الكتاب
محمد كريشان يروي: وإليكم التفاصيل
المؤلف
دار النشر
جسور للترجمة والنشر
الطبعة
(1) 2021
عدد الصفحات
432
النوع
ورقي
تاريخ القراءة
07/08/2024
التصنيف
الموضوع
ولدى كريشان تفاصيل لم تُبث
درجة التقييم

محمد كريشان يروي: وإليكم التفاصيل

كالشعاع الأبيض الذي يُسفر عن سبعة أطياف إذا خضع للتحليل الضوئي، كذلك السياسية التي إذا حُسر الستار عن كواليسها، أسفرت عن صور لا تعكس بالضرورة ما عُد واقعاً على مسرحها!

ينبري إعلامي مخضرم لإزاحة طرف من ذلك الستار الثخين، ليكشف عن خبايا أحداث ومواقف وشخصيات وعوارض وقفشات كذلك، جالت في أروقة السياسة العربية .. كشاهد من أهلها! إنه (محمد كريشان) الأشهر من نار على علم الجزيرة، وهو المولود في صفاقس تونس عام 1959، والذي أخذ منه الإعلام مأخذاً في صغره حتى توّجه بإجازة جامعية في الصحافة وعلوم الأخبار بعد تفوقه في الثانوية العامة، ما فتح الباب أمامه على مصراعيه في تلقي المهام وتولي المناصب، من محرر صحفي في بلاده، إلى مراسل إخباري في قنوات عربية، ثم إلى مذيع ومقدم برامج في قناة الجزيرة الإخبارية حتى الوقت الحاضر، وقد عني بالشأن الفلسطيني ولا يزال، ككاتب عمود في صحيفة القدس العربي.

والإعلامي وهو يجول في دهاليز السياسة -كسياسي محنّك من الدرجة الأولى شرع في كتابة مذكراته- يبث الكثير من ملامح سيرته الذاتية التي تكشف عن جانب لطيف من شخصيته خلاف المهنية، وقد تفرّغ لها أثناء الحظر العالمي لوباء كورونا! فبانسيابية وبمنهجية، يتنقّل الإعلامي في سبعة فصول تبدأ بخطوة الطريق الأولى، وتنتهي بعصارته، وهو لم يغفل عن إدراج صوراً من ألبوم ذكرياته في الختام! وأنا إذ استشهد بعظة المتنبي في (خُذ ما تراه ودع شيئاً سمعتَ به .. في طلعة البدر ما يُغنيك عن زحل)، فقد يجد القارئ في حديث الإعلامي ما يغنيه بشكل أو بآخر عن لاقطات الفضائيات.

تستقطع هذه السيرة من رصيد أنجمي الخماسي أربعاً، والتي أستقطع منها بدوري ما راق لي، وباقتباس في نص حصيف (مع كامل الاحترام لحقوق النشر):

  • ففي الفصل الأول (تونس: فجر الصحافة وليل السياسة) يظهر الإعلامي كشاب في المرحلة الثانية من دراسته الجامعية وهو يطرق باب (سي حسيب) في (جريدة الرأي) التونسية ليطلب عملاً جزئياً، وقد فُتن بالجريدة التي عكست حلمه في نبذ الاستبداد وجرأة الطرح وتعدد الحزبية، خلاف “الإعلام الرسمي المتكلّس”، في حين يلتقي بعد مرور الأعوام بـ (الباجي قايد السبسي) وقد كان أحد أعضاء الجريدة البارزين، وتحديداً في نيويورك عام 2015 ليبادره الأخير بسؤال: “توا أنت الآن تونسي أم قطري؟” ليؤكد له على (خضرة تونسيته). أما النسخة المغدورة من المجلة التي صادرتها السلطة الجديدة في الثمانينات، وقد احتوت المقالة (النشاز) للصحفية الجريئة (أم زياد) وهي تتحدى وعود السلطة “بإطلاق سراح الكلمة وعلى التخلص من عادة الرقابة الذاتية المقيتة”، ومقالته التي جاءت بعنوان “لا .. ليس هؤلاء رجال التغيير” والتي لم يبخل فيها بذات النقد والتحدي، فلا زالت في حوزته، تشهد على سراب وعود الديمقراطية! وهو يختم مهمته الصحفية في ليبيا الثمانينيات، آثر السلامة، وقد هم بإخبار مرافقه الليبي -الذي لم يكن سوى مخبراً- بأنه اقتنى كاميرا ومسجل أخيراً، خلاف التقرير الذي كتبه عنه، ووقع عليه خلسة وهو في السيارة! كذلك، لا يفوّت الإعلامي وقائع تحرير سيناء من الاحتلال الإسرائيلي ويشهد الانسحاب الأخير عبر طائرات هيلوكوبتر، فيقابل طفلاً من مدينة العريش الذي لم يعلم بالقوة الإسرائيلية المغتصبة إلا من والديه، حيث تخلو مناهجهم الدراسية من هكذا علوم، وقد عاب “اليهود المروكيين، أي القادمين من المغرب” كأسوأ من تعامل معهم أثناء الاحتلال، وقد التقط مفردة “بالزاف” من الصحفي المغربي المرافق حين شكّ بأنه إسرائيلي! أما “أخ العروس” فكانت طرفة بطلها زميلهم المصور التونسي -الذي كان في الأصل مصوراً لمناسبات اجتماعية- حين تلكأ في التقاط صورة لممثلي القيادتين الفلسطينية والسورية (أحمد الدجاني) و (فاروق الشرع) أثناء انفرادهما بالحوار همساً “في لقطة مشبعة بالدلالات السياسية”، خلال أحد الاجتماعات لوزراء الخارجية العرب، وقد كان النقاش محتدماً. أما مدينة الدوحة الهادئة، فكم تبدو متواضعة مع أول زيارة له في التسعينات، وقد حظي وفريق العمل الموعود لقناة إخبارية واعدة، بلقاء ولي العهد الذي لم يجده تقليدياً ضمن القيادات الخليجية يومئذ، والذي آلت قطر على يده إلى ما آلت إليه، كبلد لا يشبه التواضع الذي كان!
  • أما في (الفصل الثاني: وبدأت الهجرة)، وعلى الرغم من شتاء لندن القارس، فالإعلامي يذكر كيف تصبب العرق منه صبّاً في أول بث له على الهواء عبر شاشة (بي بي سي) العربية، وقد خُصّ بالبث في العشرين من مارس كُرمى، لمصادفته ذكرى استقلال بلاده. لكنه لا يزال كذلك يتذكر جيداً يوم الرابع عشر من يوليو من عام 1996 حين دلف من باب المطار عبر لهيب صيف خانق إلى باب تلك القناة حيث “ولادة الجزيرة” وبداية حقبة جديدة في حياته امتدت إلى نحو ربع قرن، فتسلل الشيب خلالها إلى مفرق رأسه شيئاً فشيئاً ليطغى فيما بعد ويصبح صفته الغالبة! لذا تراه يقول: “لأن قطر وإن كانت تبدو صغيرة أو حتى مملة أحياناً، إلا أنك ستكتشف مع السنوات أن فيها سحراً وراحة بال وأماناً ورفاهية وطيب معشر من أهلها، ما يجعلك ترتاح فيها كثيراً إلى درجة أن مجرد التطرق إلى مسألة مغادرتها يوماً ما، غالباً ما يكدّر صفو أي جلسة”. ومن أطرف ما يتذكره هنا، زميلهم الذي صاحبهم من لندن وقد عاش لعدة سنوات من قبل في قطر، والذي خبر تلك العجمة التي تشوب لغة الهنود المعرّبة وهم يشكلون جالية كبيرة في البلد، إذ ما كان منه إلا أن أعدّ قاموساً مصغراً لتلك الألفاظ المبهمة ومرادفاتها لمساعدة زملائه الجدد، وأسماه “معجم مفيد عشان نفر جديد”. أما “قراءة النوايا القطرية في إطلاق مشروع إخباري”، و (الصداع الكبير) الذي تنبأ به السفير الأمريكي في قطر إذا صدق القطريون وأسرّه به .. فقد صدق، يشهد له “شيك على بياض” عرضه أحد زعماء المنطقة أثناء أزمة الخليج الأخيرة، مقابل إغلاق الجزيرة وكفاية الناس (وجع الراس)! غير أن هذه الشاشة التلفزيونية وعلى قدر ما تسببت من تصدّع لأدمغة مؤسسات عربية رسمية، فقد أخذت بقلوب شعوبها، حين تبنت همومهم ومشاكلهم وأزماتهم وحرياتهم، وتصدت للوقائع لا لتبثّها وحسب، بل لتشبعها تمحيصاً وتحليلاً وتشهيراً وتجعل منها قضية رأي عام “جديرة بالمتابعة”.
  • وفي (الفصل الثالث: العراق: زيارات ومطبات)، يغالب الإعلامي دموعه حين تعرّف بعد مرور الأعوام على مواطنه التونسي الذي عاد إلى بلاده في نعش، وقد لاقاه في عراق السبعينات كطالب مستجد في القانون، وكانت نصيحته سبباً في عودته لبلاده ودراسة الصحافة هناك. لا يلبث الإعلامي حتى يعود إلى بغداد من جديد بعد مغادرتها، في بعثة صيفية قصيرة يحظى بها كطالب متفوق، فيزور المصانع والمكتبات والأسواق والمؤسسات الصحفية والمقامات الدينية، والعراق في أوج نهضته الاقتصادية. وبينما يحذّره أحد الباعة من ذكر اسم الشاعر (مظفر النواب) وقد أراد الحصول على أحد دواوينه، تستوقفه وهو خارج من مقام ما عجوز تدخن سيجارة، المنظر الذي لم يألفه في بلاده فضلاً عن قدسية المكان كما افترض، وهو المنظر الذي لم يكف عن معاينته مشدوهاً، إلا بصراخ العجوز تنهره على مرأى ومسمع من الجميع. ثم يزور العراق في الألفية الثالثة كصحفي، فيلتقي بالطبيب والرسام (علاء بشير) وشهرته (بيكاسو العرب) لتسجيل برنامج (ضيف وحلقة) وقد نهب الأمريكان بيته بعد هجرته .. ثم يقص عليه الشاعر الصابئي (عبدالرزاق عبدالواحد) المعروف بـ (متنبي العصر) موقفاً صعباً واجهه على الملأ في مهرجان الجنادرية بالسعودية، حين كان يقرظ شعراً “في مدح بغداد وأمجادها”، لكنه تصدى له بعزة واقتدار في أبيات شعرية قالها ارتجالاً على طريقة الإيجاز الشعري، جاء في أحد أبياتها: “قدر أن تكون الرسالة في أرضكم .. وأن تكونوا آخر المهتدين” .. ووزير الإعلام (سعيد الصحاف) صاحب (العلوج) الذي صرّح في ختام لقاءه عن حماقة أي عمل عدواني يعقب التهديد الأمريكي بالهجوم الوشيك على العراق، وقد تم في صبيحة العشرين من مارس عام 2003 حين كان الإعلامي قد غادر العراق قبلها بيومين فقط! لا يلبث حتى يعود وطاقم إعلامي إلى بغداد بعد سقوطها بأسبوع، لتصوير برنامج (العراق ما بعد الحرب)، فيتخذون من فيلا القائم بالأعمال القطري سكناً مريحاً وموقعاً للتصوير، وقد قيل إنها تعود لإحدى أميرات العهد الملكي. وهناك، يجن جنون المسئولين الأمريكيين لتغطية القناة وقائع الحرب، لا سيما وزير الدفاع (دونالد رامسفيلد) حين “بثت الجزيرة نقلاً عن التلفزيون العراقي الحكومي صور جنود أمريكيين وقعوا في الأسر في بدايات العدوان”، فضلاً عن شعارات التنديد بها على جدران بعض الشوارع. غير أن كرم العراقيين وحسن ضيافتهم رغم صعوبة الأوضاع، قد كان خير معين لهم، وقد دأبوا على ابتدار استضافتهم بالماء كتقليد شعبي موروث ارتبط بواقعة عطش الإمام الحسين قبل مقتله على أرضهم!
  • وفي (الفصل الرابع: فلسطين: المهنة والوجع)، يلتقي الإعلامي برئيس السلطة الفلسطينية (محمود عباس) في الدوحة، شخصياً لا رسمياً، وذلك لأسباب تعود لغضبه على القناة التي وجدها منحازة لحركة حماس ضد السلطة، إلا أنه كان يستمتع بحضور جلسات (البرلمان الفلسطيني في المنفى) التي كانت تشهد اجتماع كافة الفصائل على خلافاتها التي قد تأتي من داخل الفصيل نفسه، مع حدة الكلام المتبادل وجدية الأفكار المطروحة “بل والغضب الساطع أحياناً”. لا يستنكف الإعلامي عن زيارة فلسطين -لا سيما وبتأشيرة إسرائيلية- تحت وطأة التوجهات المعارضة لزيارتها وهي رهن الاحتلال، لا لأسباب مهنية وحسب كما يحتج، بل لدعوة الفلسطينيين أنفسهم وهم يقولون قولاً حكيما: “عندما ترفض أن تزورنا هنا ونحن تحت الاحتلال فأنت تعاقبنا مع أنك تحبنا! أنت كمن يرفض زيارة قريب له في السجن لأن لديه موقفاً من السجان الذي يستنكف أن يكون تصريح الزيارة بيديه، والنتيجة أن قريبك سيظل قابعاً وراء القضبان دون أن يخفف من كربته أحد”. وفي حين يضطر الإعلامي لإنهاء إجراءات التأشيرة حضوراً داخل سفارة إسرائيل في العاصمة الأردنية، يدور بينه وبين أحد الدبلوماسيين الذي كان بانتظاره حديثاً، وقد علم أنه المذيع الذي حاور رئيس وزرائهم السابق (إيهود باراك) من خلال القناة التي ما برحت تسبب لهم صداعاً، وهو الذي ينهي حديثه معه بوعيد “ستواجهون في المستقبل فلسطينيين آخرين لا قبل لكم بهم أبداً”، وذلك حين يصل الفلسطينيون الحاليون إلى قناعة بعدم جدوى التسويات معهم، ورغم كل ما يُطرح عليهم وفق القانون الدولي! حينها ينتفض ذلك الديبلوماسي ليسأل سؤالاً مباشراً يفصح عن اضطراب رهابي مركب: “تقصد حماس؟”، فيكون الرد المباشر أيضاً: “لا! هم أقسى عليكم بكثير من حماس وممن سبقها. لست قادراً على تحديد هويتهم لكن هم بالتأكيد قوم لم يسبق لكم التعامل مع أمثالهم”. وبعيداً عن هذا الديبلوماسي الرعديد، يلتقي الإعلامي بالبروفيسور (إبراهيم أبو اللغد) الذي هاجر وعائلته شاباً إلى الولايات المتحدة الأمريكية عام 1948 وصاحب مواطنه المفكر (ادوارد سعيد) في عضوية (المجلس الوطني الفلسطيني) في واشنطن، والذي قرر بعد عقود في الغربة، العودة إلى مسقط رأسه في (رام الله). لذا، فهو يشجع كل فلسطيني على العودة للوطن ولو بمجرد زيارة، وذلك لكسر حاجز العزلة القسرية التي فرضها الفلسطينيون على أنفسهم كشعب محتل، لكنه يقول قولاً مضنياً يقوله كثير من العرب: “الشيء الأساسي الذي تعلمته منذ أول زيارة لي هنا هو حجم الخطأ التاريخي الذي ارتكبناه سنة 1948 عندما تركنا وطننا. كان خطأ جسيماً، كان علينا أن نبقى على هذه الأرض حتى لو انتصرت إسرائيل علينا. كان علينا أن نبقى، لأن النضال يتطلب المواجهة. اعتقدنا خطأ أن العرب سيقومون بهذه المواجهة نيابة عنا مع أن أوطانهم كانت محتلة هي الأخرى! البريطانيون كانوا في مصر وفي الأردن، الفرنسيون في تونس، الوطن العربي نفسه لم يكن محرراً، فكيف يمكن للجيوش العربية الخاضعة أن تحرر فلسطين؟! هذا ما لم نفهمه وقتها”. ثم لم يزل هذا الوجع في حسرته، حتى يقلّب أحد أصدقاء الإعلامي أوجاعاً وهو يسأله: “هل تدري أنه حتى بعد حرب 1967 وقبل الانتفاضة الفلسطينية الأولى، كان بإمكانك أن تستقل سيارتك من عمان وتذهب لتناول العشاء في رام الله أو القدس ثم تعود، فكلتاهما لا تبعد عن العاصمة الأردنية سوى سبعين كيلومتراً، وتصلهما دون حواجز إسرائيلية ولا تفتيش ولا تنغيص؛ بل وبإمكانك أن تذهب لشواطئ يافا وحيفا كذلك .. لكن ذلك زمن ولى ومضى”. يذهب الإعلامي لتغطية ذكرى النكبة عامي 1998 و 2014، فيزور (رام الله) التي يحبها “من أول نظرة”، وحيث (رام) كلمة كنعانية تفيد الأرض المرتفعة، ولفظ الجلالة قد أضافها العرب إبان العهد الصليبي. ومن الجنوب إلى (رام الله) يصل إلى (القدس) الذي يحظى بشرف الصلاة في محراب مسجدها الأقصى حيث مسرى الرسول ﷺ يتبعها الخطى على خطى السيد المسيح في (طريق الآلام) نحو كنيسة القيامة.
  • وفي (الفصل الخامس: تونس والجزيرة)، وفي حديث الإعلامي عما أسماه بـ “شرارة البوعزيزي” التي انطلقت في يوم تونسي عادي لتستعر في باقي المدن ثم لتشتعل كثورات في ربيع عربي واحد، يتطرق إلى مفارقة تطول النظام السابق الذي أدرك متأخراً خطأ قطيعته مع قناة الجزيرة، حيث أخلى الساحة للمعارضين كل يدلو بدلوه دون دلو مضاد، ما “خلق رأي عام ناقد للسلطة”، حتى باتت تلك المداخلات المتأخرة من وزراء تونسيين على القناة -رغم وجاهتها- كاللعب في الوقت الضائع، أو كما عقّب الإعلامي قائلاً: “عندما تترك كرسيك فارغاً فسيملؤه آخرون ويخلقون رأياً عاماً معيناً”. وقبل الإطاحة، لم يترك الإعلام التونسي أي شاردة تأتي بها الجزيرة وواردة إلا كان للإعلامي كفل من شرها! وكأمثلة مما نضح ذلك الإعلام من عناوين تصدّرت مقالات: “اتألم لمحمد كريشان”، “قارئ الأخبار في نجدة مشغّليه”، موسم التوسل على أعتاب الجزيرة”، “عندما يخلط محامي الجزيرة بين الردح والفضح”. أما حين كتب الإعلامي مقالاً في (القدس العربي) اللندنية بعنوان “مأساة الإعلام في تونس”، تتطرق إلى تقصي التونسيون أخبار بلادهم من الإعلام الأجنبي كما في خبر دعوة رئيس الوزراء الإسرائيلي (أرييل شارون) لحضور قمة دولية للمعلومات تنعقد في تونس، فإذا بصحفي تونسي يتصدى له بمقالة عنوانها “مأساة اسمها محمد كريشان”، تنضح بما يكفي من فجور الخصومة، وقد تمكّن الإعلامي من مقاضاته بعد سقوط النظام السابق. غير أن الجميل لا بد أن يعود لصانعه، وكذلك حين شدّ رئيس مجلس إدارة قناة الجزيرة على يد الإعلامي مؤكداً له أن يواصل اعتبار الجزيرة من (ممتلكات والده) رحمه الله، كرد فعل مباشر على اعتذاره حين انفعل في إحدى المناقشات قائلاً: “المعذرة على هذه الحماسة المفرطة فأنا أتصرف مع الجزيرة وكأنها من ممتلكات والدي التي أورثني إياها” .. بل أن أكرم العرفان بالجميل جاء من أمير الدولة المستضيفة للقناة، وهو يؤكد له “طبعاً واصل” في اعتبار القناة كذلك، حين صافحه مودعاً في احتفال الذكرى العشرين على افتتاحها.  
  • وفي (الفصل السادس: مع هيكل)، يمتد الحوار بين الإعلامي وصحفي القرن العشرين الأبرز (محمد حسنين هيكل) لمدة عشر سنوات، الحوار الذي يتكفل بخلق نوع من الصداقة تظهر علامات وفاقها المتبادل عبر كافة المقابلات بينهما .. والصحفي يحدثه عن ذكرياته، كالموقف الذي ذُعر فيه الرئيس الأمريكي (جون كينيدي) حين قدم له هيكل سيجاراً كوبياً في مكتب مستشاره للأمن القومي .. وتحفظه على حقيقة خذلان الرئيس المصري (جمال عبدالناصر) لنظيره التونسي (الحبيب بو رقيبة) عن خطابه وهو في مدينة أريحا الذي دعا فيه الفلسطينيين بقبول قرار التقسيم، حيث ثارت ثائرة الأحرار .. و (زين العابدين بن علي) الذي أعقب سابقه بانقلاب، ثم هرع إلى أحسن المصورين الفرنسيين لاستبدال صورته الرسمية بأخرى وفقاً لملاحظة هيكل الذي اعتبره في الأصل أحسن من الصورة .. ورده ضاحكاً على إطراء الملك السعودي (عبدالله بن عبدالعزيز) علاقة الوفاء التي تربطه بالرئيس عبدالناصر، حيث جرت العادة إطلاق صفة الوفاء على الكلاب، من وجهة نظره! كذلك، يسترجع الإعلامي رد هيكل عن صعود الإسلاميين في تونس الذي لا يخيفه، وذلك امتثالاً لما يؤمن به من الحديث النبوي الذي يسلّم للناس في شؤون دنياهم، وبأن العقيدة التي يعتنقها القلب شيء والقضايا الإنسانية شيء آخر، وبأن “الإسلام التونسي هو ابن شرعي للزيتونة وللقرويين وللأزهر الشريف”. أما عن التجربة الإسلامية في الجزائر، فقد رفضها الأمريكيون رفضاً قاطعاً، لأنه في نظره: “ليس مسموحاً على الشاطئ الجنوبي وفي مواجهة أوروبا أن تقوم دولة إسلامية! هذا خط أحمر دولي”. أما في لقائه معه حول ثورات الربيع العربي، وحين تطرق الإعلامي إلى النهاية المروعة التي لحقت بالرئيس الليبي (معمر القذافي) وقد تنبأ هيكل لنهايته من قبل، فقد كشف عن ذهوله عمّا آل له حال القذافي في آخر لقاء له معه، حيث بدى “منعزلاً عن الواقع” وغارقاً في “أوهام خرافية لا علاقة لها بما جرى! رجل نسي نفسه ونسي زمانه”. وقد عتب على الشعب الليبي الذي ترك رئيسه على هذه الحال مدة أربعين سنة حتى انقلبت سذاجته إلى استهتار تام، وهو يقول: “مش معقول”.
  • أما (الفصل السابع: دفتر المفارقات والطرائف)، فقد قصد الإعلامي تضمينه وبإيجاز مواقف طريفة جمعت بينه وبين أعلام السياسة، بعد أن أثقل في حديثه السابق حول تعقيداتها وما يجري في دهاليزها! فيعرض الرئيس اليمني (علي عبدالله صالح) كشخصية تلقائية ومرحة إلى أبعد الحدود .. والرئيس السوري (بشار الأسد) عنيداً مراوغاً لا سيما والإعلامي يلحّ عليه بسؤال عن حقيقة زج بعض معارضي الرأي في السجون .. والعاهل المغربي (الحسن الثاني) الذي أخذ سؤال أحد الصحفيين المصريين على وجه شخصي حين انتقد مستوى قمة عُقدت في بلاده، فأغلظ عليه ثم وبخ رئيسه الذي لم يتكلّف عناء مهاتفته أثناء مرضه، ما حدا بالإعلامي دس قصاصة أسئلته في جيبه مؤثراً السلامة .. والرئيس التركي (رجب طيب أردوغان) المعروف بشخصيته الخطابية التي لا تصلح لأي مقابلة تلفزيونية، وتأكيده على أن إجابته ليست بطويلة إنما السؤال الذي وُجه له هو الطويل .. والرئيس الموريتاني (محمد ولد عبدالعزيز) الذي أطاح بالرئيس السابق (محمد ولد الشيخ عبدالله) وقد التقاهما الإعلامي تباعاً للمفارقة، حين صرح الأول عن أسباب انقلابه التي جاءت في بعضها كاعتراض على مجموعة تعيينات عسكرية كبرى أجراها سابقه، وهو يقرّ: “هي من حقه، ولكن ما كان يفترض أن يقوم بها بالليل”.

……… والسيرة الذاتية مثقلة بكل ما هو مفيد وماتع!

ختاماً، والإعلامي يُهدي كتابه ضمن من أهدى إلى “كل من ساعدني يوماً في مجال غالباً ما ساد فيه نكران الجميل”، فقد تأتي هذه المراجعة كعرفان لمسيرة فرد عربي حر، أخلص فيها العزم فبلغ المرام، ووضع تجربته التي ارتجى بها أن يُلهم من أراد “السير على درب هذه المهنة الجميلة والمنهكة في آن واحد”.. وقد فعل!

 

تم نشر مقالة عن الكتاب في جريدة الشرق: جزء1  جزء2  جزء3

 

= = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = =

نقلاً عن المفكرة: جاء تسلسل الكتاب (71) ضمن قائمة لا تنتهي من الكتب التي خصصتها لعام 2024، والذي أرجو أن يكون استثنائياً في جودة الكتب التي سأحظى بقراءتها خلاله، وهو الأول ضمن قراءات شهر يوليو! وعن اقتنائه، فقد حصلت عليه من متجر (نيل وفرات) الإلكتروني للكتب في فبراير من هذا العام، ضمن (50) كتاب تقريباً كانوا حصيلة مشترياتي من تلك الشحنة.

ولأن الشيء بالشيء يُذكر، فقد أعاد لي هذا الكتاب ذكرى كتاب (الوزير المرافق) للدبلوماسي السعودي غازي القصيبي.

ومن فعاليات الشهر: لا شيء سوى مواصلة القراءة ليلاً نهاراً .. وكأنه حلم تحقق!

خاطرة: لقد خططت لقراءة الكتاب في السابع من الشهر والذي صادف (يوم الشوكولاتة العالمي)، لكنني أجلته لليوم اللاحق .. وقد يكون أحد الأسباب (الاحتفال باليوم على طريقتي).

ومن الكتب التي قرأتها في هذا الشهر: إعجام

وعلى رف (سيرة ذاتية) في مكتبتي، عدد يتجاوز (120) من الإصدارات، منها قديم ومنها حديث .. أذكر منها: (كارمن بن لادن: في قلب المملكة حياتي في السعودية) – تأليف: كارمن بن لادن / (مذكراتي في سجن النساء) – تأليف: د. نوال السعداوي / (دكتور في السابعة من العمر) – تأليف: أصغر جدائي / (عاشوا في حياتي) – تأليف: أنيس منصور / (القصة الحقيقية: ريا وسكينة) – تأليف: محمود صلاح / (حب وحرب: قصة واقعية عن بطولات معركة 67) – تأليف: شوقي حامد / (جريمة في البيت: قصة إعدام إبراهيم طراف طراف) – تأليف: يوسف سلامة / (المشوهة: عندما تتحول جريمة عاطفية إلى قضية دولة) – تأليف: رانيا الباز / (الأميرة: قصة الحياة الحقيقية خلف الحجاب) – تأليف: جين ساسون / (أنا ملالا: ناضلت دفاعاً عن حق التعليم وحاول الطالبان قتلي) – تأليف: ملالا يوسفزاي / (لماذا تقتل يا زيد؟ قصة حقيقية للمقاومة العراقية) – تأليف: د. يورجن توديمهوفر / (مهنة العيش) – تأليف: تشيزاري بافيزي / (يوميات طبيب) – تأليف: د. محمد العاسمي / (تجار اللحم البشري) – تأليف: إفيوما شنوب / (رجم ثؤيا) – تأليف: فريدون صاحب جم / (جان دارك) – تأليف: جورج برنارد شو / (حين يقترب القمر) – تأليف: نادية هاشمي / (هوس العبقرية) – تأليف: باربارا جولد سميث / (ليتر من الدموع: نضال شابة للحياة) – تأليف: آيا كيتو / (هذا الكتاب سيؤلمك: يوميات سرّية لطبيب مبتدئ) – تأليف: آدم كاي/ (صلاة تشرنوبل) – تأليف: سفيتلانا أليكسييفيتش / (دموع الملح) – تأليف: بيترو بارتولو وليديا تيلوتا / (أرجوكم لا تسخروا مني) – تأليف: جودي بلانكو / (مذكرات طبيب شاب) – تأليف: ميخائيل بولغاكوف / (عبدالرحمن السميط: قصة رجل عظيم) – تأليف: عز الدين مراغب / (حياة قلم) – تأليف: عباس محمود العقاد / (سيرة رجل ملون) – تأليف: جيمس جونسون / (سجينة طهران: قصة نجاة امرأة داخل أحد السجون الإيرانية) – تأليف: مارينا نعمت / (شيرين أبو عاقلة: الشاهدة والشهيدة) – تأليف: هيثم زعيتر / (كل شيء هادئ في العيادة: مذكرات يهودي عراقي) – تأليف: سلمان درويش / (Spare) – تأليف: Prince Harry

تسلسل السيرة على المدونة: 521

تاريخ النشر: يوليو 12, 2024

عدد القراءات:224 قراءة

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *