الكتاب
حالة حرجة: قصص حقيقية من داخل المستشفى
المؤلف
دار النشر
نوفا بلس للنشر والتوزيع
الطبعة
(1) 2007
عدد الصفحات
136
النوع
ورقي
تاريخ القراءة
11/24/2018
التصنيف
الموضوع
وخلف باب الطبيب الموصد .. حكايات
درجة التقييم

حالة حرجة: قصص حقيقية من داخل المستشفى

كتاب سلس في لغته وسرده وخبره رغم القيمة العالية للعبرّة المرجوّة في قصصه المرويّة .. وهي قصص جرت أحداثها بين مريض وطبيبه خلف ستائر ثقيلة وأبواب مغلقة، وقد يكون أياً منا هو هذا المريض!. هكذا يتوّخى المؤلف وهو يطرح مجموعته القصصية التي عايش معظم أحداثها، وقد راعى في هذا الحفاظ على الخصوصية التي أؤتمن عليها.

على الرغم من أن هذا الكتاب الخفيف يحمل رسالة جلّية في نُبل مهنة الطب ومن يتمرّس فيها وهو أمر لا يختلف عليه اثنان، إلا أن تلك المهنة قد يشوبها من اللاأخلاقية ما يجعل الكثير يحمل ذكرى عن قصة أو أكثر مع طبيب التقاه .. مؤلمة بدرجة أو بأخرى! لا ألم العلاج، بل ألم نظرة أو كلمة أو تصرف أو موقف، لا سيما عندما تتحول المهنة إلى (بزنس)، وتعلو المادة فوق ضمير الطبيب وذمته!. ليست تلك القصص من الصعوبة بمكان حتى تُكتب وتنشر، إلا أنه يبدو مستبعداً أن يضطلع طبيب بتبنيها، إما حفاظاً على سمعة المهنة إن كان مثالياً، أو من باب التكتّم على أقرانه من تجّار الأرواح لا سيما إن كان هو أحدهم!. على كل حال، وإن لم تُنشر إعلامياً، فالمرضى أهل لنشرها في مسارات الحياة، وتصاريف القدر كفيلة بأن تقابل كل ذرة خير بخير وكل ذرة شر بأختها.

وبينما يكتفي الكتاب القصير بعرض وسائل التواصل اجتماعياً مع المؤلف، تعرض شبكة المعلومات نبذة للتعريف به! إنه طبيب وكاتب إماراتي، حاصل على بكالوريوس الجراحة العامة من كلية الطب، ويحمل كذلك البورد العربي في طب الأطفال، وهو يعمل حالياً كأخصائي في الجهاز الهضمي للأطفال.

أما الفهرس، فيعرض قائمة من عشرين عنواناً تبدأ بـ (المقدمة) يليها (تنويه وتعريف)، يحظى معها الكتاب بثلاث نجمات من رصيد أنجمي الخماسي. ومن القصص التي بقيت عالقة في ذهني بعد القراءة عدد لا بأس منه أعرضها في الأسطر التالية، وباقتباس في لون يثير الانتباه كما في أي حالة حرجة (مع كامل الاحترام لحقوق النشر):

  • يبدأ الطبيب بقصته التي جاءت بعنوان (روبرتو كارلوس)، عندما استسلم في صغره لجلسة علاج شعبية تستهدف تضميد معصمه الذي كُسر في حلبة كرة قدم، خاضها في مواجهة تحدٍ صبياني معتاد. كان الطبيب ضحية ضمن ضحايا كُثر لحكماء الطب الشعبي في الجيل الذي عاصره .. حتماً لم يكن وحده!. يقول الطبيب في النهاية مستبرئاً: “أنا لا أحارب الطب الشعبي، لكن أتمنى ألا يتلاعب بعض الناس بصحة أولادهم بحجة أن الطب الشعبي أفضل من الطب الحديث المبني على التجارب العلمية”.
  • قصة فتاة (اسمها دانة)، المشوّهة ظاهرياً والفائقة الجمال في الأعماق .. وكما يقول الطبيب قبل سرد القصة: “حينما نؤمن بأنفسنا نصير أجمل”. يضيف الطبيب في هذه القصة معلومة علمية قد تفيد الكثير، فيقول “الإنسان الطبيعي قد يرى في تخطيط القلب مجرد أشكال غريبة لا تعني له الشيء الكثير، لكن الطبيب المتمرس يعلم أن وراء كل انحناءة وتغيير في المسار تكمن مشكلة قلبية بحاجة إلى عناية وعلاج. الأمور ليست بالبساطة التي نتخيلها، فقد يفقد المريض حياته إذا لم ينتبه الطبيب لتغيير بسيط في تلك الخطوط الصغيرة”.
  • هل هي من سخرية القدر أم من عجيب تصاريفه، عندما يصبح المريض المحتظر في حادث سير تحت رحمة السائق الذي عاجله بالصدمة؟ قد حدث هذا، عندما صدم الجرّاح طفلاً أثناء عبوره المفاجئ للشارع .. فيأتي القرار الفوري من قبل السلطات بنقل الطفل على عجل إلى غرفة العمليات في انتظار الجرّاح الذي تم نقله للتو إلى زنزانة خلف القضبان .. هكذا في أحداث درامية تحت قصة (وللقدر أحكامه).
  • يتحرّج الطبيب في حالاته الحرجة من كلمة (يا غبي) التي عنون بها قصة تلك الأم الغاضبة من شقاوة طفلها الفطرية حين نعتته بها أمامه فقط بين الجدران الأربع!. قد يكون هذا الأسلوب التأديبي الأحمق من مخلفات ثقافة جهل لجيل سابق، اعتبره الأسلوب الأكثر فعالية للتربية (وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا).
  • وعلى الرغم من بشاعة القصة التي جاءت بعنوان (وأد)، والتي وافق فيها قرار الزوج الزوجة على عدم الخضوع لعملية قيصرية من أجل انقاذ حياة الجنين فوراً، فإن التحامل المفرط على الأم (إلى جانب لوم الأب بطبيعة الحال) جاء ذكورياً صرفاً، رغم أن انحلال طبيعة الزوجة الأمومية في تلك اللحظة كان نتاج طبيعي لثقافة ذكورية متأصلة في مجتمع لا يزال يعمد إلى (وأد) الأنثى بأشكال لا حصر لها! لقد كان الطبيب المشرف يتساءل قائلاً: “أن تعلم امرأة أن جنينها في خطر وتقابل هذا الخبر الثقيل بكل برود .. لا بد أنها ليست طبيعية” .. اتفق بالتمام على أنها ليست طبيعية! فحين يشاء الله لها أن تنجب من البنات خمس وهذه السادسة، ثم يعيّر الرجال في هذا المجتمع الذكوري الأب بأنه (أبو البنات) .. وهو لا يزال يحمل كنية (أبو فلان) لا (أبو فلانة) رغم ذريته الأنثوية، ويتم تهديد الأم بالطلاق، أو بالقبول بالضرّة، أو بتحميلها عار انجاب بنات همّهن للممات، أو بعدم كفاءتها في انجاب ذكر يحمل عضواً بارزاً عكس عضو الأنثى المبتور، ليحمل به اسم أبيه وأب أبيه وأب أب أبيه وبقية (أعضاء) العائلة الكريمة .. هذا فضلاً عن إرغامها على الزواج أو تزويجها وهي قاصرة ومن ثم إرغامها على الأمومة التي لم تكن ترغب لا بها ولا بالزواج أصلاً، بل وتنشئتها في صغرها على حقيقة خلقها للبيت والخدمة والزواج وأنها ليست سوى وعاء للإنجاب … فلا لوم إذاً على أم وأدت أمومتها بعد أن وأد المجتمع الذكوري كيانها الإنساني قبل كل شيء!. غير أن الفاعل الأكبر في هذا الوأد هو ضلالات يُضفي عليها فقهاء وأد المرأة صفة قدسية من شأنها القضاء على البقية الباقية من كرامتها (إن بقيت)، منها: (من ابتُلي من هذه البنات بشيء فأحسن إليهن كن له ستراً من النار) .. فعلاً! لا لوم بالمرّة إن كنّ البنات .. (ابتلاء) و (أشياء) .. وهنيئاً لمن اعتنق هذا الهراء فاستحق به كنية: (ابن البلوى) و (ابن الشيء) .. والله المستعان!. مهلاً! أن القصة لم تنتهِ عند حد رفض الجنين الأنثى وتركها تواجه مصير الموت قبل الولادة أو الشلل مدى الحياة بعدها، فقد خُتمت بنهاية سعيدة كسعادة المجتمع الذكوري بالمولود الذكر! لقد رضخت الأم في النهاية لإجراء العملية القيصرية حسب الرأي الطبي، وتحديداً بعد أن تصدّت إحدى الممرضات النسويات لإعطاء الزوجين درساً أخلاقياً -ويبدو أنها قد صدّعت رأسيهما كما تفعل النسويات الطائشات المعاندات فطرتهن .. حسب وصف الذكور- وقد جاء المولود ذكراً .. عكس ما كان متوقعاً (أنثى)! فعمّت الفرحة الديار ودُقت الطبول وزغردنّ الجواري ورقصنّ الشاكيرات .. وتم التضحية بعقيقتين كُرمى لـ (عضو) المولود الذكر لا عقيقة واحدة كما هو الحال في المولود الأنثى .. امتثالاً لأقوال فقهاء وأد المرأة أولئك .. المقدّسة!.
  • أما القصة التي وقعت أحداثها (بعد التخرج) فقد كانت الأقسى في تصوير ما قد يعتمل في النفس البشرية من صراع قاتل، لا يلبث أن يغلب صاحبه إن لم يتسلّح بالإيمان الكافي، والحلم والحكمة، وحُسن التصرف .. وقد ازدادت قساوتها عندما راح ضحيتها طبيب شاب اختار الأصعب من الحلول لمواجهة صراعه المكبوت في صدره مذ كان طالباً أو حتى من قبل .. الانتحار شنقاً.

ختاماً، تزخر الساحة الأدبية بالكثير من الإسهامات التي تعرض من عجائب البشر والقدر ما عايشه أصحابها حقيقة واختاروا من بعد مشاركتها، لا لشيء سوى العبرة .. إن هذا الكتاب هو أحدهم.

 

= = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = =

من الذاكرة: جاء تسلسل المجموعة القصصية (44) في قائمة ضمت (52) كتاب قرأتهم عام 2018 تتضمن كتابين لم أتم قراءتهما، وهي آخر ما قرأت في شهر نوفمبر من بين سبعة كتب .. وقد حصلت عليها من معرض للكتاب في إحدى المدن العربية عام 2017 ضمن (55) كتاب تقريباً كانوا حصيلة مشترياتي من ذلك المعرض.

تسلسل المجموعة القصصية على المدونة: 116

 

تاريخ النشر: مارس 16, 2022

عدد القراءات:1550 قراءة

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *