كتاب رغم قصره أشبه بالموسوعي وهو يعرض خمسين زوج من البدائل في مجال الصحة العامة، والذي يعني كل فرد بطبيعة الحال. ففي الكتاب، يتعرّض كل زوج لتحليل بانورامي مبسط من حيث الخلفية التاريخية والأصل اللغوي وطريقة التصنيع والمقارنة الغذائية والمعلومات الإحصائية وبعض الأمثلة الحية، ويُختم بنصيحة عن (الخيار الأفضل)، والذي قد يستشفه القارئ أثناء قراءته قبل الوصول إليه في نهاية كل مفاضلة.
إزدان غلاف الكتاب بابتسامة موزة عريضة -يحملها المؤلف برفق وبعشق- وبعنوان يخيّر القارئ بين الأصفر منها أو الأخضر، على الرغم من جاذبية الخيارات التسع والأربعين الأخرى، وعلى الرغم من أن فكرة الكتاب لمعت في ذهن مؤلفها عندما كان حاضراً بإحدى الولائم، واحتل خيار (الخبز) بدل (الأرز) عند أحد المدعوين، والذي كان خاضعاً لحمية غذائية آنذاك.
وعنه، فهو د. أحمد عبدالملك. تخرّج في الكلية الملكية للجراحين في إيرلندا وحصل على زمالة طب العائلة من الكلية الملكية لأطباء العائلة في لندن. وبالإضافة إلى عمله المهني في تخصص طب العائلة في مستشفيات الكويت الحكومية، فهو يحمل رسالة إنسانية توعوية يبثّها من خلال حساباته النشطة على مواقع التواصل الاجتماعي، إضافة إلى إصداره عدد من المؤلفات في مجالي الصحة والغذاء.
قد يفاضل المؤلف بين خيارين كلاهما حلو، مثل (الموز الأصفر والموز الأخضر / البطاطا والبطاطا الحلوة)، وبين خيارين أحلاهما مر، مثل (الكاتشب والمايونيز / الكولا والدايت كولا). فعند خيارات المجموعة الأولى تأتي المفاضلة في أيهما أكثر نفعاً، وعند الثانية تأتي النصيحة بعدم الامتناع عن أي منهما بالكلية لكن الاكتفاء بالقليل.
من بين تلك الخيارات التي قد يتوقف عندها الكثير، أسرد في الأسطر التالية ما علق في ذهني منها، وباقتباس في نص بلون النارنج (مع كامل الاحترام لحقوق النشر)، وقد حظي الكتاب بأربع نجمات من رصيد أنجمي الخماسي:
- على الرغم من (طراوة) قوام الموزة الصفراء و(قساوة) قوام الخضراء، جاء تفوق الخضراء على أختها الصفراء في المقارنة الغذائية بين السكر والكربوهيدرات، فالأولى معدومة السكر والأخرى مشبعّة به، والأولى عالية في النشويات المشابهة للألياف، والأخرى منخفضة فيها. يعرض المؤلف هذه المعلومة الغذائية في المفاضلة (1): (موزة صفراء أم موزة خضراء).
- وفي المفاضلة (3): (نزول وزن بطيء أم نزول وزن سريع)، تثير قاعدة “الدب البني” الثانية في بياته الشتوي الكثير من العجب! إذ أن هلاك عدد كبير من البشر أثناء تعاقب الحروب والجفاف والمجاعات دفع جسم الإنسان إلى تطوير آلية تخزين الدهون، تحسباً لأي طارئ وكسلاح رادع ضد الموت. وكخبرة سيئة، أصبح الجسم يعتبر الريجيم القاسي المفروض عليه بمثابة مجاعة نازلة، فيقوم تلقائياً بتكثيف عملية تخزين الدهون كرد فعل ما أن يبدأ صاحب الحمية بالعودة إلى القاعدة الأولى، وهي اعطاء نفسه الفرصة من جديد لالتهام ما لذ وطاب .. وهكذا دواليك.
- أما في المفاضلة (6): (تستأصل اللوزتين أم لا تستأصلهم)، يؤكد المؤلف أن استئصالهما يُصبح لزاماً في حالات ثلاث: التهابهما لأكثر من 4-5 مرات في العام، الالتهاب المصاحب للقيح والخرّاج، الاختناق أو ضيق التنفس أثناء النوم. ويقول في المقارنة الطبية: “عندما أشرح للمرضى عن اللوزتين بالعيادة، كثيراً ما أشبهما بحارس يحرس مزرعة لك .. إن كان ذاك الحارس أميناً ومجتهداً فستبقيه وتتمسك به حماية لمزرعتك، أما إذا كان الحارس مخادعاً وغير أمين فسيضر مزرعتك أكثر مما ينفعها، وطرده من المزرعة هو القرار السليم. نفس الكلام ينطبق على اللوزتين”.
- النباتي الكلي وشبه النباتي وإخوته الآخرين من أصناف النباتيين .. ما لم تكن مريضاً أو محروماً، فتنعّم: “كُلُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ”.. واقتصد: “وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا”. والمزيد على المفاضلة (9): (تصبح نباتي أم تأكل اللحوم).
- هناك من الدجاجات المترفة من فُقست وفي منقارها ملعقة من ذهب، تسبح في بذور الكتان وزيوت الأسماك، فتنتج البيض العضوي ذو الامتياز الصحي والغذائي معاً، والذي يصبح الخيار الأكثر نفعاً عن البيض العادي. نصيحة: لا تدلل دجاجتك، بل دلل معدتك وأكرمها بعلبة تونا بالماء أو بالسلمون .. أوفر مالاً وأنفع غذاءً. وهذا حسب ما جاء به المؤلف في المفاضلة (10): (بيضة أوميغا3 ام بيضة عادية).
- أما في المفاضلة (13): (شوكولاتة بيضاء أم شوكولاتة داكنة)، فتتفوق الشوكولاتة الداكنة على نظيراتها من مختلف الألوان، لارتفاع نسبتي الألياف والبروتين فيها مقابل انخفاضها في الصوديوم والكربوهيدرات. وبينما استبدلها شعب المايا البائد بالذهب كنقد، تخّوف الأوروبيون من مزيجها الدافئ والغامق، بل وكانت مسببة للحزن كما ادعى أحد مؤرخيهم. كاحتجاج، وكعاشقة حتى الثمالة، أجزم قطعاً أن الشوكولاتة سبب رئيسي للسعادة .. مجربة ومضمونة 100%
- تأتي التحذيرات المتكررة عن التأثير السلبي للأحذية ذوات الكعب العالي، في القدم والكاحل والساق والركبة والحوض والظهر، ليس كتأثير آني فقط بل مستقبلي أيضاً. لكن! هل سيأتي البديل في (الكعب ذو القاعدة العريضة) مُرضياً، وبالأخص لصاحبات الموضة؟ وما حيلة قصيرات القامة وقد ختمت النصيحة في المفاضلة (18): (تلبسين الكعب أم لا تلبسين الكعب)، بـ “اختاري أن لا تلبسي الكعب”؟!. من ناحية أخرى ينتقد المؤلف بعض التصريحات التي تقدّم الأناقة على الصحة، فيقول ابتداءً: “يقول المصمم الفرنسي كريستيان لابوتين: (الكعب العالي هو متعة ممزوجة بالألم). ويقول أيضاً: (الكعوب العالية تصبح أكثر أناقة كلما زاد طولها). ويبدو أن المصمم الفرنسي الذي بلغ طول بعض أنواع الكعوب التي يصممها أكثر من 12 سنتم تمادى قليلاً حين قال: (أكره جدا أن تنظر النساء إلى الكعب الذي أصممه وتقول هذا الكعب يبدو مريحاً)”. كم هو سادي!
- من الجيد أن ينشأ جيل واعد يحمل من القيم العليا والوعي الجمعي وحس المسئولية الشمولي ما يحفّزه على استخدام المضادات الحيوية بشكل صحيح، إذ تعمل هذه المضادات -بطبيعتها- كسلاح ذو حدين، فيعم ضررها الإنسانية جمعاء في حال سوء استخدامها، رغم الطفرة البارزة التي أحدثتها في حفظ الأرواح ابتداءً من القرن العشرين. يذكر المؤلف هذه المعلومة في المفاضلة (40): (تأخذ ماداً حيوياً أم لا تأخذ مضاداً حيوياً)، ولأن الشيء بالشيء يذكر، قد يكون من الصعب تصور أن اثنين كيلوجرام من أوزاننا زائدة بفضل حجم البكتيريا النافعة في أجسادنا، حيث يحوي الجهاز الهضمي منفرداً عدد 100 ترليون من هذه البكتيريا.
- وفي المفاضلة (44): (تمهد طفلك أم لا تمهد طفلك)، وبصرف النظر عن منظر الرضيع الأشبه بحشوة ورق عنب أو لفافة سيجار أو دودة قز وهو مستسلم للمهاد المقيد به كمعتقل، فإن هذا المهاد يعيق النمو الجسدي السليم وعملية التنفس الطبيعية وحركة الأمعاء للرضيع البريء من ذنب المعتقدات الشعبية!. يقول المؤلف مخففاً من هلع الأمهات: “كل الأطفال البشريين وحتى أطفال الحيوانات تصيبهم حالة من السكون والركود في وقت رضاعة الحليب من أمهاتهم .. لذلك لا يوجد داعي لربطهم”.
- وفي المفاضلة (19): (رضاعة طبيعية أم رضاعة صناعية)، تأتي أهمية الرضاعة الطبيعية كخيار أول من غير منافس على الحليب الصناعي، ضمن الحملات المكثفة على الدوام عن هذه الأهمية. وكرأي شخصي على ما ورد في هذا الجزء من خواطر أقول: ليست الأمومة حلم كل أنثى -وإن كانت بالقطع الأجمل شعوراً- فالأنثى مكتملة بذاتها .. يكتمل الآخر بها ولا تكتمل هي بأحد، ولسان حالها كالمتنبي يقول: (ما بقومي شرفتُ بل شرفوا بي .. وبنفسي ارتفعتُ لا بجدودي). ومع السيدة التي أشفقت على (مخلوقات) لا تُنجب بيولوجياً، أجد الفخر يختال في حديث خير البشر ﷺ (لأحدهم) عن أمه: “إلزم قدميها، فإن تحت قدميها الجنة” .. صحيح مسلم.
ومن جميل ما يحُسب للكتاب، الآتي:
- كما في كتاب (القواعد) وكتاب (الخرافات) وكتاب (الأصلع)، يحدّث المؤلف القارئ وكأنه يراه، في أسلوب سهل ممتنع يمزج بساطة الكلمة بغزارة المعنى. فتراه يقول على صفحاته: “تتنفق معي عزيزي القارئ” / “سأشجعك” / “لحماية جلدك” / “أنت لست أنت” / “ترتفع نسبة إصابتك” / “ستقرؤونها” / “سألتموني” / “هل عرفتم” / “دعوني أخبركم”.
- بعيداً عن الخيارات التي تعرّض لها المؤلف من وجهة نظر صحية، يتطرق كذلك إلى الخلفية العامة لها، مثل النشأة والبعد التاريخي والأصل اللغوي، إذ يذكر أن: كلمة Banana جاءت معرّبة من كلمة (بنان الموز)، رغم أن القرآن الكريم قد أورد هذه الفاكهة باسم (الطلح) .. وعن: الصراع العنصري بين أسبقية البيضة أو الدجاجة .. واعتقاد الفرنسيين بأحقيتهم في براءة اختراع المايونيز .. ونظرية التطور للشامبو من الهندي إلى البريطاني .. وادعاء الرجال ارتداءهم للحذاء ذو الكعب العالي قبل النساء .. ومرض الاسقربوط الغامض الذي فتك بالبحارة البرتغاليين .. والكولا التي صُنفت كدواء بادئ ذي بدئ .. والأصل الأثيوبي لشاي Arabica والمنقول عن رواية تبدو وكأنها بإسناد حسن .. والمضاد الحيوي كأعظم اختراع عرفته البشرية من أصل خمسة .. والشوكولاتة والعشق الأبدي عبر العصور …..، وغيرها الكثير والمثير من معلومات تدفع فضول القارئ المتعطش للمعرفة إلى الاستعانة بـ (محرك البحث) والاستزادة.
- يسنّ المؤلف سنة حسنة بتحفيز القارئ على المفاضلة بين بدائل تتزايد باضطراد من حوله، من خلال ابتكارات واختراعات واكتشافات تُطرح على مدار الساعة، وتدفعه لطرح أسئلة مشابهة عن البديل الأمثل!. أعرض ما يخطر لي في هذه اللحظة:
-
- الصداع النصفي: العلاج الدوائي أم الطب البديل؟
- نزلات البرد: دواء أم راحة وسوائل؟
- الشعر: ميزوثيرابي أم زيوت طبيعية وعضوية؟
- تساقط الشعر: قصه أم تركه؟
- المشط: خشب أم بلاستيك؟
- البشرة: رغوة أم صابون؟
- نظافة اليدين: معقم أم صابون؟
- معجون الأسنان: طبيعي أم كيميائي؟
- وسادة النوم: اسفنجية/قطنية أم طبية؟
- الكتاب: ورقي أم إلكتروني؟ … دعابة فقط!
على الرغم مما سبق، قد يكون من الجيد الانتباه للملاحظات التالية:
- يحتوي الكتاب على عدد من المصطلحات ذات الصلة بالخيارات المطروحة، والتي قد تستعصي على فهم القارئ العادي (غير المختص). على سبيل المثال: (المعدل الجلايسيمي، صبغة الميوغلوبين، الشوارد الحرة، هدرجة جزئية، الحلقيات الرباعية، مضاد التخلب). يا حبذا لو تم تعريف المصطلحات المتخصصة في هوامش الكتاب.
- تتقاطع المعلومات بين عدد من الخيارات المطروحة، مما يضفي على الكتاب شيء من التكرار، كما بين (11): شاي أم قهوة و (36): شاي أسود أم شاي أخضر. وبين (32): سكر أم محلي صناعي و (45): شاي بسكر أم بدون سكر.
- جاءت صورة مبتكر الكورن فليكس (د. جون هارفي كيلوغ) الوحيدة ضمن صفحات الكتاب الممتدة فوق ثلاثمائة وستين صفحة والمخصصة لخمسين خيار صحي، على الرغم من تعدد الأسماء والمواد والاختراعات. للحفاظ على اتساق الكتاب، من المستحسن إضافة بعض الصور التوضيحية عن المواد الأخرى، أو الاستغناء تماماً عن الصورة المذكورة.
- تصدّر كل جزء صورة فوتوغرافية-فنية تعبّر عن المفاضلة بين البديلين المطروحين، إلا أن المصوّر -كما أظن- لم يوفق في اطلالته الشخصية بينها لا سيما من خلال الملامح الانفعالية التي جاء بها ومن غير مبرر! من ناحية أخرى، لم لا يتم الاستعانة بالإبداع الأنثوي في المرات القادمة، خصوصاً أن الدمغة الذكورية في التصوير والعرض قد أخذت فرصتها الكافية في الكتاب بين أيدينا، وكتاب (خرافات طبية) من قبل؟
كعينة لبعض الأخطاء اللغوية والمطبعية والتي قد يمكن تداركها في الطبعات القادمة، التقطت عيناي ما يلي:
- صفحة 198/ سطر 14: عبارة: الأشخاص (الذي) قاموا. الصحيح: (الذين).
- صفحة 204/ السطر 1: عبارة (محيط الخصر) مكررة.
- صفحة 210/ السطر قبل الأخير: ذُكر اسم “ويل” والصحيح أن يكون “جون”.
- صفحة 251/ سطر 7: وهو موضوع (35: تختوخ ونشيط ضعيف وكسلان). يجب استبدال عبارة: “سنناقش مؤشر كتلة الجسم بتفصيل أكثر في موضوع آخر بالكتاب” بعبارة: “تمت مناقشة مؤشر كتلة الجسم بتفصيل أكثر في موضوع 27: شريط القياس Vs. الميزان “.
- صفحة 289/ سطر 7: عبارة: “الفطريات تتواجد بشكل بكميات صغيرة”. يجب حذف إحدى الكلمتين: (بشكل أو بكميات).
- صفحة 302/ سطر 2: عبارة: 4.5 (مليارات) سنة. قد يكون الأصح: (مليار).
- صفحة 302/ سطر 5 في الفقرة الأخيرة: وردت عبارة (كما في الصورة) من غير صورة مرفقة.
- صفحة 303/ سطر 9: عبارة: “الضوء الشمسي (الذي لا يصلنا)”. الصحيح: (الذي يصلنا).
- صفحة 332/ سطر 18: كلمة: (أشارن). الصحيح: (أشارت).
- صفحة 348: بعد كلمة (المقارنة) في أسفل الصفحة: وردت كلمة: (نجيوب). الصحيح: (نجيب).
- صفحة 349: السهم الرمادي في منتصف يسار الصفحة، بحاجة إلى التحريك قليلاً نحو اليسار، لتجنب تغطية النص.
- حصلت على الكتاب عام 2018 من معرض للكتاب بإحدى المدن العربية. وعلى أرفف مكتبتي، تصطف كتب أخرى للمؤلف قرأتها جميعاً، هي: قواعد الصحة الخمسون / خرافات طبية / هل الأصلع يحتاج شامبو / طيب أم شرير.
أخيراً .. وقد قيل في الأثر: (إِنّ اللَّهَ تَعَالى يُحِبّ إِذَا عَمِلَ أَحَدُكُمْ عَمَلاً أَنْ يُتْقِنَهُ)
يعكس الكتاب هذا المعنى بصدق .. ولمؤلفه الجزيل من الشكر.
= = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = =
من الذاكرة: جاء تسلسل الكتاب (61) ضمن قائمة من (85) كتاب قرأتهم في عام 2019 تتضمن أربعة كتب لم أتم قراءتها، رغم أن العدد الذي جعلته في موضع تحدٍ للعام كان (80) كتاب فقط .. وهو أول كتاب اقرؤه في شهر اكتوبر من بين خمسة كتب، والذي حصلت عليه من معرض للكتاب في إحدى المدن العربية عام 2018 ضمن (140) كتاب تقريباً كانوا حصيلة مشترياتي من ذلك المعرض.
تسلسل الكتاب على المدونة: 105
التعليقات