الكتاب
المرض طريق الموات: عرض مسيحى نفسى للتنوير والبناء
المؤلف
الكتاب باللغة الأصلية
Sygdommen til Døden. En christelig psykologisk Udvikling til Opbyggelse og Opvækkelse - By: Søren Kierkegaard
المترجم/المحقق
د. أسامة القفاش
دار النشر
مكتبة دار الكلمة
الطبعة
(1) 2013
عدد الصفحات
230
النوع
ورقي
تاريخ القراءة
02/12/2025
التصنيف
الموضوع
اليأس كطريق مختصر نحو الموت
درجة التقييم

المرض طريق الموات: عرض مسيحى نفسى للتنوير والبناء

يعرض هذا الكتاب من جانب واحد، فلسفة مركبة عن مفهوم اليأس في نظر فيلسوف معتنق للمسيحية، قد تكون مزيجاً من رؤية وجودية عميقة وتحليل نفسي وبصيرة لاهوتية، وهي تنطوي على فكرة مشوقة ومثيرة للانتباه ومدعاة للتفكر .. بينما يتصدى من جانب آخر لمفهوم الخطيئة كما جاءت بها المؤسسة المسيحية -لا المسيحية- في نظره أيضاً، دون أن يبدو مهرطقاً أو مرتداً، بل كم يبدو أنه يثير حفيظة أتباعها في التشكيك بتلك المعتقدات التي شابها الكثير من تشوهات المعنى، وطالها الحذف والإضافة والتعديل بصورة عبثية!

وبينما يكتب هذا الفيلسوف الوجودي تحت اسم مستعار، يختار عنواناً لكتابه يشرح مضمونه حرفياً .. فقد تحدث بإسهاب عن اليأس الذي عده مرضاً يصيب النفس والروح معاً ويفضي حتماً إلى الموت، والذي يتخذ أشكالاً ثلاثة، أولها يتمثل في عدم شعور الإنسان بتملّكه لذاته، وهو يأس الجهل، ثانيها يتمثل في عدم الرغبة في قبول هذه الذات، وهو يأس الضعف، ثالثها يتمثل في عدم القدرة على تكوين الذات، وهو يأس التمرد!

ثم يؤكد الفيلسوف على وجهة النظر المسيحية التي ترى أن كل شيء لا بد أن يخدم عملية التنوير، فالعلم الذي لا يخدم سبيل المعرفة هو ليس مسيحياً في جوهره! وهذا الفهم المسيحي يقود إلى معرفة أن الموت في حد ذاته “ليس بالمرض المؤدي للموت”، إذ أن كل أشكال المعاناة الإنسانية من حاجة وبؤس ومصيبة وألم وحزن وأسى، ليست مرضاً، وإن كان يصيح معها الإنسان قائلاً: “هذا أسوأ من الموت”، فهي ليست كذلك في الفهم المسيحي الصحيح! لذا، تعلّم المسيحية هذا الإنسان أن يتسامى فوق الأمور المادية الدنيوية المتضمنة الموت، وهو تسامى يدعو للفخر فوق ما تدعوه البشرية بـ “الشر الأعظم”. بيد أن المسيحية كشفت عن “المرض طريق الموات” الذي هو حالة من البؤس لا يدرك الإنسان وجودها، ومن هنا يظهر الفرق بين الإنسان العادي والإنسان المسيحي .. المؤمن العارف بربه ودينه حقاً.

إنه (سورين كيركجارد 1813 : 1855) فيلسوف دانماركي تناول الكثير من القضايا الدينية والأخلاقية والنفسية من منظور فلسفي. عُرف في حياته كنابغ حصل على درجتي الماجستير والدكتوراة شاباً، وموهوب ومحبوب وذو حس فكاهي، إضافة إلى نشاطه كمؤلف استنفدت منه الكتابة طاقته وماله وباتت الحب الحيوي الوحيد له مقابل ضروب الحب الأخرى، وقد كانت شخصيته العلنية التي عمل عليها من أجل خوض الحياة كتجربة كما كان يؤمن -بحيث أصبح معروض للجميع وسهل الحكم عليه- قد سبب له القلق الذي عُرف به لاحقاً، إضافة إلى طموحه في التميز الدائم. تعكس سيرته الذاتية جوهر روحه التي اضطربت بين ظروف حياتية غير عادية خاضها منذ صغره حتى سنه المبكّرة .. من انتمائه لعائلة أبيه التي كان لها تاريخ بين فقر وغنى، ووالدته الخادمة مع عدد من الأخوة والأخوات .. وحب متزعزع قد تكون أسبابه أفلاطونية أدت إلى هجره خطيبته (ريجين أولسن) مكسورة القلب مثله إلى آخر يوم في حياته وقد أوصى بما يملك لها رغم زواجها بغيره .. وقد أصابه حبه المختلف هذا بأزمة رومانسية أنحت بحياته نحو منعطف آخر تمحور حول الإنسان وهويته وحريته .. إضافة إلى تعارك الفكرين الفلسفي والديني معاً بداخله، واشتياقه العميق للرب، وتلك العلاقة الروحية بينه وبين يسوع المسيح في طبيعتيه اللاهوتية والناسوتية، وتأثره بقصة النبي إبراهيم التوراتية ومحنة التضحية بابنه فوق الجبل، ومن قبل قصة الكهف الرمزية لأفلاطون .. وشخصياته المستعارة التي كان ينشر بها مؤلفاته .. ومذكراته اليومية التي ضمّنها غيرته من أنداده الذين دأبوا على الاستخفاف به وبخواصه وبعيوبه الشخصية .. والسؤال الوجودي الذي شكّل كل حياته الشخصية والفكرية: ماذا يعني أن يكون المرء إنساناً؟ الذي انتقد به الفلسفة الحديثة وتجريداتها، مصراً على ضرورة فهم الإنسان لنفسه ومحاولة العيش بأمل على مستقبل مفتوح.

يتجزأ الكتاب إلى جزئين رئيسيين، يتفرع عنهما عدة مواضيع، بها جميعاً ينال الكتاب ثلاثة من رصيد أنجمي الخماسي، وقد جاء في ترجمة مركبة بدورها من النص الأصلي (Sygdommen til Døden. En christelig psykologisk Udvikling til Opbyggelse og Opvækkelse – By: Søren Kierkegaard) التي أثرت على الاستيعاب المباشر للمعنى الفلسفي، وتطلّب الأمر معاودة القراءة! والمحتوى هو:

  • الجزء الأول: المرض للموت هو اليأس
  • الجزء الثاني: اليأس خطيئة / استمرارية الخطيئة
  • ومنهما، أدوّن ما علق في ذهني بعد القراءة وباقتباس ذو صلة (مع كامل الاحترام لحقوق المشر):

يقول الفيلسوف في الجزء الأول، وتحديداً في حديثه عن (اليـأس المحدود هو افتقاد اللامحدود) بأن اليأس هو بمثابة سلب المرء لذاته من حيويته، أو “إخصاء الذات بالمعنى الروحي”، وهو يقصد: “أن كل كائن بشري ينزع أولاً لأن يكون نفساً، ومقدر له أن يكون نفسه، وبقدر ما تكون كل نفس بالتأكيد ذات حدود فإن هذا يعني أساساً أن لها شكل راسخ وليس أنها مستقرة على شيء، أو أنها تتشكل خوفاً من البشر فلا تجرؤ على أن تصير نفسها في أكثر أشكالها خصوصية (وهذا بالتأكيد لن يستقر بسهولة)، حيث لا يزال الإنسان نفسه لنفسه. لكن بينما يقفز أحد أنواع اليأس قفزة وحشية في اللامتناهي فيفقد نفسه، يبدو أن ثمة نوع آخر من اليأس يسمح لنفسه بالانخداع عن نفسه عن طريق الآخرين. فمثل هذا الإنسان المحاط بالبشر زرافات ووحداناً، من كل الصنوف والضروب والمستوعب في كل مناحي الحياة الدنيوية، والمستغرق باستمرار في كل سبل العالم، يجد نفسه نسياً منسيا، ينسى اسمه، وينسى ربه ولا يجرؤ على الإيمان بنفسه، ويجد أن من الخطر أن يكون نفسه، ومن الأيسر عليه والأسهل له أن يكون مثل الآخرين، أن يصير نسخة، رقماً، رجل من العامة“.

ويقول الفيلسوف في الجزء الثاني، وتحديداً في حديثه عن (درجات وعي النفس: كيفية التواجد أمام الله) بأن الخطيئة هي اليأس، وهي لا تنحصر في شهوة الجسد وفورة الدم، بل تمثل مدى انصياع الروح لتلك الشهوة وانجرافها مع ذلك الفوران. ويستمر قائلاً: “عادة ما نظن خطأ أن نقيض الخطيئة هو الفضيلة. وهذه فكرة وثنية بشكل جزئي تكتفي بمرجعية بشرية ولا تدري ما هي الخطيئة حقاً، فكل الخطايا أمام الله وفي حضرته. لا، نقيض الخطيئة هو الإيمان، كما في الرسالة إلى أهل رومية 14: 23 ((كل مالا ينبع من الإيمان خطيئة)) وهذا التعريف يعتبر أهم وأكثر التعريفات حسماً في كل المسيحية، أي أن نقيض الخطيئة ليس الفضيلة وإنما الإيمان”.

 

= = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = =

نقلاً عن المفكرة: جاء تسلسل الكتاب (9) في قائمة طويلة جداً خصصتها لعام 2025، وقد حصلت عليه من متجر (بيت الكتب) الإلكتروني في ديسمبر من عام 2023، ضمن أكثر من (120) كتاب كانوا حصيلة مشترياتي من تلك الشحنة .. وهو رابع ما قرأت في فبراير!

من فعاليات الشهر: لا شيء سوى محاولة إيجاد الوقت الكافي من بين مهام الحياة الأخرى .. لقراءة المزيد!

ومن الكتب التي قرأتها في هذا الشهر: تهمة اليأس / على مرتفعات اليأس / تاريخ ويوتوبيا

تسلسل الكتاب على المدونة: 609

تاريخ النشر: فبراير 18, 2025

عدد القراءات:32 قراءة

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *