الكتاب
العقل والمادة
المؤلف
الكتاب باللغة الأصلية
Geist und Materie - By: Erwin Schrödinger
المترجم/المحقق
أحمد سمير سعد
دار النشر
آفاق للنشر والتوزيع
الطبعة
(1) 2020
عدد الصفحات
175
النوع
ورقي
تاريخ القراءة
08/25/2024
التصنيف
الموضوع
عالم يفسر المادة فلسفياً
درجة التقييم

العقل والمادة

يحاول هذا الكتاب فك شفرة العقل الذي حيّر العلماء والفلاسفة على حدّ سواء، لا سيما في كينونته التي إن أوجدته ترسانة مادية تدير العالم بأسره، فهي حيرة .. والتي إن كانت هي من نتاجه هو، فالحيرة أكبر!

لم يكن العقل وحسب الشغل الشاغل للعالِم مؤلف الكتاب، بل شغف بالحياة كسر آخر سعى في أثره! وهو يحاول هنا -وقد تقمّص دور العالم في منهجيته، والفيلسوف في مجادلاته، والمتصوف في تجلياته- تتبع أصل العقل، والعلائق التي تربطه بالمكان والزمان والمادة والكون، وما إذا كان يخضع لقوانين العالم أو أنه هو من يفرضها! ومن جانب آخر، تراه ينظر إلى مادة الوراثة، في حمضها النووي وتركيبها الجزيئي، وهي تفسر الحياة ككل .. الحياة كظاهرة تقاوم التعادل الحراري الذي يؤول به كل نظام إلى زوال .. والحياة كمقاومة للتخلص من الفوضى وفي سبيل البقاء.

إنه الفيزيائي النمساوي (إرفين شرودنجر 1887 : 1933) .. صاحب (القطة) التي صاغ من خلال فرضية ذهنية عن محياها ومماتها في ذات اللحظة، معادلة تعني بتغير الحالة الكمومية لنظام فيزيائي مع الزمن، ونال بها جائزة نوبل في الفيزياء! أما القطة التي ألحقت باسمه فأصبحت تُدعى (قطة شرودنجر)، فهي بطلة تجربة متخيلة أجراها في ذهنه وحسب! حيث حبسها في صندوق محكم برفقة (عداد جيجر) زوّده بمطرقة، مع زجاجة لمركّب كيميائي سام، وكمية ضئيلة من مادة مشعة! ثم طفق يتساءل: ما احتمال أن يكون الوضع عليه بعد مرور ساعة!؟ فمع افتراضه تحلل ذرة من المادة المشعة، واهتزاز العداد لذلك وتحرّك المطرقة وانكسار زجاجة الغاز السام، فإن قطته ستكون قد قُتلت في الحال! وعليه، أخذ يطرح تلك الأسئلة الوجودية: ما ذا عن القطة في هذه اللحظة؟ أهي حية أم ميتة؟ هنا، تتصدى (نظرية ميكانيكا الكم) لتجيبه بما يلي: القطة حية بنسبة احتمال 50% وميتة بنسبة احتمال 50%، أي إنها -وبوضع مركّب- حية وميتة في نفس الآن .. ولن يُثبت أي الاحتمالين يقيناً إلا مع فتح الصندوق، أي حين تنتقل القطة من حالة التراكب الكمومية إلى الحالة الطبيعية، أو حسب تعبيره العلمي (لحظة انهيار الدالة الموجية) وانحصار كافة الاحتمالات في واحدة! كم يبدو الأمر جنوناً مطبقاً، لكنه -في الحقيقة- جنون تم توصيفه بمعادلات وأثبتته التجربة!

رغم ما سبق، فالكتاب الذي جاء في ترجمة متقنة من نصه الأصلي (Geist und Materie – By: Erwin Schrödinger) لا يخلو من صعوبة، لطبيعته العلمية الجافة إلى حد كبير، رغم تطرقه لمواضيع إنسانية تظهر من خلال رؤى فلسفية ووعي جمعي ومشيج ذكريات وأحاسيس، وما يتبعها جميعاً من تساؤلات ومحاولات استبصار!

يعرض شرودنجر مادة كتابه في ستة فصول يتفرّع عنها عدة مواضيع، وتنتهي بلمحات من سيرته الذاتية خطّها بقلمه. والفصول هي:

  1. الفصل الأول: الأسس الفيزيائية للوعي
  2. الفصل الثاني: مستقبل الفهم
  3. الفصل الثالث: مبدأ الموضعة
  4. الفصل الرابع: المفارقة الحسابية: وحدانية العقل
  5. الفصل الخامس: العلم والدين
  6. الفصل السادس: لغز السمات الحسية

ومنها -وقد نال بها الكتاب اثنتان من رصيد أنجمي الخماسي- أدوّن ما علق في ذهني بعد القراءة، وباقتباس في نص ثقيل (مع كامل الاحترام لحقوق النشر):

  • يتهيب شرودنجر من مخاطرة سيطرة الآلة الحديثة على مفاصل الحياة وأثرها السلبي على فاعلية العقل البشري! فيقول في (مخاطر أمام التطور العقلاني) وهو يشير إلى السلوك المطلوب لضمان مستقبل البشر البيولوجي: أظن أننا في اللحظة الراهنة واقعون في شرك خطر فتاك يتهددنا بفقدان المسار نحو الكمال. لقد توصلنا بناء على كل ما قيل إلى أن الانتخاب ضروري بشكل لا غنى عنه من أجل التطور البيولوجي، لو تمت تنحيته تماماً يتوقف التطور، بل قد ينعكس. أو كما جاءت كلمات جوليان هكسلي: (سوف يؤدي طغيان انتكاس (فقد) التطفر إلى ضمور العضو وانتكاسه عندما يصبح بلا فائدة، وتبعاً لذلك لن يعمل الانتخاب عليه كي يحفظه في أفضل صورة). حالياً، أؤمن في أن طغيان الميكنة على أغلب العمليات الصناعية وتبسيط الآليات حد تحويلها إلى عمليات غبية، يتضمن خطراً كبيراً قد يصل إلى ضمور عام لعضو الذكاء. كلما تحققت المساواة في الفرص بين العامل الماهر والعامل اللامبالي بسبب قمع الحرفية وانتشار الأعمال المضجرة والمملة على طول خط الإنتاج، كلما أصبحت العقول الجيدة والأيادي الماهرة والأعين الحادة غير ضرورية وزائدة. في الحقيقة، سوف يُفضّل الرجل المفتقد إلى الذكاء الذي يجد من الأسهل له التصدي للأعمال المملة؛ من المرجح أن يجد أن من الأسهل له الفوز بالمدح والاستقرار وإنجاب ذرية. قد تسهم هذه النتيجة بسهولة في انتخاب سلبي فيما يتعلق بالمهارات والعطايا“.
  • لا يصطبغ الإحساس البشري ومدركاته بصبغة ذاتية تمكّن من إدراك طبيعة الأشياء كما هي، فهناك مجال مؤثر واسع يخضع له، حيث يؤمن شرودنجر برأي الفيلسوف (كانت) في أنه لا يمكن أن تعرف أبداً عن الشيء في ذاته الخاص به مطلقاً“. وكما أن (فكرة الذاتية) قديمة ومألوفة على ما يبدو، فيستمر شرودنجر ليقول في (مبدأ الموضعة) لا تتوقف الانطباعات التي نحصل عليها من محيطنا بشكل كبير على طبيعة مراكز الإحساس وحالة مراكز الإحساس العارضة فقط، لكن المحيط الذي نرغب في الإحاطة به يتغير بواسطتنا بشكل ملحوظ، بواسطة الأدوات التي نقيمها من أجل رصده. ربما يكون الأمر بالفعل على هذه الصورة، بل هو بالتأكيد كذلك إلى حد ما. بحسب قوانين فيزياء الكم المكتشفة حديثاً، فإن هذا التغير والتبدل لا يمكن تقليله واختزاله دون حدود معينة مؤكدة. إلا أنني ما زلت غير محبذ لأن أطلق على هذا تأثيراً مباشراً للذات على الموضوع. بالنسبة للذات -لو أنها شيء- فهي ذلك الشيء الذي يحس ويفكر. لا تنتمي الأحاسيس والأفكار إلى (عالم الطاقة)، لا يمكن للأحاسيس والأفكار إحداث أي تغيير في هذا العالم كما تبين لنا عن طريق سبينوزا وسير تشارلز شرينجتون. لقد قيل كل هذا استناداً إلى المنظور الذي يقبل بالتمييز بين الذات والموضوع، ذلك التمييز الذي استقر لدهور. وبالرغم من أنه ينبغي علينا القبول به في أنشطتنا اليومية (كإسناد عملي)، إلا أنني أظن أن علينا هجرانه في تفكيرنا الفلسفي. لقد كشف كانط عن تبعته المنطقية القاسية: فكرته السامية عن ذلك الشيء في ذاته، ذلك الذي لا نعرف عنه أي شيء أبداً، غير أنها فكرة فارغة. هي ذات العناصر تمضي لتكوين عقلي والعالم! ينطبق هذا الأمر على كل عقل وعالمه؛ بالرغم من وفرة (الإحالات المتبادلة) فيما بينها، تلك التي يصعب فهمها. لقد قُدّم لي العالم مرة واحدة فقط، ليس هناك عالم موجود وآخر مدرك، الذات والموضوع هما واحد فقط. لا يمكن القول بأن الحاجز فيما بينهما قد انهار نتيجة للخبرة الحديثة بالعلوم الفيزيائية، حيث إنه ما من وجود لحاجز“.

 

= = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = =

نقلاً عن المفكرة: جاء تسلسل الكتاب (88) ضمن قائمة لا تنتهي من الكتب التي خصصتها لعام 2024، والذي أرجو أن يكون استثنائياً في جودة الكتب التي سأحظى بقراءتها فيه، وهو في الترتيب (8) ضمن (12) كتاب خلال أغسطس، لم أتم اثنان منهم! أما عن اقتنائه، فقد حصلت عليه من معرض للكتاب أقيم شهر مايو الماضي بإحدى المدن العربية، ضمن (250) كتاب كانوا حصيلة مشترياتي من ذلك المعرض.

لقد قرأت هذا الكتاب عن قصد بعد أن قرأت كتاب (البحث عن قطة شرودنجر) للكاتب البريطاني (جون جريبين)، وشدني لمعرفة أفكار شرودنجر عن قرب! ولم يكن الكتابين وفق التوقعات!

ومن فعاليات الشهر: لا شيء سوى مواصلة النهار بالليل في القراءة وحدها .. وكأنه حلم تحقق!

ومن الكتب التي قرأتها في هذا الشهر: أمير الظل / السلام عليكم: خطاب إلى المسلمين / ميثوس: الأساطير اليونانية تحكى من جديد / حديث السكون / قضية فلسطين: أسئلة الحقيقة والعدالة / الطوفان: الحرب على فلسطين في غزة / بيت لحم والمسيح في كاريكاتير ناجي العلي / Life Before Life

وعلى رف (العلم) في مكتبتي عدد يقارب (100) كتاب، بعضها يعود لإصدارات قديمة انتقلت إلى مكتبتي من مكتبة العائلة .. أذكر منها: (أشباح في الدماغ: كشف أسرار العقل البشري) – تأليف: راما شاندران / (كل شيء وأكثر: تاريخ موجز للانهائية) – تأليف: ديفيد فوستر والاس / (كتاب السما: دليل علمي يقدم علم الفلك) – تأليف: شادي عبد الحافظ / (التفكير: السريع والبطيء) – تأليف: دانيال كانمان / (نماذج العقل: كيف شكلت الفيزياء والهندسة والرياضيات فهمنا للدماغ) – تأليف: جريس لينزي / (العالم كما أراه) – تأليف: ألبرت أينشتاين / (كون أينشتاين: كيف غيرت رؤى ألبرت أينشتاين من إدراكنا للزمان والمكان) – تأليف: ميشيو كاكو / (عصر الذكاء الاصطناعي ومستقبلنا البشري) – تأليف: هنري كيسنجر / (نموذج جديد للكون) – تأليف: بيتر أوزبينسكي / (الحياة المريبة للجثث البشرية) – تأليف: ماري روتش / (سبع دروس ونصف حول الدماغ) – تأليف: ليزا باريت / (الواقع ليس كما يبدو: رحلة إلى الجاذبية الكمية) – تأليف: كارلو روفيللي / (حول الزمن: ثورة أينشتاين التي لم تكتمل) – تأليف: بول ديفيد / (أكوان الحيوان) – تأليف: أحمد الديب / (الجين: تاريخ حميم) – تأليف: سيدهارتا موكرجي / (العاقل: تاريخ مختصر للنوع البشري) – تأليف: يوفال نوح هراري / (قيمة العلم) – تأليف: هنري بوانكاري / (حساب الكون بالأرقام) – تأليف: إيان ستيوارت

تسلسل الكتاب على المدونة: 538

تاريخ النشر: سبتمبر 4, 2024

عدد القراءات:36 قراءة

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *