الكتاب
الطب النفسي
المؤلف
دار النشر
دار الصحوة للنشر والتوزيع
الطبعة
(2) 2015
عدد الصفحات
200
النوع
ورقي
تاريخ القراءة
12/15/2016
التصنيف
الموضوع
المرض النفسي .. داء العصر
درجة التقييم

الطب النفسي

المرض النفسي هو سمة العصر .. فقلما يوجد أحد لا يعاني نفسياً بشكل أو بآخر! كيف لا وقد خُلق الإنسان في كبد، ويأتي اعتوار نفسه صورة من صور مكابدته في هذه الحياة، وقد قال أبو العلاء المعري من قبل: “كل من لاقيت يشكو دهره .. ألا ليت شعري هذه الدنيا لمن؟”.. غير أن د. عادل صادق يؤكد أن الحب هو الدواء الناجح المشترك لأي مرض كان، إذ يقول في مقدمة كتابه: “تهوي النفس مريضة إذا مات الحب في خلاياها” .. فالحب هو جوهر الحقيقة .. جوهر الخلق .. جوهر المرض والشفاء.

هو كتاب رائع .. بالحب يبدأ وبه ينتهي .. يلخّص فيه د. صادق كعادته المعلومة العلمية بأسلوب أدبي رفيع يخاطب عقل وروح القارئ معاً، وهو يسرد عدد من أكثر الأمراض النفسية والعقلية شيوعاً .. أسبابها، أعراضها، طرق علاجها، وهو سرد موجز قد يدفع المهتمين للتوسع في البحث عنها فيما بعد.

عجباً كيف يرى القارئ وجوه من حوله بين الشخصيات المرسومة في الكتاب، والأعجب أنه قد يرى نفسه متلبساً ببعض الأمراض النفسية الذي يصرّ كبرياءه على إنكارها.

إنه إذاً د. عادل صادق (1943 : 2004). تعلّم وتخرج في كلية الطب عام 1966 نزولاً على رغبة والده، رغم ميله نحو الأدب والفن الموسيقى، ثم حصل على درجة الدكتوراة في الأمراض العصبية والنفسية عام 1973، وعمل أستاذاً للطب النفسي والأعصاب بكلية طب عين شمس. شغل مناصب أخرى منها رئيس تحرير مجلة الجديد في الطب النفسي، وأمين عام اتحاد الأطباء النفسيين العرب، وافتتح عام 2000 مستشفى يحمل اسمه لعلاج الإدمان والأمراض النفسية لا يزال يحظى بشهرة واسعة على امتداد الشرق الأوسط. عُرف بالنبوغ منذ صغره وبدماثة الأخلاق وإخلاصه للعمل وسعيه الحثيث نحو رفع وعي المجتمع بالمرض النفسي وسبل علاجه، وذلك من خلال مؤلفاته وأبحاثه التي تجاوزت الثلاثين إصدار، والتي أهلّته عام 1990 للحصول على جائزة الدولة في تبسيط العلوم.

حوى فهرس الكتاب ستة عشرة موضوعاً -باستثناء صفحات الإهداء والمقدمة والخاتمة- أسرد في مقتطفات مما علق في ذهني منها ما يلي:

  • حب الإنسان ثلاثي: حبه لخالقه، حبه لنفسه، وحبه للناس .. وتتفكك النفس إذا أصيب حب أحد منهم! ففقد حب الإله يُفقد الحياة الهدف، وفقد حب النفس يُفقد الذات القيمة، وفقد حب الناس يُفقد الوجود المعنى.
  • وجود مريض نفسي في الأسرة قد ينذر باحتمالية إصابة أفراد الأسرة الآخرين بالمرض نفسه.
  • يعاني المجتمع وأفراده مادياً ومعنوياً من الإنسان المتبلّد عاطفياً ذو النزعة الأنانية والعدوانية واللامبالية بمشاعر الآخرين.
  • للثقافات دور في تحديد الاضطرابات المرضية لا سيما الجنسية! فالمثلية الجنسية في المجتمع الأمريكي تُعتبر حالة طبيعية غير مرضية طالما أن صاحبها متصالح معها ومتوافق سلوكياً، غير أنها تُعتبر سلوكاً مرضياً شاذاً في حد ذاتها تستلزم العلاج في مجتمعات أخرى.
  • لا علاقة للقلق النفسي بالمرض العقلي، إذ يكون معه المريض واعياً لطبيعة حالته، مدركاً لمرضه وحاجته للعلاج، ولا تتأثر شخصيته ولا سلوكه بهذا القلق.
  • جلد الإنسان نافذة جسده، فأي اضطراب داخلي لا بد وأن يطفح على السطح، على هيئة بثور أو أكزيما أو تساقط للشعر في الحالات الانفعالية المؤقتة، أما المزمنة أو الحادة (كالاكتئاب) فقد تنعكس بشكل أقوى على هيئة بهاق أو صدفية.
  • قيم كـ (الدقة، النظام، الأمانة، تأدية الواجب، احترام القانون) كلها مزايا يتحلى بها صاحب (الشخصية القهرية) الذي يتصف من ناحية أخرى بـ (الصلابة، الغلظة، العند، اللامرونة).
  • قلبه مفعم بالحب لا يبوح به، وخياله مزدحم بنجوم تحمل أحلاماً لا يقوى على تحقيق أصغرها. يتحاشى الاختلاط بالناس ويضطرب إذا ما اضطر إلى ملاقاتهم، وهو الذي قد يكون أكثرهم مالاً أو أغزرهم علماً أو أزكاهم خلقا.. هادئاً، مسالماً، بعيداً أشد البعد عن العدوانية .. يهوى القراءة أو الرسم أو عزف الموسيقى أو أي هواية يكون فيها وحيداً .. إنه (الانطوائي) يا عيني .. والذي من صفاته تتركب (الشخصية الفصامية).

ومن جميل ما ورد في الكتاب الذي استنفد رصيد أنجمي الخماسي كاملاً، اقتبس في نص من الليلك ما يلي (مع كامل الاحترام لحقوق النشر):

  • لا يأس مع الحياة. يقول د. صادق في واقعية تفاؤلية: “وإذا تطلّع الإنسان إلى ماضي حياته لوجدها سلسلة متعاقبة من حالات القلق، تقل وتزيد تبعاً لأحداث الحياة، ولكنها أبداً لم تتركه، ولكن ذلك لم يتعارض مع استمتاعه بالحياة، بل إن لحظات الاستمتاع الحقيقية كانت تلك التي تعقب قلقاً حاداً”.
  • أنت إنسان، إذاً أنت حر. يقول د. صادق في فلسفة وجودية: “إرادة الإنسان الواعية هي التي تستجلب أي فكرة ليعمل فيها العقل، وهي أيضاً التي تطرد أية فكرة يرفضها العقل .. أنا إنسان، معناها: أنا حر في تفكيري، وعقلي حر فيما يفكر”.
  • الصداع النصفي نتاج الطموح، واليقظة، والتفاني. يصف د. صادق هكذا صداع قائلاً: “أن هذا النوع من الصداع يصيب نوعية معينة من الناس الذين يتسمون بالقلق والتوتر والاجتهاد والوسوسة والضمير المتيقظ والطموح والفناء في العمل، ولهذا فهم معرضون أكثر من غيرهم للتوتر والقلق والانفعال، وهذا يؤدي الى اضطراب في تمدد الشرايين الذي هو السبب المباشر في الصداع النصفي .. ويلاحظ هؤلاء الناس أنهم يتعرضون لنوبات الصداع حينما يتعرضون لأزمات نفسية أو مواقف تستدعي التحفز والقلق” ……. ومن المفارقات أن أكتب هذه الكلمات ورأسي يعود ويتصّدع نصفياً منذ خمسة أيام! يا للإحسان الذي يقابله الجحود .. يا للشجر الذي واقفاً يموت!.
  • الشخصية الهستيرية .. تهرب من المسئولية، أو من الاعتراف بالخطأ، أو من نقطة الضعف، أو من خزي الهزيمة، فتظهر على هيئة أعراض هستيرية، يعرضها د. صادق في هذا المثال الحي: “بعد أن أكدّ لها الأطباء سلامتها وخلوها من أي عائق للحمل اضطر زوجها أن يعرض نفسه على الأطباء الذين أكدوا استحالة أن ينجب .. ومنذ ذلك الحين والألم يمزق أسفل ظهره! النتيجة: لن يستطيع مزاولة الجنس مع زوجته بسبب آلام الظهر. المعنى: الهروب من العلاقة الجنسية وتغطية عجزه الجنسي الذي أصابه بعد اأن اكتشف أنه غير قادر على الإنجاب”. 

… يبقى الإيمان بالله ينير بصيرة المؤمن بحكمته جلّ وعلا، وهو في أحلك الظروف!.

أختم كمسك باقتباس أخير للمؤلف -رحمه الله- في هذا المعنى الروحاني وقد خبر الحياة كطبيب نفسي ظل شبح الاكتئاب يطلّ أمامه في بعض الأحيان كمرض مبهم لا يعرف له حكمة:

“ولا أتصور إنساناً يدرك بعمق وفهم معنى الحياة إلا إذا مر بتجربة اكتئاب ..
ولا أتصور فناناً مبدعاً خلّاقاً يستطيع أن ينسج ألحاناً أو ألواناً أو كلمات تعبر عن الإنسان وحياته بصدق إلا إذا مر بتجربة اكتئاب ..
إن المرور بتجربة اكتئاب والخروج منها يكسب الإنسان وعياً جديداً”.

ورب ضارة نافعة!.

 

تم نشر المراجعة على صحيفة المشرق العراقية 22 يونيو 2022 – صفحة (10)

 

= = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = =

من الذاكرة: جاء تسلسل الكتاب (8) كما دوّنت ضمن قائمة من كتب قرأتهم في عام 2017، غير أن ذاكرتي لا تسعفني، ولا حتى مفكرتي القديمة بما تحويه من ملاحظات، ولا مسودات التدوين في حينها، من تعيين إجمالي عدد الكتب التي قرأتها في هذا العام بالتحديد! ملاحظة: أجد بخط يدي على هامش مفكرة العام عبارة: (33 كتاب) .. لا أعتقد أنها ملاحظة دقيقة. وعن اقتنائه، فقد حصلت عليه ضمن مجموعة من كتب المؤلف من معرض للكتاب بإحدى الدول العربية.

لكنني لا زلت أذكر تماماً الأعوام الثلاث التي قضيتها في تحصيل دراساتي العليا في المملكة المتحدة، والأعوام التي تلتها وأنا منهمكة بجد في عملي المهني الذي لا يمتّ بصلة لهواية القراءة لا من قريب ولا من بعيد .. الدراسة التي استحوذت على حياتي حينها، والعمل الذي كان يستنفد القدر الأكبر من وقتي وطاقتي، بحيث لا يتبقى للقراءة في نهاية اليوم سوى القليل من الوقت والتركيز .. ولله الحمد دائماً وأبداً.

تسلسل الكتاب على المدونة: 31

 

تاريخ النشر: مارس 9, 2021

عدد القراءات:1961 قراءة

التعليقات

  1. قرأة جميلة ورحلة في اعماق الإنسان …فعلا راقت لي…
    تهوي النفس مريضة إدا مات الحب في خلاياها…

    1. يفتقد البشر الحب .. لا الحب الغريزي فهو الطاغي وهو البلوى .. بل ذاك الحب الذي يصنع المعجزات.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *