كتاب سطّره د. مصطفى محمود بعد زمن عصف به وتكّفل بنقله من النقيض إلى النقيض!
يأتي هذا الكتاب (رحلتي من الشك إلى الإيمان) في عام 1999 كرد على كتاب (الله والإنسان) الذي أصدره عام 1955 .. فبينما كان يزهو في كتابه الأول غروراً بالعلم الذي ناله والمنطق الذي أوتيه كملكة فطرية، تعصف به الأيام والأعوام بعد الأعوام وهو في رحلة تساؤلات لا تنتهي حول الإنسان وأصل الوجود والغاية من الحياة، يتردى معها في غياهب الإلحاد .. حتى يعود في نهاية المطاف إلى فطرته، مؤمناً بالله حق الإيمان، خجلاً مما اعتراه في سابق أيامه من زيف، فيضع كتابه الثاني وبزهو من جديد، لكنه حقيقي .. عند أعتاب الحق.
يحظى الكتاب كسابقه بثلاث نجمات من رصيد أنجمي الخماسي، الذي لا يتجاوز فهرسه المباحث التالية: الله / الجسد / الروح / العدل الأزلي / لماذا العذاب؟ / ماذا قالت لي الخلوة؟ / التوازن العظيم / المسيخ الدجال. ومنه، أعرض ما علق في ذاكرتي من مبحث (الروح)، وباقتباس في نص من نور (مع كامل الاحترام لحقوق النشر) كما يلي:
- يربط د. محمود العلم بالإيمان، ويصل بين عالم الروح وعالم المادة، فيفترض وجود “كابلات الأعصاب” التي تعمل على نقل مكنونات الروح من الطرف الأثيري، ومن ثم تحويلها إلى نبضات إلكترونية تنطق بها عضلات اللسان في الطرف المادي .. كما يعمل الراديو من خلال الموجات اللاسلكية! وهكذا يتم تبادل الكلام بين الأجساد في عالم المادة، حتى إذا ماتت عادت إلى طبيعتها الروحية، فتتذكر ما فعلته في الدنيا لحظة بلحظة كما تم تسجيلها. يعرض د. محمود بعد ذلك لنظريات علمية تذهب أبعد من ذلك، فتفترض أن التحصيل العلمي ليس سوى عملية تذكر “لعلم قديم مكنوز ومسطور في الروح” وليس كما تم تلقينه من فوق لوح السبورة! فحاصل ضرب العدد اثنان في اثنان لا يتم اكتشافه من عدم بل يولد به الأحياء، وكل بداهة الرياضيات والهندسة والمنطق إنما هي مغروزة في الروح وتولد مع الجسد، وأن الخبرة الدنيوية تُذكّر بها. ينسحب هذا القول بالمثل على الشخصية البشرية، فيستمر المفكّر ويقول قولاً عظيماً: “وبالمثل شخصيتنا .. نولد بها مسطورة في روحنا، وكل ما يحدث أن الواقع الدنيوي يقدم المناسبات والملابسات والقالب المادي لتفصح هذه الشخصية عن خيرها وشرها، فيسجل عليها فعلها .. والتسجيل هو الأمر الجديد الذي يتم في الدنيا .. الانتقال من حالة النية إلى حالة التلبس .. وهذا ما تعبر عنه الأديان بأن يحق القول على المذنب بعد الابتلاء والاختبار في الدنيا، فتحق عليه الضلالة وتلزمه رتبته وهو أمر قد سبق إليه علم الله .. علم الحصر لا علم الإلزام .. فالله لا يلزم أحداً بخطيئة ولا يقهره على شر، وإنما كل واحد يتصرف على وفاق طبيعته الداخلية فيكون فعله هو ذاته، وليس في ذلك أي معنى من معاني الجبر، لأن هذه الطبيعة الداخلية هي التي نسميها أحياناً الضمير وأحياناً السريرة وأحياناً الفؤاد ويسميها الله (السر) .. «يعلم السر وأخفى» .. ونقول عنها في تعبيراتنا الشعبية عند الموت «طلع السر الإلهي» أي صعدت الروح إلى بارئها. هذا السر المطلسم هو ابتداء حر ومبادرة أعتقها الله من كل القيود، ليكون فعلها ذاتها وليكون هواها دالاً عليها. ومن هنا لا يصح القول بالحتميات في المجال الإنساني، أمثال حتمية الصراع الطبقي والجبرية التاريخية لأن الإنسان مجال حر وليس مسماراً أو ترساً في ماكينة”.
أما المجموعة التي تحظى بها مكتبتي من إصدارات المفكّر بالإضافة إلى هذا الكتاب، والتي جاءت معظمها في طبعاتها الأولى وقد تم نسخها يدوياً باستخدام الآلة الكاتبة وعلى أوراق باهتة، فهي كما يلي:
الله / رأيت الله / التوراة / العنكبوت / الغابة / الأحلام / لغز الحياة / لغز الموت / الوجود والعدم / كلمة السر / السر الأعظم / عنبر7 / عصر القرود / حقيقة البهائية / الروح والجسد / عالم الأسرار / جهنم الصغرى / الغد المشتعل / قراءة للمستقبل / المؤامرة الكبرى / أينشتين والنسبية / المسيخ الدجال / أكل عيش / شلة الأنس / مغامرة الصحراء / رائحة الدم / السؤال الحائر / غوما أو الزعيم / الاسكندر الأكبر / الشيطان يحكم / حكايات مسافر / اعترافات عشاق / نقطة الغليان / على خط النار / على حافة الزلزال / الإسلام في خندق / من أسرار القرآن / يوميات نص الليل / وبدأ العد التنازلي / الإسلام ما هو ؟/ على حافة الانتحار / القرآن كائن حي / علم نفس قرآني جديد / القرآن محاولة لفهم عصري / سواح في دنيا الله / لماذا رفضت الماركسية؟ / الخروج من التابوت / الطريق إلى جهنم / زيارة للجنة والنار / في الحب والحياة / إسرائيل: البداية والنهاية / هل هو عصر الجنون؟ / أيها السادة اخلعوا الأقنعة / الذين ضحكوا حتى البكاء / ماذا وراء بوابة الموت؟ / عظماء الدنيا وعظماء الآخرة / حوار مع صديقي الملحد / رحلتي من الشك إلى الإيمان / أناشيد الإثم والبراءة / ألعاب السيرك السياسي / من أمريكا إلى الشاطئ الآخر / الشيطان يسكن في بيتنا / إسرائيل النازية ولغة المحرقة / خمس وخمسون مشكلة حب / الإسلام السياسي والمعركة القادمة / الشفاعة: محاولة لفهم الخلاف القديم بين المؤيدين والمعارضين
………. إنها ثروة في حد ذاتها
ختاماً أقول: وإن من نعم الله الكبرى على الإنسان .. العقل، الذي ما أن يقف على سند من إيمان، حتى يسفر عن فكر حر وعلم كالذهب لا يخفت بريقه مع مضي الزمن .. كالذي بين أيدينا! ويبقى د. مصطفى محمود (المفكّر الغائب-الحاضر) .. بأصالة فكره، وصدق منهجه، وإخلاصه لما يعتنق!.
= = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = =
من الذاكرة: جاء تسلسل الكتاب (66) في قائمة احتوت على (105) كتاب قرأتهم عام 2020 تتضمن تسعة كتب لم أتم قراءتها، على الرغم من أن العدد الذي جعلته في موضع تحدٍ للعام كان (100) كتاب فقط! وهو ثاني ما قرأت في شهر أغسطس من بين عشرة كتب. لقد اقتنيت هذا الكتاب ضمن مجموعة كبيرة من إصدارات المفكر مع بدايات إصدارهم، حيث قرأتهم جميعاً حينها، والتي جاءت في طبعة منسوخة بالآلة الكاتبة على أوراق ازدادت صفرة حتى اللحظة!
لقد قرأت كتاب (رحلتي من الشك إلى الإيمان) بعد كتاب (الله والإنسان) .. كم كان عجيباً تصاريف الأيام وتقلبّات النفس البشرية!
لقد كان 2020 عام الوباء الذي جاء من أعراضه الجانبية (ملازمة الدار وقراءة أكثر من مائة كتاب)! لم يكن عاماً عادياً وحسب .. بل كان عاماً مليئاً بالكمامات والكتب.
وفي هذا العام، دأبت على كتابة بعض من يوميات القراءة .. وعن هذا الكتاب، فقد قرأته في شهر (أغسطس)، والذي كان من فعالياته كما دوّنت حينها:
“لا جديد غير القراءة .. ويستمر الحجر الصحي“.
تسلسل الكتاب على المدونة: 245
على الهامش
ومع كتابة هذه المراجعة، استحضر الأجواء التي صاحبتني بعد أن قررت تخصيص أسبوعاً كاملاً لإعادة قراءة مجموعة من إصدارات د. مصطفى محمود التي تزخر بها مكتبتي، والتي حصلت على معظمها وأنا في أوائل العشرين .. ورغم جمال تلك الأجواء، فقد استرجعت كذلك ما عكّر صفو مزاجي! حيث استرجعت سيرة إحدى المنتسبات لدجل التنمية البشرية، وهي مشتتة بين وظيفة حكومية، وعمل خاص، ودراسة وهواية، وخلق علاقات، وتكديس بشر، واستعراض فارغ، وتسويق مهارات، وبيع كلام .. عندما استعارت مني عدد من كتب المفكّر لحضور جلسة نقاش اشتركت بها مع بعض المهتمين بالقراءة! لقد علمتُ فيما بعد أن التحضير للجلسة يتطلب شهراً بغرض إعطاء الوقت الكافي لقراءة الكتب المتفق عليها والاستعداد لمناقشتها، إلا أن تلك الهشة قد استعارتهم مني قبل الجلسة بسويعات، لتجلس بين الأعضاء وأمامها صف الكتب لا تعلم عنها شيئاً، فتنصت ابتداءً وتلتقط من الأعضاء كلمة من هنا وهنا، حتى تتشدق بعدها في تنظير يطول وتفوح منه شهوة حب الظهور، وقد كانت تدّعي أنها (لايف كوتش)! فعلاً .. ليس كل ما يلمع ذهباً!. لم تقف التفاهة عند هذا الحد، فقد كنت أخبرتها قبل إعارتها بأنني لا أعير كتبي كمبدأ لا أحيد عنه، فضلاً عن أن بعضها يعود إلى مكتبة العائلة التي تضم كتباً عتيقة في طبعاتها الأولى .. فأعرتها كمساعدة وبوعد إرجاعها فور الانتهاء من الجلسة، حتى افاجئ برفضها إرجاعهم وهي تزعم بأنني أهديتها المجموعة لا أعرتها! وبصرف النظر عن الافتراء، فقد أرادت الاحتفاظ بالمجموعة لا لقيمتها الفكرية بل لقدم طبعاتها، حيث ستكون مدعاة للتباهي! ومن المضحك المبكي أنها عارضت وبشدة اقتراحي توفير نسخ إلكترونية لها من تلك الكتب، وذلك لتتحاشى (الكارما) التي لا بد وستلاحقها إذا قرأت كتاباً تم انتهاك حقوق طباعته!
واللهم إني أعوذ بك من الرياء والنفاق وسوء الأخلاق.
التعليقات