الكتاب
شيرين أبو عاقلة: الشاهدة والشهيدة
المؤلف
دار النشر
دار النهار للنشر
الطبعة
(1) 2023
عدد الصفحات
320
النوع
ورقي
تاريخ القراءة
04/25/2025
التصنيف
الموضوع
لتبقى التغطية مستمرة مع شيرين
درجة التقييم

شيرين أبو عاقلة: الشاهدة والشهيدة

“أيقونة الإعلام الفلسطيني” .. “عميدة المحاربين العرب” .. “شهيدة الفجر” .. “شهيدة الميدان” .. “شهيدة الحقيقة” .. “شهيدة الكلمة الحرة”.. أوسمة زادها رفعة، تمثيلها للتي ما برحت تمهر الخبر من قلب الحدث باسمها حتى أصبح دمها المهر والخبر .. أو “نجمة القدس” في أرفع وسام دنيوي تمنحه السلطة الفلسطينية، لكنها بالأحرى “الشاهدة والشهيدة” التي زُفت كعروس لطُهر القدس، بين قرع أجراس الكنائس، وتكبيرات مآذن المساجد.

يسجّل هذا الكتاب شهادة حية لرسالة الصحفية (شيرين أبو عاقلة) في نقل واقع الشعب الفلسطيني تحت وطأة الاحتلال الإسرائيلي، لا سيما منذ عام 1997 حيث التحاقها بالعمل لدى قناة الجزيرة الإخبارية، حتى لحظة استشهادها غداة الحادي عشر من مايو عام 2022.

وبينما يأخذ مؤلف الكتاب -عضو نقابة الصحفيين، وعضو اتحاد الكتّاب، الفلسطينيين والعرب والدوليين- على عاتقه مهمة التوثيق التي لم تُبق ولم تذر، يتولى (د. رمزي خوري) عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، التقديم للكتاب، الذي في نظره سيروي للأجيال مسيرة الصحفية المهنية خلال ربع قرن انتهت ببذل دمائها سخية وتوّجت “أيقونة الحق والحقيقة”، وتحوّل مراسم تشييعها إلى عرس وطني، رغم ما طاله من اعتداء وحشي بقبضة زمرة الاحتلال، حيث “أكدّت هيبة جنازتها على رسالة أخرى، وهي أن القدس فلسطينية، وستبقى كذلك إلى الأبد” حسب ما قال. كذلك، لا يعتقد مدير دار النشر (زياد شبيب) بسهولة المهمة التي اضطلعت بها “شاهدة الحق”، كشابة مسيحية مقدسية، قررت التصدي لمحاولات تُحيل القضية الفلسطينية كوطن محتل إلى قضية صراع ديني وحسب، “أي عملياً، تشويه حقيقة هذه القضية وتحويلها من قضية وطن مسلوب وشعب مظلوم يتعرّض للإبادة العنصرية المستمرة، إلى قضية صراع ديني بين اليهود والمسلمين”.

يعرض الكتاب مسيرة الصحفية من خلال تسعة أبواب رئيسية، تكشف عن تفاصيل وأحداث وحقائق ونتائج لم تخلُ من حميمية وعاطفة وشجن، والمؤلف يهديه إلى “الشاهدة والشهيدة” مع أولئك المؤمنين بقوة الكلمة والصورة في إرهاب العدو، ومع المشتتين والمبعدين والصامدين المرابطين، ومع الشهداء والأسرى والجرحى، ومع كل من ناصر “قضية الحق والعدالة في أرض المرسلين”. وبدوري، أستعرض سريعاً أبرز ما جاء في كل باب، وقد نال الكتاب ثلاثاً من رصيد أنجمي الخماسي:

  • ‎يستفتح (الباب الأول: بين الولادة والشهادة) بالبطاقة الشخصية للصحفية، كفلسطينية شهدت مدينة القدس ميلادها في الثالث من أبريل عام 1971، وآثرت دراسة الصحافة بدل الهندسة المعمارية، ثم آثرت مرة أخرى -رغم حصولها على الجنسية الأمريكية- العمل لصالح وطنها على فرص العمل الواعدة، فعملت في (وكالة الأونروا) و (إذاعة صوت فلسطين) و (إذاعة مونت كارلو)، حتى انتقلت للعمل في قناة الجزيرة الإخبارية واستشهدت على مرأى شاشاتها صباح الحادي عشر من مايو 2022، برصاص قنّاص في جيش الاحتلال، وهي تغطي أحداث مخيم جنين في الضفة الغربية المحتلة! يخص هذا الباب أيضاً الحديث عن زيارتها الأخيرة لمكتب الجزيرة والوداع والتكريم الرسميين في رام الله، ومراسم الجنازة والتشييع الذي جللها إلى مثواها الأخير في مقبرة جبل صهيون، علم فلسطين وكوفية وإكليل من الورد. يعرض الباب كذلك مواقف التنديد الدولية بالعدوان الوحشي على الجنازة ومشيعيها من قبل جنود الاحتلال، بغية عرقلتها أو إسقاطها أو اختطافها، وأطراف من إفادات شهود العيان في موقع الجريمة، مع آخر صورة التقطتها الصحفية مع زميلتها (جيفارا البديري)، مرفقة بعبارة: “ما بنعرف شو بصير” بينما كانتا تتحدثان بمرح حول هدية عيد ميلادها، وينتهي الباب بسردية مدير مكتب الجزيرة في فلسطين (وليد العمري)، لا سيما التوقيت الزمني لجريمة الاغتيال.
  • أما (‎الباب الثاني: الموقف الفلسطيني)، فيعرض مواكبة الرئيس الفلسطيني (محمود عباس) الدؤوبة لكافة تفاصيل الجريمة، وحرصه على تصعيدها وبحزم في المحافل الدولية، ورفضه التام لأي نوع من الشراكة مع إسرائيل في مجريات التحقيق، محمّلاً سلطات الاحتلال المسئولية الكاملة عنها، إضافة إلى الأصوات الفلسطينية الرسمية الأخرى الداعية إلى معاقبة الاحتلال، كما يغطي الباب دور (اللجنة الرئاسية العليا لمتابعة شؤون الكنائس في فلسطين) البارز في متابعة القضية على كافة الأصعدة.
  • وبكل أسى، يستفتح (‎الباب الثالث: عائلة أبو عاقلة .. إصرار على معاقبة الجناة)، بصدمة العائلة في تلقي خبر استشهاد ابنتها المفاجئ، وموقفها من التقرير الإسرائيلي المتعمد إخفاء الحقيقة، ومحاولاتها الجادة في تصعيد القضية عن طريق تقديم رسالة للرئيس الأمريكي جو بايدن وطلب مقابلته أثناء زيارته للقدس، وموقفها المرحب بالتحقيق الأمريكي مقابل التعنّت الإسرائيلي.
  • وفي (‎الباب الرابع: الاحتلال يمارس التضليل)، يظهر تضارب الروايات الإسرائيلية التي قُدمت في ملابسات القضية، كمحاولة مكشوفة للتملص وحسب، ابتداءً من رواية تعرض الصحفية لرصاص مسلحين فلسطينيين، إلى رواية عدم القدرة على تحديد جهة الرصاص الذي استهدف الصحفية، إضافة إلى محاولات التضليل الإعلامية كما جاءت في بعض الصحف والقنوات الإخبارية العبرية، فضلاً عما عمدت إليه بعض الصحف الأمريكية البارزة من تلميع صورة الاحتلال! ينتهي الباب بعرض روايات بعض الشهود الذين صادف وجودهم في مكان حادثة الاغتيال، لا سيما شهادة الشاب (شريف العزب) ومحاولته إنقاذ الصحفية عند وقوع الحادثة وسقوطها بمحاذاة الشجرة، وإصابة زميلها (علي السمودي) الذي تم نقله بواسطة الإسعاف، والهلع الذي أصاب زميلتها الشابة (شذا حنايشة) وقد هرعت للاحتماء خلف جذع الشجرة.
  • ثم يعرض (‎الباب الخامس: الموقف العربي والدولي) ردود الأفعال العربية من المحيط إلى الخليج في إدانة جريمة الاغتيال، إضافة إلى المواقف الدولية المنددة في آسيا وأوروبا، كما عرض موقف الجهات الأمريكية الرسمية المندد بالجريمة، كالبيت الأبيض، ومجلس النواب، وأعضاء من مجلس الشيوخ، ومسئولين في الحزبين الجمهوري والديمقراطي، إضافة إلى مطالبات عدد من الهيئات والمنظمات العربية والدولية معاقبة مرتكبي الاغتيال، كجامعة الدول العربية، والأزهر الشريف، والفاتيكان، والأمم المتحدة، ومفوضية حقوق الإنسان.
  • يسلط (‎الباب السادس: التحقيقات تثبت مسؤولية الاحتلال) الضوء على تطورات القضية، حيث تظهر السلطة الفلسطينية وهي تتولى زمام التحقيق وتتصدى لمزاعم الاحتلال الرامية لتشويه الحقائق.. التحقيق الذي يكشف مخبرياً عن السر الذي احتوته الرصاصة، ومن ثم تسليم تقرير التحقيق بأدلته كاملة للجانب الأمريكي، وقد أتبعه اعتراف إسرائيلي عن جريمة الاغتيال لكن بذريعة القتل عن طريق الخطأ! ومع التحايل الذي حمله التقرير الأمريكي حماية لإسرائيل، واعتراض السلطة الفلسطينية، وارتياب عائلة الصحفية، تحوّل مجرى القضية للتصعيد، وذلك عن طريق رفع دعوى قضائية في المحكمة الجنائية الدولية، تدعو لمحاكمة الاحتلال في هذه الجريمة مضافاً إليها كافة الجرائم السابقة بحق الإعلاميين الفلسطينيين، الدعوى التي شهدت انضمام اتحاد الكتّاب الصحفيين الأمريكي، وإعلان مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان من خلال التحقيقات التي أجرتها، بأن الرصاص تم إطلاقه من قبل قوات الاحتلال، إضافة إلى نتائج التحقيقات الميدانية التي أجرتها عدد من الصحف العالمية وكشفت عن حقيقة الجريمة، كصحيفة (واشنطن بوست)، (الغارديان)، (الإندبندنت)، (سي إن إن)، (أسوشيتد برس)، ومواقع صحفية أخرى، ومواد داعمة على وسائل التواصل الاجتماعي.
  • كذلك، لم يبخل (‎الباب السابع: الإعلام يتضامن مع «أيقونته») في تسليط الضوء على تسارع وسائل الإعلام في التضامن مع القضية منذ بدايتها وتغطية الأحداث باستمرار، على رأسها (تلفزيون فلسطين) الذي حظي بتكريم رسمي، بينما شهد (مؤتمر الاتحاد الدولي للصحفيين) في سلطنة عمان الذي أقيم بُعيد حادثة الاغتيال، اهتماماً واسعاً لها كجريمة ضد الإنسانية، طغى على فعاليات المؤتمر لا سيما ضمن المشاركة الفلسطينية الفعّالة والمؤثرة. من ناحية أخرى، وبينما يعرض الباب مواصلة النقابات الإعلامية العربية والدولية مطالباتها في محاسبة الجناة، يتطرق للموقف المعارض وغير المتوقع من ناشط سياسي لبناني تجاه القضية، وذلك إثر رفع صورة الصحفية في معلم ثقافي لبناني، وقد صرّح بقضيته (اللبنانية) لا (الفلسطينية)، التصريح الذي تصدى له مؤلف الكتاب بضراوة لا سيما من خلال قناة تلفزيونية لبنانية بحضور الناشط.
  • يشهد (‎الباب الثامن: تكريم من فلسطين إلى العالم) على توالي صور التكريم للصحفية، تقديراً لعطائها وتخليداً لذكراها، من منح الأوسمة، وتشييد اللوحات الجدارية، وإطلاق اسمها على عدد من الشوارع والبوابات والميادين والمخيمات، وتخصيص منح دراسية باسمها في عدد من الجامعات، وكذلك لبعض الجوائز الأكاديمية والمهرجانات السينمائية والمسابقات الإعلامية والتحقيقات الصحفية، إضافة إلى إصدار طابع بريدي يحمل اسمها وصورتها. ومن التكريم الفلسطيني إلى التكريم العربي، يقدم العاهل الأردني (وسام الاستقلال) من الدرجة الأولى إلى عائلتها، إضافة إلى تشييد جدارية (صوت السلام الإنساني) في حقها، كما يبدو الأمر كذلك في (أبراج العاصمة القطرية) التي ازدانت بصورتها، وفي تدشين جائزة باسمها تعني بالشأن الفلسطيني في مصر، وجائزة (صديقة الفكر الحر) كمبادرة من (دار سعاد الصباح) في الكويت، وتشكيل لجنة باسمها تعني بالتواصل الإعلامي في تونس. ومن التكريم العربي إلى التكريم الغربي، ظهر الأمر كذلك في تسمية (دفعة الخريجين الأولى لبرنامج الإعلام باللغة العربية) في باريس باسمها، وكذلك تسمية (برنامج تدريب الصحفيين الفلسطينيين) التابع للأمم المتحدة باسمها أيضاً، وافتتاح معرض (حلم فلسطين) في موسكو وإهدائه إلى روحها.
  • وفي (‎الباب التاسع: شيرين الإنسانة)، ومن خلال صور تذكارية، تطل الصحفية من جديد وفي يدها كسرة خبز تعلمت من (السيد المسيح عليه السلام) أن تتقاسمها مع الفقراء، وتطل مرة أخرى باكية على الهواء مباشرة، لا تتمالك نفسها، إثر اقتحام جنود الاحتلال باحة المسجد الأقصى والأحياء القديمة، واسمها الذي أحيته مولودات تلحفنّ بحلل تحمل كلمة (صحافة) باللغتين العربية والإنجليزية كما حملتها الصحفية من قبل .. فعاشت عليها وعليها ماتت.

ختاماً، والمؤلف يسترجع اللازمة التي كانت تختتم بها الصحفية تقاريرها الإخبارية اليومية من فلسطين عبر ميكروفون الجزيرة، يوثّق بدوره خاتمة آخر تقرير .. لم يكن باسمها بل ارتوى بدمها .. ورسالتها التي لم تحيد في الحق صوتاً وصورة .. وبأن “القدس” كما قالت “ستبقى لأهلها، وسندحر عنها المحتل الغازي”، موصياً في الختام: “لتبقى التغطية مستمرة مع شيرين ….”.

 

= = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = =

نقلاً عن المفكرة: جاء تسلسل الكتاب (35) في قائمة طويلة جداً خصصتها لعام 2025، وقد حصلت عليه من إحدى المكتبات في فبراير العام الماضي ضمن مجموعة من (9) كتب .. وهو في الترتيب (15) ضمن قراءات أبريل!

من فعاليات الشهر: تتوافق بداياته مع عيد الفطر لعام 1446هـ، والذي أستأنف فيه القراءة بحماس أكبر بعد شهر الصيام.

ومن الكتب التي قرأتها في هذا الشهر: Three Worlds: Memoir of an Arab-Jew / Gaza Writes Back / فكر أقل في الموت / أفكار كبيرة لعقول متعطشة / كيف تكون وجودياً / هدوء: دليل إلى العثور على سكينة النفس من خلال أفكارنا / مهنة الكتابة: ما تمنيت معرفته في بداياتي / مسرات القراءة ومخاض الكتابة / مونتسكيو: السياسة والتاريخ / اختبار الحياة: كيف نجد أنفسنا ومتى نخسرها / تزوجيه / الزن في فن الكتابة / عن الطبيعة الإنسانية / قسم المحكومين 

تسلسل الكتاب على المدونة: 635

تاريخ النشر: أبريل 26, 2025

عدد القراءات:41 قراءة

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *