الكتاب
فتافيت امرأة
المؤلف
دار النشر
دار سعاد الصباح للنشر والتوزيع
الطبعة
(11) 2010
عدد الصفحات
166
النوع
ورقي
تاريخ القراءة
06/17/2020
التصنيف
الموضوع
شاعرة عربية تواجه المجتمع الذكوري
درجة التقييم

فتافيت امرأة

ديوان قرأته في نصف ساعة، ضمن أسبوع حافل خصصته لواحة الشعر، بعد ستة أشهر مضنية أمضيتها بين كتب الفلسفة والتصوف والتاريخ والعلم والفكر والأدب والدين …، كانت أشبه بمعركة فكرية على ساحة مترامية الأطراف، حتى حُق لخافقي أن يهدأ .. على تلك الربوة الشعرية!.

أخذ الديوان موقعه مع دواوين أخرى للشاعرة الشمّاء د. سعاد الصباح .. وقد تقاطع كثيراً مع ديوان (القصيدة أنثى .. والأنثى قصيدة) وديوان (في البدء كانت الأنثى) وديوان (وللعصافير أظافر تكتب الشعر). لم تكن حرفياً دواوين، بل مقاطع من قصائد مطوّلة للشاعرة .. وأحياناً كانت القصيدة الواحدة تأتي على أكثر من مقطع في الديوان، بعناوين مختلفة!..

ولا أنسى ابتداءً التعريف بالشاعرة:

هي سعاد محمد صباح المحمد الصباح (1942)، شاعرة وكاتبة وناقدة كويتية، وُلدت في مدينة البصرة بالعراق وتلقت تعليمها الابتدائي فيها، والذي استكملته في الكويت حتى المرحلة الجامعية. حصلت على درجة الماجستير من جامعة لندن عام 1976، ودرجة الدكتوراة من جامعة ساري في لندن أيضاً عام 1981، عن اطروحتها في الاقتصاد والعلوم السياسية. وبالإضافة إلى لغتها العربية لا سيما الشاعرية، تجيد الشاعرة اللغتين الإنجليزية والفرنسية، وصدر لها العديد من الأعمال في الأدب والشعر والتاريخ والاقتصاد، وتم طرح عدد من الدراسات حول قصائدها وأعمالها الأدبية. أسست عام 1985 (دار سعاد الصباح للنشر والتوزيع)، وانخرطت من خلالها في الأنشطة التي من شأنها تشجيع الشباب على الإبداع العلمي والفكري والأدبي، فأسست جائزة باسمها خاصة بالإبداع الفكري، وأخرى باسم زوجها خاصة بالإبداع العلمي، وثالثة خاصة بشباب أرض فلسطين، فكرّمت العديد من الأدباء المعاصرين على أعمالهم. إضافة إلى أنشطتها الخاصة، تقلّدت العديد من المناصب الرسمية في اللجان والجمعيات والمجالس والاتحادات والروابط الخليجية والعربية والعالمية، ونالت الكثير من جوائز التكريم العربية والعالمية. يصطبغ شعرها باللون الحزين، والمحب للحياة أيضاً .. الجمال والعذوبة تارة مقابل التمرد والجرأة تارة أخرى، ويطغى على أشعارها القضايا التي آمنت بها، كحب الوطن وتحرير المرأة .. وتم تلحين قصيدتها (كن صديقي) في ديوان (فتافيت امرأة) التي تغنّت بها المطربة اللبنانية ماجدة الرومي، وقد لاقت صدى طيباً واسعاً.

ومن الديوان، وددت لو نظمت كل ما راق لي وما لم يرق لي، لكن سأكتفي باقتباسات في نص ساطع وآخر دامس (مع كامل الاحترام لحقوق النشر)، وقد نال الديوان نجمتين من رصيد أنجمي الخماسي. ومع كل مقطع، جاءت خواطري موجهة إلى الأنثى المعنية بها أو أنماط الذكورة الملازمة لها .. ولا شيء منها موجّه على الإطلاق إلى شخص الشاعرة الموّقرة!.

تقول إلى (تقدمي من العصور الوسطى)

يا منْ تعقدكَ انتصاراتي

وتكرهُ أن ترى حولي

ألوفَ المعجبينْ

يا منْ تخافُ تفوقي

وتألقي

وتخافُ عطرَ الياسمينْ

هل ممكنٌ

أن يكرهَ الإنسانُ عطرَ الياسمين؟

… وأنا أقول في نبرة نصر:

تعقدك انتصاراتي .. لأنك أمامها تضطر إلى أن تُشهر هزائمك

وتكره المعجبين من حولي .. ليس غيرة بل لأن حولك يجتمع فقط الساقطين أمثالك

وتخاف تفوقي .. لأنني بها أنشر على الملأ خيباتك

وتألقي أيضاً .. فأنا في نور العلا أترقى وأنت تقبع في غياهب الجهل وكهوف ظلماتك

 

وتمضي في تقريعها إلى (تقدمي من العصور الوسطى)، لتقول:

أمثقفٌ؟؟

ويقولُ في وأدِ النساءِ

فأيُّ ثقافةٍ هذي .. وأيُّ مثقفينْ؟

مثقفٌ؟؟

ويريدُ أن يبقي حبيبتهُ بسرداب السنينْ؟

أتقدميٌّ في كتابتهِ؟

ورجعيٌ بنظرته إلى الأنثى

فإن ضحكتْ له امرأةٌ

يخافُ عذابَ ربِّ العالمينْ!

… وأنا أقول في تقزز:

أتقدمي؟

وإن تسللت من ظفيرتها المعقودة خلف الحُجُب شعرة إلى غُرتها ..

فقد السيطرة!

إما لثقافة جهل مقدس

أو لشبق أشعله وعاظ السلاطين!.

 

وهي حين تقول (إِنَّ جِسْمي نَخْلةٌ تشْرَبُ مِنْ بحْرِ العَرَب)، تأسف على زمن الرجال وتقول:

ثُمَّ حلَّتْ نقمة النَّفطِ علَينا

فاسْتَبْحنا كلَّ ما ليس يُباحْ

فالبَساتِينُ فِراشٌ للهَوى

والنِّساءُ الأجْنبيَّاتُ

يُعَطِّرْنَ لَيالينا المِلاحْ

والدَّنانيرُ على الأقْدامِ تُرْمى

وعلى الأجْسادِ تصْطَفُّ القِداحْ

هكَذا يا وَطني

تُرفَعُ راياتُ الكِفاحْ!!

هكَذا يَبْكي على الحَائِطِ سيفٌ

أثَرِيٌّ لأَبي

هكَذا، مِنْ يأسِهِ، يبْكي السِّلاحْ

… وأنا أقول في جرأة أيضاً:

مضى زمن الفتوحات عندما كان للدين صلاح ..

لكن الفحول الآن يشنّون المعارك نحو مكامن البكارات ..

على حلبات المخادع ..

بين وطأ حصون واعتلاء قلاع ..

ومغاليق تستلزم افتتاح!

 

تستهجن زمن الشعراء ومن لفّ لفّهم في (وصل السيف إلى الحلق)، فتقول:

يا زماناً

ما له لونٌ ولا طعمٌ

ولا رائحةْ

رحلَ الأعرابُ عنه

وأتى المستعربونَ

واستقالَ السيفُ من أحلامِه

واستقالَ الفاتحون!

وصلَ السيفُ إلى الحَلْق

وما زال لدينا شعراءٌ يكتبونْ

وصلَ السِّلُّ إلى العظْمِ

وما زال لدينا شعراءٌ يكذِبونْ

ويقولون على الأوراقِ .. ما لا يفعلونْ

… وأنا أقول بأسى:

وما زال لدينا شعراء يفتون ملء أشداقهم ..

بأن الويل لكم والثبور إن راودتكم أنفسكم ..

على الطاغوت يوماً تثورون!.

 

توسلّت بمرارة في (توسلات) إلى حد الصراخ:

تقول بدايةً:

أَتَوَسَّلُ إِلَيْك

أَنْ لا تَقَف بَيْنَ كِتَابِى وَبَيْنِى

بَيْنَ ضَوْء عَيْنِى

وَعَيْنِى

بَيْنَ كُحْلِى .. وَهُدْبِى

بَيْنَ فَمِى وَصَوْتِى

فَهَذَا ظُلْمٌ لا أَتَحَمَّله

وتنتهي قائلة:

فيا أيها الاقطاعيُّ

الذي يتجولُ على حصانهِ فوقَ شرايين يديّ

ويمسكُ بيديهِ مفاتيحَ عمري

ويختمُ على شفتي بالشمع الأحمرْ

أتوسلُ إليكَ للمرةِ الألفْ

أن تمنحني حريةَ الصراخْ

وألا تقفَ بيني وبينَ الغيومْ

عندما تمطرُ السماءْ

… وأنا أقول لتلك الأمة في حرملك هارون الرشيد:

ولماذا كل هذا التوسل والنحيب؟

ولمن هذا الشعر وإن قسى فهو عذب جميل؟

أ لصرصار؟!.

لسحقه إما نعال أو مبيد ..

فدعي عنك كل هذا العويل!

 

أخيراً .. أقتطف قصيدة (فيتو على نون النسوة) .. كزهرة من بين حديقة الديوان .. تشبهني:

1

يَقولونَ:

إنَّ الكتابةَ إثمٌ عظيمٌ..

فلا تكتُبي.

وإنَّ الصَّلاةَ أمامَ الحُروفِ.. حرامٌ

فلا تَقْربي..

وإنَّ مِدادَ القَصائدِ سُمٌّ..

فإيّاكِ أنْ تشْرَبي.

وها أنَذَا

قدْ شرِبْتُ كثيراً

فلمْ أتسمَّمْ بحِبْرِ الدَّواةِ على مَكْتبي

وها أَنَذا..

قدْ كتبْتُ كَثيراً

وأضرَمْتُ في كلِّ نجمٍ حريقاً كَبيراً

فلا غضِبَ اللهُ يوماً عليَّ

ولا استاءَ مِنّي أبي..

2

يَقولونَ:

إنَّ الكلامَ امتيازُ الرِّجالِ..

فلا تَنْطِقي!!

وإنَّ التغزُّلَ فنُّ الرِّجالِ..

فلا تَعْشَقي!!

وإنَّ الكتابةَ بحْرٌ عميقُ المياهِ

فلا تَغْرَقي..

وها أَنَذا قد عشِقْتُ كَثيراً..

وها أَنَذا قد سبَحْتُ كَثيراً..

وقاومْتُ كلَّ البِحارِ ولمْ أغرَقِ..

3

يَقولُونَ:

إِنّي كسَرْتُ بشِعْري جِدارَ الفَضيلَةْ

وإنَّ الرِّجالَ همُ الشُّعراءْ

فكيفَ ستولَدُ شاعِرةٌ في القَبيلَةْ؟

وأضحَكُ مِنْ كُلِّ هَذا الهُرَاءْ

وأسْخَرُ ممَّنْ يُريدونَ في عصرِ حرْبِ الكَواكبِ..

وَأْدَ النِّساءْ..

وأَسْألُ نفْسي:

لماذا يكونُ غِناءُ الذُّكورِ حلالاً

ويُصبحُ صوتُ النِّساءِ رذيلةْ؟

4

لماذا؟

يُقيمونَ هذا الجِدارَ الخُرافيَّ

بينَ الحُقولِ وبينَ الشَّجَرْ

وبينَ الغُيومِ وبينَ المطَرْ

وما بينَ أُنثى الغَزالِ، وبينَ الذَّكَرْ؟

ومَنْ قالَ: للشِّعْرِ جِنْسٌ؟

وللنَّثْرِ جِنْسٌ؟

وللفِكْرِ جِنْسٌ؟

ومَنْ قالَ: إنَّ الطَّبيعةَ

ترفُضُ صوتَ الطُّيورِ الجَميلةْ؟

5

يَقولونَ:

إِنّي كَسرْتُ رُخامَةَ قَبْري..

وهَذا صَحيحْ..

وإِنّي ذَبَحْتُ خَفافيشَ عَصْري..

وهذا صَحيحْ..

وإِنّي اقتلعْتُ جُذورَ النِّفاقِ بشِعْري

وحَطَّمْتُ عَصْرَ الصَّفيحْ.

فإنْ جَرَّحُوني..

فأجْملُ ما في الوُجودِ غَزالٌ جَريحْ

وإن قتلوني فشكراً لهم

لقد وضعوني بكون فسيح

6

يَقولُونَ:

إنَّ الأُنوثةَ ضَعْفٌ

وخيرُ النِّساءِ هي المرأةُ الرَّاضِيَةْ

وإنَّ التَّحرُّرَ رأسُ الخَطايا

وأَحْلى النِّساءِ هي المرأةُ الجَارِيةْ

يَقولُونَ:

إنَّ الأَديباتِ نوعٌ غريبٌ

مِنَ العُشْبِ.. ترفُضُهُ البَاديةْ

وإنَّ التي تكتُبُ الشِّعْرَ..

ليسَتْ سِوى غَانِيَةْ!

وأضحَكُ من كُلِّ ما قِيلَ عَنّي

وأرفُضُ أفكارَ عَصْرِ التَّنَكْ

ومَنطقَ عَصْرِ التَّنَكْ

وأَبْقى أُغَنّي على قِمَّتي العَاليَةْ

وأعرِفُ أنَّ الرُّعُودَ سَتَمْضي..

وأنَّ الزَّوابِعَ تَمْضي..

وأنَّ الخَفافِيشَ تَمْضي..

وأعرِفُ أَنَّهم زَائِلونْ

وأَنّي أَنا البَاقِيَةْ..

 

= = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = =

من الذاكرة: جاء تسلسل الديوان (45) في قائمة ضمت (105) كتاب قرأتهم عام 2020 تتضمن تسعة كتب لم أتم قراءتها، على الرغم من أن العدد الذي جعلته في موضع تحدٍ للعام كان (100) كتاب فقط! وهو في الترتيب (14) ضمن ما قرأت في شهر يونيو من بين (21) كتاب، وقد حصلت عليه من معرض للكتاب في إحدى المدن العربية في نفس العام ضمن (90) كتاب تقريباً كانوا حصيلة مشترياتي من ذلك المعرض.

لقد كان عام الوباء الذي جاء من أعراضه الجانبية (ملازمة الدار وقراءة أكثر من مائة كتاب)! لم يكن عاماً عادياً وحسب .. بل كان عاماً مليئاً بالكمامات والكتب.

في هذا العام، دأبت على كتابة بعض من يوميات القراءة. وعن هذا الديوان، فقد قرأته في شهر (يونيو)، والذي كان من فعالياته كما دوّنت حينها:

“كان شهراً حافلاً بالقراءة وإعداد مراجعات الكتب المقروءة .. مع استمرار الحجر الصحي بطبيعة الحال”.

من فعاليات الشهر: كنت قد استغرقت في القراءة بشكل مهووس خلال النصف الأول من هذا العام دون أي فاصل يُذكر، رغم الوقت الذي استقطعه عادة بعد قراءة كل كتاب من أجل تدوين مراجعة عنه! ما حدث في تلك الفترة هو تراكم الكتب التي أنهيت قراءتها من غير تدوين، حتى قررت على مضض بتعطيل القراءة لصالح التدوين .. وأقول “على مضض” لأن القراءة المسترسلة من غير انقطاع بالنسبة لي هي أشبه بالحلم الجميل الذي لا أودّ أن أستفيق منه، لكنني تمكّنت من تخصيص وقتاً جيداً في نهاية هذا الشهر لتأدية عمل الأمس الذي أجلّته للغد.

تسلسل الديوان على المدونة: 225

تاريخ النشر: يونيو 3, 2022

عدد القراءات:724 قراءة

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *