رواية تحذر من فتنة الطائفية وقيم العنصرية التي سادت -ولا تزال- المجتمع الكويتي، ابتداءً من حادثة تفجير المقهى الشعبي في الثمانينات من القرن الماضي، وما لحقها تباعاً من أحداث دامية متمثلة في: حرب الجارة العراقية مع الجمهورية الإيرانية، انقلاب الجارة والغزو الغاشم، الخيانة السياسية لدول عربية، غدر بعض الجاليات العربية المقيمة على أرضها، حرق آبار النفط، الألغام المزروعة، الشهداء والأسرى المفقودين، حل البرلمان وإعادة تشكيله، وانتهاءً بالصراع السني-الشيعي الذي ما انفكت شرارته تتسع بؤرتها لتنبئ بمستقبل سوداوي يهدد الكويت وأخواتها في المنطقة.
يستخدم المؤلف الرمزية في الإشارة إلى خطر الطائفية كطاعون قادم لا محالة، مستوحياً إياها من لازمة (فؤادة) معلمة التاريخ سابقاً ونزيلة المصحة النفسية لاحقاً، وهي تحذر من الفئران الآتية بالطاعون مرددة: “الفئران آتية .. احموا الناس من الطاعون”، وهو يستلهم تراثيات الدراما الكويتية لإثراء عاطفة القارئ-المشاهد من خلال مسلسل تلفزيوني عتيق لا يزال عالقاً في وجدانه. أما العاطفة التي كانت مستهدفة بشكل أكبر في روايته فتلك التي ارتبطت بذكريات تاريخ ليس ببعيد سقطت فيه أرض الكويت تحت قبضة احتلال عراقي .. سقوط خلّف بعده ركام من أحقاد وصراعات وفتن لا تزال تشتعل، وعايشها لحظة بلحظة معظم من شهد أحداث المنطقة آنذاك! لذا، لا غرابة في أن يتم مصادرة الرواية رقابياً من قِبل وزارة الإعلام الكويتي، الأمر الذي استغرق عدة سنوات لإجازتها من جديد وبحكم قضائي.
سرد رتيب، مط لا مبرر له، وصف ممل على طريقة الـ (Slow-Motion)، أحداث متداخلة، ربط مفكك، رمزية مبهمة، مقتطفات شعرية أكثر إبهاماً، وفئران غامضة لا محل لها من الإعراب في الرواية، ماتت صاحبتها (يمة حصة) قبل أن تفك شفرتها!. وعلى قدر استيعابي، فقد لعبت فئران أربع دور البطولة في الرواية، قسّمت أحداثها إلى مرحلتين مصيريتين: (الأمس) عند الأول والثاني، و(اليوم) عند الثالث والرابع! وهم على التوالي: الفأر الأول (شرر) ويرمز إلى افتعال شرر الفتنة. الفأر الثاني (لظى) وهو الشرر حين تحوّل إلى نار. الفأر الثالث (جمر) وهو النار الذي لا يزال مستعرّ. والفأر الرابع (رماد) وهو ما خلّفه كل ما مضى!.
رغم ذلك، فقد استولت الرواية على نجمتين من رصيد أنجمي الخماسي، الأولى لنُبل موضوعها في نبذ العنصرية، والثانية لمتفرقات في سرد بعض الأحداث.
ومن صفحات الرواية -التي صارعت فيها الوقت لأصرع بالكاد آخر صفحة بها وأتنفس الصعداء من جديد- أعرض شذرات مما علق في ذهني بعد قراءتها، وباقتباس في نص حالك كحلكة وباء الطاعون (مع كامل الاحترام لحقوق النشر)، كما يلي:
- في مشهد أسري يتحلّق فيه أفراد العائلة حول سفرة الفطور الصباحي بعد أوبة الرجال من صلاة الفجر في المسجد، فيدور حوار قبل ذلك بين العجوز وكنّتها التي تتساءل عن حبها لـ (تينا) وبغضها لـ (فلورنس) رغم أن اثنتاهما مسيحيتان!؟ إن الأولى خادمة، أما الثانية فزوجة لرجل مسلم لا يتقي الله! هكذا تجيب العجوز والهاجس لديها يتساءل بدوره: “ماذا لو اعتنق ابناؤه دين أمهم؟”.
- تعود أرض الكويت لأهلها تزهو بنصر مبين بعد سبعة أشهر من غزو عراقي غاشم، غير أن الوجوه التي لم تعد تشبه أهلها لم تعد، والقلوب نضحت بما كان يعتمل بها سراً وغلاً. أما الضحايا، فما كان لهم من حيلة سوى الانسلاخ عن جلدتهم. يقول المؤلف في مشهد اختلف عمّا كان: “ما عاد للـ (ريّس) حضور في بيت آل بن يعقوب، والمحبة العراقية فيه صارت سعودية محضة. صار صوت أبي سامح الفلسطيني صوتا آخر لشاب سوري، رغم بهجة أطفال الشارع لصيحاته: (برّد .. برّد) .. لم يكن صوته يشبه شارعكم. نداءات بائع الصرة استحالت رنينا لأجراس بيوتكم، اليمنيون صاروا هنوداً، تجار شنطة، غصت بهم شوارعكم، يبيعون البخور ودهن العود وأقلام الكحل والساعات المقلدة الرخيصة. حرمتم من مشاهدة مسلسلات تلفزيونية تورط بعض ممثليها العراقيين بالتعاون مع نظامهم. مسلسلكم الأثير (على الدنيا السلام) لم يكن بمنأى .. صار يُبث بمشاهد محذوفة”.
نقد هامشي: ولماذا أتى بطلا الرواية متآكلان على غلافها وعينا الأم حصة متوازيتان على طريقة أشباح بيكاسو؟ أتشويق هو أم تخويف؟ أم أنه مجرد (طُعم) لإثارة فضول القارئ نحو رواية تبدو غامضة؟ غير أنه سيدخل لا محالة في متاهة غموض آخر -إذا قرر قراءتها- يداعب عاطفته أولاً، وينتهي به آخراً إلى لا شيء!.
لا أقرأ الروايات عادة إلا على فترات متباعدة وتحديداً وقت السفر .. وفي كل مرة أشرع بقراءة رواية، أمنّي نفسي بمنفعة ما تأتي بها لا سيما تلك المصنّفة عالمياً كـ (أعمال خالدة)، غير أن هذه الرواية أتت بخيبة مضاعفة لما صاحبها من ترويج لم يكن -كما أظن- صادقاً تماماً!
ختاماً، يتزامن نشر هذه الرواية على مدونتي في وقت لا يزال وباء كوفيد-19 يعيث في الأرض الفساد! هل تحمل الرواية شفرة ما أو نبوءة بدأت تتحقق وقد حمل نصّها (الطاعون) كرمز لخطر قادم؟
= = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = =
من الذاكرة: جاء تسلسل الرواية (25) في قائمة ضمت (52) كتاب قرأتهم عام 2018 تتضمن كتابين لم أتم قراءتهما، وهي ثالث مؤلَف اقرأه في شهر يوليو من بين ستة .. وقد وجدتها على رف الروايات في مكتبة العائلة العريقة التي استحوذتُ عليها كاملة، بما تضم من كتب قديمة قد لا تتوفر حالياً في المكتبات. وإلى جانب هذه الرواية تقف رواية أخرى للمؤلف بعنوان (ساق البامبو)، وهي كما علمت رواية نالت استحسان القرّاء وتم تحويلها إلى مسلسل تلفزيوني.
ومن فعاليات الشهر: لا شيء محدد غير أنني كنت على استعداد للتوقف لبرهة عن متابعة القراءة في الشهر التالي، بمناسبة عيد الأضحى المبارك وما يحيط به من روحيات يجدر اغتنامها.
تسلسل الرواية على المدونة: 89
التعليقات