قد يوضح هذا الكتاب للقارئ المبتدئ في الزن مفهوم الزن بشكل عام، مع تزويده بقدر جيد من المعلومات التي لم يكن قد عرفها من قبل، لكن الكتاب يتخلله قدر أكبر من مفاهيم مختلفة التي لن يستوعبها سوى متعمق في فلسفة الزن أو ممارس لرياضة الزن، بتعبير آخر!.
الزن ككلمة سنسكريتية تفيد الاستغراق في عملية التأمل أو التفكّر، والتي تحاكي التجربة الشخصية للمعلم الأول بوذا، لذا فهي تأخذ وضعية الجلوس على الأرض والتي -حسب المعتقد- توصل بدورها إلى اليقظة او ما يُعرف بمرحلة الاستنارة.
الزن باختصار هو العيش في الآن .. في اللحظة الحاضرة، أو بمعنى أكثر فلسفياً أن يكون الانسان أكثر حضوراً في حياته. لا يشبه الزن ما ورد في الكتب المقدسة، بل إنه لا يقوم على أي كلام، .. وقد يُعتبر نقطة انطلاق عظيمة عند البعض ما إذا أبطئ أحدهم عملية التفكير أو -بمعنى آخر- إذا توقف للحظة من أجل إعادة التفكّر في كيفية رؤيته للأشياء من حوله في الحياة .. الحياة التي تجرف عقله بطبيعة الحال نحو زاوية ضيقة، تمنعه من أن يكون في هذه اللحظة وفي أي لحظة أخرى .. وهذا هو الزن .. طريقة تمكّن من إعادة اكتشاف تجربة الحياة. قد يحتاج الكثير من الناس فعل هذا .. إعادة ضبط الطاقة لإعادة التركيز على ما يعني أن يكون الإنسان على قيد الحياة.
قد يكون أحد أسباب تعمّق الكتاب في فلسفة الزن والإيجاز في الإيضاحات والتفسيرات ما يزيد من حدتي الغموض عند القارئ العادي والفضول عند القارئ المتمرس، هو المؤلف نفسه! فقد كان يتحدث من قمة فلسفة الزن دون المرور على الخلفية التاريخية وممارساتها وتنوع مساراتها. وقد جاء محتوى هذا الكتاب كتدوين لسلسلة من محاضرات جمعت بينه كمعلم خبير ومتمرّس في الزن، وبين أتباعه المريدين من الأصدقاء والمهتمين، وذلك في سنوات عمره الأخيرة.
وعنه، فهو (آلان واتس 1915 : 1973) ولد في موطنه إنجلترا، وذاع صيته على مدى أربعين عاماً وتبعه الملايين ابتداءً من عامه السادس عشر، حيث نشر أول مقالة له في المحفل البوذي في لندن. ترجم واتس الكثير من أعمال الفلسفة الشرقية للغرب، وترك ما يربو عن خمس وعشرين كتاباً، وسجّل مئات الندوات والمحاضرات التي كانت تطمح في مجملها إلى خلق شخصية فلسفية متفرّدة في ذاتها. هاجر في الثلاثينيات إلى الولايات المتحدة الأمريكية وحصل على درجة الماجستير في علوم الدين، وحصل على زمالة علمية من جامعة هارفارد، وعمل كأستاذ للدراسات الأسيوية في الأكاديمية الأمريكية في سان فرانسيسكو، كما خدم كأسقف أثناء الحرب العالمية الثانية، حتى توفي في بيته في كاليفورنيا وقد ترك زوجته الثانية وسبع من الأبناء.
وبما أن العلوم الروحية هي علوم شرقية بامتياز، فقد تكون مهمة نقل هذا الفكر إلى الغرب عن طريق معلم غربي أمر ضروري، لا سيما عن تجربة الوجود الحقيقية والمثيرة، ما يتطلّب مهارة مضاعفة في الإقناع، عن بصر وبصيرة، من أجل نبذ المقاييس الدنيوية المعتادة، مقابل محاولة الشعور بالنفس ككيان حي.
يأتي الكتاب عن ترجمة متقنة من نصه الأصلي (What Is Zen? – By: Alan W. Watts)، وهو يقوم على أربعة فصول رئيسية تبدأ بصفحتي (مقدمة) بقلم ابن المؤلف، و (تمهيد) بقلم المؤلف. والفصول هي:
- طريقة بسيطة، طريقة صعبة
- نظرة أخرى في الزن
- الفضاء: الشكل فراغ، الفراغ شكل
- عقل الزن
ومن الكتاب الذي أخذ واحدة من رصيد أنجمي الخماسي (لعدم تمكّني من فهمه بالتمام)، أعرض قليل مما علق في روحي بعد القراءة، وباقتباس في نص تأملي (مع كامل الاحترام لحقوق النشر):
- لا يعتقد الزن بفكرة الإله بقدر ما يعتقد بوحدة الوجود. يقول واتس: “يعتبر الكثيرون أن الزن متماثل مع جذور الديانات جميعها، لأنه وسيلة تحرّر تتركز حول الأمور الأساسية للتصوف: إدراك وحدة الحياة أو وحدانيتها، وتجربة الوجود الداخلي لله، على عكس الخارجي. كلمة الله في هذا السياق مضللة، لأن فكرة الإله بالمعنى الديني الغربي، كما سنرى، غريبة عن الزن“.
- الزن يدفع المرء نحو التخلي .. نحو التلاشي .. نحو اللاشيء. يقول واتس: “ولهذا دعي الزن دين اللادين». لا تحتاج إلى التشبث بنفسك، إذا جاز التعبير. الإيمان بنفسك هو ليس «التمسك» بنفسك، بل تحريرها منك“.
- يأتي (الاختراق) كأول تدريبات الزن وأصعبها، ثم تأتي كامل العملية تباعاً من أجل تعلّم “الرحمة واللباقة والمهارة”. ينقل واتس عن إنجيل متى: “يقول يسوع: أن تكون حكيماً كالثعابين ولطيفاً كالحمائم”.
- في الفلسفة البوذية، توصف الحقيقة المطلقة للعالم بكلمة تعني (الفراغ) أو (الخلو)، أو “خلو الهيولي”، والذي يعني الفراغ الممتلئ بالاحتمالات والإمكانيات. ينقل واتس في هذا عن بوذا قوله: “لا يترك درب المتنورين أثراً .. فهو كدرب الطيور في السماء”.
- في الختام .. قد يزخر هذا الكتاب بالكثير من الحكمة وهو جاء بمثابة جولة قصيرة في فلسفة الزن .. لكنني لا زلت غير متأكدة -وقد أتممت قراءته من الجلدة إلى الجلدة- من قدرتي على إجابة السؤال الذي احتل عنوان الكتاب (ما هو الزن)؟!
= = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = =
نقلاً عن المفكرة: جاء تسلسل الكتاب (34) في قائمة من (50) كتاب خصصتها لعام 2023 والذي رجوت مع بدايته أن يكون استثنائياً في جودة الكتب التي سأحظى بقراءتها فيه .. وهو في الترتيب (13) مما قرأت خلال شهر نوفمبر ضمن عشرين كتاب، وقد حصلت عليه في نفس العام من معرض للكتاب بإحدى المدن العربية ضمن (400) كتاب كانوا حصيلة مشترياتي من ذلك المعرض .. ثم تبعته بكتاب (ما هو التاو؟) لنفس المؤلف.
وعلى رف (علم الطاقة) في مكتبتي كتب كثيرة، أذكر منها: (تجاوز مستويات الوعي) تأليف (د. ديفيد هاوكينز) / (قوة الكارما) تأليف (ماري براون) / (رحلة الأرواح: دراسات لحالات عن الحياة بين الحيوات) تأليف (د. مايكل نيوتن) / (التدرب على السبيل: نحو حياة ذات معنى) تأليف (الدالاي لاما) / (الحياة بعد الحياة) تأليف (رايموند ماودي) / (الكاهنة إيتفات) تأليف (فاديم زيلاند) / (الإنسان وقواه الخفية) تأليف (كولن ويلسون) / (فيزياء الروح) تأليف (د. أميت غوسوامي) / (الشاكرا يوغا) تأليف (آنوديا جوديث) / (تشخيص الكارما: نظام الضبط الذاتي الحقلي) تأليف (سيرجي لازاريف) / (كتاب الأرواح) تأليف (آلن كاردك) / (لماذا نتأمل؟ علم وممارسة الوضوح والتعاطف) تأليف (دانيال غولمان) / (Inner Engineering: A Yogi’s Guide to Joy) تأليف (Sadhguru) / (The Secret / The Power / The Magic) تأليف (Rhonda Byrne)
من فعاليات الشهر: لا يزال جدولي اليومي مزدحماً .. ولا زلت أصارع الوقت لاستقطاع ما أمكنني منه للقراءة.
تسلسل الكتاب على المدونة: 434
التعليقات