الكتاب
الطوفان: الحرب على فلسطين في غزة
المؤلف
الكتاب باللغة الأصلية
The Flood: The War on Palestine in Gaza - By: Azmi Bishara
دار النشر
المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات
الطبعة
(1) 2024
عدد الصفحات
183
النوع
ورقي
تاريخ القراءة
08/13/2024
التصنيف
الموضوع
طوفان الأقصى .. لعلّه كطوفان نوح
درجة التقييم

الطوفان: الحرب على فلسطين في غزة

يصدر هذا الكتاب في غمرة الأحداث الدامية التي تجتاح قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر عام 2023، والتي أخذت طابع (حرب إبادة)، لا وفق المفهوم الشائع وحسب، بل وفق التعريف الاصطلاحي في القانون الدولي، والذي بموجبه تم رفع قضية ارتكاب جرائم إبادة أمام محكمة العدل الدولية في لاهاي! وقد حرص الباحث تضمينه وبحيادية رؤيته حول الحرب الإسرائيلية الدائرة ضد عملية طوفان الأقصى، رغم دوافعه ومنطلقاته القيمية، إضافة إلى تناوله القضايا ذات الصلة من وجهة نظر فلسفية لاسيما الموقف الأخلاقي من الحرب ككل، والتي لا بد وأن تبرهن على التحليل الموضوعي لقضية فلسطين واستنتاجاته في كتابه السابق! حيث يتزامن إصدار هذا الكتاب مع ترجمة كتاب الباحث الصادر منذ عامين (قضية فلسطين: أسئلة الحقيقة والعدالة)، والذي يتحدث عن تاريخ القضية الفلسطينية منذ بداية الاستيطان الصهيوني في أرض فلسطين عام 1948 حتى صفقة القرن عام 2020، غير أنه واجه إشكالية عدم تناوله الأحداث الأخيرة المتمثلة في حرب الإبادة هذه التي تشنها إسرائيل على قطاع غزة، فقد ارتأى الباحث -ضمن ما أتيح له من خيارات- إلحاقه بكتاب آخر، ليستكمل معالجة القضية الفلسطينية حتى الساعة. وعليه، جاء هذا الكتاب.

يضع الكتاب الأكاديمي والسياسي والمفكر والأديب الفلسطيني (د. عزمي بشارة 1956)، النائب السابق في الكنيست الإسرائيلي وأبرز مؤسسي حزب (التجمع الوطني الديمقراطي)، والذي عُرف عنه -إلى جانب تمثيله للمواطنين الفلسطينيين- جرأته في طرح قضايا تمس قيم المواطنة والحرية والعدالة والقومية والديمقراطية والعلمانية، فضلاً عن تعرّضه للمجتمع وللدولة في إسرائيل بالبحث والنقد.. الجرأة التي عرضته للعديد من المضايقات والاتهامات من الجانبين، العربي كمحرّض لثورات الربيع العربي، والإسرائيلي كمعارض ليهودية الدولة! وهو إذ نشر مئات المقالات في الصحف العربية، وأصدر العديد من الكتب الفكرية باللغات العربية والعبرية والإنجليزية، فقد أعلن في الأعوام الأخيرة اعتزاله العمل السياسي لصالح الإنتاج الفكري، وهو يتولى حالياً إدارة المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات.

يأتي الكتاب -الذي حصد رصيد أنجمي الخماسي كاملاً- في أربعة فصول رئيسية، تبدأ بمقدمة، ويتفرّع عنها عدة مواضيع، هي:

  • الفصل الأول: عملية طوفان الأقصى والحرب على غزة
  • الفصل الثاني: قضايا أخلاقية في أزمنة صعبة
  • الفصل الثالث: الحرب على غزة: السياسة والأخلاق والقانون الدولي
  • الفصل الرابع: الحرب على غزة وأسئلة المرحلة

ومن الفصل الأول، أدوّن متفرقات فيما يلي وباقتباس في نص حر (مع كامل الاحترام لحقوق النشر):

  • يبدأ الباحث بعرض خلفية موجزة عن قطاع غزة! حيث لا تفتأ إسرائيل منذ انسحابها من القطاع عام 2005 من تسويق دعاية إرهاب تلحقها به كمنطلق لأي عمل مسلّح ضد إسرائيل، رغم تحكّمها في كل حركة صادرة منه وواردة له ولأهله البالغ عددهم أكثر من مليوني نسمة، باستثناء الحالات الحرجة كالتي تستدعي تلقي العلاج الطبي، متضمناً الكثير من المواد التي قد يشتبه بها في بناء الأنفاق أو تصنيع القذائف والصواريخ، إضافة إلى قطع الكهرباء لساعات طويلة خلال اليوم، مع استمرارية القصف، وتفشي البطالة بين ثلثي القوة العاملة المتاحة. أما عن الأنفاق، فقد أصبحت مصدراً أساسياً للدخل الخاص بحركة المقاومة الإسلامية حماس، والتي لا تستخدمها لصناعة المتفجرات وحسب، بل لكي تمرر من خلالها عمليات الاستيراد والتصدير بين القطاع وجمهورية مصر العربية. ومع أن الحركة لم يتم الاعتراف بها دولياً، فإن هذا الحصار لم يؤثر في المجتمع الدولي سوى باعتبار الحركة مقاومة مسلحة، “لكن مقاومتها ذاتها وبسبب إدارتها سلطة على أكثر من مليوني فلسطيني، راحت بالتدريج تأخذ شكل قوات نظامية، وأصبحت اشتباكاتها مع إسرائيل أكثر شبهاً بالحروب منها بعمليات المقاومة المسلحة”.
  • وفي الحديث عن عملية طوفان الأقصى التي استعادت بها إسرائيل دور الضحية، وألحقت بحركة حماس وصم (داعش غزة) وباعتبارها امتداد للنازية، ومع تحيّز إعلام الديمقراطيات الغربية لإسرائيل كدولة ديمقراطية لها حق الدفاع عن نفسها، يتقدمها الرئيس الأمريكي بايدن لا سيما في إصراره على عمليات قطع الرؤوس وحرق الأطفال واغتصاب النساء وغيرها من مزاعم مكذوبة ألحقت بحركة حماس، يرى الباحث أن حركة حماس قد حققت أحد أهدافها في مواجهة تهميش القضية الفلسطينية، وعمليات تطبيع العلاقات الجارية مؤخراً بين إسرائيل وبعض الدول العربية.
  • أما عن الحرب الإسرائيلية ودوافعها، وما تم تعبئته إعلامياً وتجييشه تكنولوجياً، فقد تقدمها جميعاً شعور غامر أحاط إسرائيل بالصدمة والدهشة والخوف الوجودي، وكأن شمس الثامن من أكتوبر لم تشرق بعد على إسرائيل حتى يتسنى لها الاقتصاص من كل الفلسطينيين! لذا، فقد باشرت حملة اعتقال واسعة استهدفت المواطنين العرب ضد تهم تطال مشاركاتهم على صفحات التواصل الاجتماعي، كما لاحقت موظفين في أعمالهم من أجل وقفة ولاء يبدونها، وطلاب من أجل وقف منشوراتهم الرافضة، ضاربة بكل هذه الممارسات حرية التعبير عرض الحائط، في سبيل فرض القمع والردع، عملاً بالموعظة التوراتية “لكي يروا فيخافوا”.
  • ومنذ بداية الحرب، وفي مقابل مئات القتلى وآلاف الجرحى من المدنيين، عدد لا يبلغ ثلاثمائة جندي، تُحصى كخسائر بشرية ضمن الخسائر الإسرائيلية! إلا أن الباحث يتطرق إلى خسائر اقتصادية هائلة تكبدتها إسرائيل، تمثلت في تردي مستوى النمو وتراجع الاستثمارات وتوقف السياحة! ومع مساعدات الإدارة الأمريكية السخية في بيع ذخيرة الدبابات لإسرائيل بمنأى عن موافقة الكونغرس، فقد “شجعت المعاملة الخاصة التي تحظى بها إسرائيل في الغرب على مواصلتها ممارسات بلغت حد القتل بالجملة، وقصف المستشفيات والمدارس، والتجويع، وثمة تعب عالمي مضمر من هذه المعاملة الخاصة التي تحظى بها، وقد تنشأ فرص لإظهار هذا التعب مستقبلاً، كما هو واضح من الاستطلاعات المشيرة إلى أن الجيل الجديد في الغرب أكثر تعاطفا مع الفلسطينيين”. يستنتج الباحث من هذا الدعم غير المشروط لدولة إسرائيل مقابل خسائرها المتكبدة، جوانب لا يعتقد بإمكانية تعويضها، تتمثل أساساً في: العجز الإسرائيلي في القدرة على خوض حرب طويلة الأمد من غير الدعم الأمريكي. العجز الإسرائيلي في استدامة الاحتلال القائم على نظام الفصل العنصري دون ارتكاب جرائم ضد الإنسانية تصل إلى حد الإبادة الجماعية. الاصطدام بين النظام العلماني الليبرالي القائم في دولة إسرائيل وبين التحالف الصهيوني اليميني-الديني. الضرر الملحق بصورة إسرائيل دولياً جرّاء ما ترتكبه من مجازر، والمتمثل في تصعيد حركات التضامن في عواصم العالم لا سيما من خلال المظاهرات الطلابية وفئة الشباب.
  • يتطرق الباحث فيما بعد إلى مخططات ما يُسمى بـ (اليوم التالي)، والذي يظهر في الجانب الإسرائيلي-الأمريكي على هيئة البحث عن البديل لحماس في إدارة القطاع تحت إشراف قوى الأمن الإسرائيلي، مستبعدة في ذلك السلطة الفلسطينية الحالية، في حين تصر أمريكا على إشراك أطراف عربية في تشكيل هذه السلطة الجديدة، مع الحرص على المضي في عمليات التطبيع العربي مع إسرائيل، وعلى وجه الخصوص السعودية! أما الباحث، فيصر على ضرورة إعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية وعلى أسس ديمقراطية، والتي من دونها ستُفرض تسويات مؤقتة وغير عادلة على حساب القضية الفلسطينية وحقوق الفلسطينيين، مضافاً إليها اعتبار عملية طوفان الأقصى جريمة كبرى في حق إسرائيل والدول الغربية، وكارثة كبرى في حق الشعب الفلسطيني، ومن ثم تبرير شراسة الحرب الإسرائيلية. يعلّق الباحث قائلاً: “ومن هنا، فإن التاريخ، من منظور هذا الترتيب في (اليوم التالي)، يبدأ بيوم 7 تشرين الأول / أكتوبر، ويجب أن تضمن التسوية عدم تكرار هذه السلسلة من (الأفعال وردود الأفعال)، وذلك بالتخلي عن (الإرهاب)، والاهتمام بشؤون السكان، وإيجاد حلول اقتصادية لمشكلاتهم، والتنسيق الأمني بين أي سلطة (محلية أو حتى دولية) تدير القطاع وإسرائيل. وننتقل من شعار حق العودة من المخيمات إلى مناقشة حق العودة إلى المخيمات. ليس هذا السيناريو الواقعي المتشائم قدراً مقدوراً، بل احتمال يمكن تجنّبه”.
  • والباحث في حديثه عن (الجريمة) إشارة إلى الكارثة التي قوّضت كافة مقومات الحياة البشرية في قطاع غزة، تحت غطاء تحقيق الأهداف السياسية المزعومة وحق الدفاع عن النفس، يعرض من خلال إحصائيات رسمية إجمالي الخسائر الاقتصادية التي لحقت بقطاعات حيوية، كقطاع الصحة، والبيئة، والتعليم، والإسكان، والمالية، والزراعة، والصناعة والتجارة والخدمات، والتراث الثقافي، والنقل والطرق، والطاقة والكهرباء، والمياه والصرف الصحي، وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات، والخدمات البلدية. وكمثال على هذه الخسائر، يعرض الباحث جانباً من الدمار الذي لحق بالإرث الإنساني، قائلاً: “أما قطاع التراث الثقافي، فتشير التقديرات إلى خسارة اقتصادية، وبتكلفة تصل إلى أكثر من 319 مليون دولار أميركي، حيث دمرت إسرائيل العديد من المواقع البارزة، مثل ميناء البلاخية أو ميناء الأنثيدون الأثري، والمقبرة الرومانية في مدينة غزة ومتحف قصر الباشا، والحمام السامري القديم، وغيرها من المعالم. وتشير التقديرات إلى تعرّض حوالي 63 في المئة من جميع المواقع التراثية لأضرار، وتدمير 31 في المئة منها. علاوة على ذلك، تضرر 11 موقعاً من أصل 12 موقعاً للتراث الديني، بما في ذلك مجمع كنيسة القديس برفيريوس الأرثوذكسية، التي تُعد ثالث أقدم كنيسة في العالم، والمسجد العمري الكبير، أقدم مسجد في غزة. كما دمرت إسرائيل مبنى المحكمة التاريخي، ومركز رشاد الشوا الثقافي. لا معنى لتقدير هذه الخسائر مادياً، فالخسارة في حالة المجتمع الفلسطيني، الذي يصارع في الدفاع عن هويته وكيانه الوطني وتاريخه، لا تقدر بثمن”. إن حجم الدمار الذي لحق بالبنية التحتية للقطاع ومرافقه الحيوية، من مدارس وجامعات ومستشفيات ومتاجر ومراكز إنتاج حرفي وزراعي وصناعي، فضلاً عن عمليات الاغتيال المتعمدة التي تخلّف ثكالى وأيتام وجرحى ومعاقين، وهندسة سوء التغذية والتجويع الممنهج وإضعاف الأمن الغذائي، وارتفاع معدل الوفاة بين الأطفال حديثي الولادة… لا يعكس من وجهة نظر الباحث رغبة الانتقام وحسب أو إعادة الاعتبار لقوة الردع الإسرائيلية، بل يأتي الدافع “للتهدئة من روع المجتمع الإسرائيلي، وردع أي قوة مسلحة في فلسطين ومحيطها عن مجرد التفكير في تكرار ما حصل في 7 تشرين الأول/أكتوبر، بتحويل غزة إلى (عبرة)”.

ختاماً، الكتاب رغم قصره فجوهري في تناول معركة الطوفان، ولعل الكتاب القادم للباحث يتوّج مجموعته كثلاثية في النصر المبين لفلسطين.

 

تم نشر مقالة عن الكتاب في جريدة الشرق

 

= = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = =

نقلاً عن المفكرة: جاء تسلسل الكتاب (83) ضمن قائمة لا تنتهي من الكتب التي خصصتها لعام 2024، والذي أرجو أن يكون استثنائياً في جودة الكتب التي سأحظى بقراءتها خلاله، وهو الثالث ضمن قراءات شهر أغسطس .. وقد حصلت عليه من مكتبة (ألف) مع كتاب متمم له أو من الأفضل قراءته قبله .. هو (قضية فلسطين: أسئلة الحقيقة والعدالة).

ولقد قرأت للمؤلف سابقاً كتاب (من يهودية الدولة حتى شارون) والذي لا يقل في عمقه الفكري والتحليلي عن هذا الكتاب!

ومن فعاليات الشهر: لا شيء سوى مواصلة النهار بالليل في القراءة وحدها .. وكأنه حلم تحقق!

ومن الكتب التي قرأتها في هذا الشهر: بيت لحم والمسيح في كاريكاتير ناجي العلي

وعلى رف (السياسة) في مكتبتي عدد يصل إلى (115) كتاب، وصل عدد كبير منها إلى مكتبتي من مكتبة العائلة العريقة، في حين يبلغ عدد الكتب التي تتناول القضية الفلسطينية (100) كتاب .. أذكر منها جميعاً: (من يجرؤ على الكلام: الشعب والمؤسسات في مواجهة اللوبي الإسرائيلي) – تأليف: بول فندلي / (النساء أسلحة حربية: العراق الجنس والإعلام) – تأليف: كيلي أوليفر / (لورنس في بلاد العرب: مشاهدات تاريخية وسياسية) – تأليف: لويل ثوماس / (الكتاب الأخضر) – تأليف: معمر القذافي / (الملف السري لرأفت الهجان) – تأليف: حسني أبو اليزيد / (حلف المصالح المشتركة) – تأليف: تريتا بارزي / (الإرهاب الغربي) – تأليف: د. روجيه جارودي / (أيها المتأنق .. ماذا حل ببلادي؟) – تأليف: مايكل موور / (التطهير العرقي في فلسطين) – تأليف: إيلان بابه / (عز الدين القسام: شيخ المجاهدين في فلسطين) – تأليف: محمد حسن شراب / (الأمن الوطني) – تأليف: فايز الدويري / (العولمة والعبرنة في المشهد اللغوي العربي الفلسطيني في إسرائيل) – تأليف: محمد أمارة / (عن فلسطين) – تأليف: نعوم تشومسكي / (الصراع الدولي للسيطرة على الشرق الأوسط) – تأليف: د. علي وهب / (البندقية وغصن الزيتون) – تأليف: دايفيد هيرست / (التمادي في المعرفة: لماذا تشارف العلاقة الحميمة بين اليهود الأميركيين واسرائيل على نهايتها) – تأليف: نورمان فنكلستين / (مونتسكيو: السياسة والتاريخ) – تأليف: لوي ألتوسير / (جواسيس جدعون: التاريخ السري للموساد) – تأليف: غوردون توماس / (غزة تاريخ من النضال) – تأليف: جو ساكو

تسلسل الكتاب على المدونة: 533

تاريخ النشر: أغسطس 13, 2024

عدد القراءات:59 قراءة

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *