الكتاب
معركة الحياة: رحلة البحث عن الذات
المؤلف
دار النشر
دار نينوى للدراسات والنشر والتوزيع
الطبعة
(1) 2024
عدد الصفحات
144
النوع
ورقي
تاريخ القراءة
12/18/2024
التصنيف
الموضوع
النفس والحياة في كلمات الأدباء
درجة التقييم

معركة الحياة: رحلة البحث عن الذات

كتاب رغم قصره غزير في حكمته، والذي استعان المؤلف في مقدمته بدعاء الفيلسوف العباسي أبو حيان التوحيدي ورجاء التوفيق من الله، وهو يجمع بين دفتيه ما استعذب من نصوص قرأها أو سمعها لأصحابها من مفكرين وأدباء، والذين “عركتهم تجارب الحياة” بدورهم، فجادوا بما خبروا، وراموا به نفع البرية، وقد كان من خلود حكمتهم وتجاربهم وأخبارهم ما جاوز حدود المكان والزمان، فبقي محفوراً في وجدان من خلفهم، وذهب مأثور أقوالهم مضرب الأمثال. والمؤلف إذ يأخذ على عاتقه نثر شذرات مما استعذب على طريق قارئه الكريم، فهو يرجو أن تكون له بمثابة منارة يستهدي بها إن بدى طريقه وعراً طويلاً .. ثم يدعوه قائلاً: “والآن .. احمل آمالك وآلامك واتبعني”.

فيظهر على أول الطريق الأديب المصري لطفي المنفلوطي، وهو يرى “أن السعادة ينبوع يتفجر من القلب لا غيث يهطل من السماء”، ومتى ما كانت نفس المرء راضية كريمة وعفيفة، حمل سعادته في قلبه أينما حلّ، في قصر أو في كوخ، في جمع كان أو في عزلة .. ثم يظهر المفكّر المصري عباس محمود العقاد والذي برر شغفه بالقراءة بقوله “لا أحب الكتب لأنني زاهد في الحياة، ولكنني أحبها لأن حياة واحدة لا تكفيني”، فالمرء تكفي معدته زاد، وجسده يكفيه حلّة، وهو لا يحلّ في مكانين مهما تنقّل، إلا أنه بحصاد الفكر والشعور والخيال يجمع أكثر من حياة في عمر واحد .. يأتي بعده المفكّر المصري أحمد حسن الزيات الذي يدين لمذهبه في الحياة، سلامة صدره ولين جانبه، فقد ترك الخلق للخالق، لا ينتقد ولا يعارض ولا يجادل، فإن آب إليه من ضرّه تقبّله ولم يعاتبه، وهو يقول “وأي نفع ارتجيه من تعكير ما راق وإشعال ما خمد”، وقد أسقط الماضي من حاضره فور انقطاعه، واتخذ الإيثار وسيلة لإدخال السرور على قلب صاحبه لا لأن يتصدر به المجالس .. أما الحب إذا سُأل عنه المفكر المصري د. مصطفى محمود، فسيقول: “موجود ولكن نادر”، إنما هو “ثمرة توفيق إلهي وليس ثمرة اجتهاد شخصي”، والنفوس إن كانت عامرة بالخير والجمال، تنسجم وتتآلف وتتراحم بالفطرة، ثم تكمّل بعضها بعضاً .. في حين كان جلّ ما يخشاه الأديب المصري الساخر توفيق الحكيم تعدد الهدف وحيرة الإرادة، وهو يرى “أن المقصود من الهدف هو السير نحوه لا بلوغه”، وقد اعتبر (القدر) كائن هائل يسخر من أولئك الذين يظنون أنهم بلغوا أهدافهم، في حين لا يعترض طريق أولئك الذين يسيرون ويعملون .. أما الروائي المصري إحسان عبدالقدوس، فيعتقد أن البحث عن الراحة في مكان هادئ مدعاة لإرهاق أكبر للعقل وللأعصاب، ففي نظره “الراحة الحقيقية هي أن ترتاح من نفسك”، أي بأن يجد المرء ما يشغله عن نفسه في حياته، فإنما متاعبه ومشاكله وأشباحه تكمن في داخله، ومتى ما خلى بنفسه واجهته ودبّ في عقله الضجيج وأصابه التعب من جديد .. غير أن الصحفي المصري عبدالوهاب مطاوع يوصي هذا المرء بألا يسمم روحه فيكره من بغى عليه بلا ذنب، إذ ما عليه إلا أن يتجاهل وجوده ويدخّر اللحظة التي يطوف فيها بخياله “للتفكير فيمن تحبهم، لاستعادة وجوههم ورنين أصواتهم في مخيلتك” .. ثم يرى الشاعر المصري محمد حسن هيكل -بعد أن أتم دراسته وانخرط في الحياة- الكثير ممن ينجح فيها قد خالف المبادئ والقواعد والقوانين، غير أن أحدهم لا يلبث يتعرض لمتاعب كثيرة يهدم بها حياته، لذا فهو يؤكد على “أن التشبث بما نؤمن أنه الحق، والدفاع صادقاً، وسلوك سبيلنا في الحياة على هداه، ذلك هو الذي يرضي ضميرنا ويبعث الطمأنينة إلى نفوسنا” .. ومن بعده، توصي المفكرة المصرية د. هبة عزت ابنها، حفظ حقه في الرد وعدم تسليم عقله لأحد، لاسيما تجّار الدين والفكر والسلاح والسياسة، فإن حفظت الطاعة المبصرة الدنيا وأقامت الدين، فالعمياء منها تهدمها “والله وحده هو الأعلى والأعلم، فلا تتخذ أرباباً من دون الله” هكذا توصي ابنها .. أما الكاتب المسرحي السوري ممدوح عدوان، فيعتقد بحاجتنا إلى الجنون، ففي نظره “نحن أمة خالية من المجانين الحقيقيين .. وهذا أكبر عيوبنا”، فبما أن العالم من حولنا مقيت وخانق ومرفوض، ومحاولة الجميع الظهور بمظهر العاقل يحيل الوضع إلى بلادة دائمة، فالجرأة على هكذا وضع في هكذا أمة يُعد جنوناً بالقطع، غير أنه كفيل بالإصلاح طالما أنه يكشف حقيقتنا الخائفة والخانعة .. أما أديب المهجر اللبناني جبران خليل جبران فقد اتخذ له من نفسه واعظ، تلك النفس التي علمته فن الإصغاء للأصوات التي لا تنطقها الألسنة، فشرع ينصت للسكينة ويستمع لأجواقها وهي “منشدة أغاني الدهور، مرتلة تسابيح الفضاء، معلنة أسرار الغيب”، بعد أن كان لا يعي سوى الضجة والصياح من حوله .. غير أن الأديب الفلسطيني إبراهيم نصرالله، يعلم بعلم الجنود عن سر حب المناضلين للحرية، وإن ارتقوا شهداء “فهم طيور الدنيا الجميلة”، لذا ترى أولئك الجنود متأهبين دائماً لاستهدافهم أينما كانوا، لا لكي يقتلوهم بل ليقتلوا الحرية الكامنة فيهم.

ومن الكتاب الذي وصف عنوانه الفرعي (من روائع الأدباء والمفكرين في الفكر والنفس والحياة) محتواه بدقة، والذي حصد رصيد أنجمي الخماسي كاملاً، أقتبس بدوري ما استعذبت (مع كامل الاحترام لحقوق النشر) إضافة إلى ما سبق من اقتباسات:

  • يقول المؤرخ والصحفي والروائي والأديب اللبناني (إميل زيدان) في (من أعقل الناس؟) عن الفروقات التي تبدو ظاهرة بين البشر غير إنها ليست حتمية: “فمن أعسر العسير على من عاش في بحبوبة النعمة أن يحس ما يحسّه المعوز الذي لا يحصل على ما يتبلغ به إلا بشق النفس”.
  • يقول الأديب السعودي (عبدالله الهدلق) في (دروب الدهشة) عن صورة المثقف النمطي اليابسة التي يجب تمزيقها: “أن هناك أسماء وموضوعات وكتباً يكثر الحديث عنها في كل بيئة ثقافية، فينصرف بها القارئ -بسبب النشأة الثقافية- عن كثير من الأسماء والموضوعات والكتب الحافلة، تاك التي يتراجع الحديث عنها على الأفواه والأقلام، لأسباب بعضها واضح وبعضها الآخر محيّر”.
  • يقول عميد الأدب العربي (طه حسين) في (جنبك الله أسباب الندم) عن خير ما ينبغي للمرء أن يتمناه للصديق، وللعدو إن طابت نفسه أخيراً وأحبه: “فلست أعلم ألماً أشد، ولا حزناً ألذع، ولا عذاباً أمضّ، ولا شقاءً مفسداً للحياة كهذا الذي يثير الندم في نفس الرجل الذي يقدر من الأمر ما يأتي وما يدع”.

ختاماً، وكما شبّه المؤلف رحلة الإنسان في البحث عن الذات في هذه الحياة بـ (معركة)، فمعارك الإنسان تتشابه قطعاً، وفي قصصه دائماً عبرة لأولي الألباب.

 

= = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = =

نقلاً عن المفكرة: جاء تسلسل الكتاب (141) ضمن (150) كتاب قرأتهم في عام 2024، وهو في الترتيب (11) ضمن (20) كتاب قرأتهم في ديسمبر .. وقد حصلت عليه من معرض للكتاب بإحدى المدن العربية في نفس العام، ضمن (250) كتاب كانوا حصيلة مشترياتي من ذلك المعرض!

ومن فعاليات الشهر: لا شيء سوى ملاحقة الساعات لإتمام قائمة القراءة .. والتي تطول عادة في آخر شهر من كل عام!

ومن الكتب التي قرأتها في هذا الشهر: سقوط رجل/ حياة الكتب السرية / النوم إلى جوار الكتب / اعترافات تولستوي / موت عذب جداً / القرية التي كنا فيها / وداعاً لآلام المفاصل / عودة ليليت / كتاب الجيم / اسمها فلسطين / زيارة لمكتبات العالم / نساء رفضن عبادة الرجل / وقائع من حياة فتاة مستعبدة / النوم إلى جوار الكتب / الغيرة والخيانة / في مديح القارئ السيء / On Bullshit

وعلى رف (الفكر والحياة) في مكتبتي عدد متزايد من الإصدارات .. منها ما نشرت على مدونتي!

تسلسل الكتاب على المدونة: 591

تاريخ النشر: ديسمبر 23, 2024

عدد القراءات:47 قراءة

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *