الكتاب
القوادون والسياسة: تاريخ البغاء في نصف قرن
المؤلف
دار النشر
عربية للطباعة والنشر
الطبعة
(1) 1988
عدد الصفحات
235
النوع
ورقي
تاريخ القراءة
10/17/2018
التصنيف
الموضوع
الدعارة السياسية الأشد انحطاطاً من دعارة الجسد
درجة التقييم

القوادون والسياسة: تاريخ البغاء في نصف قرن

كتاب تم نشره في ثمانينيات القرن الماضي والذي اعتبره القرّاء آنذاك أقرب ما يكون إلى الكتب السياسية ذات الطابع الفضائحي الممنوعة بالضرورة، لا سيما أن المعلومة في تلك الفترة كانت شحيحة، والمصداقية مشكوك فيها، والرقابة الصحفية تمحو وتقصّ بمشرط رئاسي، (وجهينة) مقيد بطبيعة الحال طالما أنه يملك الخبر اليقين.

يوضّح المؤلف في مقدمة كتابه أن الدعارة السياسية هي أشد انحطاطاً من دعارة الجسد، إذ يضاجع الداعر السياسي الصحفي المرتزق سفاحاً، ليوّلد عنه أفكاراً يتم بثّها على العوام بممارسة حاذقة تهدف إلى برمجة العقول والأمزجة والتوجهات على نحو يخدم الأجندات السياسية القائمة على مصالح أباطرتها أولاً وأخيراً.

ولأن عنوان الكتاب ينطوي على شيء من التمويه إذ يحمل المعنيين معاً: (دعارة السياسة بالفكر، ودعارة السياسة بالجسد)، فإن المؤلف يؤكد وبإصرار -وهو لا يزال في المقدمة- على أن الكتاب معنيّ بالقوادة حَرفياً وحِرفياً .. قولاً ومعنى، حيث إن الكتاب لا يتحدث عن باعة الأفكار المؤدلجة إلى عامة الشعب مقابل التربح المادي من رشاوى السياسيين، بل يستهدف فعلياً بائعات الهوى المحترفات مقابل خدمة المصالح الاستخباراتية وأغراض التجسس.

ومع رواج (بزنس) القوادة السياسية، اختفى ذلك النمط التقليدي للقوّاد المخمور صاحب الدار المتهالكة في ذاك الزقاق الوضيع، والذي يعجّ بعدد من العاهرات أغلبهن مغدورات يمارسن البغاء على مضض وتحت التهديد مع ما يصطاده القوّاد من زبائن ذوي حاجات ملّحة، وهو الذي يبقى متيقظاً حتى نهاية تقديم الخدمة، لتحصيل الأجرة قبل هروبهم وقد قضوا وطرهم كاملاً. فهذا القوّاد الكلاسيكي قد ورثه أخاه الذي يظهر اليوم ممشوق القوام مهندماً على طراز رجال الأعمال، يقبع خلف مكتب فاخر في أحد أبراج المال والمشاريع، يوّفر المواد الخام، ويوفق الرؤوس بالحرام، ويدير تجارة الرقيق بتكنولوجيا القرن الواحد والعشرين.

يترجم الكتاب مفهوم الدعارة السياسية من خلال نماذج حيّة استعرضها المؤلف في خمسة عشر باب، بين فضائح عالمية منتنة، وأخرى عربية أشد نتانة، يحظى بها الكتاب ككل بثلاث نجمات من رصيد أنجمي الخماسي، والذي أسرد في الأسطر القادمة بعض ما علق في ذهني منه بعد القراءة، وباقتباس في نص ساخن (مع كامل الاحترام لحقوق النشر) كما يلي:

  • يصف المؤلف القوّاد بـ “الجنس الرابع”، فهو مخلوق لقيط ليست له هوية انثربيولوجية، خفاشي ينشط في جنح الظلام، غليظ الجلد فلا يُغرز فيه أي قيمة أخلاقية، عديم الحس ديوث لا ينكر المنكر إنما يمتهنه باحتراف ويقتات عليه.
  • ومن منظور داخلي، يسرد المؤلف مع شيء من التفصيل تحليل نفسي لشخصية القوّاد عنيّ به طبيب للأمراض النفسية والعصبية، إذ يرى أن للقواد عدة سمات يُعرف بها، منها: قلب بارد، إحساس مثلّج، لا موهبة، لا شرف، لا مبالاة، ابتزازي، منبوذ، مهان، كاذب، سارق، مدمن، مدمّر، شرس، فاشل دراسياً، فقير للحب، عبد للمال، سهل الاستثارة، مفتعل للشجار، عنيف ضد البشر، عدواني ضد الحيوانات، مضطرب نفسياً، مصاب بالصرع أو بالتشنجات أو بالاكتئاب … وغيرها المزيد!. لا غرابة إذاً وهو من أي عرق كان ومن أي أرض جاء، يرتبط بمنظومة من المعايير معتمدة عالمياً ومثبتة علمياً للقواد المحترف.
  • في مقاربة بين الداعر والديكتاتور، يقول المؤلف: “إن القواد بهذا هو ديكتاتور، باطش، ظالم، يفعل أي شيء كي تسود سلطته فوق أجساد البشر الذين يوظفهم لخدمة أغراضه، خاصة النساء. لا يقبل الرأي الآخر وإنما هو فقط يوافق على ذلك الرأي الذي يخدم أغراضه. وفي حين أن الديكتاتور يفعل كل هذا الذي يقوم به من أجل السلطة التي يسيطر عليها، فإن القواد ديكتاتور من أجل المال. والديكتاتور عادة له رعية، شعب يقوده في اتجاه أهدافه بالقسوة والعنف، لكن القواد، الذي له رعية أيضاً، يبدو لي وكأنه راعي غنم، ليس هدفه أن يحمى غنمه من الذئاب والثعالب، وإنما هدفه هو أن يرعى الغنم ويحافظ عليها، كي يبيع صوفها، ويحلب لبنها، ويأكل لحمها، ثم يبيع كل الغنم إلى أقرب ثعلب أو ذئب يمكن أن يدفع أكثر، كي يتحول إلى البحث عن قطيع غنم جديد يقوم معه بنفس الدور السابق”.
  • من أمثلة انحلال الصفوة التي جاء بها المؤلف، (الملك فاروق) وخضوعه لسطوة حاشية فاسدة من الإيطاليين، لم يكن أعضاؤها على أي مؤهل يُذكر سوى القدرة على إدارة رأس الملك بكؤوس وغانيات، والتسابق على اشباع نزواته الصبيانية مقابل نهبهم للثروات، في حين كان البلاد والعباد يلوذان تحت وطأة الفقر وضيق الحال.
  • (كريستين كيلر) .. الفتاة الإنجليزية، الناعمة المفترسة، الجاسوسة العاهرة، والتي تم تصنيفها كـ “مخلوق خطر” حينها! كيف لا وقد احتلت الصدارة في أحاديث المجتمع الساخنة لسنوات عدة، لا سيما حين تمكّنت وبدهاء حاذق من شبك الاتحاد السوفيتي بالولايات المتحدة بالمملكة المتحدة في خليط لا متجانس، من خلال توظيف ألاعيبها الأكروباتية في عالم الجنس والتجسس، والتي تسببت فيما بعد بالإطاحة بحكومة وبفشل وزير وبانتحار طبيب .. في واحدة من أعقد حالات البغاء في ستينيات القرن الماضي.
  • يتطرق المؤلف كذلك إلى الحادثة التي تعرّض لها السفير المصري لدى إسرائيل (محمد بسيوني) عام 1996، حين وجّهت له راقصة اسرائيلية تهمة محاولة اغتصابها في أحد الفنادق، موضحاً أن الدافع الذي كان يحرّك هذا الفعل الشائن من التلفيق والتشهير هو موقف مصر الحاسم من القضية الفلسطينية في ذلك الوقت.
  • وكما قال الفاروق عمر: “لو كان الفقر رجلاً لقتلته”، يصوّر المؤلف قسوة الحياة من خلال امرأة عربية كادحة يدفع بها شظف العيش إلى قبول عقد عمل استلمته عن مهنة شريفة كما نصّ عليه، تطير به وبآمالها من أرضها إلى أرض غريبة، حيث تستقبلها الفاجعة التي تنتهي بآمالها وبمآلها في شقة تقتسمها مع مومسات، تمتهن بها (الصنعة) مكرهة تحت تهديد السلاح ومواجهة عقوبة السجن، في صراع غير متكافئ مع غول الفقر المدقع وغيلان الدعارة. يقول المؤلف في مقدمة هذه الفاجعة (وحش الفقر الجائع): “حين رفضت ممارسة الدعارة، أحضروا لها ابنتها وخلعوا ملابسها وراحوا يطفئون في جسد الطفلة سجائر مشتعلة”.
  • يستعرض المؤلف الوضع البائس للنساء في أرياف مصر، إذ يتم بيعهن لسوّاح بلاد النفط الغنية بعقد عرفي أو بأجل، مقابل حفنة من أموال يقبضها مقدماً ولي الأمر! غير أن الأنكى في هذا أن السائح من أولئك ممتلئ الجيب والكرش والشهوة، يقبض في ذمته على أربع نسوة شرعيات، في الأغلب! لا ضير، فالمهر الزهيد ثروة لوليها، “وحلاوة” القواد حق معلوم! إلا أن الوضع يزداد بؤساً عندما يثمر ذلك الارتباط المؤقت -والذي قد لا يتجاوز الشهر- عن طفل لم ولن ير أباه، بذنب هو منه براء.

يؤخذ على الكتاب الرتابة في فصوله الأخيرة، إذ حوى نماذج لحالات عادية لا ترقى إلى مستوى الفضائح التي هي لبّ الكتاب. يؤخذ عليه أيضاً الإطالة في قضية وزير الإعلام المصري الأسبق (ممدوح الليثي)، والذي “ارتضى أن يعمل قواداً” حسب تعبير المؤلف، من خلال استغلال منصبه في رشاوى مالية وفي حالات سُجلت ضده عن تحرشات جنسية فاضحة. قد تكون القضية قد أثارت ضجة كبرى في مصر وشغلت الرأي العام حينها، حيث تم البتّ فيها عام 1997 عن طريق المحكمة التأديبية العليا، فجاء المؤلف بتفاصيلها إرضاءً لفضول القراء المتابعين للقضية آنذاك.

ختاماً، وعلى الرغم من أن المعلومات الواردة في هذا الكتاب قد تكون قديمة نسبياً، إلا أن شبكة المعلومات تُثريها بمعلومات أكثر تفصيلاً وأقوى مصداقية، من خلال ما تبثّه من مراجع وصوّر ووثائقيات .. ولو استمر تجديد الكتاب بطبعات حديثة، لاتسع بأمثلة أكثر سخونة عن فضائح النصف الثاني للقرن الماضي الممتدة حتماً حتى الوقت الحاضر .. الحاضر الذي لم يعد يحمل قاموسه مفردات مبهمة مثل أسرار أو شبهات أو ممنوعات …، فهو حاضر زمن العولمة، وتمدد الشبكة العنكبوتية، وسلاطة أخبار مواقع التواصل الاجتماعي.

 

تم نشر المراجعة على صحيفة المشرق العراقية في 18 يناير 2022 – صفحة (10)

 

= = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = =

من الذاكرة: جاء تسلسل الكتاب (35) في قائمة ضمت (52) كتاب قرأتهم عام 2018 تتضمن كتابين لم أتم قراءتهما، وهو ثالث كتاب اقرأه في شهر اكتوبر من بين خمسة كتب .. أما عن اقتنائه، فقد وجدته ضمن مكتبة العائلة العريقة التي استحوذتُ عليها كاملة بما تضم من كتب قديمة قد لا تتوفر حالياً في المكتبات .. والآن، استحضر الماضي القريب عندما كنت أعاين الكتاب يصطف فوق الرفوف حتى التقطته يداي حينها.

ومن ناحية الإفادة، فأنا دائماً ما أتطلع إلى اقتناء كتب جديدة يأتي ذكرها من خلال أي كتاب أقرؤه، واعتبر هذا من ميزات الكتاب الجيد .. ومن هذا الكتاب حظيت باثنين: كتاب/ التحليل النفسي للأنبياء، للمؤلف – وكتاب/ تجارة الجنس، لمؤلفه: جارى جوردون.

تسلسل الكتاب على المدونة: 110

 

تاريخ النشر: مارس 8, 2022

عدد القراءات:1606 قراءة

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *