كتاب قرأته في ريعان العنفوان وها أنا أقرأه للمرة الثانية وقد أقرأه للثالثة .. قد استحق نجماتي الخمس كاملة بامتياز.
وكما يحلو لي أن أصنّفه، إنه كتاب من روائع الأدب (استذاق) فيه الكاتب نكهة المرأة في أكثر مدن العالم وبكل تناقضاتها: لونها وصوتها .. شكلها وحجمها .. عطرها وملمسها .. تمردها وحيلتها .. رغبتها وصمتها .. بهجتها وضجرها .. وكل ما قد يعتمل في جوارحها!.
وبجرأة، يحرق الكاتب تابوه الشمع الأحمر المقيّد فوق قضبان المجتمع الشرقي ليبوح ببعض ما تكتمه المرأة من أسرار، قد حرّم المجتمع التعاطي معها لمفاهيم مغلوطة في أغلب الأحوال. هو ليس كتاباً إباحياً كما قد يظنه فارغي العقول والقلوب، بل وجدانياً عميقاً عمق كيان المرأة التي هي في المقام الأول (حواء) رفيقة (آدم) .. بل بتعبير أصدق (رفيقها)!.
على هذا، يقول الكاتب عن كتابه بأنه “محاولة لنقترب من التفاصيل الصغيرة والدقيقة في الحياة الخاصة للمرأة .. إنني أقدمه لكل امرأة لتدرك حدود أنوثتها .. ولكل رجل ليتعلم من أنوثة المرأة كيف يرتقي برجولته .. كيف نصيغ العالم من جديد”.
وإن كان الكتاب يُقرأ من عنوانه، فإن لمحة خاطفة على فهرس هذا الكتاب أو (تفاصيل الرحلة) كما أسماه الكاتب، تلفت الانتباه إلى قدر ما يمكن أن يحويه من جسارة .. وهي تسع محطات كما يلي:
- القبلة والقنبلة
- تفتيش حار في جسد امرأة
- طلع الحب علينا
- كذبة اخترعها رجل وابتلعتها امرأة
- من أول نظرة
- مارلين مورنو خلعت ملابسها وانتحرت
- الحقيقة مهما كان الثمن
- وانتهى شهر العسل وقيّد الحادث ضد مجهول
- ثم قالت حواء: آه
رغم هذا، لم أستسغ غلاف الكتاب خلاف إعجابي بمحتواه، إذ ليست الجرأة المبتغاة في المظهر، بل في القول الحق مهما كان، والعمل الجاد بناءً عليه.
على نفس الوتر العذب، يقتبس الكاتب في أوائل صفحات كتابه من شاعر المرأة (نزار قباني) قوله:
“إن عصور الانحطاط ليست الجهل بمبادئ النحو والصرف
ولكنها الجهل بمبادئ الأنوثة
وشطب أسماء جميع النساء من ذاكرة الوطن”
وبقلمي! أعبر عن جميل ما علق في قلبي وعقلي معاً .. من حرير القول وأشواكه، وباقتباس في نص أرجواني ساحر (مع كامل الاحترام لحقوق النشر) كما يلي:
ملاحظة: عادة، يعتمد أسلوبي في التدوين على التعبير بـقلمي عن محتوى الكتاب ككل بعد قراءته، مع القليل من الاقتباسات بما يخدم عرض محتواه بشكل جيد. رغم هذا، أستثني الكتب التي تجمع بين موضوعية الرأي وبديع الأسلوب في قالب واحد، بحيث يصبح نقل النص كما ورد هو الخيار الأمثل، بدلاً من التعبير عنه وفق أسلوب آخر. لذا، تدفعني بعض الكتب لاقتباسات أكثر مما اعتدت عليه، وهذا قلّما يحدث في مراجعاتي! جاء هذا الكتاب ضمن هذا الاستثناء، لذا وجب التنويه.
ملاحظة أخرى: ترد بعض التعليقات في نص أزرق .. لا تعبّر سوى عن رأيي الشخصي.
- يستهل الكاتب كتابه بكلمات شاعرية يقول فيها:
“الكتابة عن المرأة لا تعرف الحياد ..
لا تعرف الوقوف على خط النار أو خط الاستواء أو خط الكف ..
تتداخل فيها الألوان ..
تنهمر من حروفها قطرات المطر وضوء القمر ..
تختلط عندها نعومة أوراق الزهور وقسوة أنياب النمور ..
لا تعرف الفرق بين طلة الربيع الناعم وملمس الخريف الشرس”
… ويستطرد قائلاً من جديد:
“الكتابة عن المرأة لا تعرف الحياد ..
لأننا صنعنا من أنوثتها القبلة والقنبلة .. الفستان والخنجر .. القصيدة وحكم الإعدام .. العري ومقص الرقيب .. النكتة والتهمة .. السلطة والفراش .. المتعة والملل .. الوسام والفضيحة .. نقطة الدم وبقعة الحبر”.
- يتحدث الكاتب وهو في محطة (القبلة والقنبلة) عن الحيرة التي تأخذ من المرأة مأخذاً في أن تكون كما تريد أو كما تريد لها الحياة أن تكون .. الحيرة التي “تخاصم المنطق” .. الحيرة التي غرسها فيها رجل أقحم نفسه بتبجّح في حياتها. فيقول: “داخت فوق كل المعاني والأماني حتى تاهت من نفسها في الزحام! لا تعرف هل تكون سعيدة بأنوثتها أم تتخلص منها؟ أن تكون أماً أم تلك تضحية؟ أن تكون جسداً أم تلك تهمة؟ أن تكون رجلاً أم تلك نهاية؟ أن تكون عقلاً أم ذلك هو الشقاء؟”.
- يخطف الكاتب نظَرَه في محطة (تفتيش حار في جسد امرأة) نحو ثلاثة نسوة، فيتعرف على الألمانية بشعرها العسلي وعيناها السماويتان وبشرتها الصباحية وقامتها الطويلة كنهر الراين .. أما ذات البشرة الحمراء والعينين المرهقتين والملامح المتوترة فهي حتماً إنجليزية، يراها تقرأ سطرين من كتاب ثم تسرح .. ولا تخطئه المصرية! فعلى جلدها وشم سمكة اسكندرانية، وبيدها كوب ماء وقرص اسبرين، تُهدئ وجعاً في رأسها!.
- يلتقي الكاتب في نفس المحطة بعالم النفس والاجتماع الثمانيني .. الفرنسي مسيو (ميشيل فودكار)، والذي وضع ستين بحثاً في المرأة وخاض غمار خمسين عاماً يتنقل من مدينة لأخرى بحثاً عن حبيبته .. لا غرابة! فالمرأة لديه “دنيا غير الدنيا .. وحياة فوق الحياة”، بل “إنها تستحق خمسين سنة و خمسمائة سنة وخمسة آلاف سنة لندركها أكثر .. ونحن في حاجة لأن ندفع الحياة ثمناً لمتعة اكتشاف المرأة .. التفاصيل الصغيرة في حياتها الخاصة والسرية، حتى نتقدم إنسانياً كما تسابقنا تكنولوجياً”. ويستمر مسيو ميشيل يتحدث في حديث عذب حتى يأتي إلى الشرق الذي تُفتّق فيه شهرزاده جروحاً تحيل حديثه إلى شجن! إنه إذاً “زار مدن الشرق، حيث الشمس تكسب خبزها الذهبي كل صباح من بشرة المرأة .. والقمح يعرف ملامحه وهامته من أصابعها”. ثم نقل عن شهرزاد الكلام المباح الذي صمتت عنه، فقال:
- حول كيانها الإنساني الناقص قبل كل شيء: “شهرزاد في وطن يتكلم من اليمين إلى الشمال، تعيش حياتها في زجاجة مكتوب عليها ممنوع اللمس، ألقاها شهريار منذ آلاف السنين في البحر بعد أن كمم فمها وقص ريشها وهذّب لسانها وأظافرها وعقلها وقلبها .. حوّل فساتينها إلى مقاس عينيه، وأحذيتها إلى مساحة رأسه .. منحها ما استطاعت هي أن تأخذه منه، وليس ما أراد هو أن يعطيه لها .. تفرق كثيراً! بين مساحة الاقتناص ومساحة الرضا .. بين قانون الغابة وقانون الإنسان .. بين أن يخطف منك أو تمنح بنفسك! والنتيجة دائماً أن شهرزاد تعيش بكيان غير مكتمل وحرية ليست ناضجة وقلب لا تكتمل دائرته الكهربية. هناك شيء ما مفقود في حياة شهرزاد، كأن حياتها تسير فوق خط أسود مرسوم على الهواء وهي خائفة أن تسقط أو يسقطها أحد فتتوه وتنتهي .. تتبخر أو تودع في نقطة مهجورة داخل الذاكرة! وهي تحاول في منطقة تفتقد المنطق .. تفتقد القدرة على التعامل بالعقل والقلب معاً في واحدة من أروع صور الجوار الإنساني .. إن التعامل مع شهرزاد لا بد أن يتخلى عن الجهل بها .. بمطالبها بهمومها بإنسانيتها بأفكارها بأحلامها بألوانها .. الجهل لا ينجب إلا الجهل .. والمرأة الجاهلة بنفسها .. بأنوثتها، هي ابنة شرعية لمشاعر وأصابع وأفكار رجل جاهل”.
- يعترف المجتمع الشرقي الذي يمضغ “خوفاً وحيرة وتراباً” بأنوثة المرأة، لكنه لا يتعلم قط مدى قيمتها “لم يرتفعوا بعد عن الجسد .. عن خريطته في العيون وملمسه في الفراش .. فامتلأ الجسد حزناً وخجلاً وألماً ومرضاً وتوتراً”. لذا دربوها على الغش في سبيله .. في عمرها ووزنها وجلدها وشعرها ورموشها، وفي مشاعرها إذا دعت الحاجة!. لم يكتفوا بهذا، بل كالوا لها سيل تهم “إذا تفاءلت مجنونة .. إذا ضحكت فاجرة .. إذا سكتت كئيبة .. إذا فكرت مدعية .. إذا استسلمت ضعيفة .. إذا خافت جبانة .. إذا تكلمت مغرورة .. إذا نجحت غشاشة .. إذا أعجبتهم عاهرة .. إذا تجملت كاذبة .. إذا تزوجت انتهت .. إذا لم تتزوج عانس .. إذا أنجبت أرنب .. إذا لم تنجب عاقر .. إذا طلقت لعوب .. إذا ترملت قاتلة .. إذا تفرغت لأمومتها مكسورة .. إذا خرجت للعمل مفسدة .. إذا أحبت قليلة الأدب”. آه .. ثم ماذا؟ “وضعوا حول شهرزاد من سن العشرين إلى الخمسين الخناجر في ثوب من الحرير، فإذا تحركت خطوة جرحتها طعنة، حتى أصبح الجسد أنهاراً من الدم وخريطة من الخطوط .. وعلى المرأة أن تتحمل”.
- ولأن لجسد الأنثى الشرقية قدسية مشتهاة، فإن “الرجل يفتش في جسد المرأة قبل أن يتزوجها ولا يهمه أن يفتش في عقلها .. يبحث ليلة الدخلة عن غشاء البكارة ويتجاهل غشاء القلب .. وعمر بعد عمر، تعتنق المرأة حدود ما يعجب وما يروق للرجل فتختصر أوجاعها في أن تكون نسخة مكررة لما يريد .. جميلة ساكتة ساذجة”. وهذا مصداقاً للشروط النموذجية في (المرأة الصالحة) لدى الذوق الذكوري المشرقي التي تنحصر في (حلوة وغبية) .. قبّحه الله من ذوق!.
- غير أنه لم يفت المسيو أن “الرجل في الشرق يلعن المرأة كلما تيسر، ويقلل من شأنها كلما جاءت الفرصة”.
- وعن هكذا رجل ذكوري شرقي قح ونعرته الخائبة .. يسأله الكاتب عن السبب: أهو الخوف؟ فيجيب: “هو العجز! إن حواسه تتوقف وأحلامه تتهدل وأفكاره تتلاشى إذا هو رأى امرأة تحتل مساحة كان يريدها لنفسه .. ومكاناً كان يثق أنه له”.
- وعن تبريراته المعلّبة يقول: “تحت وسادة الرجل الاتهامات دائماً جاهزة، والأسلاك الشائكة تحت الطلب، لتمتد حول المرأة التي تخرج عن جاذبيته المغناطيسية .. إنه يبحث باستمرار عن امرأة تفصيل على مقاس عقله وجسده وأفكاره .. وقدميه”.
- وعنهما “إن المرأة التي تحب لا تخون، بينما يمكن للرجل أن يحب ويخون، ثم يتوضأ في ابتسامة سهلة بعد ذلك ليتطهر من ذنبه”.
- ولأن معيار الزواج لديه الاعتياد والعشرة لا الحب، “ومن كل هذا الضباب والدخان أصيب المجتمع الشرقي بعشرات الأمراض والأوبئة والعاهات”.
- نجح في تأسيس قانون يخوّل المرأة النظر في اتجاه واحد، فـ “المدن في الشرق تحمل ألف وجه .. وعيناً واحدة”.
- وعندما يقرأ “يقرأ مذكرات أجداده التي نصفها أكاذيب وأساطير، ويطبقها على المرأة بالنص .. بالحرف” .. ينتشي إذا وجدها في رواية تُعذّب أو في قصيدة تُهان، “ويقف في طابور طويل أمام السينما إذا عرف أنها تتعرى في مشهد واحد”. أما إذا حضر خطبة دينية تؤكد حقوقها ومكانتها، صرف سمعه واستمع فقط لما يناسبه من قول، “وفي كل الأحوال يستعيذ بالله من المرأة .. والشيطان” .. عليه، فهو يستعيذ من أمه في كل الأحوال!.
- وفي العالم الذي يتطور على مدار الساعة، “لم ينس أن يرتدي جلباب الماضي تحت قميصه (البيير كاردان)، ولا رغباته المجنونة تحت بنطلونه الـ (كريستيان ديور)”. مهما حلق ذقنه ورش عطره “ما زال يفضل في أعماقه أن تكون المرأة خلفه وتحته .. وإذا مارس (الإتيكيت) وأفسح لها الطريق لتتقدم أمامه فهو لا يفعلها احتراماً .. لكن لينظر إلى ساقيها هل هي جميلة؟ وإذا سمح لها أن تكون فوقه، فلأنه متعب .. متعب جداً” .. وللدقة الثقافية: إنه يفسح لها الطريق لتتقدم أمامه، من أجل النظر إلى (مؤخرتها) قبل ساقيها .. أو أي شيء آخر!.
- والمرأة القاهرية لديه كالبحر، تحتفظ بعناصر مهمة “الكبرياء الأنوثة التمرد الغضب .. إنها امرأة إذا تفرغت لأنوثتها أصبحت فوق طاقة البشر، كالبحر يبتلع الأحزان لكنه لا يتوانى أن يبتلعك بعد ذلك” .. أما المرأة البيروتية فأنثى طاغية على الدوام “هي (أم) بعض الوقت، و (تاجرة) بعض الوقت، و (مفكرة) بعض الوقت، و (أنثى) كل الوقت. فلا شيء يأخذها من أنوثتها إلا الفقر والحرب، أما الحب فيدخل قلبها بصعوبة، وإذا خرج فأهلاً بمليون رجل .. لا فرق بين الأول والمليون .. لا فرق! كلهم بعد ذلك ماضي رجل كانت تحبه” .. والمرأة الدمشقية التي تعبق بذكريات البيوت القديمة وملامح نساء القرون الوسطى “تعشق الرفاهية حتى وإن لم تجدها صنعتها .. تعرف كيف تروّض الرجل حتى يذهب فيها إلى أبعد ما تتمنى .. ولذلك فهي قليلة التمرد، قليلة الجنون .. لا تطالب بالمساواة لأنها تطالب بأبعد من المساواة”.
- لكن المرأة الشرقية عموماً ذات طموح محدود وشخصية مازوخية تتلذذ (بمظلوميتها) “إنها تجد لذتها في ألا تقاوم، مثل غريق يجد راحته في الاستسلام” إنها أيضاً “غير طموحة وإن كانت تتوهم عكس ذلك، تتوهمه حين ترفع صوتها لتطالب بكلمة أو شهادة أو عمل .. طموح محدود وأنظر حولك لتكتشف كم هي سعيدة بأنها مظلومة .. سعيدة بأن تبقى هكذا أسيرة للكلام وللعيون .. إنها تكتفي بهذا القدر .. أن تظل في دائرة الاعتقال، ضعيفة متهدلة تدافع عن أحلامها بعض الوقت، تمارس متعة الظلم حتى أدمنتها .. لم تعد تستطيع أن تتخلص منها .. تبكي .. أسهل شيء أن تبكي .. إنها تبكي نفسها لنفسها .. تبكي على أن الأصابع فوق رقبتها ولا تحاول أن ترفع الأصابع ليكون للمقاومة معنى”.
- تكمن الأسباب المباشرة فيها من غير شك “حين أصبحت جاهلة بحدودها فوق الخرائط وحقوقها الشرعية من الطبيعة” غير أن جذور هذا الجهل تعود للوراء وفي زمن آخر “زمن كان يعبئ الحريم في جوالات القمح، ويتعامل معهن مثل أصناف العطارة .. كل صنف لا يصلح إلا لشيء واحد: المتعة أو الإنجاب أو تدليك الجسد أو مسح الحمامات أو طهي الطعام”.
- أما في نهاية حديثه فيختمه بمسك متسائلاً أوله وآخره: “كيف يكون عندكم هذا الدين الإسلامي الجميل الراقي المتحضر الذي فيه كل معاني العلم والحضارة والمساواة الحقيقية بين كل الأشياء .. غني وفقير، ملك ومتسول، رجل وامرأة .. ثم تبتعدون عن الأصل وتتمسكون بالفروع؟ لقد قرأت في القرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة والسيرة وعدت إلى مشايخ متفتحين ووجدت في كل هذه الأشياء نبلاً ورقياً خاصاً بعلاقة الرجل والمرأة، ومكانة متميزة للمرأة. وقال لي شيخ كبير عندكم -ويقصد الشيخ متولي الشعراوي- حين سألته عن المرأة .. إن الإسلام قدم لها كل مبررات العطاء .. في البيت وفي العمل وفي الحرب، وهو لم يمنعها من أن تمارس حقوقها في فراش الرجل، وفي حياة الرجل .. وأن يكون لها طموح تختاره لا يُفرض عليها، ومشاعر تبوح بها لا تموت منها، وأعطاها رخصة شرعية لتمارس كل أنواع العمل التي تناسبها، ولم يحجب عنها إلا ما رأى أن فيه مهانة لها ولطبيعتها وأنوثتها، وأشار بوضوح إلى أن دورها في الحياة لا يقل عن الرجل، لأن كلاهما يكمل الآخر بلا خوف من الآخر .. كل هذا لديكم، ورغم ذلك لا تخطون خطوة في اتجاهه .. لماذا كل هذا الخلل؟”.
- وعن المرأة كمدينة والرجل كزائر، تضع المدينة في محطة (طلع الحب علينا) شروطاً وقوانين وفحوصات وصفارات إنذار، حيث “يبقى الرجل دائماً مثل زائر غامض على قلب امرأة أو مدينة .. إما إن تحبه فتمنحه الإقامة والجنسية والدفء والأمان والخبز والماء، وإما أن تكرهه فيصبح بلا وطن أو جنسية أو لون أو معنى أو قلب”. ثم أن هناك حدود حمراء غير مسموح بتجاوزها “مثل المدن .. قد تمنحك المرأة التصريح بالتجول في معالمها الرئيسية لكنها تعتقلك إذا أنت حاولت أن تعرف أكثر من ذلك”. وهناك اختبارات صارمة لا تُحمد عواقب من يفشل فيها “أما الرجل فلا بد أن يمر قبل عبور بوابات المدينة على أجهزة كشف الكذب وكشف الماضي وكشف تجاربه السابقة في عالم المدن، وفحص ملابسه للعثور على بقايا رائحة مدينة أخرى أو أحد قواقع بحرها”.
- يستمر الكاتب في نفس المحطة، وبينما يؤكد على أن أبسط حقوق المرأة تكمن في الاستقرار وأن “تلمس بيدها مكانها في قلب الرجل” كحال المدن في (استقرارها ووجودها)، يؤكد على أن الغلطة التي ترتكبها المرأة كما المدينة في اعتقادها أن “قلب الرجل وعقله يجوز السيطرة عليهما بالسحر والدلال والأضواء ومساحيق التجميل وطلاء الأظافر وابتسامة الإغراء” .. لا يمكن أن تُختصر الأنوثة في ملبس أو ألوان “الأنوثة أكبر من ذلك بكثير .. إنها إذا اختُصرت على هذا الحد قد تلهب الرجل ليلة، لكنها لا تستطيع أن تشعل فيه النار الليلة القادمة” وفي كلمة وجيزة “الأنوثة نافورة تمنح الجمال والتأمل والاسترخاء والتفكير والسعادة والحلم والعمل والنشاط والأمنيات”.
- وفي محطة (كذبة اخترعها رجل وابتلعتها امرأة) يعترف الكاتب بأننا جميعاً لا نملك سوى أسمائنا المخطوطة في شهادة الميلاد، ومؤشر آخر في أجسادنا يصنفنا بين ذكر وأنثى، غير أن المجتمع لا يجيز أي فرق بين أحمد ومحمد وزيد وعمر، ولا بين غادة وغدير وفلانة وعلاّنة، فتلك مجرد أسماء .. إذ أنه -وهذا الأهم- يمد نظره ويده إلى الأسفل، فيقرر هوية الذكر وهوية الأنثى، ثم يسلّم محفظة “الأدوات والصفات والصور والعادات” المعدّة مسبقاً لكل منهما.
- لا يزال الكاتب في نفس المحطة وهو يتحدث عن الكثير من الدراسات الجادة التي أنصفت “إمكانات وقدرات المرأة العقلية والعاطفية. إن لديها القدرة على اتخاذ القرار السليم بأعصاب هادئة عن الرجل، والقدرة على الاقناع أكثر من الرجل، والقدرة على الإبداع أكثر من الرجل، وإذا أحبت فإن عواطفها لا تتبدل ولا تتغير، وهي تمنح الحب بلا حدود .. ثم أنها أكثر قدرة على التصرف في المواقف الصعبة من الرجل .. إن هذه القدرات الخارقة ليست إلا بعض ما عندها .. مجرد عينة”. غير أن الكاتب يتحسّر على وضع بعض النساء اللاتي سنحت لهن الفرص فأخذن من مسئوليات الرجل أسوأها، وبذلن من الجهد ما ينال إعجاب الرجل فقط، فبدت الواحدة منهن هشّة وضعيفة!. يقتبس في هذا قولاً عن د. نوال السعداوي، إذ قالت: “امرأة لم يعد لها اهتمام إلا بغلافها الجسدي الخارجي فقط، فهي تدلّكه وتنعّمه وتزيل الشعر من فوقه وتعريه تارة وتخفيه تارة وتنفق طاقتها ووقتها وفلوسها في هذه اللعبة”. لا يزال يعتقد الكاتب أنه رغم منح المرأة الفرصة للصعود إلى القمر، والمشي تحت الشمس في مظاهرة، والاقتراع في صناديق الانتخاب، والجلوس على مقعد البرلمان، والتعلم والتقدم والنقاش … إلا أنها (نصف حرية)، إذ أن “الحرية ليست تجربة نسمح بها للمرأة وننتظر نجاحها أو فشلها، وليست بعض الأشياء لبعض الوقت، الحرية ممارسة كاملة على المرأة أن تقوم بها وتتحمل كل نتائجها .. الحرية للمرأة تبدأ من خطوتها الأولى للأخيرة، من اختيار أحلامها لاختيار علومها، ومن اختيار رجل حياتها لاختيار رأس اقامتها”.
- في محطة (الحقيقة مهما كان الثمن) هناك شبه! تُشبه بعض النساء المدن التي اكتفت من الحياة بالحياء .. فمن المدن لم تخض حرباً من أجل الحب، ولم تغير طراز مبانيها حفاظاً على التقليد، ولم تطالب بمذاق آخر من الطعام استجابة للرغبات، حتى بخورها اكتفت بفوح واحد منه لجميع الحارات! لقد كانت تتحاشى المطر خشية البلل، وتنام إلى جانب الحائط إذا ضللتها غيمة .. حتى تهالكت وتحطمت وانتهت واندثرت ولم تترك بسمة أو مسلّة أو عنوان أو شيئاً مذكورا .. كأن لم يكن لها وجود .. أو لعلها لم تكن في الوجود أصلاً! “وكثير من النساء يكررن نفس الخوف! لعلهن ولأسباب نفسية واجتماعية قد توارثنها عبر الأجيال .. اكتسبن نصيحة السير بجوار الحائط إذا هطلت السماء مطراً، والنوم بجوار الحائط إذا منحتهن السماء رجلا .. نساء كثيرات مثل مدن تكسو أطرافها الكبريت تخشى البلل وتخاف الاشتعال! فلا هي تريد الشتاء ولا هي تطيق الصيف .. قد تطالب بالحرية حتى تصل إلى فراش الرجل فيصيبها الصمت وتفقد حنجرتها القدرة على التعبير عما يطالب به الجسد”. ويستمر الكاتب في قول أكثر جرأة وأشد فضحاً لقلوب جافة وأحاسيس شحيحة، فيقول: “إنها تكتفي بما سوف يمنحه الرجل لها، بما يقدر عليه وبما يستطيع أن يقدمه .. يمنح حرفاً واحداً أو مائة حرف! يمنح حقاً أو ألف حق! يجد حلاً أو لا يجد حل .. لا يهم! أو هي تتصور أنه لا يهم .. فالفراش فراشه والحدود حدوده والحروف حروفه والوقت وقته والجسد ملكه والاحساس له وحده .. هو سيد الفراش وهي تابعته .. هو الأول وهي الأخيرة .. هو صاحب المساحة والمسافة وهي ضيفة .. مجرد ضيفة .. سوف تبقى بعض الوقت وتمضي إلى حياتها الطبيعية في المطبخ أو مع الأولاد أو في العمل أو تشتري الخضار وتنظف الستائر والشبابيك”. ويقول مشيراً إلى نرجسيته: “تعلّم أن اللذة له والقبول لزوجته .. القيادة له والانصياع لامرأته .. البداية والنهاية عنده، والمشاهدة والرضا لها .. تعلّم حتى علّم زوجته الكذب والبرود: الكذب لأنها تعلمت كيف ترسم فوق ملامحها الشعور بالاكتفاء والاكتمال والشبع حتى لا تفسد شهوته وسعادته ورضاه ورجولته، والبرود لأنها تكتفي بهذا القدر من الإحساس معه فتمر حياتها دون أن تعرف المعنى الحقيقي للجنس إلا أنه مجرد التقاء بجسد يثمر أو يمطر أطفالاً”.
- وعن المفاهيم المغلوطة التي يحملها الناشئة عن العلاقة الجنسية “أنه فعل فاضح يؤذي صاحبه ولا بد من ممارسته في السر، وأنه شيء لذيذ لكنه محرّم ومخجل”، يقول الكاتب في محطة (مارلين مورنو خلعت ملابسها وانتحرت) بأن الأطفال الإناث هنّ الأكثر عرضة لعقدة الخوف والخجل معاً والتي تشتد مع ولوجها سن المراهقة حيث التغير الجسماني وما يصاحبه من أحاسيس مختلطة بالضعف والمرض والنقص بل والنجاسة .. غير أن مجموع هذه الأفكار والأحاسيس يغذّيها المجتمع بشكل أعنف!. هنا يتطرق الكاتب إلى رأي عالم النفس سيجموند فرويد الذي تصور أن المرأة تعاني منذ طفولتها من عقدة عدم امتلاك عضو ذكري، دون أن يقدم دليلاً علمياً واضحاً “فتشعر بالنقص والدونية والخجل بممارستها للتبول وللجنس بعد ذلك من الداخل وليس من الخارج”. إن هذه الأمنية -حسب زعمه- تبقى دفينة بداخلها وتتسبب لها خارجياً بعقدة الخوف من الجنس “والنظر إليه على أنه اختراق لجسدها واختراق لحدودها وحريتها (اغتصاب)”. أن هذا الشعور الذي تتمنى معه (عضو ذكري) يقودها إلى التمسك بسمات الذكورة “مثل قدرتها على الاختراق والاندفاع والاقتحام والسيطرة والامتلاك”. يعقّب الكاتب على عقدة فرويد بقوله “هو -كعالم نفس متحيز لجنسه وديانته اليهودية التي تنظر للمرأة على أنها مخلوق ناقص- نسي أو تجاهل عن عمد ما يلعبه الجانب الاجتماعي والنفسي في حياة المرأة والرجل على السواء، وإن إحساس الأنثى الطفلة سببه الرئيسي المجتمع قبل أن يكون حلمها بامتلاك عضو الذكورة وقوة الاقتحام”. ثم يؤكد على أن “كثيرات من النساء امتلكن صفات مثل القوة والشجاعة والإقدام والبطولة والإبداع والاقتحام والسيطرة والامتلاك دون أن يتمنين امتلاك عضو الذكورة”. وأن هذه الصفات ليست حكراً على الرجال بل مُشاعة لمن أراد التحلي بها “وليس أدلّ على ذلك من أن رجالاً كثيرين لا يمتلكون هذه الصفات مع أنهم يمتلكون عضو الذكورة الذي أسس فرويد عليه نظريته الكبيرة”. وكامرأة أقول: أن فرويد ومن على شاكلته من الذكور قد أصابته عقدة القضيب الذي ظن أنه -ولا شيء غيره- قد جعل منه رجلاً .. القضيب ذو الشبق الذي أخذ به مقلباً كبيراً صوّر لنفسه المريضة على أنه الحلم المستحيل لكل أنثى!!. كم تختلط لدي مشاعر التقزز بالسخرية وأنا أتصور منظر أنثى تقف شامخة بذاتها وكيانها وفكرها وأنوثتها وبين فخذيها وسم .. (إذاً لبترته) .. الأمر الذي يستدعي فرض حجاب شرعي أسفلاً، وحجاب شرعي آخر لكائن أصابه عيب خلقي واحتل قضيبه مركز التفكير في الدماغ فأفرز هكذا هراء!
- أما في المحطة ما قبل الأخيرة (وانتهى شهر العسل وقيّد الحادث ضد مجهول)، لا ينكر الكاتب بأن دور المرأة مهم في دفع الرجل نحو النجاح، غير أن هذا لا يمنع من أن تتحلى في الوقت ذاته بكيان كامل ومستقل. ثم يشير بإصبع اتهام ويضرب بكف من حديد قائلاً: “دور لا يسقط بالتقادم أو المقاومة مهما كان رأي علماء النفس والاجتماع الذين نجحوا على مرّ سنوات طويلة في إفساد دور المرأة ثم في إفساد علاقتها بالرجل!. إن نظريات علماء النفس فاسدة، لأنها ببساطة حاولت أن تفصل المرأة عن الرجل مع أنهما في الأصل كيان واحد .. نظريات جاهزة مزقت عقل المرأة وهضمت أجمل ما تملك: أنوثتها”.
- وفي المحطة الأخيرة (ثم قالت حواء: آه)، ينتقل الكاتب للحديث عن النشأة الأولى وكيف اشتركت بها حواء مع آدم، ثم كيف بدأت في ابتكار الأعمال التي لم تضير آدم في شيء، إذ كان كلاهما يمنح للآخر الحياة. ثم يقول قولاً عظيماً عن امرأة القرن العشرين .. ابنة حواء: “حواء أنجبت لتحقق حكمة الخالق في البداية ثم استمرار الخلق .. الذرية! إنها تستمتع أولاً بأنها ترضي الله، ولهذا السبب ترد لها حكمة الخالق أن تجعل هذا الإنجاب سبباً في سعادتها وإشباع لغريزة ما داخلها لم تكن وقتها قادرة على أن تصفها بأنها غريزة الأمومة. كأن الله قد خلق هذه الغريزة ليرد للمرأة شكره على أنها قد تكبدت مشقة وإرهاق الإنجاب من أجل تحقيق أمر من أموره. لذلك يذهب بعض العلماء إلى أن قدرة حواء على الإنجاب قد سبقت قدرتها على الإحساس بغريزة الأمومة، أي أن الطاعة لله سبحانه وتعالى قد عادت للمرأة بهذه الغريزة .. منحة الله لحواء .. وهدية حواء لكل حواء بعد ذلك”.
- يستغل الكاتب هذا الحديث ليعود إلى الجنة ويثير سؤالاً أجده أشبه بلعنة لمجرد طرحه .. لكنه الشر الذي لا بد منه، وهو نتاج الفكر الذكوري الذي تسلط وبغى في الأرض لا محالة، فيقول: “هل حواء هي التي أخرجت آدم من الجنة؟ لقد وجدت إجابة منطقية في كتاب (أنبياء الله) للكاتب والمفكر أحمد بهجت تقول: ليس صحيحاً ما تذكره صحف اليهود من إغواء حواء لآدم ليأكل من الشجرة. إن نص القرآن لا يذكر حواء، إنما يذكر آدم كمسئول عما حدث عليه الصلاة والسلام. قال تعالى في سورة طه: (وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى). وبهذه الآية الكريمة البسيطة يغلق ملف حواء المفتوح في سلسلة اتهاماتنا لها بأنها صاحبة أول غلطة في حياة البشرية”. غير أن فقهاء وأد المرأة لا يزالون يستدلون بما جاء في التوراة والإنجيل -ككتابين سماويين- عن خطيئة حواء، في الوقت الذي تتشدق فيه ألسنتهم بتحريفهما!!!.
- …… وفي نهاية رحلته، يصلي الكاتب لمدينته من أجل أن تكون “أجمل وأعظم المدن”، ثم يقول مودعاً على أمل اللقاء: “الآن .. لن تهبط كلمة النهاية .. لكنها البداية .. وقبلة على شفاه كل المدن .. وكل النساء”.
وعن بعض المعاني وفي كلمات معدودة .. أقتبس ما يلي:
- عن الوفاء: “حواء الأم لم تسقط حواء الزوجة من حياة آدم”.
- عن الحقوق: “حين يتخلى الإنسان عن حقه اليوم .. لا يصح أن يسأل عنه غداً”.
- عن الحب: “الحب لغة من لغات الله منحها لمن يعرف قيمة الحب .. لغة لا تعرف الفرق بين الجهل والعلم، ولا بين الفقر والثراء .. والحب يملأ الجسد شبعاً، وإذا تكلم الإنسان حباً استطاع أن يخترق المستحيل وأن يلتفت إلى ما هو بعد ذلك .. إلى المستقبل”.
- عن معادلة الحب: “الحب أن أثق في نفسي ثم أجد من أثق فيه بعد ذلك”.
- عن ذكريات الحب: “مثل كف مولود صغير يأتي الدنيا قابضاً أصابعه على هواء من رحم أمه .. إنه يحبها ويريد أن يخرج للحياة محتفظاً حتى بالقليل منها”.
- عن صناعة الحب: “المرأة قادرة على صناعة الحياة إذا أحبت .. والرجل قوته تكمن في عجزه أمام امرأة يحبها”.
- عن طعم حب آخر: “إذا لم تجرب الحب مع امرأة فرنسية فأنت لم تقع في الحب بعد”.
- عن فضائح مستترة: “ملايين البيوت العربية جدرانها من ملح، فإذا هبت عاصفة صيف سقط الملح في الجرح .. فكان الألم! ولو تكلمت البيوت الصامتة لسمعنا صراخاً”.
- عن حكمة الطبيعة العادلة: “لا يوجد رجل مكتمل ولا توجد أنثى مكتملة .. أن تتساوى المرأة والرجل في كل الأشياء وإن اختلفت الصفات والأدوار، حكمة أخرى لتستمر الحياة: رجل وامرأة معاً”.
- عن الحرية التي تجهلها بعض النسوة: “نساء داخلهن (عطل فني) لن نعتذر عنه لا اليوم ولا غداً .. لان الإرسال مقطوع .. هؤلاء ارتحن لثلاثة حروف: ن ع م (نعم) .. نعم جداً قوي خالص”.
- وعن أشباههن من أشباه الرجال: “رجل ترتعش دنياه إذا رأى عيون امرأة أو نجاح امرأة أو صعود امرأة أو خيال امرأة .. رجل باهت قد يسمح لأمرته أن ترتدي له قميص نوم حرير أحمر لكنه لا يسمح لعقلها إلا أن يرتدي قميص نوم حديد أسود”.
- وعن مفهوم الحرية الصادق بينهما: “الحرية ليست لعبة قط وفأر بين رجل وامرأة .. ليست ستاراً نزيحه لنصطاد الأخطاء لبعضنا البعض، لكن لنبيدها .. لنحرقها .. لنصححها .. وللحرية فم لا بد أن يرضع ثقة وعقل وتحضر واحتياج .. الحرية ليست مسافات شاسعة تفرّق بيننا .. إنها تفتح عيوننا على النور لنرى .. لنعود لنتعانق”.
- عن أعراف مجتمع سفّاح: “ملايين العرائس في أفراحهن يخفين تحت فستان الزفاف الأبيض خطاً أسود من الحزن، فأكثرهن تزوجن لأن المجتمع زرع فيهن منذ الطفولة أن الزواج سترة وأن العنوسة تهمة .. كثيرات هربن إلى (ظل الرجل) لأنهن تعلمن أنه أفضل من (ظل الحيطة)”. وعن مؤلف تحفة (ظل الراجل) الأشد نفعاً للمرأة من (ظل الحيطة) .. فوددت لو عاد إلى الحياة من جديد ليستيقن بأن ما نفع المرأة بحق هو (ظل الحيطة) .. وليس ظل الوهم كما توهم!.
- وأخيراً .. عن مدينة تلبّستها روح امرأة تتهاوى: “امسحي دموعك .. ارفعي قامتك .. افتحي قلبك .. مزقي الخوف والألم .. الحياة جميلة تستحق الحياة .. أمطري واغسلي كل الماضي .. واحرقي كل قصائد الكفار”.
- وأختم بما قال الكاتب ابتداءً .. عن سفره الذي لا يشبه سفر الكثير من بني جنسه “سافرت إلى المدن لأعرف .. وسافرت إلى المرأة لأعرف أكثر” .. والمدينة التي تغير نهرها ببحر وليلها بنهار وشجرها بعمود وجدارها برخام هي “مدينة إلى زوال” وكذلك المرأة التي غُزيت وبُدلت بفعل رجل .. “المرأة هي المرأة .. ابنة حواء .. خليفتها .. نسختها المكررة .. طبعتها الجديدة، التي لا يزيدها الزمن إلا إضافة او اختصاراً للأصل، لكنها تظل حواء مهما ابتعدت المسافات .. تظل داخلنا أصل الحياة ومصدر العطاء والإبداع .. ولا بد أن نعيد حواء إلى حياد أفكارنا .. أن نتعامل معها كما خلقها الله .. إنسان قبل أن تكون امرأة .. كيان قبل أن تكون أنثى .. معنا قبل أن تكون خلفنا”.
وأقول ختاماً ..
يعلمنا التاريخ (أن البقاء للأقوى)!!..
وكأن قدر المرأة أن يشكّل تاريخها رجل .. فحل الطاقة والمزاج، متقلب الآراء والأهواء، متعدد الرؤى والنزوات!
يراها في ازدواجية غثّة رثّة .. (أم – طفلة) .. (عشيقة – عاهرة) .. (ملهمة – مجرمة) .. (حرف – معجم) .. (رقم – معادلة)!.
يرتقي بها فيتوّجها قديسة .. وينتقص من شأنها فيُرديها غانية ..
تأسره أنوثتها ثم يقتحم بكارتها ..
وينصّبها ملكة لكنه يكمم فمها ..
يمشي معها تحت الشمس وعنها يحجبها ..
ويدفع لها القناطير مهراً وهو يحفر لها القبر مهداً ..
أسفاً لم يُسعف المرأة مرور أكثر من عقدين من الزمان على صدور الكتاب (وقد جاءت آخر كلمة خطّها الكاتب بعد توقيعه “وكنا نقترب من سنة 2000”) .. إذ لا تزال الموروثات الدينية والأعراف الاجتماعية والمعايير المزدوجة متفقة على تكبيل المرأة بقيود ما أنزل الله بها من سلطان .. وما أشبه اليوم بالبارحة!.
رأيت ذاتي بين السطور والكلمات وممن عرفت من بنات جنسي .. كم من الألم قد اختنق حتى الموت والأوجاع لا تزال تترى!
إنه لوجع آخر أن يتحدث رجل على لسانها!
ووجع مضاعف أن يكون هذا الرجل .. فرد من أمة!
وآه بعد آه!..
= = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = =
من الذاكرة: جاء تسلسل الكتاب (31) كما دوّنت، ضمن قائمة من كتب قرأتهم في عام 2017، غير أن ذاكرتي لا تسعفني، ولا حتى مفكرتي القديمة بما تحويه من ملاحظات، ولا مسودات التدوين في حينها، من تعيين إجمالي عدد الكتب التي قرأتها في هذا العام بالتحديد! ملاحظة: أجد بخط يدي على هامش مفكرة العام عبارة: (33 كتاب) .. لا أعتقد أنها ملاحظة دقيقة.
لكنني لا زلت أذكر تماماً الأعوام الثلاث التي قضيتها في تحصيل دراساتي العليا في المملكة المتحدة، والأعوام التي تلتها وأنا منهمكة بجد في عملي المهني الذي لا يمتّ بصلة لهواية القراءة لا من قريب ولا من بعيد .. الدراسة التي استحوذت على حياتي حينها، والعمل الذي كان يستنفد القدر الأكبر من وقتي وطاقتي، بحيث لا يتبقى للقراءة في نهاية اليوم سوى القليل من الوقت والتركيز .. ولله الحمد دائماً وأبداً.
أما عن اقتناء هذا الكتاب، فقد كان ضمن مكتبة العائلة العريقة التي استحوذتُ عليها كاملة، والتي تضم كتب قديمة قد لا تتوفر حالياً في المكتبات.
من فعاليات الشهر: وكما دوّنت، كان الكتاب ضمن خمسة كتب أخرى قرأتهم في شهر نوفمبر والذي لم يحمل أية فعاليات، في حين كنت قد قضيت إجازة في تركيا لمدة عشرة أيام في الشهر السابق، وإجازة لمدة عشرة أيام أخرى في إيطاليا في الشهر التالي.
تسلسل الكتاب على المدونة: 5
تُشبه بعض النساء المدن التي اكتفت من الحياة بالحياء!.. فمن المدن لم تخض حرباً من أجل الحب، ولم تغير طراز مبانيها حفاظاً على التقليد، ولم تطالب بمذاق آخر من الطعام استجابة للرغبات، حتى بخورها اكتفت بفوح واحد منه لجميع الحارات!. لقد كانت تتحاشى المطر خشية البلل، وتنام بجانب الحائط إذا ضللتها غيمة .. حتى تهالكت وتحطمت وانتهت واندثرت ولم تترك بسمة أو مسلّة أو عنوان .. كأن لم يكن لها وجود، أو لعلها لم تكن في الوجود أصلاً!
حياة كموت .. ظنت المغدورة فيهن أنها بذلك آثرت السلامة!
وقد قيل: إن لم تزد شيئاً على الدنيا كنت أنت زائداً فيها!.. ويحضرني رأي الحكواتية: “اللي اختشو ماتو”