كتاب يفتح الأفق البشري نحو وعي يشمل كل حركات وسكنات الإنسان، الذي لولاه ما حملت الحياة من قيمة تستحق بها العيش! في الكتاب قول مختلف عن التأمل واليقظة والتدبّر والتفكر، يخلق للإنسان روح جديدة تنظر للحياة من منظور لم يألفه من قبل.
في هذا الكتاب دعوى للتواجد في الحاضر، وهي اللحظة التي تُعرف بالوعي لدى المعلمين الروحيين، والتي يتمركز فيها الإنسان بداخله، ويكون سيّد نفسه، ويتمكّن من ثم بالتحكم في ذاته وهو منخرط في مجريات الحياة .. حراً يقظاً ومتعقّلاً، مفعم بالحب والتعاطف والإدراك.
إنه (الفهم) إذاً .. كنز من كنوز الحكيم أوشو، أو تشاندرا موهان جاين (1931 : 1990) الذي تذكر شبكة المعلومات أنه ولد في الهند البريطانية، ودرس الفلسفة ودرّسها في الجامعات المحلية، ومن ثم تدرج في العلوم الصوفية ليُصبح (غورو) أو معلم روحاني فاقت شهرته حدود وطنه، ليصل إلى العالمية ويُلقب بـ (زوربا البوذي)، إشارة إلى توجهاته الانفتاحية رغم دعوته الروحية! ففيما يتعلق بنظرته إلى العلاقة الحميمية التي تبدو إباحية، ما أكسبه شهرة (معلم الجنس بلا منازع) كما تداولته الصحف العالمية، فإنه يجعلها بمثابة طاقة خلّاقة لا تقلّ أهمية عن الممارسات الروحية في تكامل بناء الإنسان، جسدياً ونفسياً وروحانياً. وبينما تختاره صحيفة (صنداي ميد داي) الهندية كواحد من عشرة روّاد شكّلوا مصير الهند، إلى جانب بوذا ونهرو وغاندي، تختاره صحيفة (الصنداي تايمز) البريطانية كواحد من ألف شخصية عالمية صنعت القرن العشرين، وهو الذي يصفه الكاتب الأمريكي (توم روبنز) بأنه “الرجل الأكثر خطورة منذ يسوع المسيح”. أما عن اسم شهرته الذي اختاره له مريدوه، فهو مشتق من اليابانية، وذو مقطعين، إذ يعني (أو) التوقير أو الامتنان، و (شو) الوعي الواسع أو الوجود الماطر .. بحيث يصبح معنى الاسم ككل (المحيط العظيم). والطريف أن الاسم يُقرأ كما هو من اليمين إلى اليسار ومن اليسار إلى اليمين، في إشارة إلى المعراج الروحي الذي واصل المعلم الارتقاء فيه، وعمل على توحيد الأقطاب والسمو فوق الثنائيات، في الكون المحيط.
في كتاب الفهم (Awareness: The Key To Living In Balance – By: Osho) الذي يحدد للإنسان مفاتيح التوازن في الحياة، يتطرّق أوشو إلى عدة مواضيع تتفرّع عن أربعة عناوين رئيسية، أذكرها تباعاً، وقد نال بها الكتاب أربع نجمات من رصيد أنجمي الخماسي:
- الفهم
- عن الإنسان والجرذان
- جذور المعاناة
- عوالم خاصة
- الوعي والتمركز
- أمراض متعددة ودواء واحد
- المحلل والشاهد
- التوتر والاسترخاء
- العقل والتأمل
- الدولاب وأثره
- الوعي في حياتنا اليومية
- ابدأ من المركز
- كن عفوياً
- كن حاسماً
- أكمل كل لحظة
- لا تحاول أن تكون رجلاً صالحاً
- تجارب في المراقبة
- الناس يراقبون الآخرين بدقة
- لتكن الأبدية معيارك الزمني
- اللمسة غير المرئية
- المشاهدة
- المناوبة الليلية
ومما علق في روحي منها بعد القراءة، أدوّن في الأسطر القادمة وأقتبس بنص فطن (مع كامل الاحترام لحقوق النشر) كما يلي:
- يتطرق أوشو في موضوع (عن الإنسان والجرذان) إلى عالم النفس الأمريكي سكينر الذي عكف على دراسة سلوك الإنسان والجرذان وخلص إلى أن لا فرق بينهما، فكلاهما كالآلات، غير أن الجرذ آلة بسيطة والإنسان آلة معقدة! وهو إذ يوافق سكينر في استنتاجه الذي ينسحب على غالبية الناس، يؤكد بأنهم العاديين من الناس ممن هم في حالة سبات عميق! كم يبدو الغزال منتبهاً في الغابة، والطير حذراً فوق غصن الشجرة، إلا “إذا نظرت حولك ستفاجأ بأن الإنسان هو الحيوان الأقل يقظة على الأرض”. يستكمل ويقول في صرامة: “الإنسان في حالة سقوط. وفي الواقع، هذا هو معنى المثل المسيحي لسقوط آدم، لطرده من الجنة. لماذا طرد آدم وحواء من الجنة؟ لقد طردا لأنهما أكلا ثماراً من شجرة المعرفة. لقد طردا لأنهما أصبحا عقلين وفقدا وعيهما، وعندما تصبح عقلاً تفقد وعيك. والعقل يعني النوم، والضجيج، والسلوك الآلي”. ما العمل إذاً؟ “من أجل ذلك، مجمل العمل الذي يجب أن نقوم به هو أن نصبح واعين مجدداً ونفقد عقلنا. يجب أن تفرغ نفسك من كل المعرفة التي جمعتها. إن المعرفة هي التي تبقيك في حالة نوم. وكلما ازدادت المعرفة، ازداد عمق النوم”. يستطرد أوشو ليعرض ملاحظاته النابعة من تجربته الخاصة، حيث وجد القرويين أشد احتراساً ويقظة من أساتذة الجامعات، وكل من يعمل في الطبيعة من مزارعين وحطابين ورسامين هم كذلك، وكذلك الطبيعة ذاتها! فيشير إلى بعض الدلائل العلمية التي تمكنت من رصد ردود فعل الأشجار في الغابة ما يدل على يقظتها، فما أن يقترب حطاباً وبيده فأس حتى ترتجف الأشجار، بل إنها قادرة على قراءة نية الحطاب من خلال ما يصدره من تموّجات، فإذا طاف بالغابة بغرض التجوال من غير نية الاحتطاب، وإن حمل فأساً بيده، فإنها تطمئن ولا تشعر بالخطر ولا تترقب الموت. إن تلك الدلائل أيضاً تتحقق من مشاعرها، سعيدة أم حزينة أم خائفة هي؟ وتنعكس تلك المشاعر على الحيوانات التي التقطتها بالحدس والغريزة، والتي تستشعر قتل حيوان آخر في مكان ما دون معاينة حادثة القتل نفسها، “ولكن يبدو أن الإنسان لم يتأثر .. يبدو أنه في حالة نوم عميق”.
- يفرّق أوشو في موضوع (العقل والتأمل) بين حالتين عقليتين لدى الإنسان من وجهة نظره كمعلم روحي، فهو إما يفكر أو لا يفكر! إنه لا يفكر إذا تلبّس حالتين، إما النوم أو التأمل، فعندما تختفي الأفكار ويبلغ درجة الوعي يكون في حالة تأمل، وإذا توقفت الأفكار وغاب الوعي يكون في حالة نوم عميق. رغم هذا، وفي حديثه عن التأمل، لا يعتقد أوشو بإمكانية السيطرة على العقل بالمعنى السطحي للكلمة، إذ أن ما يتم حقيقة هو سيطرة جزء من العقل على جزء آخر منه، بحيث تصبح عملية المراقبة أو المشاهدة هي سيدة الموقف، فتعبر الأفكار أثناء التأمل وفي حالة غياب العقل كضيافة قصيرة، وهي ليست أفكار الإنسان التي تنبعث من داخله، بل إنها لا تخصّه وتأتي دائماً من الخارج. يقول عن تلك السيطرة: “كلمة سيطرة ليست جيدة، لأن الكلام لا يمكن أن يكون جيداً. الكلام يخص العقل، عالم الأفكار، والكلمات لا يمكن أن تكون خارقة، لأنها سطحية. كلمة سيطرة غير جيدة لأنه لا يوجد أي شخص ليسيطر أو أي شخص ليسيطر عليه. ولكن من المفيد أن نفهم بعض الأشياء التي تحصل. عندما تنظر بعمق، يمكنك أن تسيطر على العقل، فجأة تصبح السيد. لا تزال الأفكار موجودة، ولكنها لا تسيطر عليك، إنها فقط تأتي وتذهب وأنت تبقى نقياً كزهرة اللوتس أثناء تساقط المطر. تتساقط قطرات الماء على بتلّتها ولكنها تنزلق ولا تلمسها. تبقى اللوتس نقية. لهذا السبب أصبحت زهرة اللوتس رمزاً هاماً. إنها تحمل معنى الوعي الشرقي بكليته. هذا الرمز يقول: «كن كزهرة اللوتس، هذا كل ما في الأمر. ابق نقياً تكن مسيطراً، تكن سيداً»”.
- يحثّ أوشو الإنسان على أن يكون في وضع مراقِب دائماً .. وهو ماشياً وهو جالساً وهو يأكل وهو يسترخي، غير أن الأفكار والعواطف ستتدفق بين فينة وأخرى لتشتت انتباهه، فعليه التذكر سريعاً والعودة في التو إلى مركز المراقبة. ويؤكد بأنه كلما تواصلت عملية المراقبة الداخلية، كلما تحسنت نوعية الحياة التي يعيشها الإنسان بشكل تام ومدهش! إنها تجربة رائعة، فيها تغيب الأفكار وتتلاشى المشاعر وتبدأ أمور غريبة بالحدوث، ويخيّم الصمت الذي يتحول فيه الإنسان إلى جزيرة وسط محيط الصمت .. فهو يراقب من الداخل، يراقب مركزياً، وهناك في المركز شعلة تنير كامل كيانه. يقول أوشو في موضوع (اللمسة غير المرئية) عن تلك التجربة الروحية: “في بادئ الأمر ستكون تجربة داخلية فقط. وتدريجياً سترى أن هذه الأنوار التي تشع من جسدك، تلمس أناساً آخرين. وسوف تصاب بالدهشة عندما تعلم أن هؤلاء الناس، إذا تحلوا ببعض الحساسية، سيصبحون واعين أن شيئاً خفياً لامسهم. وعلى سبيل المثال، إذا كنت تراقب نفسك وتمشي وراء أحد الأشخاص، وأنت تراقب نفسك بوعي تام، سيستدير هذا الشخص وينظر نحوك من دون سبب. وعندما تراقب نفسك، ستشع هذه المراقبة وتلمس الشخص الذي يقف أو يجلس أمامك. وإذا شعر أن شيئاً خفياً لامسه، سينظر إلى الوراء ويتساءل: «ماذا حصل لي؟». يمكنك أن تقوم بهذه التجربة: هناك شخص نائم وبإمكانك أن تجلس بجانبه، راقب نفسك، وسترى أن هذا الشخص سيستيقظ فجأة، يفتح عينيه، وينظر حوله وكأن شخصاً لمسه. تدريجياً ستتمكن من الشعور بهذه اللمسة من خلال إشعاعك. وهذا ما نسميه تموجات. وبما أن الشخص الآخر يشعر أنك لمسته، ستشعر أنت أيضاً أنك لمسته. قد لا تفهم ما هو معنى أن يلمسك شخص ما. من الممكن أنه لم يقل لك كلمة واحدة، وربما مر فقط بقربك، أو نظر في عينيك مرة واحدة، وتشعر أن هذا الشخص لمسك. ثم تبدأ هذه الأشعة بالانتشار إلى الناس، والحيوانات، والأشجار، والصخور … وفي أحد الأيام سترى أنك لمست الكون بأكمله”.
وعلى مكتبتي المتراصة الأرفف بما عليها، زاوية، تحوي من خزائن الحكمة ما جاد به الحكيم أوشو، منها ما قرأت ومنها ما ينتظر. فبالإضافة إلى (الفهم) أحظى أيضاً بـ: (الشجاعة / الإبداع / عن المرأة / المركب الفارغ / الحياة والأبدية / كتاب الحكمة / الرحلة الداخلية / الثورة لعبة العقائد / الحرية: شجاعتك أن تكون كما أنت / الحدس: أبعد من أي حدس / النضج: عودة الإنسان إلى ذاته / كتاب المرأة: احتفالاً بروحية المرأة / لغة الوجود: ما وراء الحياة والموت / العلاقة الحميمة: لغز العلاقة الحامية / سيكولوجية الاستنارة والأجساد السبعة / التانترا: الروحانية والجنس / سر التجربة الداخلية: رؤية التانترا / سر أسرار التانترا: تقنيات النور والظلام – أسمى من الأنا / سر أسرار التانترا: السمع والجنس – الاستنارة المفاجئة) .. ويبدو أن العدد آخذ في الزيادة.
وليس أكثر روحانية من التحدث إلى الله بلغة التصوف التي يتقنها كل من أتقن لغة القلب، من أي ملة كان .. وكما يقول المعلم أوشو: “لقد علمتك الديانات أن تكون طيباً، لتتمكن من أن تجد الله في يوم ما. هذا أمر مستحيل! لم يتمكن أي رجل طيب من أن يجد الله. أنا أعلمك عكس ذلك: جد الله، وسيحصل الخير من تلقاء نفسه. وعندما يحصل الخير من تلقاء نفسه، يكون متميزاً بالجمال، والسحر، والبساطة، والتواضع. إنه لا يطلب أية مكافآت في هذه الدنيا أو في الآخرة”.
= = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = =
من الذاكرة: جاء تسلسل الكتاب (56) في قائمة ضمت (57) كتاب قرأتهم عام 2021 تتضمن أربعة كتب لم أتم قراءتها وثلاثة كتب أعدت قراءتهم من جديد، على الرغم من أن العدد الذي جعلته في موضع تحدٍ للعام كان أكثر بكثير، لكن لم تسمح ظروف الحياة لمجابهته! وهو الكتاب السادس عشر ضمن ما قرأت في شهر ديسمبر من بين سبعة عشرة كتاب .. وقد حصلت عليه من معرض للكتاب في إحدى المدن العربية عام 2018 ضمن (140) كتاب تقريباً كانوا حصيلة مشترياتي من ذلك المعرض.
ومن فعاليات الشهر: لقد جاء حماس القراءة في هذا الشهر مضاعفاً، وذلك للإجازة الطويلة التي بدأتها في خواتيمه، وللترقّب في حضور معرض للكتاب الذي سيُعقد الشهر القادم من العام الجديد بإحدى المدن العربية.
تسلسل الكتاب على المدونة: 332
التعليقات