الكتاب
الصحوة: دليل في الروحانية بلا دين
المؤلف
الكتاب باللغة الأصلية
The Awakening: Evidence in spirituality without religion - By: Sam Harris
المترجم/المحقق
خلود غروفز
دار النشر
دار سطور للنشر والتوزيع
الطبعة
(1) 2021
عدد الصفحات
196
النوع
ورقي
تاريخ القراءة
04/20/2024
التصنيف
الموضوع
روحانية ملحدة .. هل يُعقل؟
درجة التقييم

الصحوة: دليل في الروحانية بلا دين

كتاب يحاول تفسير الروحانيات من منظور إلحادي مثقل بالماديات، أو بالأحرى .. يبدو المؤلف وكأنه يريد عنوة إلباس القلب وأعماله لباساً علمياً، منطلقاً من يقينه الإلحادي ومن الطابع المادي للحياة ككل الذي لا يعتقد بغيره! غير أن العلم المادي في حقيقته لا تسعفه أدواته سوى من تفسير الحياة ضمن محدداتها الطبيعية إذ يتجاهل عادة حقيقة العلوم الروحية، وهي العلوم التي تُصنف ضمن خوارق الطبيعة والميتافيزيقيا والباراسيكولوجي، والتي لا يفسرها علم ولا دين! وكنتيجة، لا يسع المنطق سوى وصم الروحاني وأتباعه -إذ يعجز عن إدراك كنهه- بـ (شطحات) و (هلوسات) وربما (أساطير الأولين).

يقرّ المؤلف ابتداءً على أن الذهن هو كل ما يمتلكه الإنسان منذ الأزل وهو كل ما يمكنه منحه للآخرين بطبيعة الحال، بل وأن كل تجربة يختبرها في حياته، سلباً أو إيجاباً، إنما هي قطعاً حصيلة ما يشكّله ذهنه، وأن نجاح علاقة ما أو فشلها هي في حقيقتها نتاج ذلك الذهن المؤثر لا إرادياً في تلك العلاقات!.

فعن الحب كحالة وجودية اختبرها النسّاك والمجانين على حد سواء حيث تفيض لديهم مشاعر الانتشاء والسعادة والرأفة وتغمر كل الموجودات بلا حدود ولا قيود، فإن المؤلف احتاج عدد سنين ليضع هذه التجربة ضمن سياقها الذي رآه الأنسب! وعلى الرغم من نظرته التي لم يحد عنها ضد الأديان كـ “مجرد تراكمات من جهل وخرافات أسلافنا”، إلا أن “يسوع وبوذا ولاوتسو وغيرهم من الحكماء والقديسين لم يكونوا محض دجالين أو مرضى فصام وصرع” حسب نظرته تلك، ورغم التكاليف الاقتصادية والاجتماعية الباهظة التي أنفقت على أديان العالم برمّتها وساهمت في الحفاظ على استمرارها وهي “مجرد حطام فكري”، فقد أدرك هو بنفسه اليوم أنه بالإمكان “استنباط حقائق نفسية هامة من تحت ذلك الحطام والركام”.

ينتقد المؤلف سلوك المؤلفين الحاليين الذين يحاولون جاهدين ربط العلم بالروحانية، إذ يرتكبون أحد هذين الخطأين من وجهة نظره: فهم إن كانوا من العلماء، فيميلون إلى تضعيف قيمة التجارب الروحية، ويعتبرون أن توصيف الحب اللامشروط بين الأبناء والآباء، هو توصيف مضخّم لحالة عادية للذهن. عليه، يصبح انبهار أينشتاين بقوانين الطبيعة “ضرب من الرؤى الداخلية”. وإما إن كانوا من المفكّرين، فيميلون إلى تمجيد حالات الوعي المتغيرة بالربط بين تجارب شخصية ونظريات فيزيائية صرفة. عليه، يصبح بوذا متنبئاً بعلم ميكانيكا الكم حين اعتبر سمو الذات أساس انبثاق الذهن الجمعي الذي يوحّد الكون بدوره!. رغم رأيه هذا، فقد أكد على أن عدد من العلماء والفلاسفة قد طوروا مهارات عالية في التأمل والاستبطان والاستبصار، وتبين أن “الارتباط بين الحقائق العلمية والحكمة الروحانية أقوى مما يفترضه أو يتوقعه أغلب الناس”.

والمؤلف إذ خضع لبرنامج تدريبي في الحياة وسط جبال كولورادو لم يتجاوز الشهر انتهى بخلوة دامت ثلاثة أيام أُخر، وإذ هو تعرّض لتجربة مؤلمة في مراهقته حين تناول حبوب النشوة المعروفة بـ (إكستاسي إم دي إم إيه)، وإذ يبدو كسيد للعقلانية دون الروحي والديني -وهو حاصل على درجة الدكتوراة في علم النفس الإدراكي ومتخصص في علم الأعصاب- فهو يعرض محتوى كتابه في خمسة فصول رئيسية يتفرع عن كل منها عدة مواضيع، هي كما يلي:

  1. الفصل الأول: الروحانية

وفيه حديث عن: رحلة البحث عن السعادة، ومكانة الدين بين قطبي الشرق والغرب، وحقيقة المعاناة الإنسانية، وطرق التأمل، وعملية الحضور الذهني، وحصول الاستنارة في نهاية المطاف.

  1. الفصل الثاني: لغز الوعي

وفيه حديث عن: المخ المفصول وأذهان البشر التي قد تكون مفصولة بالفعل، والوعي كأساس، والمعالجة التي تتم في الدماغ بوعي أو من غير وعي.

  1. الفصل الثالث: لغز الذات

وفيه حديث عن: مفهوم الأنا، وعملية إدراك النفس وتحدياتها، وضرورة اختراق الوهم، والتعرف على نظرية العقل، وحالة الضياع وسط الأفكار المتدافعة، وأهمية التغلب على العواطف السلبية.

  1. الفصل الرابع: التأمل

وفيه حديث عن: تثبيت المسار الروحي كهدف، وشرح حالة عدم امتلاك رأس وأهمية البحث عنه.

  1. الفصل الخامس: المعلمون الروحانيون والموت والمخدرات وألغاز أخرى

وفيه حديث عن: النظر في العيون كتقنية للتأمل، والذهن حين يكون على حافة الموت، والعقاقير الدوائية واستخداماتها روحانياً.

ومن الكتاب الذي نال اثنتان من رصيد انجمي الخماسي، وجاء في ترجمة احترافية من نصه الأصلي (The Awakening: Evidence in spirituality without religion – By: Sam Harris)، أدوّن ما علق في ذهني بعد قراءته، وباقتباس في نص صريح (مع كامل الاحترام لحقوق النشر):

  • في حديثه عن التأمل الذي يسبق مرحلة الاستنارة، يتحدث المؤلف عن عادات الذهن التي تأتي إيجابية، فيقول: لقد أدرك المتأملون أن العادات الإيجابية للذهن ما هي إلا مهارات لم يحسن معظمنا تعلمها أثناء مراحل نمونا، ولكن من الممكن أن نحسّن من قدراتنا على التركيز والصبر والرأفة أكثر مما نقوم به عادة، وهناك أيضاً الكثير من الأمور التي يمكننا تعلمها حول السعادة في هذا العالم، وهي حقائق لم يبدأ علم النفس الغربي بدراستها إلا مؤخراً“. ثم يختم (الفصل الأول: الروحانية) بعد حديث مستفيض عن السمو فوق الذات وبلوغ مرحلة الهدوء التام والتصالح مع النفس والوجود وتحقيق السعادة القصوى، ومن ثم الاستنارة .. بأن الهدف الواقعي من الممارسات الروحانية ليس الدخول في حالة دائمة من الاستنارة التي ينتهي بها سعينا، بل في القدرة على أن نكون أحراراً في اللحظة الحالية وسط أي أحداث. وإذا تمكنت من القيام بذلك، فأنت في الواقع قد قمت بحل معظم المشاكل التي ستواجهك في حياتك“.
  • وفي إجابته عن سؤال (هل أذهاننا منفصلة بالفعل؟) كما جاء في (الفصل الثاني: لغز الوعي)، يلفت المؤلف الانتباه إلى فرضية الثنائية الذهنية في الدماغ البشري بحكم انفصاله بين شقين أيمن وأيسر، ويقول: وطالما ينبغي علينا الربط بين التغييرات في الدماغ -أو التغييرات في أي نظام مادي- مع التجارب الشخصية، فإنه قد يظهر نتيجة لذلك وعي في بعض الأنظمة المادية الصامتة وظيفياً. وهذا سيتسبب في أن تفشل محاولتنا في فهم الأسباب المؤدية لحدوث الوعي“.
  • واستكمالاً للحديث عن الوعي في (الفصل الثالث: لغز الذات)، يؤكد المؤلف على أن “الوعي لا يبدو مثل الشعور بوجود نفس. ما إن يدرك المرء هذا حتى يمكن فهم الأفكار نفسها على أنها أشكال عابرة في الوعي”.
  • ومع أن الذهن هو في مجموعه حزمة من الأفكار، فهو يمثّل مفكّر ما يُدعى (الأنا) .. وهو الذي يختفي تلقائياً بمجرد التفكير فيه. وهذا هو المطلوب! فمع تحطيم الأنا يُشرق الواقع من تلقاء نفسه! يقول المؤلف في (الفصل الرابع: التأمل) وهو يقرأ في تعاليم فلسفة الأدفايتا: أن الوعي هو شرط سابق لكل تجربة، والنفس أو الأنا وهم يظهر في الوعي. انظر عن قرب فيما تسميه (أنا)، سيختفي حينها الشعور بإحساسك بأنك نفس منفصلة، وما يبقى بعد اختفاء ذلك الإحساس بـ (الأنا) هو مجال من الوعي. هذا المجال حر وغير مجزء ولا يتأثر أو يتلوث في جوهره بمحتوياته دائبة التغيير“.
  • ومع (الفصل الخامس: المعلمون الروحانيون والموت والمخدرات وألغاز أخرى)، يقول قبل شرح عملي لتقنية (تأمل النظر في العيون) قولاً حالماً ينحى به قليلاً عن رأي العقل: تظهر عيون المرء وهما قوياً بحياة داخلية، وهذا الوهم صحيح، لكنه وهم. عندما ننظر في عيون إنسان آخر يبدو وكأننا نرى نور الوعي يلمع من العيون نفسها. هناك لمعان من النشوة أو رأي ما، ربما. لكن كل حالة مزاجية أو شخصية، حتى أقل ما يشير إلى أن الشخص على قيد الحياة، لا تأتي من العيون بل من العضلات المحيطة في الوجه. فإذا بدا وكأن عيون الشخص ملبدة بالجنون أو الإرهاق فإن اللوم يقع على العَضَلَةِ الدُّوَيْرِيَّة العَينِيَّة. وإذا ظهر الشخص مشرقاً ومتألقاً بحكمة العصور، فذلك التألق لا يأتي من العيون بل مما يفعله بها. لكن الوهم قوي فلا يوجد شك في أن تجربة الشخص من الإشراق الداخلي يمكن أن تصل من خلال النظرات”.

 

= = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = =

نقلاً عن المفكرة: جاء تسلسل الكتاب (36) ضمن قائمة لا تنتهي من الكتب التي خصصتها لعام 2024، والذي أرجو أن يكون استثنائياً بحق في جودة الكتب التي سأحظى بقراءتها خلاله، وهو في الترتيب (6) ضمن قراءات شهر ابريل الذي قرأت فيه (13) كتاب. وعن اقتنائه، فقد حصلت عليه من معرض للكتاب بإحدى المدن العربية عام 2022 ضمن أكثر من (120) كتاب، كانوا حصيلة مشترياتي من ذلك المعرض.

ملاحظة على الهامش: ينتقد المؤلف تجربة الاقتراب من الموت التي اختبرها (د. إبين ألكسندر) ووثقها في كتابه (Proof of Heaven)، فضلاً عن العديد من المحادثات المصوّرة. وفي حين ظهر د. الكسندر مقنعاً علمياً وروحياً فضلاً عن ظهوره موضوعياً في شرح حالته وهو جراح أعصاب رائد في مجاله، فقد بدى المؤلف في نقده سطحياً وكأنه يمتح من هوى النفس، بل ومتحاملاً بشكل أو بآخر على الجرّاح الأمريكي!

وعلى رف (الأديان) في مكتبتي، عدد يتجاوز (40) من الإصدارات، منها قديم ومنها حديث .. أذكر منها: (القرآن والتوراة والإنجيل والعلم: دراسة الكتب المقدسة في ضوء المعارف الحديثة) – تأليف: د. موريس بوكاي / (حياة الحقائق) – تأليف: غوستاف لوبون / (يوم الرب العظيم المسمى معركة هرمجدون) – تأليف: أحمد السقا / (يوسف في القرآن الكريم والتوراة) – تأليف: د. زاهية الدجاني / (حياة المسيح) – تأليف: عباس محمود العقاد / (سكنى الشيطان للإنسان: حقيقة أم خرافة) – تأليف: القس سامي حنين / (اليهودية والغيرية: غير اليهود في منظار اليهودية) – تأليف: ألبيرتو دانزول / (مناظرة العصر بين العلامة أحمد ديدات والقس الدكتور أنيس شروش) – تأليف: أحمد ديدات / (التوراة) – تأليف: د. مصطفى محمود / (الديانة المصرية القديمة) – تأليف: ياروسلاف تشرني / (تعاليم بوذا) – تأليف: بوكيو ديندو كيوكا / (إنجيل برنابا: دراسة مقارنة) – تأليف: د. منذر الحايك / (تنويعات التجربة الدينية) – تأليف: ويليام جيمس / (بنات إسرائيل) – تأليف: محمد رجب / (أمثال يسوع بين الأمس واليوم) – تأليف: الأب هنري بولاد اليسوعي / (جوهر المسيحية) – تأليف: لودفيغ فوير باخ / (الأرض بعد طوفان نوح) – تأليف: شريف سامي / (مصائر الفلسفة بين المسيحية والإسلام) – تأليف: جورج طرابيشي / (الإلحاد في المسيحية) – تأليف: إرنست بلوخ / (الزرادشتية: الفجر الغروب) – تأليف: ر. س. زيهنير / (من وحي المسيح) – تأليف: ميخائيل نعيمة / (لماذا لست مسيحياً) – تأليف: برتراند راسل / (التوراة الحجازية: تاريخ الجزيرة المكنوز) – تأليف: محمد منصور / (الكون يحاكم الإله) – تأليف: عبد الله القصيمي / (التحول الكبير: بداية تراثاتنا الدينية) – تأليف: كارن آرمسترونج

من فعاليات الشهر: يقابله في العام الهجري 1445 ما تبقى من شهر رمضان المبارك وعيد الفطر في العاشر منه .. وفي هذا الشهر عادة انقطع عن القراءة، غير أنني تمكّنت في هذا العام من استقطاع وقتاً يسيراً للقراءة، وكان مثمراً.

تسلسل الكتاب على المدونة: 486

تاريخ النشر: مايو 2, 2024

عدد القراءات:500 قراءة

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *