الكتاب
تاريخ ويوتوبيا
المؤلف
الكتاب باللغة الأصلية
Amurgul gândurilor - By: Emil M. Cioran
المترجم/المحقق
آدم فتحي
دار النشر
منشورات الجمل
الطبعة
(1) 2010
عدد الصفحات
167
النوع
ورقي
تاريخ القراءة
02/10/2025
التصنيف
الموضوع
الإنسان الممزق بين التاريخ واليوتوبيا
درجة التقييم

تاريخ ويوتوبيا

كتاب آخر عن الواقع الوجودي من وجهة نظر فيلسوف تشاؤمي، لا محل فيه للطوبائية ولا للفراديس ولا للأنظمة السياسية الوضعية!

إنه الفيلسوف الروماني المولد الفرنسي الإقامة (إميل سيوران 1911 : 1995) الذي اصطبغت فلسفته بالتشاؤمية المفرطة حد مراودة نفسه الانتحار، بحيث عدّ كل ما في الوجود مجرد كذبة .. بالعزلة التي ارتضاها وبالنشوة التي التمسها، وقد استثنى منها الموسيقى .. إضافة إلى تأثره بالفلسفات الإغريقية والشرقية والميثولوجيا الدينية. لا يمنع هذا من عدّه مفكّر ذو نظرة ثاقبة، لا يتوارى في نظرته السوداوية خلف مسميّات مبهمة مصطنعة كبعض أقرانه الفلاسفة، بل إنه يُفصح عن جواهره المظلمة، وبكل فجاجة!

يأتي هذا الكتاب الرابع ضمن إصداراته الفلسفية، وهو أكثرها نظاماً من ناحية الفكر والأسلوب، والتي يتصدى فيه من جديد للقضايا الإنسانية المعاصرة، تلك التي عدّها أساسية ولم يقوَ الإنسان بعد على حلها .. وهي أشبه بعلاقته بالتاريخ الذي يحاذي أحلامه وكوابيسه معاً ولم يتمكن بعد من النظر إليه من بعد آخر يسنده نضج فكري وخطابي وعملي، كل على حد سواء! يضرب سيوران في هذا مثلا بالتاريخ الكوني لحضارات المجتمع الإنساني التي ما تلبث أن تنضج إحداها حتى تختفي، فلِمَ تركت الإمبراطورية الرومانية لبرابرة الجرمانيين اجتياحها بعد أن فتحت العالم؟ ولم تقلبت أوروبا في الشقاء لقرون عدة سعياً لتأسيس حضارة كان واضحاً كم هي مهددة بالزوال؟ فتجده يقول: “لا يمكن للناس أن يتخيلوا للحظة واحدة أن ليس للتاريخ معنى! للتاريخ مجرى يسير فيه ويتبعه لكن لا معنى له”.

لذا، يدعو الشاعر التونسي (أيمن حسن) الذي يفتتح الكتاب بصفحات (على سبيل التقديم)، القارئ، للمضي في عالم الفيلسوف الشائك، وهو ويقول في آخر هذه الصفحات: “ولنغص في عالم سيوران الملتبس، غير راجين فجراً ولا نوراً، لأن مثل هذا الميل يكشف لنا عن قدرنا الحقيقي الكامن في إنسانيتنا الممزقة بين الأمل والألم، والبشر والشر، والتاريخ واليوتوبيا”.

يعرض فهرس الكتاب مواضيع عدة، ينال بها الكتاب ثلاثاً من رصيد أنجمي الخماسي، وقد جاءت عن ترجمة جيدة من النص الأصلي (Amurgul gândurilor – By: Emil M. Cioran). والمواضيع هي:

  • في صنفين من المجتمعات: رسالة إلى صديق بعيد
  • روسيا أو فايروس الحرية
  • في مدرسة الطغاة
  • أوديسا الضغينة
  • ميكانيزمات اليوتوبيا
  • العصر الذهبي

ومنها، أدوّن ما علق في ذهني وباقتباس ذو صلة (مع كامل الاحترام لحقوق النشر):

  • يتواصل سيوران مع مواطنه وصديقه الفيلسوف المعروف بـ (دينو) والذي كان معتقلاً في سجون النظام الشيوعي، عبر رسالة كتبها له الأخير يسأله -فيما سأله- أن يحدّثه عما يشغله تلك الأيام، وعن لغته الأم إن كان سيعود للكتابة بها من جديد بعد أن استبدلها بالفرنسية! فيجيبه سيوران بدوره قائلاً في موضوع (في صنفين من المجتمعات: رسالة إلى صديق بعيد): “جميعنا تلاحقنا أصولنا، لكن الشعور الذي تثيره في أصولي لا يُترجم حتماً إلا بكلمات سلبية، في لغة جلد الذات والتسليم بالمهانة والرضا بالكارثة. هل يدخل هذا النوع من الوطنية في مجال اهتمام طب الأمراض النفسية؟ أوافق على ذلك، إلا أني عاجز عن تصوّر وطنية من نوع آخر، ولعل من حقي في ضوء مصيريْنَا، أن أرى هذا النوع من الوطنية ولا داعي كي أخفي الأمر عنك، النوع الوحيد المعقول”.
  • وفي (أوديسا الضغينة) يتطرق سيوران إلى أثر كل من المديح والتقريع على نفس الإنسان! فبينما تبعث الأولى فيه نشوة يقف عندها مشدوهاً، تدفعه الثانية للرد الفوري، إما بالضرب أو بالتفكير في تحضير السم على نار هادئة، وحينها يرضخ عن طيب خاطر لـ “أحابيل التملق وسلطان الضغينة”. يقول سيوران في هذا قولاً فاضحاً لا تشوبه شائبة: “إن القدرة على التخلي هي المقياس الوحيد للارتقاء الروحي. حين نغادر الأشياء وليس حين تغادرنا، نرتقي إلى العري الباطني، تلك المنطقة القصوى حيث نفقد كل خيط بالعالم وبأنفسنا، حيث النصر يعني الاعتزال والتنحي بسكينة ودون حسرة، وخاصة دون مالنخوليا، وذلك لأن المالنخوليا مهما كانت محتشمة وهوائية في مظاهرها فهي تظل على صلة بالبغضاء. إنها حلم يقظة مشبع بالمرارة، غيرة متخفية في زي سقام، ضغينة بخارية .. كلما ظللنا خاضعين لها لم نتخل عن شيء، بل تورّطنا أكثر في (الأنا) دون أن نتخلص من الآخرين، الذين نفكر فيهم بقدر عدم خلاصنا من الذات. ولحظة نعد أنفسنا بالتغلب على الانتقام، نحس بالانتقام يتململ فينا على أهبة الاستعداد للهجوم أكثر من أي وقت مضى، فجأة تطلب الإساءات (المغفورة) حقها في الرد، وتحتل سهراتنا، وأكثر من ذلك، أحلامنا، متحوّلة إلى كوابيس، غائصة أكثر فأكثر في هوينا حتى تصبح مادة لها. وإذا كان الأمر كذلك فلماذا تلعب مهزلة المشاعر النبيلة، أو نراهن على مغامرة ميتافيزيقية أو تعوّل على الافتداء؟ أن ننتقم ولو عن طريق الفكر، يعني أن نقف نهائياً أقل من مستوى المطلق. ليست الإهانات (المنسية) أو المتحملة بصمت وحدها، بل تلك التي واجهناها أيضاً، هي ما ينخرنا ويضنينا ويحاصرنا إلى آخر يوم في حياتنا، وهذا الأمر الذي يفترض أن يحط من قدرنا في عين أنفسنا، يملؤنا زهوا، على العكس من ذلك، ويجعلنا محاربين شرسين. لن نغفر لأحد من الأحياء أقل إذلال، أي كلمة، أي نظرة مشوبة ببعض المنع. وليس صحيحاً أننا قد نغفرها له حتى بعد موته. قد تهدئ من روعنا صورة جثته وقد تدفعنا إلى التسامح، ولكن ما أن تتلاشى الصورة وما أن تتغلب صورة الحي في ذاكرتنا على صورة الميت وتحل محلها، حتى تنبعث ضغائننا القديمة وتضطرم من جديد مع ذلك الموكب من أحاسيس الخزي والإهانة التي ستستمر قدر استمرارنا، والتي كان لذكراها أن تكون أبدية لو قدر لنا الخلود”.

 

= = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = =

نقلاً عن المفكرة: جاء تسلسل الكتاب (8) في قائمة طويلة جداً خصصتها لعام 2025، وقد حصلت عليه من متجر (بيت الكتب) الإلكتروني في ديسمبر من عام 2023، ضمن أكثر من (120) كتاب كانوا حصيلة مشترياتي من تلك الشحنة .. وهو ثالث ما قرأت في فبراير!

لقد كان الكتاب الثاني لهذا الشهر هو (على مرتفعات اليأس)، وهو للفيلسوف أيضاً، بينما قرأت له مسبقاً كتاب (اعترافات ولعنات).

من فعاليات الشهر: لا شيء سوى محاولة إيجاد الوقت الكافي من بين مهام الحياة الأخرى .. لقراءة المزيد!

ومن الكتب التي قرأتها في هذا الشهر: تهمة اليأس / على مرتفعات اليأس / المرض طريق الموات

تسلسل الكتاب على المدونة: 608

تاريخ النشر: فبراير 18, 2025

عدد القراءات:39 قراءة

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *