لا أعلم لم أخذت هذه الكوميديا ضجة صاخبة على مدى قرون أسمعت من البشر من به صمم، وهي لا تعدو قدرها كملحمة شعرية نصّب الشاعر فيها نفسه (الرب الأعلى) يُدخل الجنة من يشاء ويدخل النار من يشاء؟
الكوميديا الإلهية أو الملهاة الإلهية أو الرسالة الإلهية .. هي ملحمة شعرية تُصنف ضمن روائع الأدب العالمي التي وضعها الشاعر الإيطالي (دانتي أليجييرى 1265 : 1321)، وساهمت بجدارة ضمن الأعمال التي نقلت أوروبا من العصور الوسطى إلى عصر النهضة، وهي تُعد كذلك أيقونة الأدب الإيطالي وقاعدة أساسية في اللغة الإيطالية الحديثة.
تعود تسميتها بـ (الكوميديا) إلى الأدب الإيطالي الذي كان مقسّماً إلى أعمال (تراجيدية) تُكتب عادة بلغة كلاسيكية وتعبّر عن أدب راق، وأعمال (كوميدية) تُكتب بلغة عامية وتخاطب عامة الناس .. وتعود كذلك من جهة أخرى للنهايات السعيدة التي تُختم بها عادة الأعمال الكوميدية خلاف التراجيدية!. أما عن نسبتها إلى (الإلهية) فتعود إلى الرحلة المتخيلة التي زار فيها دانتي الحياة الأخروية حسب التصور المسيحي ولقاءه بالأموات واطلاعه على أحوالهم التي آلت إليها، حيث ترافقه المرشدة بياتريتشي، فيعبر معها الأفلاك السماوية المتمثلة في الكواكب السيّارة المعروفة، حتى يبدأ رحلته الفعلية بالجحيم متجهاً صوب المطهر ومن ثم إلى الفردوس! وهو إذ يؤمن بالإله الواحد الذي أقرّت به جميع الديانات على اختلافها ابتداءً من موسى عليه السلام، فهو يعتقد أن الجحيم ما هو إلا البعد عن الإله وهدي نوره، وأن المطهر بمثابة جزيرة تحيط بها غابة ويمثّل نور الإيمان على الأرض، الذي يرنو بدوره إلى النور التام في الفردوس وهو يمثل منتهى الكمال والارتقاء الروحي.
وعلى الرغم من تبرئة دانتي، فقد اجتهد الكثير في تأكيد اعتماده على المصادر الإسلامية في تصوّر رحلته السماوية، اقتباساً من حادثة الإسراء والمعراج للنبي ﷺ، ورسالة الغفران لأبي العراء المعرّي، والفتوحات المكية لابن عربي، وقد تم التأريخ لها جميعاً في زمن سابق لدانتي ولتحفته الأدبية!.
طفحت الكوميديا التي بدأت بـ (الجحيم) بأحداث تاريخية تتمحور حول شخصيات أغلبها إيطالية الأصل، مع الكثير من أساطير الرومان والإغريق، يبدو معها الشاعر حانقاً بما يكفي على بني جلدته بحيث جعل من جحيمه المزعوم سُكنى لهم دون البشر، وكأنها جحيم محلية رغم شهرتها الكونية!. لا غرابة بعدئذ أن يتقيأ قلبه قيحاً على رموز المسلمين وعلى رأسهم سيد الخلق ﷺ. وكنوع من السمو فوق المعاملة بالمثل، أكتفي بتلاوة قوله عز وجل: “إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ”. وعلى الرغم من تحفّظ الترجمة العربية على تلك الإساءة وعدم ترجمتها، كما تم التوضيح في المقدمة، فقد اطلعت على نتف مما جاء فيها عبر شبكة المعلومات، فأكرمت عيني وانتهيت عن متابعة القراءة.
ومن الجحيم (Divina Commedia: Inferno – By: Dante Alighieri) التي أطرب بها دانتي البشرية في أربع وثلاثون أنشودة، أقتبس في نص حام (مع كامل الاحترام لحقوق النشر) ما ورد في (الأبيات 124 : 126 من الأنشودة السادسة عشرة: علية القوم في الجحيم) كما يلي:
“وأمام الشيء الصادق الذي يبدو كالكذب
فعلى الإنسان دوماً أن يُغلق ما استطاع فمه
وإلا لجلب لنفسه اللوم من دون ذنب”.
تحتوي الكوميديا على معلومات متفرقة استحقت بها نجمتين من رصيد أنجمي الخماسي، فضلاً عن المقدمة المفصّلة التي عملت على إحقاق الحق وتمجيد دور الحضارة الإسلامية في أوروبا والعالم قاطبة إبان العصور الوسطى.
بالإضافة إلى المجلدات الثلاث للملحمة التي جاءت عن ترجمة د. عبدالله النجار وعصام السيد علي، وهي ترجمة حديثة وضع لها المترجمان الكثير من الجهد، توجد نسخة عربية أخرى على مكتبتي وتقع في مجلد واحد، من ترجمة/ حنّا عبود .. قد أعود لها للمفاضلة، على الرغم من أن ترجمة المؤرخ المصري وأستاذ التاريخ العربي والأوروبي/ د. حسن عثمان، تُعد الأكثر شهرة وإجادة وإشادة، حيث ترجمها مباشرة من لغتها الأم.
سأواصل قراءة الجزءان المتبقيان من الكوميديا (المطهر) و (الفردوس) .. لعلهما يأتيان بنفع، فأعيد للكوميديا شيئاً من الاعتبار المفقود في (الجحيم)!.
وعلى طريقة المقبور دانتي وقد رمّ .. أوجه له سؤالاً على غرار ما وجهه لأهل الجحيم في ملحمته: “فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا” ؟؟؟
إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأبْتَرُ
= = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = =
من الذاكرة: جاء تسلسل الكتاب (21) في قائمة احتوت على (105) كتاب قرأتهم عام 2020 تتضمن تسعة كتب لم أتم قراءتها، رغم أن العدد الذي جعلته في موضع تحدٍ للعام كان (100) كتاب فقط! وهو أول كتاب اقرؤه في شهر ابريل من بين خمسة كتب .. وقد حصلت عليه من معرض للكتاب في إحدى المدن العربية عام 2019 ضمن (80) كتاب تقريباً كانوا حصيلة مشترياتي من ذلك المعرض!.
لقد كان 2020 عام الوباء الذي جاء من أعراضه الجانبية (ملازمة الدار وقراءة أكثر من مائة كتاب)! لم يكن عاماً عادياً وحسب .. بل كان عاماً مليئاً بالكمامات والكتب.
وفي هذا العام، دأبت على تدوين بعض من يوميات القراءة .. وعن هذا الكتاب، فقد قرأته في شهر (ابريل)، والذي كان من فعالياته كما دوّنت حينها:
“يبدأ شهر رمضان المبارك في آخره .. مع استمرار الحجر الصحي“.
تسلسل الكتاب على المدونة: 204
التعليقات