كتاب في الأدب الساخر .. لاذع في سخريته وهو يتصدى لفضح ممارسات الفساد العام الذي يستشري عادة في دوائر أي قطاع عام في أي بلد عربي، والذي يجمع بين الفساد الإداري والمالي والأخلاقي معاً، ويأتي في صورة انحرافات لا مسئولة، وسوء إدارة، واستغلال سافر للموارد والمناصب والنفوذ .. ممثلاً في رؤوسه ومن والاهم في زمرة الفساد من خدّام القوم و صعاليكه!.
لذا، لا يخرج المؤلف في إهدائه عن استهداف إداريين لا ثالث لهما: الأول وهو المرّشح لتولي منصباً في أي قطاع عام، وذلك بغية اطلاعه على نماذج لممارسات فاسدة قد يأتي بها أثناء فترة رئاسته دون أدنى مساءلة .. والثاني وهو المعارض الذي يأخذ على عاتقه التصدي للفاسد وللمفاسد بلا هوادة.
محمود السيسي .. بطل الفساد في رحلة المؤلف التخيلية إلى مكتب ما في قطاع عام ما، والذي يعمل على نشر تسعة فضائح يتورّط بها هذا السيسي بين العاملين البسطاء وبين أصحاب المناصب العليا .. ومن ثم على الورق، كما يلي:
- الفضيحة الأولى: مدير بين العصافير
- الفضيحة الثانية: المسنود
- الفضيحة الثالثة: كيف تتغلب على العجز
- الفضيحة الرابعة: السيسي بيه وفتاة النينجا
- الفضيحة الخامسة: ابن الكُبّة طلع القبة
- الفضيحة السادسة: السيسي بيه مسك سبحة
- الفضيحة السابعة: الراقصة والسيسي
- الفضيحة الثامنة: السيسي بيه كسب القضية
- الفضيحة التاسعة: السيسي بعزق العليقة
رغم هذا، والمؤلف ينفي عن نفسه دقة الملاحظة ومهارة سبر أغوار الشخصيات، يؤكد أنه وقع بمحض الصدفة “على شخصية واقعية من الحياة، جاهز بكل المواصفات غير السوية المطلوبة”، فعمد على تصويرها فوتوغرافياً ومن ثم نشرها كشخصية خيالية لا أكثر! رغم هذا، وبينما يستمر وهو لا يجزم بأن “صفات شخصية السيسي بيه محور هذا الكتاب تنطبق على شخص معين بالذات”، يؤكد بأن أي تشابه بينه وبين أي مسؤول قطاع عام ما، هو “تشابه مقصود”. فيقول بين فضائح كتابه “والسيسي من النوع الذى يقبل على الدنيا بنهم شديد، فيغترف من اللذات الحسية والأطماع الدنيوية (النساء – الطعام – الشراب السلطة .. الخ) كأنها فرصته الأخيرة“.
ومن الكتاب الذي يلتقط نجمتين من رصيد أنجمي الخماسي، ألتقط شيئاً من بين فضائحه، وباقتباس في نص فضائحي أبو جلاجل (مع كامل الاحترام لحقوق النشر) مع ما سبق من اقتباسات .. كما يلي:
- تتطرق (الفضيحة الأولى) إلى ازدواجية المعايير! فبينما يوبّخ السيسي أحد العاملين لديه عن استخدام هاتف العمل لشؤونه الخاصة لا لشئون العمل كما ينبغي فيحيله للتحقيق، يدير قرص الهاتف ليطلب من المأمور الاتصال بمنزله، فإن لم يجد (المدام) هناك فليطلبها في البوتيك، فإن لم يجدها فليطلبها في محل “السيسي سوييت”.
- يتدلى لسان السيسي بيه في (السكرتيرات الفاتنات) وهو يقطر في بلاهة عندما يفتح الباب المؤدي إلى مكتب السكرتارية، والذي يشغله “عشر فتيات نقاوة” .. فيتسابقن في دلال سافر نحوه، في حين تفك إحداهن ربطة عنقه التي أصبحت مبتّلة وتستبدلها بأخرى قائلة “كده بقيت ناشف يا بيه”، فيجيبها قائلاً: “الحمدلله إني كنت مبلول من فوق بس” .. فتستدرك سوء فهمه وتوضّح مقصدها -الذي لم يخلُ من سوء نية- بأنه “جامد” و “جبّار” و “ناشف مع الموظفين” .. فيضحك في بلاهة من جديد.
- ينتهي هذا المشهد الساخن بـ (سر الشلوت)، وذلك عندما تتناوله زوجته فكرية بطلة الكاراتيه بالضرب الأكثر سخونة وهو يقبع أمامها فوق أريكة المنزل، أو حين “تفاجئه بأن تضربه شلوتاً” فـ “يقفز ممسكاً بمؤخرته” سائلاً عن السبب، الذي لم يكن سوى حفلة الشاي التي سيقيمونها في المكتب ولم يتعاقدوا بعد مع محل (السيسي سوييت) .. وذلك بعد جلسة استجواب مريرة حول عدد السكرتيرات الحقيقي في مكتبه!
- وفي (الفضيحة السادسة) وتحديداً (بعد عشر أيام) يعود السيسي من رحلة العمرة التي أعلن عنها مسبقاً، حيث يستقبله العاملون استقبال الفاتحين وتعلو جدران الممرات لافتات الترحيب “ويتبرّك العاملون الذين تلقّى كل منهم هدية مناسبة (مسبحة / سجادة / جلباب … الخ) وقد بدت على السيسي مظاهر التقوى والورع مما يوحي بأن الفساد قد ولى إلى غير رجعة .. فيتنفّس الجميع الصعداء”. أما في المكتب وبعد أن أغلق بابه، يحاوره تابعه وفائي مبتدئاً:
“وفائي: مبروك العمرة يا فندم ..
السيسي: أنا عملت ثلاث عمرات موش عمرة واحدة
وفائي: مقبولين .. بس على الله ما تكونش تعبت في السفر
السيسي: سفر ؟! .. وحاسافر ليه؟
وفائي: عشان تعمل العمرات دي
السيسي: أنا عملتهم وأنا هنا يا مغفل
وفائي: موش ممكن .. عمرات إيه دول؟
السيسي: عمرة للعربية وعمرة للمحل وعمرة سباكة للحمام .. يبقوا ثلاث عمرات
وفائي: إيه؟!
السيسي: [ ينفجر ضاحكا ] هاهاها هاها هاها”.
ختاماً أقول والكتاب يعود إلى تسعينيات القرن الماضي: لا يزال نموذج السيسي سائداً مستشرٍ فساده .. ولا يزال سيسي البارحة شبيهاً بسيسي الليلة .. والله المستعان!
= = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = =
من الذاكرة: جاء تسلسل الكتاب (25) في قائمة احتوت (70) كتاب قرأتهم في عام 2022، وهو الكتاب رقم (1) ضمن (23) كتاب قرأتهم في شهر نوفمبر .. وقد كان ضمن مكتبة العائلة العريقة التي استحوذتُ عليها كاملة بما تضم من كتب قديمة قد لا تتوفر حالياً في المكتبات .. وهو كتاب يعود في طبعته الأولى إلى عام 1994 حيث قرأته للمرة الأولى في تلك الفترة، وأعود لقراءته اليوم كعادتي بين الحين والحين في قراءة قديم الكتب واسترجاع شيء من ماضي الفكر!
من فعاليات الشهر: لا شيء سوى مصارعة الوقت لقراءة المزيد من الكتب وتعويض ما فات خلال العام .. وقد أجّلت عمل الأمس إلى اليوم كثيراً والذي أصبح فائتاً كذلك!
تسلسل الكتاب على المدونة: 356
التعليقات