الكتاب
علم رواية القصص
المؤلف
الكتاب باللغة الأصلية
The Science of Storytelling - By: Will Storr
المترجم/المحقق
مأمون الزائدي
دار النشر
دار نينوى للدراسات والنشر والتوزيع
الطبعة
(1) 2021
عدد الصفحات
263
النوع
ورقي
تاريخ القراءة
07/14/2024
التصنيف
الموضوع
الحياة كمسرح كبير والناس أبطالها
درجة التقييم

علم رواية القصص

كتاب عبقري أقرب إلى علم النفس منه إلى الأدب القصصي، حيث يعرض كيان القصة الذي به تخرج للنور، من خلال أبطالها الذين هم حقيقة ليسوا سوى أبطال الحياة، بأنماطهم وانفعالاتهم وآرائهم ونواياهم .. إذ وما حياة البشر إلا سلسلة من قصص، تبدأ بالولادة وتنتهي بالموت .. وقد لا تنتهي!

لكن هذه الحياة تحفّها المخاوف، وقد طورت أدمغة البشر سبلاً لصرف الانتباه عنها، أبرزها ملء الحياة بأهداف طموحة يسعون لتحقيقها .. فما يريده البشر وما يشقون ويسعدون في نيله “هو قصتنا جميعاً، فهي تعطي لوجودنا وهم المعنى وتبعد نظرنا عن الفزع! وببساطة لا توجد طريقة لفهم العالم البشري من دون قصص”. هكذا يقول المؤلف وهو يلقي نظرة فاحصة عريضة على الصحف والمحاكم والملاعب والمكاتب وألعاب الكمبيوتر وكلمات الأغاني والأفكار المتدفقة والمحادثات العامة وأحلام النوم واليقظة .. التي تملؤها قصصنا، أو كما يستطرد ويقول: “القصص في كل مكان .. القصص هي نحن”.

لذا، يمحص المؤلف الذي لا يقل عبقرية في طرحه -وهو يستعين بعلم النفس- بعض من الأعمال الروائية والتلفزيونية والسينمائية، يستقطع منها ما يسقط عليها بحثه، إضافة إلى محاضراته التي يلقيها على أهل الاختصاص من صحفيين ومؤلفين وكتّاب سيناريو، لا سيما وقد أعد كتابه وفقاً للأبحاث التي اختصت بأعمال الكتابة المختلفة.

لكن! إذا كانت الحياة عبارة عن سلسلة من قصص تتلو قصص، فما هي هيكلة تلك القصص إذاً؟ يؤكد المؤلف في مقدمته وهو يتطرق إلى بنية القصة وتصميم الحبكة المثالية، إلى أن التركيز يجب أن ينتقل من الحبكة إلى الشخصية “فالأشخاص وليس الأحداث هم من يهمنا بشكل طبيعي” .. إنهم الأشخاص الجيدين والسيئين .. الرائعين والمعيبين ما يجعلنا نضحك ونبكي، فإن كانت الحبكة حاسمة والبنية فعالة، فهما “فقط لدعم فريق العمل” حسب تعبيره!

أما عنه، فهو ويل ستور .. روائي وكاتب ومفكّر -كما يعرّف بنفسه على موقعه الخاص- والذي أصبحت مؤلفاته القصصية والإنسانية محط اهتمام كثير من المثقفين والمؤثرين العالميين، في حين عقد معه عدد من رواد البث الصوتي مقابلات حوارية حول أطروحاته الفكرية .. إضافة إلى أعماله التي نُشرت في صحف عالمية، مثل الغارديان، صنداي تايمز، الأوبزرفر، ونيويورك تايمز، وقد صُنف بعضها بـ (الأكثر مبيعاً). أما سابقاً، فقد عمل كصحفي مختص في إعداد التقارير حول حقوق الإنسان، كتقريره عن المناطق الريفية التي مزقتها الحروب في كولومبيا، ومخيمات اللاجئين في أفريقيا، والمجتمعات النائية للسكان الأصليين في أستراليا. أما تقاريره الرائدة عن العنف الجنسي ضد الرجال، فقد حازت على جائزة منظمة العفو الدولية وجائزة الصحافة العالمية، كما حصل على جائزة لأفضل فيلم وثائقي استقصائي عن مسلسله الإذاعي في هيئة الإذاعة البريطانية.

يقسم المؤلف كتابه إلى أربعة أقسام يختص كل واحد منها بمرحلة مختلفة من مراحل رواية القصص: (الأول: إنشاء عالم) ويعني بالطريقة التي يخلق فيها الدماغ أو راوي القصة عالم حي يتواجد فيه. (الثاني: الذات المعيبة) وفيه يظهر بطل القصة وسط ذلك العالم المبتكر. (الثالث: السؤال الدرامي) ويكشف عن العقل الباطن للبطل الذي يدور فيه صراع الإرادة والخوف والكفاح وهو يفسر سر الحياة الغريبة التي يخوضها بأحداثها وقصصها الجذابة وغير المتوقعة. (الرابع: الحبكات والنهايات والمعنى) ويعرض معنى القصة ككل والغرض من خلقها.

ومن الكتاب الذي حظي بترجمة متقنة من نصه الأصلي (The Science of Storytelling – By: Will Storr) وبثلاث من رصيد أنجمي الخماسي، أدوّن ما علق في ذهني بعد قراءته، وباقتباس في نص عميق (مع كامل الاحترام لحقوق النشر) إضافة إلى ما سبق من اقتباسات:

  • ينبّه المؤلف الروائيين من “الإفراط في إحكام سردياتهم”، فإن كان ثمة خطر في ترك القارئ يشعر بالارتباك، فإن الخطر الحقيقي يكمن في “التفسير المفرط” .. والروائي بدلاً من إخبار القارئ بالأسباب والنتائج، فعليه عرضها. يقول المؤلف في (القسم الأول: إنشاء عالم): “يجب أن يتمتع القراء بحرية توقع ما سيحدث بعد ذلك، وأن يكونوا قادرين على إدراج مشاعرهم وتفسيراتهم لسبب حدوث شيء لتوّه وما يعنيه كل ذلك. هذه الفجوات في التفسير هي الأماكن في القصة التي يدس فيها القراء أنفسهم وتصوراتهم المسبقة وقيمهم وذكرياتهم وصلاتهم وعواطفهم، لتصبح كلها جزءاً نشطاً من القصة. لا يمكن لأي كاتب أن يزرع عالمه العصبي في عقل القارئ، بدلاً من ذلك، يتشابك عالماهما. لا يمكن لعمل أن يخلق صدى له القدرة على هز القراء كما يفعل الفن إلا عبر القراء الذين يدسون أنفسهم في ذلك العمل”.
  • ينصح المؤلف الروائيين بإظهار أبطالهم من خلال كل ما يفعلونه هم! أفكارهم وآرائهم وذكرياتهم وتصرفاتهم وأمنياتهم وآلامهم وأفراحهم وأحزانهم، فبني البشر صور هندسية متكررة من بعضها البعض! ينقل المؤلف في (القسم الثاني: الذات المعيبة) عن عالم النفس البروفيسور (دانييل نتل) قوله: “ليس فقط أن ما نفعله في سرديات حيواتنا واسعة النطاق -الحب والوظيفة والصداقات- يميل إلى أن يكون متسقاً إلى حد ما بمرور الوقت، مع ما نفعله غالباً من تكرار لأنواع النجاحات عينها أو الأخطاء. بل إن ما نفعله في التفاعلات الصغيرة مثل الطريقة التي نتسوق بها، أو نلبس أو نتحدث إلى شخص غريب في القطار أو نزين بها منازلنا، يُظهر أنواع الأنماط نفسها التي يمكن ملاحظتها حين فحص الحياة بأكملها”.
  • وعندما يستشهد المؤلف بفيلم (لورنس العرب) وتحديداً المشهد الذي يفقد فيه البطل سيطرته على انفعالاته وهو في خضم حرب شرسة بين العرب والترك، فيستنفد ذخيرة مسدسه ثم ينزل كالأهوج طعناً بخنجره في صفوف العدو تحيط به الجثث والدماء والأشلاء من كل مكان .. يعلق بدوره في (القسم الثالث: السؤال الدرامي) قائلاً: “تشبه قصص مثل هذه الحياة نفسها، وهي محادثة مستمرة بين الوعي واللاوعي، والنصوص والنصوص الفرعية، مع أسباب ونتائج تتردد بين المستويين. وعلى الرغم من تصاعدها وكونها لا تصدق كما هي في كثير من الأحيان، فإنها تخبرنا أيضاً بحقيقة الحالة الإنسانية. نظن أننا نسيطر على أنفسنا لكننا نُغير باستمرار من قبل العالم ومن هم حولنا. الفرق هو أنه في الحياة، على عكس القصة، لا يكون للسؤال الدرامي عمن نحن أي إجابة نهائية ومرضية حقاً”.
  • إن “عزاء القصة هو الحقيقة”. فقدر الإنسان ككائن اجتماعي أن يحاط بأشخاص يحرصون دوماً على إحكام السيطرة عليه، وهم يميلون إلى استخدام تلك الأكاذيب الناعمة واصطناع الابتسامات وغيرها من ألاعيب محكمة، في الوقت الذي يحرصون فيه على إخفاء آثامهم وشرورهم وإخفاقاتهم ومآسيهم! لذا تأتي القصة لتنزع القناع عن تلك الألاعيب وتغوص في عقل المتلاعب المعيب، وتخفف من أسى الضحية حين تشعره بأنه بالقطع ليس وحده! يقول المؤلف في (القسم الرابع: الحبكات والنهايات والمعنى): “لسنا وحدنا من انكسر؛ لسنا وحدنا الذين يصارعون لسنا وحدنا الذين يشعرون بالارتباك؛ لسنا وحدنا الذين تخامرهم أفكار مظلمة وندم مرير ويشعرون بأنها تستحوذهم، في بعض الأحيان ذواتهم أنفسها. لسنا وحدنا الخائفين. سحر القصة هو قدرتها على ربط العقل بالعقل بطريقة لا تضاهى حتى عن طريق الحب. هدية القصة هي الأمل في أننا قد لا نكون وحدنا، في ذلك القبو العظمي المظلم في نهاية الأمر”.

ختاماً، وكقارئة لا تقرأ القصص والروايات إلا قليلا، أجد هذا الكتاب موجّه بطبيعة الحال لأولئك الروائيين وقرائهم، لكنني وجدته كذلك لنا نحن .. بشكل أو بآخر! نحن المتفرجين على الحياة دوماً والمنخرطين فيها فقط عند الحاجة!

 

= = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = =

نقلاً عن المفكرة: جاء تسلسل الكتاب (75) ضمن قائمة لا تنتهي من الكتب التي خصصتها لعام 2024، والذي أرجو أن يكون استثنائياً في جودة الكتب التي سأحظى بقراءتها خلاله، وهو الخامس ضمن قراءات شهر يوليو! وعن اقتنائه، فقد حصلت عليه من معرض للكتاب أقيم الشهر الماضي بإحدى المدن العربية، ضمن (250) كتاب كانوا حصيلة مشترياتي من ذلك المعرض.

وللمؤلف كتاب آخر على مكتبتي، هو: (في علم نفس الاعتقاد: الهراطقة)

ومن فعاليات الشهر: لا شيء سوى مواصلة القراءة ليلاً نهاراً .. وكأنه حلم تحقق!

ومن الكتب التي قرأتها في هذا الشهر: محمد كريشان يروي: وإليكم التفاصيل / العنصرية في الخليج: إشكالية السواد / إعجام / من يهودية الدولة حتى شارون / ER Nurses: True stories from the frontline

وعلى رف (علم النفس) في مكتبتي عدد يصل إلى (125) كتاب، منها ما هو قديم جداً .. أذكر منها: (خمسون طريقة للقضاء على الاكتئاب من دون عقاقير) – تأليف: سارة روزينثال / (التخاطر عن بعد والاستبصار: قوة العقل والإرادة) – تأليف: غاي ليون بليفير / (نوادر جحا الكبرى: وآراء علماء النفس في فلسفة الضحك) – تأليف: خليل حنا تادروس / (الألم النفسي والعضوي) – تأليف: د. عادل صادق / (الطوطم والتابو) – تأليف: سيغموند فرويد / (التفرد والنرجسية) – تأليف: ماريو جاكوبي / (مدخل الى العلاج النفس الوجودي) – تأليف: رولو ماي / (فهم الأمراض النفسية) – تأليف: دين برنيت / (هلوسات) – تأليف: أوليفر ساكس / (المدينة الوحيدة: مغامرات في فن البقاء وحيدًا) – تأليف: أوليغيا لانغ / (الدليل العملي لمهارات العلاج الجدلي السلوكي) – تأليف: ماثيو مكاي / (حياة تالفة: أزمة النفس الحديثة) – تأليف: تود سلون / (هل ستأكل قطتي مقلتي؟) – تأليف: كيتلين دوتي / (أنت البلاسيبو: العلاج الوهمي) – تأليف: جو دسبنزا / (ربما عليك أن تكلم أحداً: معالج نفسي وحياتنا كما يكشفها) – تأليف: لوري غوتليب

تسلسل الكتاب على المدونة: 525

تاريخ النشر: يوليو 25, 2024

عدد القراءات:291 قراءة

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *