأحزان، وفلاحة الأرض، وحصاد محاصيل القمح والشعير، وقطف الزيتون، ويكرمون الضيف في مضافات حمائلهم وبيوتهم، ويستقبلون ويحمون من يلجؤون إليهم طلباً للحماية“. أما في الشدائد والعزائم، فيقول عنهم: “أهالي عقربا كغيرهم من أبناء شعبنا الفلسطيني المكافح المبدع لا يعرفون لغة الاستسلام والانكسار، وعلى الرغم من ظروف الاحتلال وبطش وظلم الصهاينة فإنهم بإصرارهم وإرادتهم التي لا تلين، تمكنوا من تطوير بلدتهم فأصبحت واحدة من أكثر بلدات فلسطين تقدّماً وتطوّراً، وأثبتوا هم وأبناء مدن وبلدات وقرى فلسطين أن شعبنا قادر على صنع ما يراه البعض مستحيلاً، وأنه تمكن من الصمود في وجه الاحتلال الصهيوني وضرب أمثلة تقتدي بها شعوب العالم في التضحية والفداء والذود عن الوطن“.
= = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = =
نقلاً عن المفكرة: جاء تسلسل الكتاب (53) ضمن قائمة لا تنتهي من الكتب التي خصصتها لعام 2024، والذي أرجو أن يكون استثنائياً في جودة الكتب التي سأحظى بقراءتها خلاله، وهو في الترتيب (10) ضمن قراءات شهر مايو الذي قرأت فيه (12) كتاب، منها واحداً لم أتمّه! وعن اقتنائه، فقد حصلت عليه من معرض للكتاب أقيم هذا الشهر بإحدى المدن العربية، ضمن (250) كتاب كانوا حصيلة مشترياتي من ذلك المعرض، وقد جاء كترشيح من البائع في دار النشر.
ومن فعاليات الشهر: كان الوقت حافلاً بإعداد قائمة الكتب التي حرصت على شرائها من المعرض، وبزيارة المعرض خلال معظم أيامه! وليت العام بطوله معرضاً للكتاب .. لكن هكذا هي الأيام السعيدة، سريعاً ما تنقضي، والأمل يتجدد مع المعارض القادمة.
ومن الكتب التي قرأتها في هذا الشهر: رسائل من القرآن / نحو تجديد الفكر القومي العربي / مقالات في السياسة / أخاديد / في جو من الندم الفكري / صنعة الكتابة / الخزنة: الحب والحرية / الغباء البشري
وعلى رف (السياسة) في مكتبتي عدد يصل إلى (115) كتاب، وصل عدد كبير منها إلى مكتبتي من مكتبة العائلة العريقة، في حين يبلغ عدد الكتب التي تتناول القضية الفلسطينية (100) كتاب .. أذكر منها جميعاً: (من يجرؤ على الكلام: الشعب والمؤسسات في مواجهة اللوبي الإسرائيلي) – تأليف: بول فندلي / (النساء أسلحة حربية: العراق الجنس والإعلام) – تأليف: كيلي أوليفر / (لورنس في بلاد العرب: مشاهدات تاريخية وسياسية) – تأليف: لويل ثوماس / (الكتاب الأخضر) – تأليف: معمر القذافي / (الملف السري لرأفت الهجان) – تأليف: حسني أبو اليزيد / (حلف المصالح المشتركة) – تأليف: تريتا بارزي / (الإرهاب الغربي) – تأليف: د. روجيه جارودي / (أيها المتأنق .. ماذا حل ببلادي؟) – تأليف: مايكل موور / (التطهير العرقي في فلسطين) – تأليف: إيلان بابه / (عز الدين القسام: شيخ المجاهدين في فلسطين) – تأليف: محمد حسن شراب / (الأمن الوطني) – تأليف: فايز الدويري / (العولمة والعبرنة في المشهد اللغوي العربي الفلسطيني في إسرائيل) – تأليف: محمد أمارة / (عن فلسطين) – تأليف: نعوم تشومسكي / (الصراع الدولي للسيطرة على الشرق الأوسط) – تأليف: د. علي وهب / (البندقية وغصن الزيتون) – تأليف: دايفيد هيرست / (التمادي في المعرفة: لماذا تشارف العلاقة الحميمة بين اليهود الأميركيين واسرائيل على نهايتها) – تأليف: نورمان فنكلستين / (مونتسكيو: السياسة والتاريخ) – تأليف: لوي ألتوسير / (جواسيس جدعون: التاريخ السري للموساد) – تأليف: غوردون توماس / (من يهودية الدولة حتى شارون) – تأليف: عزمي بشارة / (غزة تاريخ من النضال) – تأليف: جو ساكو
تسلسل الكتاب على المدونة: 503
التعليقات