تتمة مروعة للطفلة التي (لم تخبر ماما) عن وحشية (بابا) بعد أن (تركوه يعود) من مذبحه .. يعوي الذئب شبقاً في داخله .. في أقبح ما يكون شر البشر، وفي أعجب ما تصمد الروح!.
إنها السيرة الذاتية للروائية الإيرلندية (انطوانيت ماغواير) أو (توني ماغواير Toni Maguire) كما تُعرف .. المولودة عام 1944 في ايرلندا لأم انجليزية وأب ايرلندي، والتي تقرر عام 2006 في جرأة وإصرار أن تنشرها في جزئين (Don’t Tell Mummy / When Daddy Comes Home)، بكل ما فيها من قسوة وقهر وبشاعة ومأساوية، لا تمت للإنسانية بصلة .. حينما عكف والدها على اغتصابها تحت التهديد منذ أن كانت طفلة في السادسة من عمرها، وبتغافل من والدتها التي لم يكن يشغلها سوى الحفاظ على صورة العائلة النمطية الناجحة في المجتمع الأوروبي آنذاك، حتى فضيحة حملها من والدها سفاحاً وهي فتاة في الرابعة عشرة من عمرها واجهاضها، ومن ثم إيداعه السجن لمدة أربع سنوات، وإيداعها هي في مصحة ترعى المراهقات .. وقد شهدت سيرتها تلك نجاحاً منقطع النظير بعد أن أذهلت القرّاء واحتلت قائمة الكتب (الأكثر مبيعاً) بعد نشرها.
لست ممن تهوى قراءة القصص ولا قصّها عادة، فضلاً عن عنصر التشويق الذي أعتقد أن الإبقاء عليه مُصاناً هو حق محفوظ للقارئ لا سيما من أجل تفاعله مع ما يقرأ! لذا أكتفي بسرد مقتطفات درامية مما علق في روحي بعد إتمام قراءة الجزء الثاني من سيرتها، وقد على الغلاف عبارة “ظنّت أنها في أمان .. كانت مخطئة”:
- تهرب الأم من العار الذي لحق بعائلتها، فتبيع المنزل، وتنتقل إلى مدينة بلفاست وتدير مقهى تتكفل من خلاله بإيجاد عمل لابنتها انطوانيت كنادلة، بعد أن بلغت سن السادسة عشرة، وقد بدت أن الحياة استتبت لها، وكأنها استعادت شيئاً من الثقة التي فقدتها في والدتها.
- تطلب منها والدتها أن تُحضر والدها من السجن إلى البيت، في اليوم الذي سيتم فيه إطلاق سراحه بعد انقضاء المدة، فتصبح وجهاً لوجه معه حين بادرها بكلمة: “أنا آسف”، ولم تُبدِ ملامحه أي نوع من القلق، في الوقت الذي حاولت التصرف معه بطبيعتها رغم ارتباكها العارم.
- كانت قد بدأت في الشرب والمواعدة وحياة السهر ومجاراة الموضة، وحين لاحت في الأفق تباشير علاقة غرامية مع أحدهم، اعترفت له بقصتها الدامية التي أتقنت اخفاؤها عن الجميع، فإذا به يتركها في قسوة ومن غير رجعة وقد كان منّى نفسه بالزواج منها .. الرفض الذي ضاعف من قسوة الزمن حين تكالب عليها بأهله ووحوشه!.
- يبدأ أباها في التدخل في حياتها التي لا تستهويه، حتى يعود يوماً إلى المنزل تفوح منه رائحة الخمر، فيأمرها فوراً بإغلاق الموسيقى التي كانت تديرها، وحين ترفض يلطمها في صدرها بينما عيناه تتفحص كامل جسدها!. وفي اللحظة التي تهدده بإخبار الشرطة، تصل والدتها وتتدخل لتحثّها على ترك المنزل بعد أن قرر أباها طردها منه.
- بعد مرور الأعوام الطوال بأحداثها الدامية التي تعصف بحياة انطوانيت منذ صغرها حتى كبرها، تشهد ختاماً على وفاة أمها في مصحة وهي تتلقى العلاج، ثم أباها في المستشفى وحيداً، بعد أن تم نقله من مقر إقامته في الخدمة الاجتماعية، وقد مات في داخلها شعور الغضب الذي رافقها طيلة حياتها بعد أن رأته ممداً هناك لا يملك من أمره شيئاً .. جسداً ميّتاً بعد أن كان مفعماً بالحياة فحلاً شبقاً يغتصبها مراراً وتكراراً مع سبق الإصرار والترصد ويتسبب في حمل أخاها منه سفاحاً، وهي لا تزال طفلة، فتجهض وتقدم على الانتحار وتودع في مصح نفسي!.
ومن السيرة الذاتية التي تحصد رصيد أنجمي الخماسي ولا تبقِ، أقتبس في نص مخنوق ما ورد في مواساة القاضي الذي نظر في قضيتها وأصدر الحكم على والدها، عندما انفرد بها في مكتبه وأسرّها قولاً سيبقى خير معين لها ما تعاقبت عليها السنين وما استمر غدر الزمان بأهله نحوها (مع كامل الاحترام لحقوق النشر) كما يلي:
“وبينما كانت تغادر الزنازين، أخبروها أن القاضي يتمنى أن يستقبلها في مكتبه. وهناك، بعد أن تخلّص من شعره المستعار وردائه الأحمر، بدا أقل تأثيراً وأكثر لطفاً. جلست في المكتب الصغير، وشعرت بمواساة في كلماته: «ستكتشفين يا أنطوانيت أن الحياة ظالمة، كما سبق لك وأدركت ذلك. سيتهمك الناس، فضلاً عن أنه سبق لهم وفعلوا ذلك! ولكن أصغ لي جيداً .. قرأت تقارير الشرطة، ورأيت ملفك الطبي .. أعرف تماماً ما كابدته، وأؤكد لك بأنه لا ذنب لك في كل هذا، وليس عليك أن تشعري بالعار». ابتسم ثم رافقها إلى الباب. غادرت المحكمة وهي تحتفظ بكلماته في مخبأ داخل ذهنها .. كلمات ستتذكرها على مر السنين لتواسي نفسها، كلمات ساعدتها في مواجهة عائلة ومدينة لا يشاطران القاضي رأيه”.
ختاماً أقول: إنها سيرة امرأة تضرب مثلاً صلباً في قيم الإصرار والعزيمة والتحدي التي صاحبتها منذ نعومة أظفارها، وقد واجهت ما واجهته في سن مبكّرة من غدر الحياة الذي عصف بها من الباب الذي ظنت أنه حصنها الآمن .. ولا يزال الأمل الرفيق الوفي في حياة لا بد لها أن تستمر، مهما كان!.
= = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = =
من الذاكرة: جاء تسلسل السيرة (11) في قائمة احتوت على (105) كتاب قرأتهم عام 2020 تتضمن تسعة كتب لم أتم قراءتها، على الرغم من أن العدد الذي جعلته في موضع تحدٍ للعام كان (100) كتاب فقط! وهي أول ما قرأت في شهر مارس من بين عشرة كتب .. وقد حصلت عليها من متجر جملون الإلكتروني للكتب من نفس العام ضمن (35) كتاب تقريباً كانوا حصيلة مشترياتي من تلك الشحنة .. وعلى الرغم من حصولي على الجزء الأول منها عام 2017 إلا أنني قمت بتأجيل قراءة السيرة ككل حتى حصولي على الجزء الثاني منها بحيث اقرأهما تباعاً، وقد حصلت عليه في هذا العام.
لقد كان 2020 عام الوباء الذي جاء من أعراضه الجانبية (ملازمة الدار وقراءة أكثر من مائة كتاب)! لم يكن عاماً عادياً وحسب .. بل كان عاماً مليئاً بالكمامات والكتب.
وفي هذا العام، دأبت على تدوين بعض من يوميات القراءة .. وعن هذا الكتاب، فقد قرأته في شهر (مارس)، والذي كان من فعالياته كما دوّنت حينها:
“ويبدأ الحجر الصحي فعلياً .. إن الوباء حقيقة وواقع معاش“.
تسلسل السيرة على المدونة: 197
التعليقات