في مديح القارئ السيء

كتاب مرهق، لا في فكرته -وإن جاءت نقدية تحليلية فلسفية تتطلب قدر من التركيز- بل في الأسلوب الذي عمد المؤلف على استخدامه في إيصالها! فإن كانت الفكرة فريدة وذكية ووجيهة ومدعاة للاطلاع والتفكّر والنقاش .. لمَ كل هذا التعقيد في اللغة والأسلوب؟

وبما أن الكتاب اختص بـ (القارئ السيء)، فقد بيّن المؤلف في صفحته الأولى من هو، وتحديداً من وجهة نظر (القارئ الجيد) ….. فمن هو إذاً؟

يدعو المؤلف ابتداءً بتكليف مجموعة ما قراءة نصّ بعينه، ثم دعوتهم مجدداً لتلخيصه بإيجاز، حيث سيبدو كل واحد منهم “لا يستحضر في ذهنه ذات الذكرى” .. بل إن تكليف واحد منهم بسرد ما قرأ على آخر لم يقرأ النص، ثم تكليف هذا الآخر بقراءة النص نفسه، سينتهي بتفاجئه من عدم وجود أثراً لذلك السرد، بل سيتنبّه لتلك الفروقات بين النصّ الحقيقي وبين ملخّصه! يخلص المؤلف بدوره على أن هذه التجارب رغم بساطتها الظاهرة أو “تفاهتها وابتذالها السافر” حسب تعبيره، تحيل إلى بديهية عدم توافق الكيفية التي يقرأ بها جميع القراء، وأن كل قارئ وهو يخال نفسه “الداهية النحرير”، يسيئ الظن بالآخر، والذي يغلب على ظنه أنه لا يقرأ مثله ومثل أقرانه “معشر القراء العاديين” .. وما هذا الآخر سوى (القارئ السيء)!

ومع هذا التصور، يستمر المؤلف ليوضّح بأن هذا (الآخر) من ناحية أخرى، يضطلع بدور سد “مواطن النقص ومكامن الخلل في نموذج نظري ما”، ويكشف عمّا ينطوي عليه من أسرار! عليه، يُصبح القارئ السيئ ميّسراً لهتك الأسرار، وللكشف عن بعض الجوانب التي تعتري تصور القراء لنموذج القارئ الجيد، بل لفعل القراءة في العموم! والمؤلف في غمرة هذا التعريف، يشير إلى “تأثير فيرتر” الذي تناوله عالم اجتماع أمريكي تحت مسمى “الانتحار المحاكي”، وهو يحيل إلى فيرتر بطل رواية الفيلسوف الألماني غوته (آلام فيرتر)، وقد شهدت أوروبا القرن الثامن عشر ظاهرة إقدام عدد غفير من الشباب في مقتبل العمر بإنهاء حياتهم، تضامناً مع ذلك البطل الورقي وهم يحاكون هيئته وطريقته، ما حدا بالعديد من المدن الأوروبية حضر الرواية، بعد استفحال تلك الظاهرة، في طيش، والضحايا متسربلين بنفس هندام المنتحر الورقي!

ورغم المواضيع التي تحمل عناوين شائقة في فهرس هذا الكتاب، فإني لم أتمّه لما سبق ذكره ابتداءً .. المواضيع التي تندرج تحت أربع فصول رئيسية، هي:

• الفصل الأول: موت القارئ السيء وانبعاثه
• الفصل الثاني: في جلال التأويل وبؤسه
• الفصل الثالث: الكلمة للقارئ السيء
• الفصل الرابع: ممارسات القارئ السيء

ومن الكتاب الذي جاء في ترجمة جيدة من النصّ الأصلي (Éloge du mauvais lecteur – By: Maxime Decout)، ونال واحدة من رصيد أنجمي الخماسي، أقتبس (مع كامل الاحترام لحقوق النشر) ما جاء في تعريف القارئ السيء، والمؤلف يصرّ على أن القراءة ليست “نشاطاً متجانساً”، حيث قواميس اللغة تحيل هذا النشاط على معنيين -على الأقل- أولهما يفيد الفعل ذاته، والثاني يفيد تأويل نصّ ما:

“ وبناء عليه، ففي وسعك أن تكون قارئًا سيئًا إما لأنَّكَ لا تؤوّل النص حسبما ينشد أو لأنك لا تمارس نشاط القراءة وفق مقتضيات هذا النشاط. فسواء من جهة موقفك الفكري والانفعالي والوجداني أو من جهة أسلوبك الفعلي في قراءة نص معين، فمن الواجب علينا إذن المرور إلى تحديد ماهية القارئ السيئ. فالقارئ السيئ هو ذلك القارئ الذي لا يتبع، سواء في فكره أو انفعالاته وعواطفه، نفس المنطق الداخلي الحميم للنص، أو هو ذلك القارئ الذي لا يقرأ ، عمليا، النص كما يريد النص ذلك – بمعنى إنه، على الأغلب، لا يقرأه كلمة كلمة، وسطرا سطراً”.

ختاماً، وددت لو كان أسلوب المؤلف أقل تعقيداً والمترجم يسعفه في إيصال فكرته المركّبة، ليتسنى لي استكمال قراءة الكتاب! علّني أعود إليه في محاولة جديدة.

تبقى دار النشر ضمن ما تحتويه مكتبتي من إصدارات جيدة.

= = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = =

نقلاً عن المفكرة: جاء تسلسل الكتاب (137) ضمن قائمة لا تنتهي من الكتب التي خصصتها لعام 2024، وهو سابع ما قرأت في ديسمبر .. وقد حصلت عليه من متجر (بيت الكتب) العام الماضي، ضمن أكثر من (120) كتاب تقريباً كانوا حصيلة مشترياتي من تلك الشحنة!

ومن فعاليات الشهر: لا شيء سوى ملاحقة الساعات لإتمام قائمة القراءة .. والتي تطول عادة في آخر شهر من كل عام!

ومن الكتب التي قرأتها في هذا الشهر تدور حول توأم القراءة والكتابة: النوم إلى جوار الكتب / حياة الكتب السرية

وعلى رف (المكتبات) في مكتبتي عدد كبير من الإصدارات آخذ في الزيادة .. منها ما نشرت على مدونتي!

تسلسل الكتاب على المدونة: 587