كتاب لطيف العبارة غزير المعنى .. رغم المفردة العويصة المستخدمة كرمز للشر، الذي سيكون لكل إنسان نصيبه منه لا محالة، وهو يمضي في هذه الحياة! لذا، لا يهدف الكتاب إلى منعه، بل إلى مواجهته بصبر وحنكة، وإلى اكتساب خبرة التعاطي معه في كل كرة، وإلى تتبع مسبباته حتى الجذور: أ خارجياً كان من محيطه، أو داخلياً مما يعتمل في نفسه!؟
يضع الكتاب جرّاح مصري، والذي يوضح في مقدمته أن تلك المفردة العائدة على آلتها المستخدمة في العصور الغابرة للإعدام ببشاعة إنسانية وأخلاقية .. وقد بادت، يؤكد على استمراريتها فعلياً حتى الوقت الحاضر، لكن بصورة معنوية لا جسدية، كالظلم الذي يوقعه الرئيس على مرؤوسه، وسوء معاملة الوالدين، والخيانة بين الزوجين …. وغيرها من صور مؤلمة!
وهو لا يزال في مقدمته، يميّز المؤلف بين أربعة أنواع رئيسية منها، هي: الطائر، الحتمي، الذاتي، أبو لمبة! فالأول يصيب الفرد من حيث لا يدري وهو ماضياً في حال سبيله .. والثاني يصيبه لزاماً جرّاء ظروف اجتماعية أو اقتصادية أو سياسية واقعة .. والثالث يصيب به نفسه كمن يجني على نفسه ولا يجني عليه أبيه .. والرابع يصيب الفرد عن طريق آخر ذو أسلوب خبيث مهادن مستغل، لا ينتبه له في البداية، كحصان طروادة الذي يظهر بديعاً ويبطن القتلة!
وبعد الإهداء، يمضي المؤلف في بحثه وهو يركّز على مراحله الأساسية، تبدو في صفحة المحتويات كما يلي أدناه .. وبها حصد الكتاب أربعاً من رصيد أنجمي الخماسي:
- المقدمة
- ماذا يريد هذا الكتاب منا؟
- الخازوقمتر
- المخزوقمتر
- الصناعة
- القهر والتأقلم
- التلاعب
- المفاجأة
- السطحية
- الشفقة
- الحاجة
- الثالوث المظلم
- التفادي
- الشبع
- الحدود
- الحكمة
- الواقعية
- الجرأة
- التعافي
- التجاوز
- المثالية والسيطرة
- التواصل
- الاعتراف
- التطور
… ثم ينهي المؤلف كتابه بـ (كلمة النهاية)، يتبعها حفنة من آراء القرّاء جاءت بعنوان (قالوا عن الخازوق)، وقد أثرت بجد محتوى الكتاب وأبرزت مدى تأثيره والتوصية بقراءته .. فضلاً عن حس الفكاهة المصاحب لتلك الآراء، والساخر في بعضه!
ومن تلك المراحل الثلاث، أدوّن ما علق في ذهني بعد القراءة، وباقتباس في نص مؤلم (مع كامل الاحترام لحقوق النشر):
- في ختام (الصناعة: الثالوث المظلم)، وبعد أن يجيب المؤلف على سؤال يستهدف الأشخاص الذين يستهويهم أذى الآخرين، فيعرّفهم من خلال ثلاثة أنماط شخصية منحرفة (النرجسي، السيكوباتي، الميكيافلي)، يقول لافتاً الانتباه نحو الفهم المغلوط لدى البعض لمعنى الحب الممنوح: “هناك قناعة مغلوطة عند شريحة واسعة من البشر، وهي أن المحبة والعطاء قادران على تغيير مثل تلك الكائنات المشوهة ليفسر الإنسان المسكين خزوقته بأنها كانت بسبب فشله في إعطاء هؤلاء الكائنات المحبة والاحتواء المطلوب! وكأن الذنب في سلوكهم الظالم ذنبه لأنه عجز عن تغييرهم .. كزوجة ساذجة تعلل غدر زوجها وخيانته بأنها كانت مشغولة في الحياة ولم تكثر من تقديم الاهتمام المستمر له، ولا تعلل الغدر والخيانة بأنهما طبعان فاسدان في زوجها. والحقيقة أن لا شيء يمكن أن يغير إنساناً إلا قرار واعٍ صادق من نفسه، قرار حازم بعقلية جديدة. بالطبع البيئة المحيطة بالشخص قادرة على مساعدته للتحول سواء للأفضل أو الأسوأ، لكن في النهاية هذا اختياره في الأساس، اختياره أن يتعامل برحمة وعدل، اختياره أن يتوقف عن الأذى اختياره لأن يستوعب حقاً قيمة أخيه الإنسان. فالمطلوب قوله أنه ليس من الطبيعي أو العادي أن يسر الإنسان السوي بألم أخيه الإنسان أو يتلذذ لأنه يعاني، بل هذا يعني وجود خلل وانحراف في جوهر هذا الشخص”.
- ومع (التفادي: الجرأة) يستهل المؤلف حديثه بمقولة الروائي الكويتي عبدالوهاب الرفاعي، في شحذه للهمم نحو المطالبة بالحق بلا تردد: “لا تخجل من المطالبة بحقوقك، لأن هناك من لا يخجل من سلبها منك”.
- أما في (التعافي: الاعتراف) فيستشهد المؤلف بمقولة الشاعرة الأمريكية (مايا أنجلو) الناصحة: “عندما يظهر لك الناس حقيقتهم .. صدقهم”، ليدع الضحية الذي يواجه موقف سقوط قناع عزيز عليه، أمام خيارين: إما الإنكار أو الاعتراف! فيحذّر بلغة الخبير، وقد أوضح أن الإنسان بطبعه يميل إلى “الإنكار الوردي” كأفضل السيناريوهات المتاحة ضمن أخرى قد تكون الأسوأ: “فالإنسان ينكر لأنه لا يقوى على مواجهة ذاته بحقائق مؤلمة، فهروبه من ألم الحقيقة لكهف اللذة المغشوشة كفيل أن يصنع منه كائناً منافقاً بامتياز. ليكن أول الطريق للتعافي من الخازوق هو الاعتراف بوجوده. وإلا كيف سيعالج الإنسان مشكلة لا يعترف بوجودها؟ كيف يسامح نفسه عن خطأ لا يعتبره قد حدث؟”.
هذا جيد .. وللمؤلف كتب أخرى قد اقرأ شيء منها قريباً.
= = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = =
نقلاً عن المفكرة: جاء تسلسل الكتاب (65) ضمن قائمة لا تنتهي من الكتب التي خصصتها لعام 2024، والذي أرجو أن يكون استثنائياً في جودة الكتب التي سأحظى بقراءتها خلاله، وهو في الترتيب (10) ضمن قراءات شهر يونيو. وعن اقتنائه، فقد حصلت عليه من متجر بيت الكتب الإلكتروني في ديسمبر من عام 2023، ضمن أكثر من (120) كتاب كانوا حصيلة مشترياتي من تلك الشحنة.
ومن فعاليات الشهر: القراءة فقط ولا شيء سواها .. وهي تكفي!
ومن الكتب التي قرأتها في هذا الشهر: قناع بلون السماء / سبعة أصناف من الأشخاص تجدهم في المكتبات / بين الجزر والمد / كيف تلتئم: عن الأمومة وأشباحها / الحياة مهنة تافهة
وعلى رف (علم النفس) في مكتبتي عدد يصل إلى (125) كتاب، منها ما هو قديم جداً .. أذكر منها: (خمسون طريقة للقضاء على الاكتئاب من دون عقاقير) – تأليف: سارة روزينثال / (التخاطر عن بعد والاستبصار: قوة العقل والإرادة) – تأليف: غاي ليون بليفير / (نوادر جحا الكبرى: وآراء علماء النفس في فلسفة الضحك) – تأليف: خليل حنا تادروس / (الألم النفسي والعضوي) – تأليف: د. عادل صادق / (الطوطم والتابو) – تأليف: سيغموند فرويد / (التفرد والنرجسية) – تأليف: ماريو جاكوبي / (مدخل الى العلاج النفس الوجودي) – تأليف: رولو ماي / (فهم الأمراض النفسية) – تأليف: دين برنيت / (هلوسات) – تأليف: أوليفر ساكس / (المدينة الوحيدة: مغامرات في فن البقاء وحيدًا) – تأليف: أوليغيا لانغ / (الدليل العملي لمهارات العلاج الجدلي السلوكي) – تأليف: ماثيو مكاي / (حياة تالفة: أزمة النفس الحديثة) – تأليف: تود سلون / (هل ستأكل قطتي مقلتي؟) – تأليف: كيتلين دوتي / (أنت البلاسيبو: العلاج الوهمي) – تأليف: جو دسبنزا / (ربما عليك أن تكلم أحداً: معالج نفسي وحياتنا كما يكشفها) – تأليف: لوري غوتليب
تسلسل الكتاب على المدونة: 515
التعليقات