كتاب يؤرخ للحروب الدينية من منظور مؤرخ بريطاني محايد! فمنذ عدة قرون مضت، أصبح كل من يحمل سلاحاً يشرعنه الرب على يقين مطلق بأنه قائم على الحق وخصمه ذاك على باطل بواح .. من السياسة الإمبريالية لعصر الخلافة الإسلامية حتى راديكالية الإرهاب الإسلامي في الوقت المعاصر، ومن الحروب المسيحية الصليبية إلى حروب البلقان التاريخية حتى تسعينيات القرن الماضي! وما يجعل الخطب في هذه الحروب المقدّسة أكثر ترويعاً هو الدماء التي انتُهكت تحت صنوف من تعذيب واغتصاب وسبي وحرق وقتل جماعي ومحاكم تفتيش وحروب صليبية وأعمال إرهابية وكثير من أعمال وحشية مارسها الإنسان ضد أخيه الإنسان برخصة من إلهه، كما ادعّى. والمؤرخ كمسيحي غربي، يعتقد أن ما استجد على الساحة العالمية من هجمات إرهابية تُنسب للإسلام، إنما جاء كنتيجة حتمية للاحتقان التاريخي الذي فجّر غضب المسلمين وأثار سخطهم المكبوت جرّاء ما قاسوه من اضطهاد ورفض وحرب وعنف وتقتيل، وقد كان للحروب الصليبية في ذلك الدور الأكثر تأثيراً، وهي ليست بريئة بالتمام مما يُنسب إليها من جرائم. وهو إذ يشير إلى الكثير من المفكرين في آرائهم حول هذه المسألة الحرجة عالمياً، يعتقد من وجهة نظر أكثر حداثة بأن العقيدة الإسلامية بحاجة إلى تبني نوع من الإصلاح الخاص لحل قضاياها الداخلية، لا سيما تلك التي يدور رحاها بين أتباع المذهبين السني والشيعي، والتي لا تزال دائرة منذ قرون سابقة، وذلك كخطوة استباقية لأي محاولة تشمل الآخر، وتطمح للتعايش بسلام بين الإسلام والمسيحية كما يتطلع أتباع كلتا الديانتين.
إن تناول القارئ المسلم -على وجه الخصوص- لهذا الكتاب، يُعد تجربة ثرية في حد ذاتها، وذلك من خلال الاطلاع على آراء المغايرين له عرقاً وعقيدة بعقلية منفتحة ومتفهمة ومتقّبلة، لا سيما وأن مؤلفه قد حاول جاهداً التغلّب على عاطفته الدينية وتقديم طرحه على درجة من الحيادية رغم اعتزازه بعقيدته المسيحية كما بدى واضحاً في سياق أطروحته .. رغم مروره كراماً على الديانة اليهودية كدين سماوي ذو صلة مباشرة وموضوع الكتاب.
يقوم الكتاب -الذي تناول تلك الحروب التي شُنت باسم الرب- على ست محاور رئيسية، يستقطع بها ثلاث نجمات من رصيد أنجمي الخماسي. وهي كما يلي:
- الحروب الدينية:
- مدخل موجز
- حروب الفتح الإسلامية: الإمبراطورية الإسلامية (632 : 751)
- الحملات الصليبية
- القوة الإسلامية العظمى:
- صعود الإمبراطورية العثمانية وسقوطها (1354 : 1922)
- تدهور الإمبراطورية العثمانية وقضايا أخرى
- مناظرة الاستشراق: من كان في حالة تدهور، ولماذا؟
- ملك واحد، قانون واحد، إيمان واحد
- شعر الإبادة الجماعية:
- الابتهاج بجرائم القتل باسم الدين في قصائد الشعر
- حرب على الإرهاب أو حالة نزاع مستمر: الحياة منذ 9/11
ومنها، أدوّن ما علق في ذهني بعد القراءة في الأسطر التالية، وباقتباس في نص متطرّف (مع كامل الاحترام لحقوق النشر):
- يؤرخ المؤرخ البريطاني للحقبة التي صعدت فيها القوى الإسلامية. ففي عام 711 للميلاد، كانت جحافل الجيش الإسلامي تقف على تخوم أوروبا وهي على أهبة الاستعداد للهجوم المسلّح، وقد ساعد نشوب الحرب الأهلية بين حكام أسبانيا آنذاك من قبيلة الفندال الجرمانية، لا سيما بعد سقوط روما، إلى إتاحة الفرصة للقائد المسلم الطموح طارق بن زياد محاولة التوغل داخل أوروبا بدءاً من شبه جزيرة أيبيريا التي سقطت في يديه ويد المسلمين، ممهداً لما أسماه تاريخياً بـ “الاجتياح الخاطف والنصر الإسلامي”. يستمر في محور (حروب الفتح الإسلامية) ويقول: “استغرق اجتياح شبه الجزيرة مدة قصيرة، وفي عقد عام 730 وصلت جيوش المسلمين إلى جنوب فرنسا، التي لم تكن بعيدة عن باريس. وكان يبدو أن أوروبا الغربية ستكون الضحية القادمة للحرب المقدسة. إلا أن قوات الإسلام وجدت في فرنسا أخيراً من يوقف تقدمها، بعد مئة عام من الغزوات الهينة”. فبقيادة شارل مارتل الذي كان يتقلّد منصب مدير البلاط الملكي الفرنسي، وتحديداً في عام 732 الميلادي، أي “بعد مضي قرن على وفاة النبي محمد (ص)، هزمت القوات الفرنسية المسلمين في معركة جرت في ناحية تقع بين مدينتي تور وبواتييه. ونجت فرنسا، كما نجت بقية أوروبا الغربية أيضاً من الغزو”. لقد كانت تلك الجيوش الإسلامية على درجة من العزم واليقين نحو فتح ديني يكتسح أوروبا المسيحية، غير أن القدر شاء أمر آخر، حيث “يتساءل المؤرخ البريطاني الكبير إدوارد غيبون (1737-1694) مندهشاً، كم كانت الحياة ستختلف يا ترى، لو أن تلك المعركة اتخذت منحى آخر؟ أكان فقهاء أوكسفورد المسلمون سيدرسون القرآن، بدلاً من أن يدرس رجال الكهنوت المسيحي كتابهم المقدس؟ إنه سؤال مثير للاهتمام، وكما قال غيبون بإيجاز في الفقرة نفسها، التي ترينا كم كان الغرب قريباً من أن يكون محتلاً، لأن أنهار أوروبا الغربية لم تكن تمثل عائقاً طبيعياً كبيراً أمام الجيوش الاسلامية، كما لم تكن عائقاً كذلك، أنهار الشرق الأوسط وشمال إفريقيا”.
- يؤكد المؤرخ وهو ينتقل بدوره للحديث عن (الحملات الصليبية) بأنها كانت خطأ تاريخي يتعارض مع مفهوم الحرب المقدسة وفق الكتاب المقدس كحق في الدفاع عن النفس، كما استنكرها من قبل مؤسس البروتستانتية مارتن لوثر ومعه المبشرين الكاثوليك، ومن بعدهم مسيحيو ما بعد عصر النهضة حتى العلمانيين في القرن الواحد والعشرين. فيقول وهو يتحدث عن الحملة الصليبية الأولى المسماة تضليلاً بـ “صليبية الفقراء” وهي قد انطلقت ضمن عدة جيوش نحو الشرق، وتحديداً نحو القسطنطينية كنقطة انطلاق نحو فلسطين كهدف نهائي، وقد حققت أول انتصاراتها عام 1097 في إحدى مدن الأناضول العتيقة، ومن ثم التوغل والاستيلاء على مدينة أنطاكيا الواقعة شمال سوريا والتي لم تكن بالمهمة السهلة أبداً: “ولقد مضت سنة واحدة أخرى تماماً قبل أن تحقق الحملة الصليبية الهدف الفعلي: الاستيلاء على القدس .. المدينة المقدسة. وكما هو معروف على نطاق واسع اليوم، ومسجل في واحدة من دوريات القرون الوسطى، كان الصليبيون يغوصون في الدماء حتى كواحلهم عندما تمكنوا في نهاية المطاف من الاستيلاء على المدينة. ذبح الجميع، وطالت المذبحة سكان المدينة المحليين من اليهود والمسيحيين والمسلمين، جميعهم على السواء”.
قد يؤخذ على الكتاب (Making War in the Name of God – By: Christopher Catherwood) حشد كم من المعلومات وبتفاصيل متشابكة في موضوع واحد، كما جاء في المحور الرابع للكتاب، والذي لم أتمكن من استيعابه تماماً، حيث لجئت إلى استخدام تقنية القراءة السريعة مع تجاوز بعض الفقرات منه، والصفحات كذلك.
وكعادتي في تقصي الكتب التي يشير إليها كل كتاب اقرؤه، في مادته أو في مراجعه، فقد وجدت مجموعة ثرية جاء بها هذا الكتاب أحاول اقتناءها قدر الإمكان. ومن الكتب التي ضمّتها: فقه الجهاد – تأليف: ديفيد كوك / الكفار – تأليف: أندرو ويتكرافت / بين الحرب والسلام – تأليف: دافيس هانسون / قرون الإمبريالية الإسلامية – تأليف: إفرائيم كارش / القرآن: مدخل وجيز جداً – تأليف: ميشيل كوك / الذميون: اليهود والمسيحيون تحت الحكم الإسلامي – تأليف: بات ياعور / تاريخ أكسفورد للحروب الصليبية – تأليف: ماركوس بول
أخيراً، ورغم أن المؤرخ يعتقد في واقعية النزاع الديني كنزعة متأصلة في الطبيعة البشرية التي لا يمكن أن تتغير بشكل فجائي، والتي تعكس الجانب المظلم من القلب البشري الذي يتوق إلى قتل مخلوقات لا تؤمن بشريعته، تنفيذاً لشرع الله، فإنه يتفاءل بعالم ينعم بالتسامح الديني والسلام والتفاهم وغيرها من قيم الإنسانية التي من شأنها أن تنتصر على العنف الذي شهده العالم منذ القدم حتى اليوم.
= = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = =
نقلاً من المفكّرة: جاء تسلسل الكتاب (9) في قائمة لا تنتهي من الكتب التي خصصتها لهذا العام .. 2022، وقد حصلت عليه من معرض للكتاب في إحدى المدن العربية من نفس العام ضمن أكثر من (120) كتاب كانوا حصيلة مشترياتي من ذلك المعرض.
أنشطة شهر فبراير: ومع هذا الكتاب، قرأت ستة كتب أخرى.
تسلسل الكتاب على المدونة: 341
التعليقات