كتاب (فضائحي) يكشف عن سوأة قوم يهود وهو يسرد جملة من تفاصيل حياتهم الدينية والاجتماعية والسياسية، وقد حرص الكاتب على الالتزام برقي العبارات ومراعاة المصداقية والحيادية وهو يسطّر ما جادت به رحلته إلى أرض فلسطين المحتلة من مشاهدات وعجائب وتناقضات وفضائح لشعب محتل غريب، ذو طقوس أعجب وأغرب .. وكما قال ابتداءً: “هذا الكتاب رحلة في أعماق المجتمع الإسرائيلي المعاصر والقديم .. رحلة داخل أغرب دولة”.
ورغم اتخاذ الكتاب عنواناً جذاباً يسيل له لعاب المتطفّلين، إلا أنه ليس بالضرورة يُقرأ من عنوانه، فقد تطرق إلى مواضيع شتى تضمنت (الجنس اليهودي الناعم) كموضوع ساخن من بينها! فيعرض فهرس الكتاب -بعد الإهداء والكلمة الأولى والتعريف بمعنى كلمة إسرائيل- أربعة عشر موضوعاً تتحدث عن بني إسرائيل (بلا حرج): لغتهم.. بناتهم.. سبتهم.. حاخاماتهم ومومساتهم.. فنادق الدعارة وخياناتهم الزوجية.. زواجهم وطلاقهم.. اليهودي محمد أفندي.. الجولان ووجع القلب.. وتختم بهموم مقدسية ذات شجن.
ففي هذه الرحلة، يدخل الكاتب الكنيست ويحاور وزير الأمن الإسرائيلي عن الدعارة والإرهاب، ثم يقف أمام حائط المبكى ويشاهد اليهود يحشرون رسائلهم للرب بين الشقوق .. يمشي في طريق الآلام ويستريح في دير السلطان .. يصلي في المسجد الأقصى ويبكي في مغارة الأنبياء .. يزور كنيسة القيامة وينام في القدس معظم الأيام. وهناك، يتعرف على مهاجرين ينتظرون حصولهم على شهادات تحوّلهم للديانة اليهودية، بعد استيفائهم للشروط! فأما الرجل، فعليه أن يقف أمام لجنة مكونة من ثلاث حاخامات في بيت الدين، حتى يتأكدوا من خضوعه لعملية ختان وذلك بعد أن يخلع لباسه الداخلي، وأما المرأة فعليها أن تغطس في الحمام المقدس حتى تغمرها المياه، ثم يحاورها الحاخامات وهم واقفين أمام الحمام من مكان ما في الأعلى. وهناك أيضاً، يقابل صهاينة ليسوا بيهود ويقابل يهود ليسوا بصهاينة، ويقابل يهود ليسوا بإسرائيليين ويقابل إسرائيليين ليسوا بيهود بل مسلمين ومسيحيين حصلوا على الجنسية الإسرائيلية. وأخيراً هناك، يصعد إلى هضبة الجولان ويعيش أياماً مع الدروز، ويعاين الأعلام السورية داخل البيوت، ويستمع إلى صوت الانتفاضة من فوق الحوائط .. حتى يقف للحظات فوق جبل الشيخ، الذي حين نظر أمامه شاهد دمشق وحين التفت خلفه شاهد تل أبيب.
على هذا، يحصد الكتاب أربعة أنجم من رصيد أنجمي الخماسي، والذي أدوّن من خلال الأسطر القادمة ما علق في ذهني منه بعد قراءته، وباقتباس في نص صارخ (مع كامل الاحترام لحقوق النشر):
- يعبّر الكاتب عن أول ما أثار استغرابه في اليهودي، الذي وجده مخالفاً لصورة نمطية ترسّخت عنه! فيقول في (كلمة أولى): “لم أجد اليهودي الذى صورته لنا الأفلام بهذا الشخص حاد الأنف، البخيل، الأخنف .. بل وجدت يهوداً أوروبيين وسوفييت على قدر كبير من الأناقة والكرم وحلاوة الصوت، وإن كنت قد وجدت يهوداً آخرين يصيبونك بالأرتكاريا! لم أجد بائعات الهوى والداعرات ينتظرن الرجل في الشوارع وبيوت الرذيلة، بل وجدت مجتمعاً من الحاخامات المتشددين، وشعباً يمشى وهو حامل التوراة والتلمود ويقرأ منهما، وإن كنت قد وجدت في بعض المناطق بيوتاً للدعارة وفنادق للجنس وبائعات للهوى محترفات وهاويات .. لم أجد شعباً له جنسية واحدة أو تاريخ واحد أو لغة واحدة، بل وجدت الإسرائيليين يتكلمون ستين لغة، ويحملون سبعين جنسية، وإن كنت قد وجدت في نفس الوقت طوائف دينية مازالت تحرص على شكل واحد ومضمون واحد وهدف واحد .. هو كراهية العرب”. فمنهم “يهود من اليمن والعراق ومصر والمغرب وتونس ويهود من أوروبا ويهود من الاتحاد السوفيتي وآخرون من الولايات المتحدة الأمريكية ويهود من أفريقيا .. وجوه حمراء وأخرى بيضاء وثالثة سوداء .. لسان يتكلم الإنجليزية وآخر الفرنسية وثالث الألمانية .. لا شيء يجمع هذا الكوكتيل اليهودي إلا التوراة”.
- عندما يتحدث الكاتب عن بناتهم، فإنه يخص المجندات اللاتي يعشن في إباحية جنسية لا تحمل معها أي غرابة أو استنكار وهن يصطففن حوامل في صفوف الجيش الإسرائيلي. يقول الكاتب في (بنات إسرائيل): “تقول الأرقام الرسـمية إن 60% من بنات إسرائيل مطلوبات للتجنيد الإجباري، و 70% من المجندات يمارسن الجنس أثناء فترة تجنيدهن، و 50% منهن يستخدمن وسائل منع الحمل .. وبين كل مائة فتاة مجندة فتاة واحدة فقط لم تمارس الجنس من قبل مثل بقية زميلاتها”. وما يثير استغراب الكاتب أن تلك الممارسات الإباحية لا تستند على علاقات غرامية أو لحظات ضعف “فالأرقام تقول أيضاً أن 25% من المجندات اللاتي يمارسن الجنس ليست لهن علاقات ثابتة، فالمجندة تغيّر عشيقها كما تغيّر جوربها كل يوم”. يستمر الكاتب ليؤكد على أن تلك المجندّات يعشقن الجنس وتوابعه، فمنهن 70% من تتعاطين الخمور أثناء فترة التجنيد، وتشربن أكثر من عشرين سيجارة في اليوم الواحد. وعن تبعات أخرى، يقول الكاتب بأن “هذه الممارسات الجنسية جعلت كثيرين من الشباب المتدين يقلع عن الزواج من الفتيات المجندات”.
- وبعيداً عن المجندات من بنات إسرائيل، فهناك المتدينات وهناك الأخريات! أما المتدينات فيحرصن على عدم الالتحاق بالتجنيد الإجباري، إما عن طريق الزواج من زوج تعلّم في المدارس الدينية والتي تُدعى بـ (الياشفاه) و (الكوليل)، أو أن تحظى بحكم المحكمة “فمنذ سنوات ارتفعت نغمة في إسرائيل تطالب بمساواة الفتيات المتدينات بغيرهن من بنات إسرائيل، وإلحاقهن بالتجنيد، لأن حماية إسرائيل واجبة على كل يهودي ويهودية دون استثناء. وإذا بالحاخامات الأصوليين تثور ثائرتهم ويصدرون البيانات الملتهبة التي تحرض الفتيات المطلوبات للتجنيد على عصيان الأوامر ورفض الاقتراحات، حتى لو أدى الأمر إلى الموت أو دخول السجن، فكلاهما أرحم من معصية الرب وغضبه. وكادت تحدث أزمة سياسية غير محمودة العواقب. وتراجع المسئولون بوضع ضوابط لمسألة تجنيد المتدينات، تبدأ هذه الضوابط بأن ترفع الفتاة دعوى أمام المحكمة المختصة، تثبت فيها انتماءها إلى المجتمع المتدين وطقوسه منذ طفولتها. بعدها يصدر الحكم بإعفاء الفتاة من التجنيد الإجباري”. أما الأخريات من بنات إسرائيل فلهنّ أيضاً همومهن، والتي لمواجهتها لا تلجأ إحداهن إلى المحكمة، بل تضع ببساطة إعلاناً تبحث فيه عن “شاب يشاركها الحياة دون زواج” تقول فيه “أنا فتاة جميلة أعيش وحدي في شقة مكونة من ثلاث حجرات. أريد شاباً يشاركني الحياة ويقتسم معي النفقات”. يوضح الكاتب أسباب هذا الإعلان قائلاً: “ومشاركة الحياة واقتسام النفقات تبدأ من إيجار الشقة وثمن الوجبة الغذائية وتنتهي إلى حجرة النوم وسرير الفتاة. فالجنس ضروري ولابد أن يتقاسماه معاً كالطعام والشراب وإيجار الشقة، لكن الدفع هنا لا يتطلب نقوداً ولا نقوطاً ولا أقساطاً .. لا شيكات ولا كمبيالات .. ولا حتى إيصالات. السرير يحل كل هذه المشاكل. لكن من هي؟ “صاحبة هذا الإعلان ليست من المجتمع المتدين داخل إسرائيل، بل هي فتاة ديسكو تعشق السهر والنزهات، تنفق كل أموالها على سهراتها حتى لا تجد شيئاً تدخره لدفع إيجار الشقة”.
- وفي (هذا هو اليهودي)، يظهر هذا مؤمناً بالله الواحد الأحد، ولكنه حين يصلي يصرخ ويبكي ويقوم ويقعد، ولا يأكل لحم الجمل ولا الأرنب. وبينما تنصح الحكمة اليهودية الرجل اليهودي بـ “لا تمش بين خنزيرين أو كلبين أو امرأتين”، فإن امرأته يحق لها طلب الطلاق في حالة ضعفه الجنسي! كم يتماهى هذا القول الأعور مع آخر مكذوب في الموروث الإسلامي، يقول: “يقطع صلاة المرء المسلم المرأة والحمار والكلب الأسود” .. مع التأكيد على ماهية الكلب الأسود دون الأحمر أو الأصفر، إذ “قال: الكلب الأسود شيطان”. أما في (الطلاق على الطريقة اليهودية)، فلا أسهل من فضح الزوج متلبساً بارتكاب الفاحشة، وعليه يجب الطلاق، وإلا فالحبس مآله حتى يعود إلى رشده! يقول الكاتب: “خمسون زوجة يهودية تطلب الطلاق كل يوم في إسرائيل، وأسرع وسيلة للحصول على الطلاق أمام المحاكم هو شريط فيديو يصور الزوج وعشيقته في وضع الزنا. لكن الطلاق لن يتم بحكم المحكمة وحده! لابد أن ينطق به الزوج ليكون طلاقاً شرعياً، وتكتب وثيقته بريشة طائر فوق ورق برشمان، فإذا رفض الزوج النطق بالطلاق وضعوه داخل السجن حتى يعود إليه صوابه. وبسبب هذا القانون قضى أحد الأزواج 35 عاماً في السجن لأنه رفض أن ينطق أمام زوجته بكلمتين: أنت طالق”.
- وعلى الرغم من أن المجتمعات اليهودية المتدينة تعيش ضمن نطاقها المستقل، حيث مستشفياتهم ومدارسهم ومحالهم ووظائفهم الخاصة، إلا أن ظروف الحياة قد ألجأت المرأة اليهودية للعمل خارج هذا النطاق وأصيبت من ثم بازدواجية، حيث أخذت معه في التعاطي مع غير المتدينين لا سيما من الرجال، ومسايرتهم وتبادل النكات والضحكات معهم ومحادثتهم بأسمائهم الأولى، والذي يعتبر محظوراً في المجتمعات المتدينة. حتى إذا عادت إلى منزلها، تجهّمت واكتئبت وسارت في شقتها بخطوات جادة وتعاملت مع زوجها باحترام ظاهر “وإذا خرجت معه سارت إلى جواره دون أن يكون مسموحاً لها بتأبط ذراعه أو لمس يده، لأن التوراة تمنع ذلك على الأزواج، كيلا يثيرا شهوات الآخرين في الطريق العام! هكذا تعيش المرأة المتدينة بشخصيتين”. فلا عجب أن تكثر شكواهن وأحاديثهن عن الطلاق أكثر من أي وقت مضى “بل أصبحت شكواهن حديثاً مملاً مع سائقي التاكسي في المدن المقدسة، والذي غالباً ما يكون فلسطينياً”.
- أما في (حاخامات وبائعات هوى)، فلم يتورع عضو الكنيست من فضح الحاخامات وتصنيفهم كزبائن دائمة لبيوت بائعات الهوى الإسرائيليات، كما أن مدينة إيلات السياحية الساحرة قد أصبحت ملاذاً للأزواج وعشيقاتهم وللزوجات وعشاقهن، وأشبه بوكر للخيانة الزوجية وممارسة الرذيلة. أما في شوارع تل أبيب التي يتجول بها الكاتب، فيصطدم بمنظر قد يبدو مألوفاً إلا للسائح الذي ينبغي عليه ألا يطيل النظر حيث القانون له بالمرصاد! ليس المنظر سوى لعدد من السيارات وبداخل كل واحدة منها شاب وفتى وشيطان ثالثهما .. وللعملية الجنسية أن تتم حتى النهاية بشرط عدم كشف العورات علانية. وفي شوارع تل أبيب أيضاً “نساء يهوديات في غاية الحشمة، وأخريات عاريات كاسيات تبدو الواحدة منهن كما لو كانت خارجة بملابس الحمام إلى الشارع مباشرة، لكن تظل هؤلاء العاريات أكثر حشمة من نساء الشواطئ التي لا سلطان للمتطرفين عليها في تل أبيب! ففي هذه الشواطئ تكاد أوراق التوت أن تتساقط من فوق الأجساد ناصعة البياض، رشيقة القوام عارية الصدر .. البكيني بكل ألوانه يستر البقية الباقية من خلفه”. وعندما يترك الكاتب مدينة يافا ليعود إلى تل أبيب من جديد، يصطدم بمفاجأة أخرى! “محل كبير رائع الديكورات، يجذب الأبصار عن بعد، يبيع العرائس والأعضاء الجنسية لمن يريدون ممارسات غرامية خاصة جداً. الرجل يستطيع أن يشترى حسناء عبارة عن دمية من الجلد الناعم، تعمل بالكهرباء وتبرز مفاتنها وتضاريس جسدها وخبايا جسمها الجميل كما لو كانت من لحم ودم .. يستطيع الرجل قضاء ليلة ساخنة معها في شقته الخاصة دون خوف من فاتورة الأتعاب أو نصوص القانون أو الفضائح، وتصبح ملكاً خالصاً له تلبي رغباته ونزواته المريضة وقتما يشاء! وعلى الجانب الآخر يبيع المحل أعضاء الرجال الجنسية التي تعمل بموتور صغير وتلقى إقبالاً شديداً من النساء والمراهقات! هذه المحلات لا نظير لها إلا في تل أبيب”.
- أما عن المشروع الذي قدّمه رئيس اللجنة التشريعية بالكنيست والخاص بإنشاء فنادق ثلاث نجوم للسجناء من أجل إتاحة الفرصة للالتقاء بزوجاتهم أو حتى بالعاهرات .. بغية الإنجاب، فقد آزره الحاخامات وبشدة، وذلك استناداً للشريعة اليهودية التي تحظ اليهود على التكاثر من أجل المحافظة على نسل شعب الله المختار. “الغريب في نفس الوقت أن أحد المعتقلين السياسيين فجر قنبلته هو الآخر حينما طالب بإدخال «دمية الجنس» إلى زنزانته في السجن ليمارس الجنس معها! هذه الدمية عروس من الجلد على شكل امرأة، ولها ملمس ناعم كملمس النساء تماماً، كما أن لها ثديين من الجلد الخفيف وأرداف لينة يقوم الشخص بنفخها، ويمكن أن تعمل بحجارة البطاريات حتى تتحرك وتهتز وتتبادل القبلات وتتخذ أوضاع الجنس المشهورة والتي يختارها الشخص وفقاً لمزاجه الخاص. هذه «الدمية» تباع في محلات إسرائيل ماعدا المدن الأربع المقدسة، وبأسعار تبدأ من مائتين شيكل إلى ألف شيكل، وكلما توافرت في الدمية التي تكون في حجم المرأة الناضجة ميزات إضافية كلما تضاعف سعرها! وكما تباع الدمية للرجال، تباع «دمية» أخرى للنساء على شكل رجل، لكنه يبدو في حالة هياج بمجرد تشغيل الدمية التي يمكن أن تجعل المرأة في النهاية تتصبب عرقاً وتنطفئ رغبتها الجنسية خلال نصف ساعة على الأكثر”.
- تتطاول التوراة المحرفة فتزعم أن الله قد استراح يوم السبت بعد خلق السماوات والأرض “سُبْحَٰنَهُۥ وَتَعَٰلَىٰ عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا”، وهو يوم يصاب فيه اليهودي بالشلل إلا من طقوس دينية زائفة ومعقدة، لا يزال يحتال فيه ليتجاوزها كما احتال جدّه من قبل زمن النبي موسى عليه السلام. يقول الكاتب في (إلا يوم السبت) أو “الشابات” كما ينطقه اليهود، والذي يعتقدون بنزول الوصايا العشر فيه على موسى: “ممنوع فيه استخدام الكهرباء أو إشعال النار أو كتابة الرسائل أو الاستماع للراديو او مشاهدة التليفزيون، أو الخروج من البيت، أو حمل أشياء في الطريق والميادين العامة، أو تدخين السجائر” .. كذلك “لا مانع من الخروج من البيت إلى المعبد أو البقاء في البيت بشرط الاسترخاء الوقور أو قراءة التوراة”. فما المخرج؟ “لكن هناك من غير المتدينين من يتجاهل الأفعال المطلوبة منه شرعاً أن يبتعد عنها، أو تلك الواجب عليه القيام بها! هؤلاء يذهبون إلى المدن العربية داخل إسرائيل، خاصة القدس الشرقية، وهناك يدخلون المطاعم ويركبون السيارات ويدخنون السجائر ويحملون الأشياء. هناك يقومون بكل المحظورات بعيداً عن عيون المتدينين! لكن بين المتدينين من يتحايل أيضاً على طقوس السبت، بل وصل البعض إلى أبعد من هذا في حالة الاضطرار للخروج من المنزل ومعه مفاتيح الشقة التي أغلق بها الأبواب! كيف يتصرف بينما ديانته تحرم عليه حمل أشياء خارج المنزل يوم السبت؟ الحل ابتكره المتدينون بسهولة، وهو تخصيص مكان في حزام البنطلون مثلاً لوضع مفاتيح الأبواب، وبالتالي لا يعتبر اليهودي نفسه حاملاً لهذا الشيء، لكنه يرتديه”. ومن الحكايات التي لا تنتهي في يوم السبت، مصرع رئيس الوزراء إسحاق رابين على يد أحد المتطرفين “ومن بين طائفة المتدينين من شعر بالأسى والأسف لأن «عامير» سفك دماً في هذا اليوم المقدس، مهما كانت أخطاء رابين من وجهة نظرهم والتي وصلت إلى حد أنه أصبح في حكم الكافر بالتوراة، لأنه وضع يده في يد العرب، بل فرط في أرض الميعاد سعياً وراء مكاسب سياسية، لهذا أهدروا دمه وتمنوا موته ولم يشعروا في أمنيتهم بأي حرج ديني! فإذا كانت النصائح العشر تقول: «لا تقتل» فقد وجدوا لذلك تفسيراً قديماً، فالمقصود من كل وصية والمستفيد منها هو اليهودي، فلا يجوز لليهودي -طبقاً للوصايا العشر على ضوء هذا التفسير- أن يسرق يهودياً أو يقتل يهودياً أو يزني مع يهودية، حتى حب الجار قالوا فيه إن المقصود به هو الجار اليهودي فقط”.
- وبينما تتقاطع كلمة (إسرائيل) في العبرية -والتي هي اسم للنبي يعقوب عليه السلام- مع (عبدالله) في العربية، وذلك حين تجزئة مقطعيها (إسرا: عبد) و (إيل: الرب)، فإن القصة التوراتية التي ينقلها الكاتب في (اللغة العبرية .. حكايات وأسرار) تقول: “إسرائيل كلمة عبرية مكونة من جزئين: (إسرا) ومعناها صارع، و (إيل) معناها الرب. ويعتقدون أن الرب تجسد في شكل رجل وصارع سيدنا يعقوب، لذا أطلق عليه (صارع الرب)”. يؤمن اليهود بأن اللغة العبرية هي اللغة المقدسة في الدنيا، فحسب اعتقادهم، فقد كان آدم وحواء يتحدثان اللغة العبرية، وأن الله تحدث مع النبي موسى كذلك باللغة العبرية، “كما أن لغة التوراة والعهد القديم كانت أيضاً العبرية”. غير أن اللغة العبرية تتقاطع مفرداتها بشكل كبير مع اللغة العربية، والتي أصبحت تتداول بشكل أكبر بين أبناء الشعب اليهودي في إسرائيل بعد أن كانت لغة مهجورة، كما يجيدها عرب فلسطين ويسهل تعلمها خلال أشهر فقط. يورد الكاتب مجموعة من المفردات العربية ونظيراتها في اليهودية كأمثلة، منها: (آدم-آدام / أب-آب / ابن-بين / أبوة-ابهوت / أرض-ايربص / أسبوع-شبوع / إيمان-إيموله / بارك-بيراخ / بسيط-بشوط / نساء-ناشيم / برقية-براك).
- على أرض الجولان ومن قمة جبل الشيخ، تطل مدينة دمشق الفيحاء، وتل أبيب عند الالتفات خلفها .. إنها قطعة من القلب، تنزف معها العين. وعند الخط الفاصل بين سوريا وإسرائيل التي يقطعها حقل من الألغام، تقف عبارة (ممنوع الاقتراب أو التصوير)، “وفي هذا المكان تأتي عائلات الدروز من الجولان ويأتي أقاربهم من سوريا ويتحدثون عبر مكبرات الصوت”. هكذا يقول الكاتب في بداية حديثه عن (الجولان .. قطعة من القلب). وهناك، يلتقي بشيخ الدروز ووفد منهم، فيتجولون في شوارع الجولان التي تحمل جدرانها لافتات مكتوبة بالعربية “الجولان عربية شحماً ولحماً” يجدها الكاتب “عبارات تشبه عبارات الانتفاضة” .. ويطوفون في أحيائها ويدخلون بيوتها، ويأكلون مع أهلها .. تبدو نسائهم فائقات الجمال، ويتحلّى رجالهم “بشهامة فطرية” ولا يكره أطفالهم سوى قوات الاحتلال. ثم تقف السيارة التي تقلّهم عند بحيرة (بركة رام)، فيترجّل الكاتب منها ويأخذ حفنة تراب من أرض الجولان ويقبّلها ويضمّها إلى صدره. “على بعد أمتار شاهدت ضريحاً وزاوية صلاة. سألت شيخ الدروز عن الضريح، فأخبرني أنه ضريح وقبر الصحابي «أبو ذر الغفاري» .. ونظرت إلى جواري فوجدت حفرة مستطيلة يصل عمقها إلى أكثر من مترين، وسألت الشيخ طاهر أبو صالح عن الحفرة، فقال لي وهو يتنهد: إنها خندق من خنادق حرب 1967 وهنا سالت دماء الجنود العرب دفاعاً عن الشرف العربي من خلال هذا الخندق، لكنهم ماتوا واحتلت إسرائيل الجولان … على الضفة الأخرى كانت المستوطنات الإسرائيلية تملأ المكان كله خلف البحيرة”.
- وأخيراً: القدس أو أورشليم .. أرض الأديان السماوية الثلاث، حائط المبكى وهيكل سليمان، مسرى النبي الأكرم ومسجد عمر، طريق آلام السيد المسيح وكنيسة القيامة .. عبق يحمله التاريخ البعيد ليضع القارئ على أحداث جسام توالت على تلك الأرض المقدسة، لا تزال تبعاتها حاضرة شاخصة .. خيراً وشراً.
…… لا تتسع الأسطر للمزيد من عجائب تلك الرحلة .. فالكتاب قيّم، والكاتب عبقري، والقارئ حكيم إن قرر الاطلاع.
= = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = =
من الذاكرة: جاء تسلسل الكتاب (28) في قائمة ضمت (52) كتاب قرأتهم عام 2018 تتضمن كتابين لم أتم قراءتهما. وهو آخر كتاب اقرأه في شهر يوليو من بين ستة كتب .. وقد أكون حصلت عليه وقت إصداره منذ أعوام مضت، حيث قرأته للمرة الأولى وأنا في سن مبكّرة جداً، ونال إعجابي حينها .. وها هو الزمن يعود أدراجه لأقرأه من جديد، وبإعجاب متجدد!
تسلسل الكتاب على المدونة: 91
التعليقات