كتاب يرّسخ لفكرة تناسخ الأرواح وفرصة كل روح -كجوهر غير مادي- للتلّقي والترّقي واستمرارية التعلم في هذا الكون الفسيح، من خلال التجسّد في قوالب وظروف وأجناس وأمكنة وأزمنة وطبيعة مغايرة في كل مرة، وهي تستمد النور الروحاني من المرشدين والمعلمين والنورانيين الذين يعودون في مجملهم إلى المصدر الواحد الأحد .. إلى الله!.
نعم، يتعارض هذا الكتاب مع جوهر العقيدة التي تتأسس عليها الديانات الإبراهيمية والتي لا تقول سوى بحياة دنيوية ثم برزخية ثم أخروية، غير أن هذا التصور العام والتفسير للنصوص المقدسة يأتي ظاهرياً، ولو جاء باطنياً صوفياً لكان روحانياً بشكل أكبر ولتقاطع مع الفكرة الأساسية التي يقوم عليها هذا الكتاب.
يضع الكتاب عام 1994 (د. مايكل نيوتن 1931 : 2016 – Michael Newton) وهو طبيب أمريكي تخصص في الطب النفسي وأصبح فيما بعد عضواً في المؤسّسة الأميركيّة للمشورة النفسيّة، وقد تمرّس في المعالجة بالتنويم المغناطيسي من خلال ابتكار تقنية تساعد مرضاه في العودة إلى حيواتهم السابقة واسترجاع الذكريات والخبرات ورحلات التطور الروحي التي خاضوها، ما يفسّر ظروفهم الحالية التي قد يشوبها مرض ما أو اضطراب أو مشاكل، ويساهم في تحديد جذورها والعمل بالتالي على وضع الحل الأمثل لها، فضلاً عمّا تكشفه لهم هذه التقنية عن مدى أكثر رحابة لوجودهم الكوني. وللطبيب مقابلات متلفزة ومذاعة في بلده، وتحديداً في قناة ديسكفري الوثائقية.
يقسّم د. نيوتن كتابه إلى المراحل التي تخوضها كل روح من مرحلة الميلاد حتى مرحلة الوفاة، والتي تقود بدورها إلى مرحلة جديدة من حياة أخرى .. وهلم جرّا، في حلقة مستمرة من الموت والبعث، مستعيناً بتسع وعشرين حالة من مرضاه الذين عاينهم في عيادته وأخضعهم لجلسات التنويم المغناطيسي، والتي تظهر في الفهرس على نحو خمسة عشرة فصلاً استقطع بها الكتاب ثلاث نجمات من رصيد أنجمي الخماسي .. أسردها تباعاً فيما يلي:
- الفصل الأول: الموت والرحيل
- الفصل الثاني: مدخل عالم الروح
- الفصل الثالث: العودة إلى المقر
- الفصل الرابع: الروح المنفية
- الفصل الخامس: التوجيه
- الفصل السادس: المرحلة الانتقالية
- الفصل السابع: تعيين المكان
- الفصل الثامن: مرشدونا
- الفصل التاسع: الروح المبتدئة
- الفصل العاشر: الروح المتوسطة
- الفصل الحادي عشر: الروح المتقدمة
- الفصل الثاني عشر: اختيار الحياة
- الفصل الثالث عشر: اختیار جسد جدید
- الفصل الرابع عشر: التحضير للإقلاع
- الفصل الخامس عشر: ولادة جديدة
في حين تأمل المترجمة التي عنت بترجمة الكتاب بإتقان من نسخته الأصلية (Journey of Souls: Case Studies of Life Between Lives) في أن يصبح مرجعاً عربياً هاماً لأصحاب العلم والفكر وذوي البصيرة حول ما يكتنف حياة الإنسان من غموض بعد الموت، وحقيقة نسيان هوية الروح الساكنة في كل جسد، وتجارب الاقتراب من الموت التي اختبرها الكثير من الأحياء، فضلاً عن إضفاء مسحة من طمأنينة على قلب كل من فقد عزيزاً .. أعرض بدوري شذرات مما علق في روحي منه، وأقتبس في نص روحي (مع كامل الاحترام لحقوق النشر) كما يلي:
- ليست الروح جسداً ولا حتى بشراً من ذكر أو أنثى، إنما هي كينونة تنتمي إلى عالم أكثر جمالاً واتساعاً من محدودية مساحة أرضية أو علاقات شخصية. يقول د. نيوتن في الفصل الأول: “بعكس ما يعتقد البعض، قلما تهتم الأرواح بمصير أجسادها بعد موتها الجسدي. وليس هذا من علامات القسوة تجاه أوضاع شخصية تجاه الناس الذين كانوا معهم على الأرض، بل هو أكثر إقرارا من هذه الأرواح بنهائية الموت البشري، ورغبتها الجامحة للوصول بسرعة إلى جمال عالم الروح“.
- يبقى رباط خفيّ يصل الروح في تجسدّها البيولوجي بعالم الروح الأزلي الذي تعود في أصلها إليه، على هيئة أحلام ورؤى، أو تصوّرات عقلية عابرة، أو خواطر قلبية خاطفة. يقول د. نيوتن في الفصل الثاني: “لا تموت ذكرياتنا الأرضية أبداً بل إنها تهمس دائما في عقلنا الروحي على رياح أحلامنا الأسطورية، كما تظهر أحيانا في عقلنا البشري صور مصدرها عالم الروح”.
- هنالك فريق للاستقبال معدّ سلفاً للترحيب بكل روح تغادر الجسد البشري، من شأنها أن ترفع من معنوياتها لا سيما وهي تحمل ملامح وجوه مألوفة لها، وهو فريق يعلم بموعد مغادرة تلك الروح ومقر الوصول واللقاء. يقول د. نيوتن في الفصل الثالث: “عندما نلتقي بمجموعات كهذه بعد موتنا، نجد أنهم كانوا إما أزواجنا، والدينا، أجدادنا، أشقاءنا، أعمامنا، أولاد أعمامنا، أو أصدقاءنا في حيواتنا السابقة”.
وقبل الختام، أجد قولاً يوضح فيه د. نيوتن تساؤلاً لطالما عصف بأركان ذاكرتي الروحية، عن مدى اعتبار كل إنسان يحمل عقلاً منفتحاً ونفس مرهفة تستعذب الجمال، ويحيا في خضم صراع يواجه به مساوئ حياة ناقصة .. ذو روح متقدمة، يرقى نطاق إدراكه عن الحدود المادية المحسوسة قد تصل إلى قدرة التواصل روحياً مع كيانات عليا! حيث يؤكد د. نيوتن على أن الروح المتقدمة قد تحمل دلائل ما، مثل “أن تكون الروح صبورة على مجتمعها، وأن تظهر قدرات فائقة في التأقلم والتغلب على الصعاب، والأبرز هو البصيرة النادرة التي تتمتع بها”. رغم هذا، لا يدّعي د. نيوتن لأصحاب الأرواح المتقدمة حياة مطمئنة، إذ “إن هذا لا يعني بأن القدر لا يخبئ لهم الصعاب المتعلقة بالكرما”، بل إنهم متواجدون في معظم مجالات الحياة على اختلافها، حيث إنهم “غالباً ما يكونون في مهن تهتم بتقديم العون للغير، أو التي تحارب الظلم الاجتماعي بشكل ما”. إذاً، هنالك الرقي عن الأنا إلى الخير العام .. هنالك الدماثة والتسامح والترّفع عن جشع الأنانية .. “إن الروح المتقدمة تشع بالهدوء واللطف والتفهم تجاه الآخرين. وبما أنها لا تتصرف بدافع المصلحة الشخصية، فقد تعيش في ظل ظروف صعبة، متناسية حاجاتها الأساسية الخاصة”.
ختاماً أقول: لم أجده كتاباً غريباً كما قد يجده الكثيرون .. بل نعمت معه بالألفة، وهو يقابل ما يتردد صداه في أعماقي.
= = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = =
نقلاً من المفكّرة: جاء تسلسل الكتاب (42) في قائمة لا تنتهي من الكتب التي خصصتها لعام 2022، وقد حصلت عليه في نفس العام من معرض للكتاب في إحدى المدن العربية ضمن (120) كتاب تقريباً كانوا حصيلة مشترياتي من ذلك المعرض، وهو الكتاب الوحيد الذي قرأته في شهر أكتوبر.
أنشطة شهر اكتوبر: ومع ظروف الوعكة الصحية المفاجئة التي صاحبتني طوال الشهر، كنت قد خصصته للعمل على المدونة وإرجاء القراءة لأجل قصير .. وقد صادف الخامس منه يوم ميلادي الذي تمنيت فيه ما كتبت حينها على صفحات مدونتي، قائلة: “في هذا الشهر أريد: أن أكتب .. أن أصمت .. أن أنسى .. أن أغيب .. أن أموت وأحيا من جديد”. قد تكون رسالة روحية خفية تلقيّتها عمّا تمنيت!.
تسلسل الكتاب على المدونة: 355
التعليقات